«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): ميريل ستريب لـ«الشرق الأوسط»: تمثيل شخصيات حقيقية لا يعني الاستنساخ

الممثلة الأميركية حضرت عرض أحدث أفلامها في فينيسيا

ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة»  -  قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة» - قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): ميريل ستريب لـ«الشرق الأوسط»: تمثيل شخصيات حقيقية لا يعني الاستنساخ

ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة»  -  قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)
ميريل ستريب في لقطة من «المغسلة» - قبل عرض فيلمها «المغسلة» في مهرجان فنيسيا (رويترز)

‫لميريل ستريب دوران في فيلم «المغسلة»: هي الزوجة التي فقدت زوجها في حادثة انقلاب مركب في البحيرة خلال رحلة سياحية، وهي سكرتيرة حديثة العهد لدى المحامي الذي هو نموذج للفساد المالي الضارب أطنابه حول العالم.‬
الدور الأول هو الأكبر بعدد المشاهد المخصصة لها، وأيضاً بكونه أحد المحاور الدرامية التي تُسيّر الأحداث، لكنه ليس دور بطولة. هنا، في هذا الفيلم، ليس هناك بطولة إلا لحديث رأس المال، وكيف يتوزع منتقلاً بين الأيدي التي تصنعه وتخزنه. الدور الثاني لا تتبدّى فيه ستريب مثل ما عهدناها، بل يتم وضع ماكياج خاص على وجهها، وتكبير أنفها، وتغيير تصميم شعرها، واستبدال صوتها ولكنته. لكن من يتمعن قليلاً يستطيع أن يدرك أن هذه السكرتيرة التي تقلد صقور المؤسسة التي بدأت العمل فيها ليست سوى ميريل ستريب نفسها.
الممثلة التي احتفلت في الثاني والعشرين من شهر يونيو (حزيران) الماضي ببلوغها سبعين سنة لديها 62 دوراً سينمائياً منذ أن مثلت بصوتها في فيلم «كل واحد يركب الدوّار» (Everybody Rides the Carousel) سنة 1976. ما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأت تترك بصمتها: في فيلم «جوليا» أولاً (تناصفت فانيسا ردغراف وجين فوندا بطولته سنة 1977)، ثم «صائد الغزلان» لمايكل شيمينو (1978)، و«مانهاتن» لوودي ألن (1979)، و«كرامر ضد كرامر» لروبرت بنتون (1979)، قبل أن تقدم الأداء المذهل في «زوجة الضابط الفرنسي» لكارل رايز (1981)، لتتبعه في العام التالي بأداء استحقت عليه كل الجوائز التي نالتها عنه، وهو «اختيار صوفي» لألان ج. باكولا.
فيلم يكشف الستار وهي إذ غادرت في اليوم التالي لإجراء هذه المقابلة بسبب ارتباطها بالتمثيل في فيلمها الجديد، ستدخل تصوير «حفلة التخرج» مباشرة، الذي سيكون من النوع الموسيقي.
وفيما يلي نص الحوار:
> هل ستقومين بالغناء في فيلمك المقبل؟
- سأغير صوتي قليلاً.
> في هذه الحالة، ستكون هذه ثاني مرّة في السنوات القليلة الماضية التي ستغنين فيها، بعد «ريكي أند ذا فلاش» قبل ثلاث سنوات.
- نعم، لكني لحنت وغنيت في أكثر من فيلم واحد؛ إنها هوايتي الخفية.
> أعرف أنك غنيت في «ماما ميا» وفي «فلورنس فوستر جنكينز»، وهما من أفلامك الأخيرة، هل كنت تودين أن تشقي طريقك في الغناء سابقاً؟
- كنت أريد الاثنين معاً، كنت أريد أن أمثل وأريد أن أغني وأكتب الموسيقى؛ كلاهما، وأقول هذا متعجبة، تواكبا معاً مثل خطي سكة حديد على المسرح أولاً ثم في السينما، لكن التمثيل غلب طبعاً. الباقي للتاريخ.
> هنا في «المغسلة»، يبدو لي أن اشتراكك في فيلم ينتقد المؤسسات الوهمية التي تدير شبكة عملاقة من المنافع وغسل الأموال والتهرب من الضرائب ليس مجرد دور آخر عُرض عليك وقبلت به؛ هو أكثر كإسهام منك في تأييد رسالته.
