العلاج التصحيحي الجيني لفقر الدم المنجلي

يفتح باب الأمل لملايين المصابين

العلاج التصحيحي الجيني لفقر الدم المنجلي
TT

العلاج التصحيحي الجيني لفقر الدم المنجلي

العلاج التصحيحي الجيني لفقر الدم المنجلي

منذ سنين طويلة في مشواري العلمي والعملي وأنا أتابع بكل طموح التطور العلاجي في ساحة «فقر الدم المنجلي»، وكنت قد نشرت في جريدة «الشرق الأوسط» عدداً من المقالات؛ أحدها في مارس (آذار) 2008 بعنوان: «فريق علمي يضع خارطة طريق للقضاء على فقر الدم المنجلي». ومع التقدم في الأبحاث العلمية والتطبيقية، ظهر لنا اليوم أمل لعلاج هذا المرض في بلادنا وفي مختلف دول العالم.

فقر الدم المنجلي
أصبح البحث عن علاج لهذا المرض، الشغل الشاغل لدى شريحة واسعة من مراكز البحوث وعلى أيدي كثير من رواد العلم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان والصين... وغيرها، حيث نشهد تقّدماً كبيراً في الساحة العلمية، وبالتحديد في متابعة نتائج البحوث المتقدمة بشأن تصحيح الجينات، في الوقت نفسه، نجد حركة غير عادية في التبشير والتحضير والتسويق لمسار غير عادي تصحيحي لعلاج الجينات المعطوبة بإصلاحها.
ويوجد على المستوى التطبيقي نحو عشرين مرضاً وراثياً نجح الخبراء في تصحيح جيناتها المعلولة؛ ومنها: فقر الدم المنجلي، والتلاسيميا، ونقص في العامل التخثري السابع، وأنواع عدة من سرطان الدم، وتليف الكبد الوراثي، ومتلازمة «ويسكوت آلدريش»، وانحلال عضلات الظهر، والصمخ، ومرض باركنسون، والقضاء على الخلايا الجذعية الأم لسرطان الثدي، ونقص المناعة المركب المرتبط بكروموسوم «إكس».
ففي الولايات المتحدة - مثلا - كانت السيدة فيكتوريا أول مريضة منجلية أميركية تتلقى العلاج التصحيحي.
ومن بين أهّم المراكز التي تقّدم هذا النوع من العلاج؛ «مستشفى نيكر للأطفال في باريس (Necker Children›s Hospital in Paris)»، والمركز الطبي في ناشفيل (أميركا)، إضافة إلى 8 من المراكز في الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، وفي أماكن أخرى يتم البحث عن متطوعين للدخول في أحدث متابعة لعلاج فقر الدم المنجلي بنظام «كريسبر» لتصحيح الجينات.

علاج جيني
وطريقة العلاج قد تكون على هيئة إبرة تحقن من خلالها في الوريد ملايين من الجزيئات التي تحتضن شفرة من جينة الـ«بيتاغلوبين» المسؤولة عن تكوين «الهيموغلوبين» في النقطة المحورة في كل خلية جذعية دموية. وهي تتكون من إنزيم كمقص بيولوجي يزيل القاعدة الممرضة يرافقه بروتين من «آر إن إيه (RNA)» الذي يحمل القاعدة المطلوب إيداعها في مكانها الصحيح في الجينة على كلتا النسختين من الكروموسوم الحادي عشر، وبتعديلها يعود عمل الهيموغلوبين الطبيعي إلى مساره.
والخلايا المعنية بالتعديل هي الخلايا الجذعية الدموية المصنفة الموجودة في نخاع الدم والتي توجد بأعداد قد تزيد على 10 آلاف خلية جذعية دموية وهي التي تتوالد بشكل ذاتي دوري وتنتج كريات الدم الحمراء حسب الحاجة؛ وهي رصيدنا من الدم.
أما العلاج، فيبدأ أولاً بإرسال عينة المريض للتحقق من العلة وتحديد هويتها، ومن ثمّ تأتي الحقنة العلاجية جاهزة من المركز. ويواجه المريض عقبة كبيرة تتمثل في التكلفة الباهظة للحقنة، حيث تزيد تكلفة العلاج المتوقعة في الخارج على 1.2 مليون دولار، وهو ما يجعل الحاجة ماسّة لتدخل جهات حكومية لدعم وتوفير هذا العلاج الذي من شأنه أن ينقذ حياة آلاف الحالات من المواطنين.
وحكومة المملكة العربية السعودية رائدة في توفير العلاج لمواطنيها، لكثرة أعداد المصابين في المملكة بأمراض الدم الوراثية والذين يعانون من أعراض ومضاعفات هذا المرض على الصعيدين الصحي والاجتماعي.
كما أن الحاجة تبدو أيضاً ماسّة لمواصلة الأبحاث لاستكشاف أي قاعدة في أي شفرة معتلة للتفريق بين «المنجلي» و«التلاسيميا»... وغيرهما، فقد يتوسع العمل إلى جينات أخرى معتلة في متلازمات مرضية وراثية ليست لها علاقة بفقر الدم، ولدينا سَلّة من الأمراض الوراثية والمتلازمات بحاجة للاستكشاف والتصحيح الجيني. وعلينا أن نقف وبكل إرادة قوية ضد هذا المرض القاتل لأطفالنا وبناتنا.
- بروفسور باحث في العلوم الوراثية واستشاري علم الأمراض الإكلينيكية - «مستشفى التداوي العام» بالدمام



دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضاً أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي (دي إن إيه) يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.

وأجرى الباحثون تحليلاً للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و19 عاماً يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضاً استبيانات أُجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.

وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.

وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.

وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى مَن تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، ما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.

وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، ما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.

وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: «من المعروف أن للحرب تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير».

وأشار بلوس أيضاً إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال: «قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم».

وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن «من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماماً تعقيدات الحرب» أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.