إيلي كوهين بصبغة وطنية وضحالة فنية

ملفات الموساد ما زالت مفتوحة

لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
TT

إيلي كوهين بصبغة وطنية وضحالة فنية

لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي
لقطة من مسلسل {الجاسوس} تظهر بطله في سوق دمشقي

على مدى ست حلقات من مسلسل «الجاسوس» (ذا سباي)، وفّرت «نتفليكس» لمتابعيها وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بقضية الجاسوس إيلي كوهين وكيفية تسلله للداخل السوري ومخالطته بعض أهم رجال الدولة في الستينات قبل افتضاح أمره وإلقاء القبض عليه وإعدامه.
المسلسل من إنتاج شركة فرنسية (لوجاند) واشترته الشركة الأميركية نتفليكس ومن كتابة وإخراج جيديون راف الذي سبق له وأن حقق سابقاً (ولصالح محطة «شوتايم» الأميركية) مسلسلاً جاسوسياً مشابهاً بعنوان «هوملاند» حول إرهابي من «القاعدة» يسعى للقيام بعملية في الولايات المتحدة لكنه يثير ريبة أحد رجال المخابرات.
المفاد في «هوملاند» كان مختلفاً. هناك التحذير من أي جسم عربي لأن العربي غالباً ما يتلازم وكره أميركا والسعي لقتل مدنييها. هنا، في «الجاسوس» الحكاية وطنية الشأن بالطبع حول موظف عادي تم اختياره لمهمة بدت، سنة 1961. مستحيلة. تم تدريبه وإرساله إلى بوينس آيرس وإدخاله وسط الجالية العربية هناك قبل أن يتم زرعه في وسط النخبة السياسية والعسكرية في سوريا ذلك الحين.
- ثبات وثقة
وطنية «الجاسوس» ليست مدعاة غرابة. العمل بأسره إنتاج إسرائيلي المصدر وضعه مؤمنون ببقاء إسرائيل استيحاء من أحداث حقيقية مثبّتة في أرشيفات سوريا وإسرائيل معاً بصرف النظر عن التلوين الدرامي الذي تدخل لتحويل الأحداث لسلسلة من المخاطر ومحافل الترقب لضمان جذب المشاهدين.
على نحو تلقائي، إذن، ليس غريباً أن يصدح المسلسل بنجاح المخابرات الإسرائيلية في اختراق دفاعات النظام السوري آنذاك فهو مسلسل إسرائيلي في نهاية الأمر من بين أدواره تجميل شخصية الجاسوس كوهين فيقدمه رجلاً متزوّجاً ممن يحب ومنتظم العمل ومخلصاً في حياته. اختياره للمهمة تم بترشيح الضابط المسؤول عن التجنيد دان (نواه إميريتش) لهذه العناصر مجتمعة وفوقها إنه خدم إسرائيل مجنّداً ومستعد لخدمتها مجدداً.
يسأله رئيس في الموساد إذا كان مستعداً للتضحية من أجل إسرائيل بما ينضوي عليه ذلك من هجران زوجته وكتم سره والسفر بعيداً عن وطنه. يجيب كوهين إنه مستعد ويدخل سلسلة من التدريبات تخوّله الانتقال إلى المراحل الأخرى بثبات وثقة.
هذا الثبات وتلك الثقة جعلت عدداً من النقاد الأميركيين يرون أن أداء البريطاني ساشا بارون كوهين للدور مثل «طنجرة ووجدت غطاءها»، وهو بالفعل يطرح أداءً مختلفاً عن شخصيته الكاريكاتيرية في برامجه وأفلامه. على بعض النقيض من معظمها، خصوصاً في «الديكتاتور» (الذي لعب فيه شخصية تذكر بالراحل معمر القذافي) و«بورات» (الذي سخر عبره من تقاليد اجتماعية أميركية). لكنه نقيض مستخدم كوضع منفصل، فالدور هنا لا يتطلب منه جنون أداءات سابقة بل لعب الشخصية المحورية المسندة إليه. فنياً، النجاح محدود جداً لكن كعملية أداء لشخصية لا نعرف تماماً كيف كانت تصرفاتها ومسالكها وعاداتها البشرية، فإن ساشا كوهين يوفر المطلوب.