- لم أكن قد قرأت الكتاب الذي قام ستيفن (سودربيرغ، المخرج) بتحويله. لم أقرأ الكتاب إلا من بعد أن عرض علي المخرج الدور. وحين قرأته، أدركت أنه يعني ما يقوله، وأن عليّ أن أشارك في فيلم يقصد أن يكشف الستار عن أشياء كثيرة في حياتنا، من بينها أنني أدفع الضرائب والآخرين يتهربون (تضحك). عندما أطلعني ستيفن لاحقاً على بعض أفكاره بخصوص المشاهد التي سأقوم بتمثيلها، اكتشفت أن الفيلم لن يكون خطاباً، بل عملاً ترفيهياً في الأساس. وهو هكذا فعلاً، ألا تعتقد؟ هو فيلم جدي في موضوعه، لكنه ساخر سهل بأسلوب سرده.
> أهميته أيضاً أنه يتناول وضعنا اليوم.
- تماماً. لقد توقفت عن مشاهدة الأخبار أو قراءتها، أو حاولت ذلك أكثر من مرة. وفي كل مرّة، أجد نفسي بعد أيام قليلة أبحث عن مستجدات لما يحدث في أميركا والعالم. رهيب حجم المآسي التي تلف العالم، والحروب التي تمر بها الشعوب. لذلك شعرت بأنه من الأولى أن أشترك في هذا الفيلم لأنه مهم بحق.
> هل كانت لديك خلفية عن مسألة غسل الأموال؟
- مطلقاً. لم أكن أفهم ما تعنيه الكلمة عملياً. غسل الأموال هو خداع كبير يمارس، وندفع نحن ثمنه. كانت هناك صحافية من مالطا تتابع ما كشفه الكتاب من حقائق، ولا بد أنها اكتشفت أسراراً متصلة بما عرف باسم «أوراق باناما»، لأن المسكينة قضت في انفجار سيارة. نعم، هناك ضحايا متعددون.
> معظم أفلامك ليست من هذا النوع. أقصد أن «المغسلة» هو كوميديا سوداء، وأجاهد الآن لكي أتذكر أي فيلم كوميدي أسود مثلته، إذا كان هناك واحد.
- لا يوجد بين أفلامي ما هو شبيه بهذا الفيلم. لقد مثلت الكوميديا، ومثلت الدراما، وأنت تعلم، لكن لا شيء كان من هذا النوع، لأن هناك أسلوباً خاصاً عند ستيفن سودربيرغ لا يمارسه سواه.
> لكن هذا لا يعني أنك لم تمثلي في أفلام ذات قضايا. آخرها «ذا بوست»، لستيفن سبيلبرغ.
- أوه، أفلام القضايا وأنا نعود لسنوات طويلة. في نظري، «صائد الغزلان» و«اختيار صوفي» و«سيلكوود» و«صرخة في الظلام» كلها أفلام بمواضيع ذات قضايا اجتماعية، وأحياناً سياسية.
> بالتأكيد، لكن أي من أفلامك التي لا تحمل قضايا أو تتحدث عن مواضيع اجتماعية عريضة تحبين أكثر؟
- أوه، مثلت كثيراً، وربما لو ذكرت البعض سأهمل البعض الآخر. لكن مثلاً «الساعات» و«منزل الأرواح» و«جسور مقاطعة ماديسون» و«اقتباس».
> في «ذا بوست» لعبت شخصية حقيقية، هي شخصية مالكة صحيفة «واشنطن بوست»، لكن بطبيعة الحال معظم أفلامك الأخرى لا تقوم على تمثيل شخصية حقيقية. ما الذي يختلف في التحضير بين الحالتين؟
- أعتقد أن كل ممثل سيقول إن البحث والدراسة أمران مهمان في سبيل تمثيل شخصية واقعية. وهذا حقيقي بالطبع، لكن إلى حد. عندما مثلت دور كاي غراهام (في «ذا بوست»)، قرأت عنها، وقرأت تاريخ القضية التي يتناولها الفيلم (قيام الصحيفة بشراء ونشر وثائق حول الوضع المتدهور في فيتنام، رغم تحذيرات البيت الأبيض)، لكني مثلت الشخصية كما رأيتها في نهاية الأمر، لأن التقليد ليس مطلوباً، ولا هو شرطاً في مثل هذه الحالات. هذا أيضاً ما فعلته عندما مثلت شخصيات أخرى، مثل شخصية كارين في «خارج أفريقيا».
> هل تعتقدين أن السينما تستطيع تغييرنا صوب الأفضل؟
- هذا سؤال صعب الجواب عنه بنعم أو لا. هناك حالات كثيرة كشفت فيها الأفلام للناس حقائق كانت مخفية، وهناك أفلام مهمة مرّت من دون أن تثير الاهتمام الذي اعتقدت أنها ستثيره، لكن ما أؤمن به هو أن كل فيلم لديه شيء ما يطرحه، مثل هذا الفيلم، يقوم بعمل تمهيدي صوب التغيير؛ كل فيلم هو خطوة لكي يدرك الناس الحقيقة.
