مشروع «إحياء مدينة المحرّق» يفوز بجائزة «الآغا خان» للعمارة

ضمن 5 مشاريع عالمية تعتمد التوازن البيئي والاستدامة

صورتان من مشروع إحياء مدينة المحرق الذي فاز بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019 (الشرق الأوسط)
صورتان من مشروع إحياء مدينة المحرق الذي فاز بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019 (الشرق الأوسط)
TT

مشروع «إحياء مدينة المحرّق» يفوز بجائزة «الآغا خان» للعمارة

صورتان من مشروع إحياء مدينة المحرق الذي فاز بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019 (الشرق الأوسط)
صورتان من مشروع إحياء مدينة المحرق الذي فاز بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019 (الشرق الأوسط)

أعلنت جائزة الآغا خان للعمارة أمس، من مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسيّة فوز مشروع «إحياء مدينة المحرّق» بالجائزة لهذا العام إلى جانب خمسة مشاريع من دول أخرى.
واعتبرت الجائزة أن مشروع «إحياء مدينة المحرق»، يسلّط الضوء على تاريخ صيد اللؤلؤ في موقع التراث العالمي، وقد بُدء به ضمن سلسلة من مشاريع الترميم وإعادة الاستخدام.
وأضاف بيان الجائزة أن المشروع تطور لاحقاً ليصبح برنامجاً شاملاً يستهدف إعادة توازن التركيبة السكّانية للمدينة، وذلك من خلال إنشاء مساحات عامة، وتوفير أماكن مجتمعية وثقافية، وتحسين البيئة العامة.
بدورها قالت الشيخة مي آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار: «من جديد، تثبت مدينة المحرّق أنها جديرة بالمنجز الإنساني والحضاري، بالأمس كانت عاصمة الثقافة الإسلامية، واليوم تكتسب عنواناً ثقافياً جديداً مع فوز مشروع إعادة إحياء منطقة المحرّق بجائزة الآغا خان للعمارة».
كما اعتبرت فوز مملكة البحرين بواحدة من أهم وأقدم الجوائز المرموقة في مجال العمارة على الصعيد العالمي يؤكد أهمية الاستثمار في المقومات الحضارية والثقافية، مشيرةً إلى أن ذلك يعد من أهم وسائل صناعة السياحة الثقافية وتحقيق التنمية المستدامة التي ترتقي بالمجتمع المحلي وتجذب الزوّار من شتى أنحاء العالم.
وأوضحت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن العمل على إعادة إحياء التراث الحضاري والعمراني لمدينة المحرّق متواصل عبر إنجاز ما تبقّى من عناصر موقع طريق اللؤلؤ المسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو وعبر جهود القطاع الأهلي في المحرّق، إضافة إلى إعطاء المحرّق مكانتها ودورها في صناعة الحراك الثقافي وما فيه من ممارسات إبداعية وفنية وأدبية.
وحسب بيان الجائزة، فقد بدأ المشروع كسلسلة من أعمال الترميم وإعادة الاستخدام التكيفي لعدد من الصروح التابعة لمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وتطوَّر المشروع ليصبح برنامجاً شاملاً تحتضنه هيئة البحرين للثقافة والآثار بعنوان «مسار صيد اللؤلؤ، شاهد على اقتصاد جزيرة» والذي أُدرج على لائحة التراث العالمي لليونيسكو عام 2012.
ويسلط المشروع الضوء على تاريخ صيد اللؤلؤ في المدينة ويهدف إلى إعادة التوازن بين التركيبة الديموغرافية، وإغراء العائلات المحلية عبر إدخال تحسينات على البيئة وتوفير الأماكن المجتمعية والثقافية.
تتضمن عملية الحفاظ على وترميم المباني التقليدية إعادة أبراج الرياح المفقودة للتحكم في المناخ الطبيعي، إضافة إلى ضرورة تطابق المواد المستخدمة مع النسخ الأصلية، ولا سيّما حجر المرجان المعاد استخدامه من الهياكل المهدمة، والخشب. وأصبحت مادة «تيرازو» (المؤلفة من قطع من الرخام أو الغرانيت أو الزجاج والتي تُخلط مع الإسمنت) مشهورة في المنطقة في الأربعينات من القرن الماضي للأرضيات، وهي تُستخدم على نطاق واسع في مد الطرق، وتحتوي على بقايا قواقع المحار.
والمشاريع الخمسة الفائزة، بالإضافة إلى مشروع إحياء مدينة المحرّق هي: «مشروع أركادیا التعليمي»، جنوب كنارشور (بنغلاديش)، وهو عبارة عن هيكل معماري، يضم مدرسة تحضيرية، ومكاناً لسكن الطلاب، ودار حضانة ومركزاً للتدريب المهني، ويأخذ المشروع مقاربة جديد لموقع نهري غالباً ما تغمره المياه لمدة خمسة أشهر من كل عام.
والمشروع الثالث هو «المتحف الفلسطيني» في مدينة بیرزیت، حيث يتوج المتحف تلة مدرجات تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهو حاصل على شهادة الريادة الذهبية في الطاقة والتصميم البيئي بسبب اعتماده تقنيات البناء المستدام.
والمشروع الرابع هو «برنامج تنمية الأماكن العامة» في جمهورية تتارستان، وهو برنامج قام حتى الآن بتحسين 328 مكاناً عاماً في جميع أنحاء تتارستان.
والمشروع الخامس هو «مبنى محاضرات جامعة عليون ديوب» في بامبي السنغال، إذ فرضت ندرة الموارد استخدام استراتيجيات المناخ الحیوي، حیث إن المبنى عبارة عن مظلة سقف مزدوجة وكبیرة تؤمّن الحمایة من أشعة الشمس وتسمح بدخول الهواء.
يشار إلى أن جائزة الآغا خان للعمارة تأسست في عام 1977، وذلك بهدف تحديد وتشجيع الأفكار الرائدة في مجالات البناء، التي تنجح في تلبية احتياجات وطموحات المجتمعات التي يوجد فيها المسلمون بشكل كبير.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)