العلماء يكشفون أهمية شجرة السنط في حياة المصريين القدماء

لوحة تبين قيمة شجرة السنط من الناحية الدينية
لوحة تبين قيمة شجرة السنط من الناحية الدينية
TT

العلماء يكشفون أهمية شجرة السنط في حياة المصريين القدماء

لوحة تبين قيمة شجرة السنط من الناحية الدينية
لوحة تبين قيمة شجرة السنط من الناحية الدينية

كما كان لورقة البردي استخدامات دينية ودنيوية رفعت من قيمتها وأعلت من شأنها عند المصري القديم، حظيت أشجار بقيمة مميزة لا تقل أهمية عنها، لكنها لم تحظَ بالشهرة نفسها، أبرزها شجرة السنط، التي وثقت دراسة أثرية نباتية نشرت في العدد الأخير من مجلة اتحاد الآثاريين العرب، الشهر الحالي، قيمتها التاريخية عند المصريين القدماء.
وقدمت الدراسة التي أعدتها د. سهام السيد عيسى، أستاذ الآثار المساعد بجامعة كفر الشيخ، ود. تغريد السيد، الباحثة بمعهد بحوث البساتين بوزارة الزراعة المصرية، وصفاً تفصيلياً للاستخدامات الدينية والدنيوية المتعددة لهذه الشجرة، الأمر الذي دفع المصري القديم إلى تعيين حارس خاص بها، أطلق عليه اسم «مشرف شجرة السنط».
وبدأت الدراسة بوصف لهذه الشجرة التي يبلغ طولها من 15 إلى 20 متراً، وتحمل قروناً يبلغ طولها 15 سم بداخلها بذور تشبه الفاصوليا ذات لون بني، وهي معروفة كغذاء للحيوانات لقيمتها الغذائية العالية واحتوائها على المعادن والبروتينات المغذية، وكذلك فهي مصدر للأخشاب والصمغ، ولها استخدامات بيئية، حيث تستخدم لتحسين التربة القاحلة، لأنها تمد التربة بالنيتروجين والكربون العضوي.
وأبرزت الدراسة أهمية الشجرة من الناحية الدينية عند المصري القديم، وفق ما جاء في النصوص المعروفة بـ«نصوص الأهرام»، التي جاء فيها أن شجرة السنط كانت شجرة مقدسة للإله حور، وأنه احتمى بها من الأسود.
وكان لهذه الشجرة أيضاً ذكر في النصوص المعروفة باسم «متون التوابيت»، وجاء فيه أنه عندما مات وضع في تابوت من شجرة السنط، وأن الشجرة نمت حوله لإخفاء جثته، ويصور معبد دندرة هذا المشهد، حيث يظهر منظر لضريح أوزير وعلى يمينه ويساره الإلهة «نفتيس» والإلهة «إيزه»، وتنمو فوقه شجرة سنط.
وظهرت شجرة السنط أيضاً في كثير من المقابر، ومنها مقبرة خنسو بطيبة، وكان كاهناً في الأسرة 18 بعهد تحتمس الثالث، ويظهر خنسو وزوجته في المشهد المصور بالمقبرة وهما يجلسان في مقصورة خشبية، وأمامهما شجرة سنط، كما ظهرت الشجرة في مقبرة «خنم حتب الثاني» ببني حسن بمدينة المنيا، وتحمل هذه المقبرة رقم 3، وهي تعود للأسرة 12.
وألقت الدراسة الضوء كذلك على استخدام الشجرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء، إذ كانوا يصنعون منها الكراسي والتوابيت والتماثيل والسفن واللوحات، وقدمت الدراسة نماذج من هذه الاستخدامات، ومنها تمثال من شجرة السنط يصور رجلاً وزوجته من الأسرة الرابعة، وهو محفوظ في متحف اللوفر، وتمثال لميرت من الأسرة الخامسة، ومساند للرأس من الأسرة 11 وبداية الأسرة 12، وهما محفوظان في متحف الميتربوليتان... ومن المقتنيات الأخرى؛ كرسي من خشب السنط وعلبة زينة يعودان للأسرة الحديثة وهما محفوظان في المتحف البريطاني.
وأفردت الدراسة بعد ذلك مساحة كبيرة للاستخدامات الطبية لهذه الشجرة، حيث قدمت نحو 8 استخدامات لها، ومنها إعداد وصفة لمنع الحمل ورد ذكرها في وصفات بردية إبرس وحملت اسم «الوصفة 783».
وجاء في هذه الوصفة أن تطحن حبوب السنط والبلح والحنظل وتوضع مع كمية محدودة من العسل، وتبلل قطعة من الصوف بهذا المخلوط، وتوضع في رحم المرأة لمنع الحمل لمدة قد تصل إلى 3 سنوات.
وتنوعت الاستخدامات الطبية للسنط؛ ففي بردية إبرس أيضاً في الوصفة رقم 88 تم شرح كيفية استخدامه لإخراج الصديد من البطن، وتم وصف كيفية استخدامه في علاج الجروح في الوصفة رقم 527 من البردية نفسها، وفي بردية «برلين» حملت الوصفة رقم 151 كيفية استخدامه لعلاج النزيف، وحملت الوصفة رقم 223 من بردية «هيرست» كيفية استخدامه في تسكين آلام العظام المكسورة.
ولهذه الأهمية الدنيوية والدينية لشجرة السنط، كانت هناك ألقاب مرتبطة بها، اعتلى أصحابها أهمية كبيرة في المجتمع المصري القديم، ومنها «مشرف شجرة السنط»، وهو من الألقاب النادرة في مصر القديمة، التي ورد ذكرها على كتلة من الحجر من مقبرة شخص غير معروف يعود للأسرة الثالثة، وهي محفوظة في متحف تورونتو.
وسجل هذا اللقب أيضاً في متحف التحرير بالقاهرة في لوحة حجرية تعود للدولة القديمة، وتحمل رقم 1607.
وحول أهمية هذا البحث، تقول د. سهام السيد عيسى، أستاذ الآثار المساعد بجامعة كفر الشيخ، والباحثة الرئيسية بالدراسة لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر القديمة كان بها كثير من الأشجار، أغلبها تم تصويره على جدران المقابر والمعابد بطریقة اصطلاحیة، ولم یتم التعرف بوجه التأکید إلا على القلیل جداً منها، مثل السنط والنخیل والدوم والجمیز، وتمثل هذه الدراسة توثيقاً لأهمية شجرة السنط».
وتضيف أن «التعرف على الاستخدامات القديمة لهذه الشجرة قد يساعد الباحثين حالياً في عدة مجالات على توسيع نطاق الاستخدامات الحديثة لها، ففي مجال الصيدلة مثلاً يمكن الاستفادة من الخبرة المصرية القديمة لإنتاج أدوية حديثة مصدرها هذه الشجرة».



