نغمات عمر خيرت تُطرب المصريين في قلعة صلاح الدين

آلاف المشاهدين تزاحموا لحضور الحفل

عمر خيرت تألق في حفله بقلعة صلاح الدين وسط حشد جماهيري كبير (وزارة الثقافة المصرية)
عمر خيرت تألق في حفله بقلعة صلاح الدين وسط حشد جماهيري كبير (وزارة الثقافة المصرية)
TT

نغمات عمر خيرت تُطرب المصريين في قلعة صلاح الدين

عمر خيرت تألق في حفله بقلعة صلاح الدين وسط حشد جماهيري كبير (وزارة الثقافة المصرية)
عمر خيرت تألق في حفله بقلعة صلاح الدين وسط حشد جماهيري كبير (وزارة الثقافة المصرية)

أسدل الموسيقار المصري الكبير عمر خيرت الستار على الدورة الـ28 من مهرجان قلعة صلاح الدين الدولي للموسيقى والغناء، وقدم باقة من أشهر مؤلفاته التي اقترنت في وجدان الجمهور على مدى العقود الماضية بأعمال تلفزيونية وسينمائية، وأطربت نغمات خيرت الذي اعتاد تقديم حفلاته بدار الأوبرا المصرية، آلاف المشاهدين المصريين الذين تزاحموا لحضور حفله قبل بدايته بساعات طويلة، وعزف وسط حشد جماهيري ضخم مساء أول من أمس، مجموعة مختارة من روائعه الموسيقية وسط تفاعل لافت من الجماهير التي طلبت منه تقديم أغنيات معينة بالحفل.
وتجتذب حفلات خيرت فئات عمرية متنوعة من الجمهور المصري، الذي يحرص على حجز تذاكر حفلاته مبكراً، وترفع حفلاته شعار «كامل العدد» في أغلب الأحيان داخل وخارج مصر.
وتوافد الجمهور المصري القادم من أحياء مدينة القاهرة والمدن المجاورة إلى قلعة صلاح الدين بعد فترة الظهيرة، بعد دفع تذكرة مخفضة بلغت قيمتها 20 جنيهاً مصرياً (الدولار الأميركي يعادل 16.5 جنيه مصري)، ووصل عدد المشاهدين الذين دخلوا موقع الحفل في تمام الرابعة عصراً أكثر من 5 آلاف مشاهد، بحسب محمد منير، المستشار الإعلامي لوزارة الثقافة المصرية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن عدد حضور حفل عمر خيرت بلغ أكثر من 15 ألف مشاهد، فيما بلغ عدد حضور كل حفلات الدورة الـ28 التي امتدت لأسبوعين نحو 130 ألف مشاهد، ما يعد أكبر حضور جماهيري في تاريخ مهرجان القلعة».
إقبال الجمهور المصري اللافت وخصوصاً من فئة الشباب على حفل خيرت (70 سنة) بالقلعة، قال عنه منير إنه «أعاد للموسيقى هيبتها، وأكد على تذوق المصريين للفنون والموسيقى الجيدة»، واصفاً حفل عمر خيرت في ختام مهرجان القلعة بـ«التاريخي»، لا سيما أنه أصبح مهرجان البسطاء والطبقات المتوسطة أو «مهرجان الشعب» بحسب منير. وأشاد عدد كبير من جمهور «السوشيال ميديا» في مصر بحفل خيرت الذي قدمه للجمهور «البسيط» و«العادي» بعيداً عن دار الأوبرا المصرية والمواقع الأخرى التي يزيد فيها متوسط سعر التذكرة على 700 جنيه مصري. وطالبوا بتقديم حفلات مشابهة خلال الفترة المقبلة.
وبعد نجاح حفل خيرت بالقلعة مع بقية الحفلات الأخرى، تدرس وزارة الثقافة حالياً تقديم مهرجانات غنائية مماثلة بمحافظات مصرية أخرى بالتنسيق مع وزارة الآثار، لإبراز جماليات المناطق الأثرية مع الفنون المتنوعة، تحقيقاً لاستراتيجية وزارة الثقافة بتطبيق العدالة الثقافية والفنية في مصر، وفق وزارة الثقافة.
واختتم مهرجان القلعة حفلاته مساء أول من أمس، بعد تقديم أمسيات موسيقية وغنائية على مدار أسبوعين متواصلين، وقالت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم في بيان صحافي، إن «نجاح مهرجان القلعة يعكس ثقة الجمهور المصري في المحتوي الفني والثقافي الهادف والجاد الذي يرتقي بالذوق العام وتقدمه الدولة من خلال وزارة الثقافة»، مشيرة إلى أن العروض أبرزت إمكانات القوة الناعمة في احتواء طاقات الشباب وتوجيهها بما ينعكس إيجابا على خطط تنفيذ محاور التنمية المستدامة». لافتة إلى أن «الحضور الجماهيري الكبير أثبت ارتفاع وعي أبناء الوطن وقدرتهم على مواجهة التطرف والأفكار الهدامة».
ورافقت خيرت في الحفل مجموعة من العازفين المتمكنين من بينهم عازفة الهارب منال محيي الدين وعازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز. وكان قد سبق حفل عمر خيرت يوم الأحد عرض لفرقة سوهاج للفنون الشعبية قدمت خلاله لوحات غنائية واستعراضية من جنوب مصر.
ويعد مهرجان القلعة للموسيقى والغناء الذي تأسس عام 1990 من أبرز المهرجانات الصيفية في مصر، وقدم في دورته الأخيرة 42 حفلاً موسيقياً وغنائياً متنوعاً لمطربين مصريين وعرب من بينهم: مدحت صالح، ومحمد الحلو، وعلي الحجار، ومجد القاسم وغيرهم. وكرمت وزيرة الثقافة خلاله 10 شخصيات فنية ساهمت في إثراء الساحة الفنية في مصر والوطن العربي، على غرار المطربين علي الحجار، ومحمد الحلو، ونادية مصطفى، وعازف الفيولينة ياسر الصيرفي، والفنانة جيهان مرسي مدير مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، وعارضة الباليه سحر حلمي، والدكتور مجدي بغدادي رئيس البيت الفني بالأوبرا، وغيرهم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».