حب المجوهرات يسري في جينات العائلة، فمايا ومينا وزينات هنّ بنات أسرة عشقت اللآلئ والأحجار الكريمة منذ سنوات طويلة. والدهنَ شاندرو موكهي ورث بدوره حب المجوهرات عن عائلته الهندية المعروفة في هذا المجال منذ عام 1875، ووالدتهنّ اللبنانية عفّت كريديّة، هي المرأة التي تقف خلف العلامة التجارية في المجوهرات Effys منذ عام 1982. إذن، لا عجب أن يكون هذا الشغف متجذراً في قلوب الأخوات الثلاث اللواتي صنعن لأنفسهن خطاً جديداً، متسلحات بتراث عائلة، وتنوع حضارات واختلاف ثقافات وإبداع حقيقي.
طفولة الأخوات موكهي، كما يصفنها لـ«الشرق الأوسط»، كانت حافلة بالعروض الخاصة، والمعارض التجارية والمناقشات الغنية في فن تصميم المجوهرات وصناعته، وهذه الخلفية الاستثنائية أغنت ماركتهن. ترفض المصممات الثلاث حصر أنفسهن بمصادر إيحاء واحدة، فـ «كل شيء وأي شيء» يشكل إلهاماً لهنّ، لكنهن أحياناً يجدن أنفسهن يذهبن إلى بعض تصاميم العائلة، وإلى قطع كان لها تأثيرها، أو إلى الأحجار الكريمة نفسها. لكن يظل المصدر الأقوى هو حياتهن اليومية بكل تفاصيلها.
بحسب الأخوات موكهي، خلف كل قطعة من تصاميمهن تعيش حكاية، من الحجر إلى التصميم إلى العناية بأدق التفاصيل، وعن سبب اختلاف علامتهن التجارية عن غيرها، يقلن: «كل عام، نقدم مجموعة رئيسية مستوحاة من عناصر ذات معنى وحتى من الناس. نحن نصمم القطع الخاصة التي لا تعد شائعة في هذه الصناعة التنافسية. نحب الترحيب بالزبونات في متجرنا، نتبادل قصصنا معهن، ونصغي إلى قصصهن لنساعدهن ليس فقط في شراء القطعة، بل لجعلهن مرتاحات، ويتمتعن بالثقة الكاملة عند التزيّن بها».
وعند سؤالنا عن الرسالة التي تقف خلف هذه الماركة، يشوب الكلام الكثير من الشغف: «الرسالة تكمن في تحويل القصة والتجربة الشخصية إلى مجوهرات تعكس هوية حقيقية، فتصبح كل قطعة من قطع المجوهرات بمثابة محادثة ونقاش مترجمة بإشعاع وطاقة فريدة». ولعلّ فلسفة الأخوات هي أن تعكس التصاميم أسلوب كل واحدة منهن. فالاختلاف الحتمي بين الشخصيات يجعل كل العناصر المتناقضة تتجانس، بين العصري والكلاسيكي، بين الرصانة والجرأة، بين الهدوء والقوة. فـ«التصاميم هي سلسلة من المشاعر والأحاسيس القوية التي تنصهر وجمال الأحجار الكريمة، وروعة الذهب والماس، لينتج منها قطع مجوهرات أنيقة. أحدث مجموعة مثلاً تركز على تمكين المرأة، وكيف تتحمل المسؤولية، والقوة الداخلية الموجودة بداخلها».
رغم أنهن يعملن مع بعض طوال الوقت، فإنهن يحرصن على فصل الحياة المهنية عن العائلية. فعندما يخرجن للعشاء، يتجنبن الحديث عن العمل ويركزن على حياتهن الخاصة. أما في العمل، فإنهن ينشغلن بمهامهن انشغالاً تاماً. ويُشرن إلى أن هذا الفصل جزء من النجاح والاستمرارية.
الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)
منذ 6 سنوات، اختارت الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من السنة لكي يكون مناسبة متجددة للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي مبادرة باتت عالمية، اسمها «فاشن تراست آرابيا»، هدفها اكتشاف المصممين الصاعدين ودعمهم مادياً ومعنوياً ولوجيستياً. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتفتح لهم منصات ومحال عالمية مثل «هارودز» أبوابها لتستعرض إبداعاتهم أمام زبائنها.
هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.
أما جائزة الإكسسوارات، فكانت من نصيب ريم حامد من مصر، وجائزة فرانكا سوزاني، وتقدر بـ50 ألف دولار، للموهبة الصاعدة سيلويا نزال وهي فلسطينية - أردنية، بينما حصلت بتول الرشدان من الأردن على جائزة Fashion Tech، وكل من زافي غارسيا وفرانكس دي كريستال على جائزة البلد الضيف: إسبانيا.
