عرض تابوت الملكة الفرعونية تاوسرت للمرة الأولى منذ اكتشافه

عُثر عليه قبل عقدين... ومصنوع من الجرانيت الوردي

تابوت الملكة تاوسرت سيعرض أمام الجمهور للمرة الأولى منذ اكتشافه
تابوت الملكة تاوسرت سيعرض أمام الجمهور للمرة الأولى منذ اكتشافه
TT

عرض تابوت الملكة الفرعونية تاوسرت للمرة الأولى منذ اكتشافه

تابوت الملكة تاوسرت سيعرض أمام الجمهور للمرة الأولى منذ اكتشافه
تابوت الملكة تاوسرت سيعرض أمام الجمهور للمرة الأولى منذ اكتشافه

سيتمكن الجمهور المصري والسياح الأجانب، للمرة الأولى، من مشاهدة التابوت الوردي للملكة تاوسرت آخر ملوك الأسرة الـ19 المصرية، والتعرف على الملكة التي حملت اسماً يعني «القوية»، والتي تعرضت آثارها للتدمير والتشويه من قبل خلفائها، ولم يبق منها إلا القليل. وتجري وزارة الآثار المصرية الآن عمليات ترميم وتنظيف التابوت تمهيداً لعرضه خلال أيام بمتحف الأقصر (جنوب مصر)، للمرة الأولى بعد مرور عقدين على اكتشافه.
وقال الدكتور مصطفي وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في تصريحات صحافية، إن «الوزارة قامت بنقل التابوت من مكان اكتشافه بمقبرة الملك بايKV13) ) بالبر الغربي بمدينة الأقصر، والمغلقة أمام الزيارة، إلى متحف الأقصر بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار المصرية، وسط إجراءات أمنية من قبل شرطة السياحة والآثار»، مشيراً إلى أنه «يجري الآن ترميم التابوت تمهيداً لعرضه داخل إحدى قاعات متحف الأقصر».
والتابوت المصنوع من الجرانيت الوردي، مزين بمجموعة من الرسومات التي تصور الآلهة الأربعة الحامية، أبناء حورس الأربعة، إضافة إلى نقوش الدعوات، والصلوات للمتوفى، وأعاد ابن الملك رمسيس الثالث، الأمير منتوحرخبش - إف، استخدام التابوت الذي عثر عليه عالم الآثار الألماني التن مول، داخل مقبرة الملك باي، والموجودة بالقرب من مقبرة الملكة تاوسرت، ويبلغ طول التابوت 280 سم، وعرضه 120 سم، وارتفاعه 150 سم، ويزن 6 أطنان، وفق الدكتور فتحي ياسين، مدير عام آثار القرنة بالأقصر.
والملكة تاوسرت هي آخر ملوك عصر الأسرة التاسعة عشرة، وحكمت منفردة لمدة عامين، ووثق الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، قصة هذه الملكة في كتابه «ملكات الفراعنة»، وقال إن «تاوسرت كانت زوجة الملك سيتي الثاني، الذي حكم مصر 6 سنوات، وانتقل العرش لابنه من زوجة ثانية: رمسيس بتاح أو سبتاح، وفي العام الثالث لحكمه احتاج سبتاح لشريك في الحكم نظراً لظروف مرضه، وقامت تاوسرت بهذا الدور».
وقال عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»، إن «سبتاح مات في العشرين من عمره، دون وريث للعرش، فتولت تاوسرت الحكم، واتخذت لقب ملك، وعدداً من الألقاب الملكية الأخرى مثل سات رع مري آمون، ومعناه ابنة رع، محبوبة آمون، مشيراً إلى أن «تاوسرت تولت الحكم في ظروف صعبة، وكانت الدولة ضعيفة، وفقدت عوائدها من الخارج، ونشبت حرب أهلية في طيبة (الأقصر)».
ويؤكد خبراء الآثار، من بينهم عبد البصير، أنه لا يعرف حتى الآن، ما إذا كانت تاوسرت قد ماتت بصورة طبيعية، أم أن خليفتها الملك ست نخت قد خلعها من العرش، كما يظهر في لوحته التذكارية بجزيرة إلفنتين بأسوان (جنوب مصر).
ولتاوسرت معبد غير مكتمل في الأقصر جنوب معبد الرامسيوم لرمسيس الثاني، وبنت مقبرة لها في وادي الملوك، لكن خليفتها ست نخت أول ملوك الأسرة العشرين أخذها لنفسه.
ويؤكد عبد البصير أن «آثار تاوسرت تعرضت للتشويه والتخريب، فيما يعرف عند الفراعنة بمحو الذكرى، ولم تعثر البعثات التي عملت في معبدها (معبد ملايين السنين)، على آثار كثيرة، ولا يعرف حتى الآن مكان مومياء تاوسرت، بعد أن اغتصب ست نخت مقبرتها، لكن النقوش في المقبرة تظهرها كملك»، مشيراً إلى أنه «في عام 1908 عثر إدوارد أيرتون على خبيئة مجوهرات الأسرة التاسعة عشرة في المقبرة الذهبية، رقم 56 بوادي الملوك، وبها اسما تاوسرت وسيتي الثاني، وبقايا الأثاث الجنائزي بمقبرة تاوسرت».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».