> هل هذا التأثير سهل اليوم أكثر مما كان عليه بالأمس أم أصعب؟
- لا. أعتقد أنه أسهل اليوم مما كان عليه بالأمس. «المغسلة» من إنتاج شركة «نتفليكس»، وهي ليست على غرار الشركات الأخرى في هوليوود التي لديها مكاتب كبيرة في باريس ولندن ومدريد ونيو مكسيكو وسواها؛ هي «غلوبال» موجودة حول العالم لأن «نتفليكس» تتوجه مباشرة للمنازل. لذلك رسالتها تصل إلى كل المشتركين من دون أن تخضع لعوامل التسويق المعتادة. وبوصولها إلى عشرات الملايين، أو ربما أكثر، تنشر الرسالة التي يتضمنها الفيلم.
> ألا تفضلين الشاشات الكبيرة على الصغيرة؟
- نموذجياً، نعم. لا شيء يضاهي أن تشاهد الفيلم في صالة بشاشة كبيرة، لكن التأثير الذي سألتني عنه أعتقد أنه أكثر وأسهل وصولاً إلى المشاهدين عبر الشاشات الصغيرة.
> ماذا عن تقنيات المشاهدة؟ الشاشة الكبيرة ضد الشاشة الصغيرة.
- ربما تهتم أنت بذلك، وربما أهتم أنا بذلك أيضاً، لكن غالبية الجمهور لم يعد يهتم كثيراً بحجم الشاشة. لا أعتقد، وإلا لما نجحت تجربة «نتفليكس» و«أمازون» وسواهما.
> أي أفلام تشاهدين حين تريدين أن ترتاحي من عناء يوم عمل؟
- أشاهد أفلاماً كثيرة؛ كلما سمعت عن فيلم يمدحه النقاد، أو ينصحني الأصدقاء بمشاهدته.
> هل تشاهدين أفلاماً غير أميركية؟ لنقل أفلاماً آسيوية أو عربية أو أوروبية؟
- عربية؟ سمعت عن أفلام، وأود أن أبدأ التعرف عليها، لكن من الطبيعي - أعتقد - أن تكون معظم مشاهداتي أميركية.
> لماذا قمت بتمثيل دورين في «المغسلة»؟ هل كانت فكرة المخرج أم فكرتك؟
- كانت فكرة المخرج، ووافقت عليها، لكني قبضت أجرى كشخص واحد (تضحك).
> لديك ذلك الوجه الذي تستطيعين إدارة تعابيرك عليه بنظام رائع. في هذا الفيلم، أنت في أكثر من موقف، لكن في مستوى واحد: أنت مفجوعة لفقدان زوجك، ثم مندهشة حيال ما يكشفه المحامي لك، ثم متوغلة في العمل لكشف الحقيقة، بأمارات من الهدوء والتعجب معاً. لن أسألك كيف تستطيعين ذلك، بل إلى ماذا تستندين حين تقررين استخدام تعبير ما؟
- استند فقط إلى قدراتي الخاصة. لقد مثلت كل التعابير الممكنة في أدواري (تضحك)، ليس هناك من جديد، ولا أحاول أن آتي بجديد. الجديد الوحيد هو الدور كاملاً وما يتيحه.
> قصدت أنك ما زلت تبدين ممثلة مختلفة تماماً، إذا قارنت دورك هنا بدورك في «ريكي أند ذا فلاش» أو في «أسود كحملان» أو «جوليا وجوليا»… هذا ليس بمقدور كل ممثل.
- أفهم ما تعنيه، لكني لا أعرف كيف أتحدث عن كيف أمثل الدور، وما الذي يشدني إلى ناحية معينة منه؛ عليّ أن أكتشف الدور، وليس العكس. ودائماً أحاول أن أرتديه، مثل ثيابي.
> شاهدت مؤخراً، وربما للمرة الثالثة، «اختيار صوفي». هل ما زلت تعتبرينه أحد القمم بين ما قمت بتمثيله؟
- نعم، أنا أيضاً أشاهده من حين لآخر… ليس كل سنة أو سنتين، لكن ربما كل ثماني أو عشر سنوات. ما يخطر ببالي فيه هو كيف أن السينما هي مرتع الحكاية والمعلومات الآتية من التاريخ، وكيف تتبلور إلى فيلم. لا يهم ما هي القصة، المهم هو أن الفيلم الجيد يمنحك الفرصة لكي تزداد معرفة. كلنا كذلك.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».