المطاعم التركية في مصر... نزهة في رحيق التوابل واللحوم

«التافوك» تنافس «إسكندر كباب»

المطاعم التركية في مصر... نزهة في رحيق التوابل واللحوم
TT

المطاعم التركية في مصر... نزهة في رحيق التوابل واللحوم

المطاعم التركية في مصر... نزهة في رحيق التوابل واللحوم

داخل فرن شديد الحرارة يسوى طاجن «كيما بينلي» المكون من خليط اللحم المفروم، وكثير من التوابل والخضراوات الطازجة بعد تغطيته بطبقة رقيقة من العجين، لمدة دقائق ليقدم مع بعض الأطباق المبتكرة. وطريقة عمل «كيما بينلي» تختلف عن تحضير «إسكندر كباب» و«طبق الأناضول»، ولكل من هذه الأصناف مذاق خاص تتميز به المطاعم التركية في مصر.
وتتنوع الأطباق التي تقدمها المطاعم التركية في مصر بين المشاوي والحلويات، وتزداد خصوصيتها في استخدامها القمح الذي يُعد جزءاً رئيسياً من وجبات الطعام اليومية، مثل قرص الخبز المسطح، المعروف باسم «خبز البايد أو اللاوش»، وكذلك الطحين الذي يستخدم لإعداد عجائن رقيقة جداً تُلف حول اللّحم أو الجبن أو الخُضراوات بطبقات عدة لتحضير «البوراك»، وهو أحد أصناف الفطائر، أو تُلف على طبقات محشوة بالمكسرات والكريمة لصنع البقلاوة، وهي مصطلح عام لوصف صنف من الحلويات، ومشهور بمصر.
وتتخصص بعض هذه المطاعم في تقديم طبق «الإسكندر كباب»، وهو عبارة عن شرائح لحم، مُضاف إليها صوص الطماطم فوق الخبز المقلي، كذلك صوص اللبن أو الزبادي، يمكن اعتباره قريب الشبه من فتة اللحمة، بعد ذلك يوضع عليه فص ثوم، وملعقة كبيرة من السمن، وأخرى صغيرة من الملح، ومثلها فلفل أسود، وبهارات، وفلفل أحمر.
ولقد أخذت الأكلات التركية في الانتشار على صفحات التواصل الاجتماعي، مدعومة بعشرات الفيديوهات الخاصة بالشيف «بوراك» التركي، الذي يتفنن في حشو الخروف بمحشي ورق العنب، إلى الدرجة التي تجعل المشاهد يشم رائحة الطعام من خلال البخار المتصاعد أمامه؛ مما زاد من شعبية الأكلات التركية في مصر.
وإذا ساقتك قدماك للسير في شارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين في مصر، فغالباً ما ستُشاهد الكثير من المطاعم التي تقدم المأكولات ذات الصبغة الشرقية الخالصة، لكنك ومع جولة أطول ربما سيتبادر إلى سمعك أغانٍ تركية صادرة من مطعم «أتاتورك» بشارع الرياض؛ حينها لا تندهش، فالعلاقة بين العربي والعثماني قديمة ومتأصلة، لدرجة أن بعض الألفاظ يتم تدوالها بين كلا الشعبين.
بجلوسك على إحدى طاولات «أتاتورك»، سيتقدم نحوك أحد العاملين بالمطعم، مرتديا زياً، حاول صانعه أن يكون قريب الشبه من الزي التركي، ثم يقدم إليك قائمة المأكولات، التي لكل طبق منها الموسيقى العثمانية الخاصة بها، ومن حولك ديكور يُحيلك إلى أزمنة مضت.
داخل قائمة الأسعار، هناك ركن «الأطباق الرئيسية» التي في مقدمتها وجبة «تافوك»، وهي عبارة عن دجاجة محشوة بالأرز والبسلة والبهارات التركية، ثم تليها بقية الوجبات، مثل «طاجن كيما بينلي»، و«إسكندر كباب»، و«طبق الأناضول».
«نحن أول مطعم للأكل التركي في مصر»... بهذه الكلمات استهل محمد طه، مدير مطعم «أتاتورك» حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن الحكاية بدأت عندما اصطحب صاحب المطعم أحد الطُهاة المصريين، وذهبا في زيارة إلى صديقه «الشيف» التركي بإسطنبول، للتفكير في إنشاء مطعم يقدم المأكولات التركية بمصر، ومن هناك أتيا بكل الخصائص والبهارات.