الذكاء الصناعي يقرأ الأفكار وينصّها

فك تشفير إعادة بناء الكلام باستخدام بيانات مسح الرنين المغناطيسي (جامعة تكساس)
فك تشفير إعادة بناء الكلام باستخدام بيانات مسح الرنين المغناطيسي (جامعة تكساس)
TT

الذكاء الصناعي يقرأ الأفكار وينصّها

فك تشفير إعادة بناء الكلام باستخدام بيانات مسح الرنين المغناطيسي (جامعة تكساس)
فك تشفير إعادة بناء الكلام باستخدام بيانات مسح الرنين المغناطيسي (جامعة تكساس)

طُوّر جهاز فك ترميز يعتمد على الذكاء الصناعي، قادر على ترجمة نشاط الدماغ إلى نص متدفق باستمرار، في اختراق يتيح قراءة أفكار المرء بطريقة غير جراحية، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق، حسب صحيفة «الغارديان» البريطانية.
وبمقدور جهاز فك الترميز إعادة بناء الكلام بمستوى هائل من الدقة، أثناء استماع الأشخاص لقصة ما - أو حتى تخيلها في صمت - وذلك بالاعتماد فقط على مسح البيانات بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي فقط.
وجدير بالذكر أن أنظمة فك ترميز اللغة السابقة استلزمت عمليات زراعة جراحية. ويثير هذا التطور الأخير إمكانية ابتكار سبل جديدة لاستعادة القدرة على الكلام لدى المرضى الذين يجابهون صعوبة بالغة في التواصل، جراء تعرضهم لسكتة دماغية أو مرض العصبون الحركي.
في هذا الصدد، قال الدكتور ألكسندر هوث، عالم الأعصاب الذي تولى قيادة العمل داخل جامعة تكساس في أوستن: «شعرنا بالصدمة نوعاً ما؛ لأنه أبلى بلاءً حسناً. عكفت على العمل على هذا الأمر طيلة 15 عاماً... لذلك كان الأمر صادماً ومثيراً عندما نجح أخيراً».
ويذكر أنه من المثير في هذا الإنجاز أنه يتغلب على قيود أساسية مرتبطة بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وترتبط بحقيقة أنه بينما يمكن لهذه التكنولوجيا تعيين نشاط الدماغ إلى موقع معين بدقة عالية على نحو مذهل، يبقى هناك تأخير زمني كجزء أصيل من العملية، ما يجعل تتبع النشاط في الوقت الفعلي في حكم المستحيل.
ويقع هذا التأخير لأن فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تقيس استجابة تدفق الدم لنشاط الدماغ، والتي تبلغ ذروتها وتعود إلى خط الأساس خلال قرابة 10 ثوانٍ، الأمر الذي يعني أنه حتى أقوى جهاز فحص لا يمكنه تقديم أداء أفضل من ذلك.
وتسبب هذا القيد الصعب في إعاقة القدرة على تفسير نشاط الدماغ استجابة للكلام الطبيعي؛ لأنه يقدم «مزيجاً من المعلومات» منتشراً عبر بضع ثوانٍ.
ورغم ذلك، نجحت نماذج اللغة الكبيرة - المقصود هنا نمط الذكاء الصناعي الذي يوجه «تشات جي بي تي» - في طرح سبل جديدة. وتتمتع هذه النماذج بالقدرة على تمثيل المعنى الدلالي للكلمات بالأرقام، الأمر الذي يسمح للعلماء بالنظر في أي من أنماط النشاط العصبي تتوافق مع سلاسل كلمات تحمل معنى معيناً، بدلاً من محاولة قراءة النشاط كلمة بكلمة.
وجاءت عملية التعلم مكثفة؛ إذ طُلب من ثلاثة متطوعين الاستلقاء داخل جهاز ماسح ضوئي لمدة 16 ساعة لكل منهم، والاستماع إلى مدونات صوتية. وجرى تدريب وحدة فك الترميز على مطابقة نشاط الدماغ للمعنى باستخدام نموذج لغة كبير أطلق عليه «جي بي تي - 1»، الذي يعتبر سلف «تشات جي بي تي».