لم يفز أي مغربي في هذه الدورة، باستثناء المصمم شرف تاجر مؤسس علامة «كازابلانكا» الذي حصل على جائزة شرفية بوصفه رجل أعمال. لكن فازت مراكش بالجائزة الكبرى بلا منازع. كانت المضيف والضيف القوي في الوقت ذاته. حضورها كان طاغياً وجمالها آسراً تجلى في مبانيها وقدرات حرفييها على تحويل الأحجار إلى لوحات فنية سواء في زخارف الجدران أو جص الأسقف أو فسيفساء الأرضيات، فضلاً عن فخامة الأبواب. ليست مبالغة إن قلنا إنها، أي مراكش، سرقت الأضواء وألهبت وسائل التواصل الاجتماعي. كانت خير تغيير للدوحة، البلد الأم. فالفعالية التي شهدت الدوحة ولادتها منذ 6 سنوات واحتفلت فيها لحد الآن بكل نسخها السابقة، بما فيها اثنتان؛ الأولى افتراضية بسبب جائحة «كورونا» وما ترتب عليها من منع السفر، والأخرى أُلغيت بسبب أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) في العام الماضي، وما ترتب عليها من حالة نفسية لم تفتح النفس على الاحتفال. ومع ذلك فإن إلغاء السفر لم يحرم الفائزين من أخذ فرصهم. فقد تسلموا جوائزهم ونالوا نصيبهم من التدريب والتطوير بفضل التكنولوجيا.
هذا العام، ولأول مرة، تخرج الفعالية من مسقط رأسها. جاء اختيار مراكش، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024»، وهي مبادرة تقود التبادل الثقافي وتشجع الحوار القائم على الخبرات المشتركة في شتى الفنون. وبما أن «الموضة لغة فنية» كما قال النجم المصري أحمد حلمي، منشط الحفل لهذا العام، كان من الطبيعي أن تُفكر «فاشن تراست آرابيا» في المشاركة في هذه الفعالية بكل قوتها، وهكذا على مدى 3 أيام و3 ليالٍ، شهدت المدينة حركة ربما تعوّدت عليها منذ سنوات طويلة، إلا أنها اكتسبت جمالية أكبر هذه المرة نظراً لنوعية الضيوف. فقد نجحت «فاشن تراست آرابيا» في أن تجمع في نفس المكان والزمان نجوم السينما ووسائل التواصل الاجتماعي والعارضات العالميات بصناع الموضة، لتكتمل الخلطة.
فليس جديداً أن تجذب مراكش النجوم وصناع الموضة. تشدهم للاستقرار فيها أو لقضاء إجازاتهم أو إقامة مناسباتهم المهمة فيها، بدليل أن إيف سان لوران كان من عشاقها كذلك المصمم المخضرم روميو جيلي وغيره ممن استقروا فيها. الجديد أن «فاشن تراست آرابيا» كشفت لمَن سمعوا عنها ولم يُسعفهم الحظ بزيارتها من قبل خباياها وأسرارها الكامنة في معمارها الفريد وديكورات بيوتها العريقة وقصورها التاريخية وألوان صحاريها.
يوم توزيع الجوائز، كان قصر البديع واحداً من هذه الأماكن. فيه تم استقبال الضيوف وتسليم الجوائز. كل ركن فيه كان يعبق بالتاريخ والحرفية، من أبوابه الخشبية إلى مياهه وهيبة أسواره التي تحكي كل طوبة بُنيت بها قصة وإنجازات بطولية. كل هذه التفاصيل شكلت خلفية رائعة لم يستطع الحضور المتميز، بدءاً من كارلا بروني إلى إيشا أمباني، ابنة الملياردير موكيش أمباني، رئيس شركة ريليانس أو ماي ماسك، والدة إيلون ماسك وغيرهن، منافستها بريقاً.
حضور الأميرة المغربية لالة حسناء الحفل وتقديمها جائزة «فاشن تراست آرابيا» للفائزة في فئة أزياء السهرة، ياسمين منصور، كان له مفعول السحر، لأنه وبكل بساطة وضع المكان في إطاره التاريخي المهيب، باستحضاره جلسات الملوك والأمراء وهم يحتفلون بالنجاحات والإنجازات بعد كل انتصار. كان واضحاً أن علاقتها بالشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني قوية وفخرهما بكل ما هو عربي ومغربي واضح. اختارت الأميرة قفطاناً عصرياً طُرِّز بالأصالة الممزوجة بالمعاصرة. بفخامة هادئة أبدعتها أنامل «معلم» محترف، لم يحتج إلى أي تطريزات براقة ومبالغ فيها. الشيخة المياسة بدورها استعملت لغة دبلوماسية راقية؛ حيث ارتدت فستاناً بتفاصيل مبتكرة من تصميم المغربي محمد بن شلال، الذي فاز بجائزة «فاشن تراست آرابيا» عام 2021 عن فئة أزياء المساء والسهرة. منذ ذلك الحين، وهو ينتقل من نجاح إلى آخر إلى حد أن أميرات أوروبا وملكة هولندا، ماكسيما، يعتمدن تصاميمه في المناسبات الرسمية والخاصة.
إنجازاته بعد حصوله على الجائزة لا تترك أدنى شك بأن الفعالية ليست مجرد حفل كبير يلتقي فيه النجوم بقدر ما هي جادة في أهدافها وتحمسها للمصممين العرب. وهذا ما تؤكده تانيا فارس، مؤسسة «فاشن تراست» التي بعد مسيرة طويلة في العمل مع مجلس الموضة البريطاني وغيره، تدعم مصمميها الشباب، رأت أن الوقت حان لتصوب أنظارها نحو المنطقة العربية. تقول: «انتبهت أننا لا نفتقر إلى المواهب، كل ما نفتقر إليه هو منصات وجهات تدعمها وتُخرج ما لديها من إمكانات ومهارات». وهكذا شكَّلت مع الشيخة المياسة ثنائياً ناجحاً، لا سيما أن وجهات النظر واحدة كذلك الأهداف.