دراسة أميركية: غسل اللحوم قبل طهيها خطر على الصحة

دراسة أميركية: غسل اللحوم قبل طهيها خطر على الصحة
TT

دراسة أميركية: غسل اللحوم قبل طهيها خطر على الصحة

دراسة أميركية: غسل اللحوم قبل طهيها خطر على الصحة

دائماً ما نربط غسل الأشياء بالصحة والنظافة، فننصح أطفالنا بغسل الأيدي، ونقوم بغسل ملابسنا باستمرار، ومن حين لآخر نقوم بتنظيف أرضيات منزلنا، ولكن هل ينطبق الأمر نفسه على اللحوم؟ المفاجأة التي قد لا يتوقعها كثيرون، ورصدتها دراسة أميركية، هي أن غسل اللحوم يأتي بأثر عكسي، فهي ليست السبيل الصحيح للصحة والنظافة، لكنها على العكس تكون سبباً في انتشار مسببات الأمراض البكتيرية الأخرى مثل بكتريا السالمونيلا والمنثنية.
وخلال الدراسة التي أجريت بالتعاون بين دائرة سلامة الأغذية والتفتيش، التابعة لوزارة الزراعة الأميركية، وجامعة كارولينا، وتم نشر تقرير عن نتائجها على موقع الوزارة أول من أمس، أثبت الباحثون أن غسل الدجاج النيء أو اللحوم ينشر العوامل الممرضة في المطبخ، ويؤدي إلى تلوث الأطعمة والأواني بشكل كبير وغير متوقع.
وتوصل الباحثون لهذه الحقيقة التي قد تفزع كثيرين، بعد أن أشركوا 300 شخص قاموا بإعداد وجبة من أفخاذ الدجاج وسلطة في مطبخ تجريبي، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ حيث قامت الأولى بغسل الدجاج قبل طهيه، بينما لم تقدم الثانية على هذه الممارسة الشائعة.
وجد الباحثون أن 60 في المائة ممن قاموا بغسل الدجاج قبل طهيه، تركوا آثاراً من البكتيريا في الأحواض والمناطق المحيطة بها. حتى بعد غسل الأحواض، كانت لا تزال 14 في المائة من الأحواض ملوثة بالبكتيريا، والأسوأ من ذلك أنه من بين السلطات التي تم إعدادها في المطبخ التجريبي حيث غسل المشاركون الدجاج النيء، كان 26 في المائة منها ملوثة بالبكتيريا التي انتقلت من الدجاج.
وحذرت الدراسة من ضرورة التخلص من هذه الممارسة الشائعة، لأن مسببات الأمراض مثل السالمونيلا والمنثنية يمكنها العيش على أسطح الأحواض والمطابخ لمدة تصل إلى 32 ساعة.
وإذا كانت الدراسة بتأكيدها أن غسل اللحوم النيئة قد ينقل مسببات الأمراض المختلفة، فما هو الحال عند أكل اللحوم نفسها؟ أرسل الباحثون رسالة طمأنة لجمهور المستهلكين بالتأكيد على أن طهي اللحم النيء على درجة حرارة لا تقل عن 73 درجة مئوية، يجنبهم أخطار البكتريا الممرضة، وتبقى المشكلة فقط خلال الفترة التي يمسك فيها الشخص باللحوم النيئة قبل وضعها في الإناء استعداداً لطهيها.
ولتجنب أخطار انتقال البكتريا من اللحوم إلى أسطح المطبخ أو الطعام الذي لا يطهى على النار ويعده الشخص للتناول إلى جانب اللحوم، أوصت الدراسة بـ3 نصائح، الأولى هي تحضير الأطعمة التي سيتم تقديمها دون طهي، مثل الخضراوات والسلطات، قبل التعامل مع اللحوم النيئة أو الدواجن، والثانية هي تنظيف وتعقيم أي سطح من المحتمل أن يكون ملوثاً من اللحوم والدواجن النيئة، للقيام بذلك، كما شددت الدراسة على ضرورة تنظيف الأحواض والأسطح بالماء الساخن والصابون، وتركها تجف، ثم وضع المطهر عليها، وأخيراً غسل الأيدي بالصابون لمدة 20 ثانية على الأقل، وشطفها تحت الماء الجاري الدافئ، وتجفيفها بقطعة قماش نظيفة أو منشفة ورقية بعد التعامل مع الدواجن النيئة أو أي لحوم نيئة أخرى.
ومع تقديره للتحذير الذي أطلقته الدراسة، والنصائح التي أوردتها، إلا أن د. أحمد مصطفى، خبير التغذية المصري، يؤكد أنها قد تكون ملائمة لثقافات غير ثقافة الشعوب العربية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الشعوب العربية تحتاج إلى مخاطبتها بأثر واضح وملموس يستطيع أن يراه بسهولة، والأثر الواضح الذي يمكن مخاطبتهم به هو تأثير غسيل اللحوم على طعمها في المقام الأول لاستشعار الخطر».
ويضيف: «كلما استخدمنا الماء بشكل كبير مع اللحوم النيئة أفقدناها نكهتها المحببة لدى المستهلك». ويشير إلى ممارسة أخرى عادة ما تستخدم في البيوت وهي استخدام الماء لتذويب اللحوم المثلجة، قبل وضعها في إناء الطهي، وهي ممارسة أيضاً تؤثر بشكل كبير على نكهة اللحوم. والحل الذي ينصح به د. مصطفى، هو إخراج اللحوم من الثلاجة قبل وقت طويل من طهيها، ووضعها في وعاء والسماح لها بأن تذوب دون استخدام المياه.


مقالات ذات صلة

الجلوس لفترة طويلة يضر بالقلب حتى مع ممارسة الرياضة

صحتك الجلوس لأكثر من 10 ساعات يومياً قد يزيد خطر الإصابة بقصور القلب (رويترز)

الجلوس لفترة طويلة يضر بالقلب حتى مع ممارسة الرياضة

حذرت دراسة جديدة من أن الجلوس لأكثر من 10 ساعات يومياً قد يزيد من خطر الإصابة بقصور القلب حتى بين أولئك الذين يمارسون الرياضة بانتظام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بالكشف الأولي على المريض يمكن أن يؤدي للكشف عن كسور بالعظام قد يغفل عنها الإنسان (أ.ف.ب)

4 طرق لتحسين الرعاية الصحية بواسطة الذكاء الاصطناعي

يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة على تحقيق ثورة في الرعاية الصحية العالمية، خصوصاً مع وجود 4.5 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شعار برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي» (رويترز)

دراسة: «شات جي بي تي» يتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض

كشفت دراسة علمية جديدة، عن أن روبوت الدردشة الذكي الشهير «شات جي بي تي» يتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض؛ الأمر الذي وصفه فريق الدراسة بأنه «صادم».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك رحلة إنقاص الوزن ليست سهلة وتحتاج المزيد من الصبر والمثابرة (أرشيفية - رويترز)

أيهما أفضل لفقدان الوزن... تناول وجبات قليلة أم الصيام المتقطع؟

هناك عدة طرق يتبعها من يريد إنقاص وزنه. فأي الطرق أكثر فاعلية؟

صحتك علب من أدوية «أوزيمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

قبل وبعد... رحلة 4 أشخاص مع أدوية إنقاص الوزن

تُظهر الأبحاث أن 1 من كل 8 بالغين في الولايات المتحدة استخدموا أحد أدوية إنقاص الوزن الشائعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)