ويضيف مدير المطعم، أنه بعد مدة أصبح تواجد «الشيف» التركي يترتب عليه تكلفة مادية عالية، فكان اللجوء للطاهي المصري، الذي «شرب الصنعة» وبات هو الحل الأمثل، لافتاً إلى أن محاولات التجويد في الأكل التركي من الطاهي المصري نادرة، خصوصاً في «الأكلات التي قد تكون غير مستساغة للمتذوق العربي»، بحسب قوله.
ويوضح أن منتجاته تستهدف شريحة اجتماعية عالية؛ كون المطعم التركي معروفاً عنه كثرة اللحوم، بالإضافة إلى البهارات، وكلاهما يجعلان سعر الوجبة مرتفعاً على المستهلك العادي، مستكملاً: «مطعم أتاتورك لا يقدم مأكولات فقط، بل يأخذ الزائر في رحلة حسيّة إلى إسطنبول، تبدأ بالعين، من خلال مشاهدة أزياء وديكورات تركية، مروراً بالطعام ونكهاته، انتهاء بالحفل الموسيقي الذي يُعد أسبوعياً، باستدعائنا عازفين يقدمون ألحاناً شرقية قديمة».
ومن بين الأطباق الرئيسية في «أتاتورك» يبرز «الأناضول» وهو ببساطة عبارة عن باذنجان ملفوف بداخله قطع صغيرة من لحم الموزة، وعليهما من الخارج جبن الموتزاريلا، ويضاف إلى جانب الطبق قمح تم إعداده بصلصة وتتبيلة خاصتين بالمطعم، وذلك بديلاً عن الأرز الذي يقدم بجوار أغلب الأكلات.
ووسط زحام مول «كايرو فيستيفال سيتي» بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، يقع مطعم «تقسيم»، الذي لم يجد مُتسعاً لصنع طقوس تركية كما في غيره من مطاعم الفئة نفسها؛ لكنه يعد قائمة أكلات بصناعة مصرية، يشرف عليها الـ«شيف» التركي، على حد قول محمد علي، مدير المطعم.
وعن إقبال المصريين على الأكل التركي، يقول علي: «الزبون المصري لا يحب المغامرة، بالإضافة إلى خوفه من دفع مبلغ مادي كبير في صنف لا يعرفه، بخلاف الخليجي، الذي اعتاد في بلاده على أطعمة من بلدان مختلفة»، مشيراً إلى أن المواطن السعودي على سبيل المثال يعرف الكثير عن الأطعمة التركية؛ لأنها موجودة بكثرة هناك.
ويرى مدير مطعم «تقسيم» أن الكثير من المطاعم التركية بمصر لم تستمر في المجال؛ بسبب عدم الإقبال الكثيف، منوهاً بأن بعض هذه المحال أغلقت أبوابها لأسباب ترجع إليهم بالأساس، منها: «عدم الثبات على الجودة، وتقليل الكميات، وأخيراً، استبدال البهارات التركية بغيرها، وهو ما يكتشفه المتذوق بسهولة».
ولم تنحصر المطاعم التركية في مصر على العاصمة فقط، حيث أقيمت الكثير من المحال بالمحافظات الإقليمية المختلفة، مثل مطعم «شاشليك» الموجود بالدقهلية، تحديداً في مدينة المنصورة... وعن ذلك يقول أحمد بلده، الطاهي الرئيسي بالمطعم: «إقبال أهل الريف على الأكل التركي قليل نوعاً ما، لكن أصحاب الطبقة الأعلى، ومن جربوا السفر للخارج يميلون إلى التجديد فيأتون إلى شاشليك».
ويشير الشيف أحمد إلى أن اسم المحل مأخوذ من الأكلة التركية الشهيرة، التي تتكون من لحم الضأن، ومكعبات البتلو، قائلاً: «ذلك الصنف وغيره من الوجبات تعلمتها في السعودية على يد طُهاة من إسطنبول مقيمين بالدمام، وهناك حصلت على خبرة أعداد الأكلات التركية، قبل العودة إلى مصر وإقامة محلنا الموجود في المنصورة».
تجربة العمل المستقل لأحمد بلده، بعيداً عن مدربيه من الطُهاة الأتراك، لم تبدأ في مصر، بحسب قوله، فقد استهل العمل في المجال بالسعودية لسنوات عدة، قبل العودة لبلاده، واستقرار الحال به في محافظة الدقهلية.
وبالعودة إلى مصر لم يُفكر أحمد بلده ورفاقه في العمل بالقاهرة التي يعتبرها البعض الحلم الآمن ووسيلة الثراء الأسرع، خصوصاً في مجال المأكولات، نظراً لتنوع الطبقات الاجتماعية بها؛ لكنه أصر على إقامة محله بمحافظته التي نشأ فيها، رغم قلة زبائنها، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

