عروض «متروفون» الفنية... عودة إلى أغاني الزمن الجميل

تستعيد أهم نجوم السبعينات والثمانينات

سامي الصيداوي من الفنانين المكرّمين على مسرح «متروفون»
سامي الصيداوي من الفنانين المكرّمين على مسرح «متروفون»
TT

عروض «متروفون» الفنية... عودة إلى أغاني الزمن الجميل

سامي الصيداوي من الفنانين المكرّمين على مسرح «متروفون»
سامي الصيداوي من الفنانين المكرّمين على مسرح «متروفون»

كل ما يخطر على بالك من أغانٍ حفظتها من «ربيرتوار» أغاني السبعينات والثمانينات لنجوم رحلوا، وشكلوا مدارس فنية في لبنان والعالم العربي، تقدمها عروض «متروفون» على خشبة مسرح «مترو المدينة» في بيروت.
فكما الراحلَين فريال كريم وسامي الصيداوي، كذلك منى مرعشلي وحليم الرومي، وغيرهما من المغنين اللبنانيين الذين تركوا إرثاً فنياً غنياً لا تزال الساحة الفنية تعبق بعطره حتى اليوم، فتستذكرهم حفلات «متروفون» التي خصصت لهؤلاء عروضاً تكريمية على طريقتها.
«إننا نهدف إلى تعريف الجيل الجديد من الشباب اللبناني على مكتبتنا الفنية القديمة، وكذلك على نجوم لم يأخذوا حقهم الأدبي والمعنوي كما يجب في حقبة سابقة».. تقول لارا نهرا مسؤولة التسويق في «متروفون»، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا تقتصر هذه العروض الفنية على أغاني هؤلاء، بل أيضاً على ديكورات المسرح، وتسريحات الشعر، والأزياء التي كانت ترافقهم في فترة السبعينات والثمانينات، ولا تزال محفورة في ذاكرتنا».
هذه العروض التي تتلقفها مدينة بيروت منذ نحو 4 سنوات حتى اليوم تجري بشكل أسبوعي أو شهري، حسب البرنامج المعد لها من قبل منظميها. «أحياناً نقدم العرض نفسه لأسبوعين متتاليين، ومرات أخرى نفصل بينها بمسافات متباعدة، وذلك حسب العرض والطلب وطبيعة المواسم التي تحدد لنا ذلك».. توضح لارا في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتتابع: «اللبنانيون من مختلف الشرائح والأعمار تستقطبهم هذه الحفلات، فنرى الابتسامة ترتسم لا شعورياً على ثغرهم عندما يستمعون إلى تلك الأغاني، كونها تذكرهم بلحظات لا ينسونها».
وتجري العروض هذه ضمن قالب فني يرتكز على حضور مذيع على الخشبة، هشام جابر، يروي مقتطفات من مسيرة هذا الفنان أو ذاك، ليتبعها بأغانٍ تعزف مباشرة أمام الجمهور. وتؤكد لارا نهرا أن حفلات فريال كريم وطروب ومحمد جمال، وكذلك منى مرعشلي، تلاقي نجاحاً باهراً، مما يدفعهم إلى تكرارها أكثر من مرة.
«إن حفلات متروفون مخصصة للنجوم اللبنانيين الراحلين، فيما نقدم على المسرح نفسه عروضاً فنية أخرى تشمل عمالقة الغناء في العالم العربي، كليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش وغيرهم».. تقول لارا نهرا في معرض حديثها.
ومن جديد هذه الحفلات واحدة لشادية وعبد الحليم حافظ، ستقدم على المسرح المذكور في 24 أغسطس (آب) الحالي. «في هذا العرض، سنستمع إلى أشهر أغاني هذا الثنائي المصري، بصوتي ياسمينا فايد وإيلي رزق الله. وهي تعد من الأمسيات التي تستقطب جمهوراً لا يستهان به».. تقول لارا نهرا التي تشير إلى أن حفلات مشابهة للراحلة أم كلثوم، يحييها المطرب عبد الكريم الشعار، تلاقي أيضاً النجاح نفسه. ومن الحفلات التي ينتظرها بحماس عدد كبير من اللبنانيين «عندما يأتي المساء»، التي تقدم أجمل ما غناه الراحل محمد عبد الوهاب.
أما في عرض «كابتن بوب»، لفادي أبو شعيا، فيتم استذكار أغاني أفلام ومسلسلات حصدت جماهيرية كبيرة في الفترات التي عرضت فيها على الشاشة الصغيرة. فـ«مشاهدو مسلسلات (اخترب الحي) و(ماريا مرسيدس) و(بربر آغا) و(باب الحارة) و(10 عبيد صغار)، وغيرها، يستمتعون بسماع (جنريكاتها) مباشرة على المسرح، فيتفاعلون معها رقصاً وغناءً، مما يجعل أجواء المسرح أكثر من رائعة».. تصف لارا نهرا هذا العرض، وتضيف: «ولا ننسى في عروض أخرى تقديم أغنيات التسعينات الشّهيرة كـ(عازز علي النوم) لهادي هزيم، و(يا ريت فيي خبيها) لراغب علامة، و(سعيدة ليلتنا) للراحلة صباح، وغيرها، فنقدمها في عرض (ريلاكس إف إم)، ودائماً على مسرح (مترو المدينة)».
وتؤكد نهرا أن غالبية اللبنانيين لا يزالون يحنون إلى تلك الحقبات من الأغنية اللبنانية الأصيلة التي لم تعد الساحة اليوم تفرز ما يشبهها. «هناك حفلات كثيرة نستحدثها من وقت لآخر لإجراء نوع من التغيير في برنامجنا الفني، تشمل الراحل نصري شمس الدين، بعنوان (الطربوش)، وأم كلثوم بعنوان (عمري كلو)، وأخرى كـ(عوالم شارع عماد الدين)، و(هشك بشك)، و(بار فاروق)، وغيرها من التي نقدمها أيضاً على مسرح (مترو المدينة) بشكل دائم، وفي مواعيد محددة، للنجاح الذي تحققه».. تختم لارا نهرا حديثها لـ«الشرق الأوسط».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».