عندما تتبدل شخصية الجاسوس مستفيداً من إتقانه العربية ومن الأبحاث والوثائق التي زُود بها بما في ذلك مكان قبر أبيه في سوريا. موهماً الجميع بأنه كامل أمين ثابت وإنه متيم بحب وطنه السوري الذي عاد إليه بعد سنوات الغربة، يرتفع النبض أعلى مما بدأ. بطبيعة الحال سيميل المسلسل إلى تشغيل ما يستطيع من إشارات الخطر، فغطاء إيلي- كامل قد يُنسف في أي وقت لأن السُلطة السورية قد تُخدع به لبعض الوقت لكن ليس كل الوقت كما حدث بالفعل عندما كُشف أمره.
ما قبل ذلك، هناك العديد من المواقف المُساقة لإثارة ذلك النوع من التقليد السائد. لا بد من رسم حياته الزوجية نشطة عاطفياً وجسدياً ولا بد من موقف تعكس فيه زوجته (هادار راتزون روتم) غيرتها على زوجها بعدما اكتشفت أنه استقال من عمله من دون إخبارها بذلك. عملية تدريبه تتعرض لمونتاج غير موفق يختزل الوقت ويتضمن مواقف تفضي لنتائجها المتوقعة.
بداية المسلسل «كولاج» من المشاهد المتعددة لشخصيات سياسية مثل جون ف. كندي ومحمد علي وفيدل كاسترو ونيكيتا خروشيف وشارل دي غول ونيلسون مانديلا وحتى ألفريد هيتشكوك وإلفيس برسلي. هذه البداية تشبه بداية مسلسل جيدون راف السابق «هوملاند» كثيراً. لكن ما يُلاحظ عليه هذا المسلسل على صعيد التصميم هو أن لديه ميزانية محدودة لخلق أجواء الستينات في كل من تل أبيب ودمشق و- إلى حد - بوينس آيرس ويستخدم ذلك في شكل صحيح مبتعداً عن لقطات ومشاهد لتأكيد الأمكنة والأزمنة لأن ذلك ليس في وسعه.
بعض التصاميم هنا غير موقفة. نلاحظ مثلاً أن طرابيش السوريين أكبر مما كان يرتديها الناس، كذلك تلك الطرابيش كانت أكثر انتشاراً في دمشق خلال الأربعينات والخمسينات مما أصبحت عليه في الستينات.
- مبررات غائبة
هذا جانباً، لا بد من الإشارة كذلك إلى أن نتفليكس بالطبع أنتجت في العام الماضي «الملاك» الذي حكى قصّة جاسوسية مختلفة تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي أيضاً. صانعو الفيلم كان فريقاً إسرائيلياً بدءاً من المخرج أرييل فرومن وامتداداً للكتاب والمنتجين والفريق الواقف خلف الكاميرا.
ما طرحه «الملاك» هي حكاية تحوّل شخصية سياسية عربية لجاسوس إسرائيلي. الشخصية هي أشرف مروان والممثل الذي قام بدوره هو مروان كنزاري والعمل كان فيلماً من أقل من ساعتين جلّه عن كيف انساق المسؤول المصري، لدوافع متعددة يخفق السيناريو في تحديد مبرراتها الفعلية، للعمل لصالح الموساد ومحاولته تحذيرهم من حرب أكتوبر (تشرين الأول) المقبلة (1973) في الوقت التي تهتز فيه ثقة زوجته (ميساء عبد الهادي) به ويشرف على تعريض حياته للاغتيال على أيدي الموساد في بعض أنحاء لندن.
