مدينة بالغرب الليبي تتحدى الحرب بفرح جماعي

زفاف 150 عريساً وسط حضور جماهيري واسع

مدينة بالغرب الليبي تتحدى الحرب بفرح جماعي
TT

مدينة بالغرب الليبي تتحدى الحرب بفرح جماعي

مدينة بالغرب الليبي تتحدى الحرب بفرح جماعي

على وقع أصوات آلة الدنقة وترديد الأهازيج الشعبية، احتفل مئات الليبيين، بزفاف 300 عريس وعروس، في بلدة الأصابعة بغرب البلاد، متغاضين عن أجواء التوتر التي تسود مناطقهم منذ قرابة 4 أشهر، بسبب العملية العسكرية على العاصمة طرابلس.
والأصابعة، التي تقع في جبل نفوسة بالجبل الغربي وتبعد عن طرابلس 120 كيلومتراً، لم تسلم من تداعيات الحرب، التي أوقعت قتلى ومصابين من أبناء البلدة في قصف عشوائي استهدف بعض بناياتها.
وافترش مئات المدعوين من مختلف الأعمار الأرض المفروشة بالسجاد الأخضر يتناولون الطعام، عقب عقد القران الجماعي، مساء أول من أمس، وبحضور جميع العرسان، وسط حالة من الفرح عمت الحاضرين.
وعبّر أحمد الزرقاني، وهو مهندس كومبيوتر، عن سعادته بهذا الحدث، واصفاً الأصابعة بأنها «مدينة السلام»، وقال: «الليلة الماضية تم زفاف 300 شاب وشابة من أبناء المدينة في عُرس جماعي».
وأضاف عبر حسابه على «فيسبوك»: «كم أشعر بالسعادة عند سماعي مثل هذه الأخبار، لكن أتألم عندما أسمع بموت الشباب في جبهات القتال».
وتكثر حفلات الزواج الجماعي في بعض المدن الليبية، بهدف تقليل النفقات على أسرة الشباب المقبلين على حياة جديدة، أو لتوحيد الجميع في مناسبة واحدة يتجمع فيها أهالي البلدة، وهو ما أشار إليه الزين عبد الرؤوف، من بلدة الأصابعة، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إذ قال إن فكرة الزفاف الجماعي «مفيدة لجميع الأطراف، لأنها تقلل النفقات على الأُسر»، بالإضافة إلى أن تجميع الأهالي في مكان واحد يعطي للفرح بهجة أكثر.
وأضاف عبد الرؤوف، وهو متزوج من عامين، أن «أجواء الحرب التي تعيشها ليبيا، وخاصة المنطقة الغربية لم تؤثر على الحياة الاجتماعية كما يتصور البعض»، متابعاً: «الجميع هنا يعيش حياة طبيعية، فنحن تعودنا على الحروب منذ أكثر من ثماني سنوات»، متمنياً أن يتم تعميم هذه التجربة في جميع المدن والبلدات الليبية.
وتختلف الاحتفالات بالعُرس من منطقة إلى أخرى في ليبيا، لكنها تظل شديدة الخصوصية كلما تطرقنا إلى جنوب البلاد، الذي يضم مدناً وبلدات شديدة الفقر أكثر مما سواها.
ويدعم «صندوق دعم الزواج» في ليبيا مئات من الزيجات، بالمال والمساعدات العينية مثل تأثيث شقة الزوجية، وسط حرص كبار الشخصيات والمشايخ والأعيان والمسؤولين على مساندة مبادرات الأعراس الجماعية، والإسهام في تكاليفها، والحرص على حضورها، ومشاركة أبنائهم فرحتهم، مساهمة في الحد من ظاهرة العنوسة في ليبيا.
وفي داخل خيمة كبيرة جلس العرسان من أبناء الأصابعة في مجموعات صغيرة يتلقون التهاني من المدعوين في أجواء احتفالية، تخللها إلقاء للشعر الشعبي، والرقص على أنغام آلة الدنقة، التي تشبه الطبلة، على حد كبير.
وكانت مدينتا درج وغدامس بالجنوب الليبي، شهدت حفلاً مماثلاً وصف بأنه الأكبر منذ انتشار ظاهرة الزواج الجماعي، وشارك فيه 250 عريساً من مختلف المناطق الليبية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».