يوميات الشرق حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل بمناسبة الأعياد (نتفليكس)

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل للطهو على «نتفليكس» بمناسبة أعياد آخر السنة، وضيف الشرف الأمير هاري.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق حمية الملك تشارلز صحية مع بعض الاستثناءات (أ.ف.ب) play-circle 01:25

على مائدة الملك تشارلز... أطعمةٌ عضويّة وبيض الدجاجات التي يعتني بها شخصياً

يدخل الملك تشارلز غداً عامه الـ77 وهو ما زال يحافظ على قوامٍ رشيق بفَضل نظامٍ رياضيّ وحمية صحية قائمة على المأكولات العضوية الطبيعية.

كريستين حبيب (بيروت)
صحتك  رجل يبيع الفاصوليا الحمراء بسوق جملة في باكستان (إ.ب.أ)

 ما أبرز أنواع البقوليات الغنية بالمغنسيوم؟

يساعد المغنسيوم على تنظيم ضغط الدم وضبط مستويات السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بالصداع النصفي وتكوين الحمض النووي (DNA).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جميع المكسرات توفر عناصر غذائية مهمة مثل الألياف والدهون الصحية والبروتينات (رويترز)

بسبب فوائده الصحية وتعدد استخداماته... ما أفضل نوع من المكسرات؟

المكسرات سهلة الحمل، مغذية، ومتعددة الاستخدامات؛ ما يجعلها الخيار الأمثل لوجبة خفيفة سريعة أو مكوناً صحياً في وصفات الطعام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك وجبة الإفطار المتوازنة الغنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية تساعد في كبح الشهية (بيكسيلز)

لإنقاص الوزن... 6 وجبات إفطار ينصح بها الخبراء

تُعتبر وجبة الإفطار مفتاحاً لنتائج أفضل في إنقاص الوزن، إذا اخترت الأطباق المناسبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
TT

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض، عن ذهوله بثراء التراث الطهوي الغني للسعودية.

وأفصح السفير الكندي لدى السعودية جان فيليب لينتو، لـ«الشرق الأوسط»: عن فخره برؤية مواهب الطهي الكندية معترفاً بها في السعودية، مضيفاً أن التنوع الكندي يغذي الابتكار في الطهي، كما أن جودة المنتجات الكندية تخلق نكهات تجمع الثقافات معاً.

وقال الشيف ثوتونغال، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بزيارة هيئة فنون الطهي السعودية في الرياض كجزء من رحلتي لحضور مهرجان الطعام السعودي 2025 وحفل توزيع جوائز جورماند (الأفضل على مدار 30 عاماً)».

وأضاف ثوتونغال: «هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مهرجان الطعام السعودي، وباعتباري طاهياً، فهي فرصة ثمينة لاستكشاف التراث الطهوي الغني للسعودية. أنا مهتم بشكل خاص بمعرفة المطبخ الأصيل لمختلف المناطق، بالإضافة إلى إنتاج زيت الزيتون والعسل في المملكة».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

ولفت إلى أن حفل توزيع جوائز جورماند الدولية يجمع مؤلفي كتب الطبخ الملهمين من جميع أنحاء العالم، مبيناً أنها منصة رائعة للتواصل مع المتخصصين ذوي التفكير المماثل، وتبادل الأفكار، واكتشاف المأكولات والثقافات المتنوعة، حيث يمثل هذا الحدث دائماً مصدراً رائعاً للتحفيز والإلهام الإبداعي بالنسبة لي.

