نجح رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في استخدام نفوذه الذي يتمتع به على المستويين الدولي والإقليمي وتوظيفه في ضبط الإيقاع العسكري لرد «حزب الله» على إسرائيل، على خلفية عدوانها الذي استهدفت فيه الضاحية الجنوبية لبيروت ورد فعل الأخيرة، ما أبقى عليهما محدودين وتحت السيطرة لقطع الطريق على تدهور الأوضاع وصولاً إلى الانزلاق نحو حرب تمتد من لبنان إلى المنطقة.
فالحريري أيقن فور قيام إسرائيل بعدوانها على حي معوض في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، بأنه لا بد من التحرك وبأقصى سرعة لمنع تدهور الأوضاع، خصوصاً بعدما تعهد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالرد على هذا العدوان.
وانطلاقاً من تقديره لخطورة الوضع وما يترتب عليه من تداعيات أمنية وسياسية بادر الحريري إلى الاتصال بوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وبالقيادة الفرنسية في شخص المستشار الأول للرئيس الفرنسي، وبالأمانة العامة للأمم المتحدة، طالباً من جميع الذين اتصل بهم التحرك للجم العدوان الإسرائيلي على لبنان ومنع إقحامه في دوامة الحروب المتنقلة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن الحريري أعدّ برنامجاً للتحرك في ضوء تقديره بأن «حزب الله» سيردّ على إسرائيل، وطلب من الذين اتصل بهم ممارسة كل أشكال الضغوط على تل أبيب، بغية الدعوة إلى ضبط النفس وعدم الإقدام على خطوة تصعيدية لأن التزام الحزب بالرد عليها من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الأوضاع.
ولفتت المصادر الوزارية إلى أن الحريري لم يوقف اتصالاته التي باشرها منذ حصول العدوان الإسرائيلي وأصر على مواصلتها، وكان له ما أراد عندما رد «حزب الله» على هذا العدوان ولجوء إسرائيل إلى الرد على الرد، وتلقى إشارات إيجابية من جميع الذين اتصل بهم، وهذا ما أدى إلى احتواء التصعيد المتبادل والإبقاء على الفعل ورد الفعل تحت السيطرة.
وأكدت أن حصر رد «حزب الله» ورد فعل إسرائيل على هذا الرد في نطاق محدود وعدم التمدد إلى مناطق أخرى على طول الحدود، ساعد على تزخيم الضغوط والتدخّلات الدولية سواء من واشنطن وباريس أو من خلال الأمم المتحدة ممثلةً في القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونيفيل».
ورأت المصادر أن عدم وقوع قتلى بين صفوف الجيش الإسرائيلي ساعد على حصر الفعل ورد الفعل في منطقة محدودة من جهة، وأتاح للجهات الدولية التدخّل في الوقت المناسب لإعادة الوضع الميداني إلى ما كان عليه في السابق، وهذا ما عكسه البيان الصادر عن الأمم المتحدة وأيضاً البيان الذي صدر عن الجيش الإسرائيلي بوقف العمليات العسكرية.
وهكذا نجح الحريري من خلال استخدامه لصداقاته الدولية والإقليمية في أن يُمسك بزمام المبادرة الدبلوماسية من ناحية، وأن يبقى على تشاور مع رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون ومتابعته معه لكل التفاصيل والمعطيات ذات الصلة بالوضع الميداني على طول الحدود.
كما أن الحريري لم يحصر تحركه للجم احتمالات التدهور في الجهات الدولية النافذة، وتحديداً واشنطن وباريس، التي تواصلت بدورها مع طهران في الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الإيراني حسن روحاني داعياً إياه إلى التدخّل لمنع تدهور الوضع، وأيضاً في اتصال الحريري بوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، الذي تواصل بدوره مع تل أبيب وطهران في إطار تزخيم المساعي لاستيعاب التأزّم واحتواء التصعيد في حال حصوله، وإنما التفت إلى الوضع الداخلي وعمل على لملمته وتحصينه.
وعلى هذا الصعيد، لا يجوز إغفال الدور الداخلي للحريري لمنع انجرار البلد إلى اشتباك سياسي لن تستفيد منه سوى إسرائيل، وبالتالي من غير الجائز في الظروف الراهنة أن ينسحب تصعيدها العسكري على الوضع الداخلي وإقحامه في خلافات تتعلق بقرار السلم والحرب والاستراتيجية الدفاعية.
وبكلام آخر، حرص الحريري منذ اللحظة الأولى لوقوع العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية على تكثيف مروحة اتصالاته على خلفية منع نقل الاشتباك العسكري مع إسرائيل إلى اشتباك في الداخل، رغم أن الخلاف حول هذه النقاط بالذات سيبقى قائماً، لكن طبيعة المرحلة تستدعي ترحيله إلى وقت آخر، ريثما تهدأ الأوضاع وتسمح بطرحه على طاولة النقاش.
الحريري أمسك بزمام المبادرة الدبلوماسية ونجح في احتواء التصعيد العسكري
رد «حزب الله» ورد إسرائيل على الرد لم يحملا أي تبعات
الحريري أمسك بزمام المبادرة الدبلوماسية ونجح في احتواء التصعيد العسكري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة