الأوروبيون ناقشوا في هلسنكي مرحلة ما بعد قمة بياريتز

محادثات باريس مع الوفد الإيراني ستركز على الآلية المالية... وصادرات طهران إلى أوروبا تراجعت بنسبة 90 %

موغيريني مع وزير خارجية فنلندا بيكار هافيستو أمس (رويترز)
موغيريني مع وزير خارجية فنلندا بيكار هافيستو أمس (رويترز)
TT

الأوروبيون ناقشوا في هلسنكي مرحلة ما بعد قمة بياريتز

موغيريني مع وزير خارجية فنلندا بيكار هافيستو أمس (رويترز)
موغيريني مع وزير خارجية فنلندا بيكار هافيستو أمس (رويترز)

لم تصدر أي قرارات عن اجتماع هلسنكي لوزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» الذي جاء على هامش اجتماع الوزراء الأوروبيين في عاصمة فنلندا، التي تترأس الاتحاد حتى نهاية العام الجاري بموجب الرئاسة الدوارة. لكن غياب القرارات لا يعني أن الاجتماع لم يكن مهماً بسبب توقيته من جهة، وبسبب حاجة الأطراف الأوروبية الثلاث، وأيضاً الدول الأخرى في الاتحاد، إلى تأكيد توافقهم على سياسة واحدة إزاء الأوجه المختلفة للملف المذكور، وهو ما دعا إليه وزير الخارجية الفرنسي في خطابه أول من أمس، أمام سفراء فرنسا عبر العالم، بمناسبة مؤتمرهم السنوي. وسبق لوزراء الدفاع للبلدان نفسها أن انكبوا على هذا الملف من زواياه الأمنية والعسكرية، خصوصاً لجهة تشكيل «قوة» أو إطلاق «مهمة» بحرية أوروبية لحفظ الأمن وحرية الملاحة في مياه الخليج.
وبداية، جاء اجتماع الأوروبيين بين استحقاقين: الأول أنه يعقب قمة بياريتز للدول السبع، بما حملته من تطورات، كان أهمها نجاح الرئيس الفرنسي في إقناع الرئيسين الأميركي والإيراني بإمكانية لقائهما. ورغم تحذير إيمانويل ماكرون من أن ما تحقق ما زال «هشاً»، فإنه ذهب إلى حد اعتبار أن «الشروط الضرورية للقاء، ثم للتوصل إلى اتفاق، أصبحت متوافرة». ولذا كان على الوزراء الأوروبيين «متابعة» ما سمي «اختراقاً»، رغم التحفظات الإيرانية اللاحقة، والشرط الأساسي الذي عاد إليه الرئيس روحاني والوزير ظريف، من أنه يتعين على واشنطن القيام بالخطوة الأولى، ورفع العقوبات كافة عن إيران.
وأفادت مصادر دبلوماسية أوروبية بأن المهم بالنسبة للوزراء كان «الفصل بين ما هو للاستهلاك الداخلي الإيراني (أي لغة التشدد) والموقف الحقيقي لإيران، وما تقبله أو ترفضه»، بناء على ما نقله الوزير ظريف إلى الرئيس ماكرون، عندما استدعي إلى بياريتز يوم الأحد الماضي، بعد أن كان قد أجرى محادثات مطولة في باريس قبل ذلك بثمانٍ وأربعين ساعة.
أما الاستحقاق الثاني، فعنوانه وصول وفد إيراني بداية الأسبوع المقبل إلى باريس لمناقشة الجوانب الاقتصادية، وتحديداً الطرح الأوروبي القائم على إطلاق الآلية المالية المسماة «إنستكس».
والمبادرة الأوروبية تندرج في إطار الجهود المبذولة للمحافظة على الاتفاق النووي، وتمكين طهران من الاستمرار في الاستفادة من المنافع التي وفرها الاتفاق، رغم العقوبات الأميركية. وسبق لطهران أن هددت أوروبا بتنفيذ المرحلة الثالثة من تخليها التدريجي عن بعض بنود الاتفاق في الأيام الأولى من سبتمبر (أيلول)، في حال لم تتمكن أوروبا من الاستجابة لمطالبها. وتمثل الآلية «الرد» الأوروبي الأساسي على المطالب الإيرانية. وبحسب أكثر من مصدر، فقد اقترح ماكرون على ظريف، في لقاء الجمعة الماضي، أن يقوم الأوروبيون بضخ مبلغ 15 مليار يورو لهذه الآلية، للتمكن من إطلاقها بعد 8 أشهر من الحديث عنها، على أن تتضمن النفط الإيراني. وسيجري وفد طهران محادثات مع الفرنسيين بالدرجة الأولى، ولكن أيضاً مع ممثلين ألمان وبريطانيين. ورغم اهتمام الإيرانيين بهذا الطرح، فإن مجموعة أسئلة ما زالت حتى اليوم من غير إجابات، وأبرزها طبيعة المعاملات التي ستشملها الآلية، علماً بأن الطرف الإيراني يريد أن يكون النفط على رأسها. والحال أن أي مسؤول أميركي لم يفصح عما إذا كانت واشنطن مستعدة لتخفيف سياسة الضغط على طهران بشأن صادراتها النفطية، التي عنوانها «تصفير» هذه الصادرات. ويفيد مركز الإحصاء الأوروبي أن المعاملات التجارية بين الأوروبيين وإيران قد انهارت في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري. فصادرات إيران إلى أوروبا تراجعت بنسبة 90 في المائة، بينما وارداتها من أوروبا انخفضت بدورها بنسبة 53 في المائة. أما المقترح الفرنسي فيقوم على تمكين إيران، ولفترة محدودة، من تصدير كميات من نفطها، مقابل العودة عن تخليها عن عدد من بنود الاتفاق النووي، والالتزام بعدم انتهاك آخر، وخصوصاً الامتناع عن تخصيب اليورانيوم.
وأفادت تقارير متداولة بأن إيران تطالب عملياً «وليس كما يقوله مسؤولوها علناً» بتصدير كميات تتراوح بين 700 و1.5 مليون برميل يومياً. ولاستكمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن باريس تطالب «على غرار الولايات المتحدة الأميركية» بأن تقبل طهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومناقشة برامجها الصاروخية - الباليستية، وسياستها الإقليمية التي ينظر إليها على أنها «مزعزعة للاستقرار». والحال أن المسؤولين الإيرانيين يبدون رفضاً للسير على هذه الطريق، مما يجعل الحديث عن تحقيق «اختراق» محفوف المخاطر.
وفي حديثها إلى الصحافة عقب الاجتماع مع الوزراء الثلاثة، قالت ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية فدريكا موغيريني، التي ستترك منصبها بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إن دورها هو «السهر» على تنفيذ الاتفاق الموقع مع طهران، مضيفة أن الجهود التي بذلت في إطار قمة السبع لإنقاذ الاتفاق «لا يمكن أن تحل محل ما يقوم به الاتحاد نفسه»، لكنها أردفت أنها لا ترى مانعاً إذا تم التوصل إلى اتفاقات أخرى تكمل الاتفاق المهدد، بالتوازي مع تشديدها على الاتفاق الذي ترى فيه «عاملاً أساسياً» لمنع انتشار السلاح النووي.
ورأت مصادر أوروبية أن كلام موغيريني «ربما يعكس نقمتها» من إبعادها عما حصل في بياريتز، علماً بأنها كانت تترأس مجموعة التفاوض «5 زائد 1» التي وقعت الاتفاق مع طهران. ودعت موغيريني إلى عدم تناسي الطرفين الآخرين الموقعين على الاتفاق، وهما روسيا والصين.
وبموازاة ذلك، ما زال ملف ضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز ومياه الخليج موضع تباعد بين الأوروبيين. وأمس، دعا دومينيك راب إلى تشكيل «أوسع دعم دولي ممكن لمواجهة التهديدات للملاحة الدولية في مضيق هرمز»، لكن التحاق لندن بالمبادرة الأميركية لإقامة تحالف دولي بحري أضعف الجهود الأوروبية. ورفض الأوروبيون الاحتذاء بلندن، وشددوا على الحاجة لمبادرة أوروبية صرف، لا تشكل «استفزازاً» لإيران. وهدف الأوروبيين إطلاق «بعثة مراقبة»، فيما ترفض فرنسا مبدأ إرسال قطع بحرية إضافية إلى المنطقة، لكن ثمة شكوكاً قوية في قدرتهم على السير بمشروعهم هذا حتى خواتيمه.


مقالات ذات صلة

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

صحتك رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

كشفت دراسة مكسيكية أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن كبار السن أكثر قدرة على تحمل موجات الحرارة مقارنة بالشباب.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».