وتابع الشيف الكندي: «إذا كنت سأوصي بأطباق ليجربها الضيوف السعوديون، فسأبدأ بشرائح لحم الضأن من كيرالا من كتاب الطبخ كوكونت لاجون. السعوديون لديهم حب عميق للحم المشوي، وهذا الطبق يربط بين عوالم الطهي لدينا بشكل جميل. يضيف التتبيلة على طريقة ولاية كيرالا - المعطرة بالبهارات وجوز الهند ولمسة من الحرارة - طبقات من التعقيد دون التغلب على الثراء الطبيعي للحوم».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

وأضاف: «أود أن أقدم لهم سلطة الحمص الأسود، حيث يُستخدم الحمص على نطاق واسع في المطبخ السعودي، لكن الحمص الأسود (كالا شانا) يقدم تجربة مختلفة أصغر حجماً وأكثر صلابة وأكثر نكهة بشكل مكثف من الحمص الأبيض. تُظهِر هذه السلطة الممزوجة بالبهارات وعصير الليمون وبعض الخضار المقطعة كيف يمكن تحويل المكونات المألوفة من خلال عدسة النكهات الساحلية في ولاية كيرالا».وقال ثوتونغال أيضاً: «لأن الأسماك الطازجة هي جوهر تقاليد الطعام السعودية، فإنني أوصي بطبق البلطي المقلي من ماي ثالي. مع تتبيلة التوابل النابضة بالحياة واللمسة النهائية المقرمشة، يعد هذا الطبق بمثابة تذكير بأن المأكولات البحرية لا ينبغي أبداً أن تكون لطيفة. فهو يجمع بين الروائح العطرية الجريئة والحرارة اللطيفة والمذاق النظيف للأسماك الطازجة، وهي نكهات أعتقد أن الأذواق السعودية ستقدرها حقاً». وتابع: «تحتفل هذه الأطباق معاً بالحب المشترك بين ثقافتينا للتوابل الجريئة والمكونات الطازجة والأطعمة التي تحكي قصة».


مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
TT

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز. فقد استكشفت لبنان منذ سنوات قليلة ووقعت في حبّه.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زرت أكثر من 50 بلداً حول العالم. ولكن قلبي وقع في حب لبنان، فشعرت وكأنه بمثابة بيتي وعائلتي».

منذ تلك اللحظة قررت آنا كما تحب أن يناديها المقربون منها، أن تدوّن كل ما يتعلّق بميزة أطباق لبنان ومطبخه ومطاعمه. لذلك نراها تتجول بين مختلف المناطق وتنقل منها كل ما يلفتها في عالم الطعام. بالنسبة لها، فإن لبنان يتمتع بطبيعة ساحرة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغرمت بأهله وبطقسه المعتدل، وكذلك بأطباق طعامه اللذيذة والشهية. فليس هناك من مطبخ آخر ينافسه برأي، لأنه متنوع وصحي في آن».

أناستازيا في صورة تحكي فيها عن الخبز "المرقوق" (انستغرام)

وعن أطيب الأكلات التي تحب تناولها في لبنان، تقول: «أحب كثيراً تناول طبق الملوخية، وكذلك طبق الـ(شيش برك) باللبن والنعناع اليابس. أما في مجال الحلويات فلا شيء يضاهي طعم ونكهة الكنافة بالجبن».

بدأت قصة أناستازيا مع لبنان منذ نحو 6 سنوات. زارته نظراً لنصيحة أحد الأصدقاء لكونه من البلدان الجميلة جداً. «لم أتوقّع أن يكون بهذا الجمال من عدة نواحٍ. لذلك قررت الإقامة فيه، وصرت اليوم باحثة نهمة عن كل تفصيل يتعلّق بمطبخه».

أناستازيا الروسية الجنسية تجد نقاط تشابه قليلة بين أطباق بلادها وتلك الخاصة بلبنان. وتقول: «هناك أطباق مثل الملفوف المحشو باللحم. وكذلك قطع العجين باللحم المعروفة بالـ(سمبوسك). فهي تشبه أصناف طعام موجودة في بلادنا. ولكن عندنا تحضّر من خلال وضعها في مياه مغلية فقط. فنتناولها إثر نضجها بهذه الطريقة وليس بتقنية الطهي اللبنانية نفسها».

تحب التجوّل في شوارع بيروت (إنستغرام)

لا تتحمس كثيراً لافتتاح مطعم روسي في لبنان. «أعلم تماماً بأنه ليس في لبنان مطعم روسي مع الأسف. أحياناً، أفكر في افتتاح واحدٍ لتعريف اللبنانيين على أطباقنا. ولكن لا أتوقع له النجاح لأن مطبخنا يرتكز على الأطعمة الدسمة والساخنة جداً، فتغيب عنه السلطات والأكلات الخفيفة. فبلدي يقع في منطقة قطبية باردة جداً، فيما لبنان الواقع على البحر المتوسط يفضّل أهله الطعام الـ(لايت) والطازج».