لم يكن الفيلم برداءة السيناريو الذي كُـتب له. هو في صلبه تشويق جاسوسي يستفيد من إحدى المراحل الرئيسية في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي ويحاول البقاء في منطقة لا يتعرض فيها لأحد ولو أن الموساد يبدون هنا كما لو كانوا لا يستحقون تلك الخدمات الجليلة التي قدّمها أشرف مروان لهم حالما قرر التحوّل إلى جاسوس يستقي معلوماته من قصر الرئاسة المصري نفسه.
ليس في الفيلم دافعاً واحداً للخيانة بل عدّة دوافع لكن ليس منها ما هو واضح. هل هو انزعاج مروان من معاملة جمال عبد الناصر (أداه وليد زعيتر الذي يؤدي دور الكولونيل أمين الحافظ في «الجاسوس») له أم نتيجة إعجابه بجاسوس عمل لصالح المخابرات البريطانية والنازية معاً. أو لعل حبه للقمار الذي كاد أن يفلسه دفعه لمثل هذا التوجه؟
ما تمتع به «الملاك» ولم يتمتع به مسلسل «الجاسوس» هنا، إخراج توظيفي جيد للحكاية وتمثيل أفضل قدمه التونسي مروان كنزاري.‫ في المقابل هناك ضعف في كل المشاهد التي تجمعه مع زوجته واستسهالاً في التفاصيل (أمر لا ينجو منه «الجاسوس») واستخدام الحوار لتفسير ما يمكن للصورة التكفل به. تظهر ‬الموساد هنا كقوة طاغية وذات قرارات خاطئة. أما أشرف مروان فيبقى شخصية غامضة والأجدى كان منحه بطانة نفسية وسياسية عميقة لكي يُـفهم.
بعض الأسئلة التي تتوارد بمناسبة هذين الفيلمين، أو بسبب من طرح حكاية إيلي كوهين، تتمحور حول ما إذا كان الهدف من وراء مثل هذه الأفلام تلميع صورة إسرائيل غير المستقرة في الوقت الراهن.
لكن ليس علينا أن نأخذ المسلسل (أو الفيلم السابق) كجزء من مخطط لأن الرأي العام اليوم لم يعد يُساق جمعياً كما كان حاله في الخمسينات مثلاً. تأثير السينما عليه لم يعد كما كان في السابق. قبل خمسين سنة كان من السهل «تجييش» الرأي العام بطرح أفلام بروباغاندا، فإذا بغالبية الناس تتبنى ما يرد في الفيلم من رسائل وأبعاد. لكن الوضع اليوم مختلف. معظم الناس بات لديها قناعة بأن الظاهر لا يعكس الباطن وأن لكل نتاج أدبي أو سينمائي مصدره الذي يستدعي التحقيق. الأمور بالتالي لم تعد سهلة لإقناع أحد بصواب طروحات فيلم ما من دون نقاش. هذا يمتد على طول القطاع الداخلي أو الخارجي.
كذلك ليس «الجاسوس» على علاقة بتوقيت معيّن يستفيد منه. نعم هو تلميع دولة واصطياد عكر في باطن دولة أخرى، لكنه فيلم كان يمكن إنتاجه قبل عشر سنوات أو بعد عشر سنوات من دون تغيير يذكر. ما يتمثل في هذا المسلسل هو رغبة «وطنية» من صانعيه لتقديم عمل يفتخر بما حققه إيلي كوهين لوطنه في فترة سابقة.
طبعاً في علم صانعي المسلسل أن الأوضاع بين سوريا وإسرائيل (وأوضاع الشرق الأوسط بأسره) ما زالت صالحة لإطلاق هذا الفيلم. بالتالي، المصلحة الوطنية مرتبطة كذلك بمصلحة تجارية. المسلسل يمثل إنتاجاً معلّباً بطبيعته ليغزو البيوت كعمل ترفيهي لا يطرح حقائق عامّة حول الصراع ولا يتحدث في السياسة رغم أفكاره ونواياه.


مقالات ذات صلة

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.