وتستطرد: «ربما أفتتح مطعماً يقدم الأكلات الروسية واللبنانية. وبذلك أجلب روسيا إلى بيروت لمن لم يزرها بعد».

جالت أناستازيا في البترون كما في بيروت وزغرتا والجنوب. «لفتني جداً مطعم (جورجينا) وتديره النساء في بلدة زغرتا. يحضرن الطعام في حديقة غنّاء في الهواء الطلق. صحيح أن موقع المطعم يبعد عن العاصمة، ولكن أطباقه تستأهل قطع هذه المسافة الطويلة».

تعترف أناستازيا بمواجهتها تحديات كثيرة في إقامتها الأولية في بيروت. «لم أكن أعرف تفاصيل كثيرة عن يوميات هذا البلد، وما زلت أتعلم من أخطائي وأتأقلم أكثر».

تهوى آنا مقاهي لبنانية عديدة وتصفها بالرائعة. مضيفة: «هناك عدد كبير منها في مناطق الجميزة ومار مخايل والصيفي، وجميعها تراعي أذواق الناس على اختلافها. أنا مثلاً أحب مقهى (سيب) و(لوفانت) في الجميزة. فهما يتيحان لروادهما الاستمتاع بفنجان قهوة صباحي يضاهي بطعمه أهم المقاهي في العالم. خصوصاً إذا ما تناولناه مع قطعة حلوى لبنانية».

تصف لبنان بالبلد الساحر الذي وقعت في حبّه (إنستغرام)

وماذا عن المطعم الذي يقدم أطيب الأطباق اللبنانية بنظرها؟ تردّ بحماس: «أعدّ مطعم (ام شريف) هو الأهم، ويتميز بكونه يقدم الأطباق اللبنانية الأصيلة بنكهاتها التراثية».

تجري أناستازيا مقارنة سريعة بين بيروت وعواصم عربية أخرى. «زرت دولة الإمارات العربية، دبي مثلاً، ولكنني فضّلت لبنان عليها من نواح مختلفة. فلبنان بلد دافئ، مرت عليه حضارات كثيرة. وهو ما ألّف عنده هذا المزيج من الثقافات. ولكنني من ناحية ثانية أتوق لزيارة المملكة العربية السعودية. ففي السنوات الأخيرة شهدت تبدلاً وانفتاحاً كبيرين. وأتمنى أن أزور مناطق الرياض والعلا وغيرها لأكتشف تاريخ هذه البلاد وجمال حضارتها العربية الأصيلة».

ترفق المدونة الروسية منشوراتها مرات بأغانٍ لفيروز. وفي أحيان أخرى تدأب على نقل أجواء السهر في العاصمة. ولا تتوانى عن نشر مقاطع مصورة من يومياتها خلال تجولها في بيروت. وتقول: «أحب منطقة المنارة والروشة. ومن خلال حواراتي مع اللبنانيين صرت اليوم أجيد التحدث بالعربية. فشعب لبنان محب وقريب إلى القلب».

تزوّد أناستازيا متابعها بعناوين مطاعم ومقاهٍ وأماكن سياحية تحلو زيارتها من وقت لآخر. ومرات تضيف إليها معلومة مفيدة تحكي فيها عن ميزات لبنان. وتعلق: «تخيلي مثلاً أنني عرفت مؤخراً، بأن هناك منازل قديمة يعود تاريخها إلى 400 سنة خلت تقع على شاطئ البحر. وبينها (بيت البحر) للضيافة في منطقة طبرجا».

وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ في لبنان فن، وأتمنى يوماً ما أن أجيد تقنية الطبخ اللبناني. فأصبح ضليعة في معرفة الأطباق اللبنانية من ألفها إلى يائها».


كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
TT

كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)

ليس بالضرورة أن تنفق ثروة في تجربة مطعم رائد عالميّاً: إحدى طرق لتحقيق ذلك هي اختيار قائمة الغداء، التي غالباً ما تكون نسخة أقصر وأقل تكلفة من قائمة تذوق الطعام المسائية. والخيار الآخر هو اختيار مكان يقدم قائمة طعام انتقائية وقت الغداء، مما يجعلك أنت المتحكم في حجم إنفاقك. استكشف وجهات تناول الطعام الرائعة بقيمة مناسبة التي ظهرت في قوائم أفضل 50 مطعماً في العالم.

«فلوريلج» - طوكيو

يقع هذا المطعم في أطول مبنى بطوكيو، وتُعتبر قائمة تذوق الغداء ذات اللمسات الفرنسية، التي يقدمها الشيف هيروياسو كاواتي، واحدة من أفضل الخيارات من حيث القيمة في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. في غرفة طعام ذات إضاءة خافتة، يتشارك الضيوف طاولة واحدة تتسع لـ16 مقعداً، امتثالاً لمفهوم «طاولة المضيف» الخاص بكاواتي، والمصمم لتشجيع الحوار حول الطعام. تركز القائمة على المكونات النباتية، باستخدام المكونات المحلية لخلق طابع ياباني مميز إلى جانب البراعة الفرنسية الكلاسيكية المكتسبة من فترة عمل كاواتي في مطعم «لو جاردان دي سانس» الفرنسي في مونبلييه.

الغداء في سيبتيم بباريس أرخص من العشاء (الشرق الاوسط)

«سيبتيم» - باريس

سوف تحتاج إلى التنظيم الجيد إذا أردتَ حجز طاولة في «سيبتيم»: يتم إصدار الحجوزات قبل ثلاثة أسابيع وتُحجز بسرعة في الغالب. ومع قائمة تذوق متعددة الأطباق بسعر معقول كهذه، فمن السهل أن نفهم السبب. هذا المطعم، الذي احتل المرتبة 40 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، هو مطعم بأسلوب «النزعة الصناعية الجديدة»، ويديره الشيف بيرتراند غريبو الذي تحوَّل من مصمم غرافيك إلى شيف، وقد أسر رواد المطعم لأكثر من عقد من الزمان، مقدماً فن الطبخ الفرنسي العصري والمبدع. توقع أطباقاً موسمية تعتمد على المكونات الطازجة مع لمسات عالمية - على سبيل المثال، الهليون الأبيض مع صلصة «البوليت» وصلصة «إكس أو»، وليمون ماير المحفوظ، أو توستادا سمك السلمون المرقط مع الورد والشمندر.

«لا كولومب» - كيب تاون

اجتذبت قوائم تذوق «لا كولومب» ذات الأسعار الجيدة اهتمام العالم، مما أكسب هذا المطعم الأشبه ببيت الشجرة المرتبة 55 في التصنيف الموسَّع لأفضل مطاعم العالم لعام 2025. يقع المطعم على قمة ممر «عنق كونستانتيا» الجبلي في مزرعة «سيلفرميست» للنبيذ العضوي، حيث ستستمتع بمناظر خلابة عبر الوادي، جنباً إلى جنب مع ثمانية أطباق من إبداع الشيف جيمس غاغ وفريقه. ترتكز الأطباق على التقنية الفرنسية وتتميز بلمسات آسيوية، مع الاعتماد بشكل كبير على المنتجات المحلية والموسمية وتقديم الأطباق بأسلوب متقن والكثير من العروض التقديمية على الطاولة.

«سيليلي» - كارتاخينا

يلتزم الشيف خايمي رودريغيز بإضفاء الطابع الديمقراطي على الطهي القائم على البحث. في عام 2021، قرر التوقف عن تقديم قوائم تذوق الطعام في مطعم «سيليلي»، الذي احتل المرتبة 48 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. وبدلاً من ذلك قدم قائمة طعام انتقائية تحتفي بالتنوع البيولوجي وثقافة الطهي لمنطقة الكاريبي الكولومبية. بناء على تجارب مكثفة التقى فيها بالشعوب الأصلية ووثق الوصفات، تتميز قائمة «سيليلي» بمكونات نادرة مثل الأوريخيرو (بذور الأشجار التي غالبا ما تُصنع منها عجينة حلوة) والجومبالي (فاكهة برية)، بالإضافة إلى أطباق تحتوي على زهور الكاريبي، وأوراق اليوكا، وشوكولاتة لا سييرا نيفادا دي سانتا مارتا.

من أطباق ماسك (الشرق الاوسط)

«ماسك» - مومباي

«ماسك» هو أول مطعم في مومباي يقدم تجربة قائمة تذوق متعددة الأطباق، وقد أكسبه سعيه المتطور باستمرار لإعادة ابتكار فن الطهي الهندي الكلاسيكي المرتبة 68 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. يدير الشيف فارون توتلاني المطعم، الذي يتخذ من منطقة مصانع النسيج الصناعية السابقة في مومباي مقراً له. تتغير قائمة التذوق المكونة من 10 أطباق حسب المواسم، وتتميز بالمنتجات التي يتم الحصول عليها من المزارعين المحليين ومن رحلات البحث عن الطعام البري. يهدف توتلاني إلى تغيير تصورات رواد المطعم عن المطبخ الهندي، مسلطاً الضوء على مكونات غير معروفة خارج النطاق المحلي للغاية، مثل الحنطة السوداء، والتوت البري.

«كول» - لندن

عندما افتتح سانتياغو لاسترا مطعم «كول»، أراد أن يتبنى تحدي ابتكار المطبخ المكسيكي في مناخ لا تنمو فيه المكونات التقليدية.

لن يجد رواد المطعم الأفوكادو، أو الليمون، أو الصبار في القائمة - بدلاً من ذلك، أسفر بحث لاسترا المكثف عن بدائل من المملكة المتحدة مثل الكرنب الساقي، ونبق البحر، وعنب الثعلب المخمر، والأعشاب البحرية. احتل مطعم «كول» المرتبة 47 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025، ويستورد فقط الذرة والشوكولاتة والفلفل الحار من المكسيك، في حين تتبنى القائمة نهجاً بريطانياً موسمياً للغاية مستلهماً من ذكريات لاسترا عن المكسيك. وعلى الرغم من أن أغلب الأطباق تتغير باستمرار، ستجد دائماً طبق المطعم الشهير وهو تاكو الروبيان مع الفلفل الحار المدخن، والملفوف المخلل، ولمسة منعشة من نبق البحر في القائمة.

من أطباق سانت بيتر (الشرق الاوسط)

«سانت بيتر» Saint Peter - سيدني

يقع هذا المكان المغطى بالخرسانة في ضاحية بادينغتون بسيدني، وهو موطن لشيف يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في إعادة كتابة قواعد طهي الأسماك. لن تجد طبق سمك «دُفر سُول على طريقة مونييه» في مطعم «سانت بيتر» - بدلاً من ذلك، يفضل الشيف جوش نيلاند استخدام أجزاء السمك التي يتجاهلها الطهاة الآخرون. يدافع مطعمه، الذي يحتل المرتبة 66 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، عن تقنيات «الرأس إلى الذيل» المستخدَمة بشكل أكثر شيوعاً للحوم، مثل التعتيق الجاف، والتقطيع، واستخدام الأحشاء. وفي حين أن قائمة «طاولة الشيف» تحتوي على أطباق جريئة، مثل حساء مع نودلز عظام سمك الترويت المرجاني، وفطيرة كبد سمك «جون دوري» بالباتيه. وتقدم قائمة الغداء ذات الأسعار المعقولة الروح المبدعة ذاتها بأسعار أقل.

«روزيتا» Rosetta - مكسيكو سيتي

يُعد مطعم «روزيتا» للشيف إيلينا ريغاداس المفضل لدى السكان المحليين والمسافرين الباحثين عن تذوق الطعام على حدٍ سواء. تدربت الشيف (التي فازت بجائزة أفضل شيف أنثى في العالم لعام 2023) في المعهد الفرنسي للطهي في نيويورك، وأمضت أربع سنوات في لندن في مطعم «لوكاندا لوكاتيلي» قبل أن تعود إلى موطنها المكسيك لافتتاح مطعمها الخاص. التأثير العالمي واضح في قائمة طعام «روزيتا» — فبينما يتم الحصول على المكونات من منتجين محليين صغار، تكتسب الأطباق طابعا عالميا: خبز البريوش مع بيض النمل وصلصة بيرنيز بالتراغون، وكابيلاتشي الجبن المدخن ومرق الذرة، وتاكو الملفوف السافوي الشهير مع صلصة «بيبيان» بالفستق والروميريتوس، على سبيل المثال لا الحصر. إذا لم تتمكن من الحصول على طاولة هنا (المطعم يحتل المرتبة 45 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025)، فإن المخبز الموجود في الموقع والمتخصص في خبز العجين المخمّر هو وسيلة أكثر اقتصادية لتجربة مواهب ريغاداس.