ميته فريديريكسن... الزعيمة الدنماركية الشابة التي أعادت الاشتراكيين للسلطة من بوابة اليمين

حربها الكلامية مع دونالد ترمب حول غرينلاند أعطتها منبراً دولياً

ميته فريديريكسن...  الزعيمة الدنماركية الشابة التي أعادت الاشتراكيين للسلطة من بوابة اليمين
TT

ميته فريديريكسن... الزعيمة الدنماركية الشابة التي أعادت الاشتراكيين للسلطة من بوابة اليمين

ميته فريديريكسن...  الزعيمة الدنماركية الشابة التي أعادت الاشتراكيين للسلطة من بوابة اليمين

لم يمض على تسلم ميته فريديريكسن (41 سنة) منصبها شهرين حتى دخلت أصغر رئيسة وزراء في تاريخ الدنمارك وثاني سيدة تشغل المنصب في تلاسن مع دونالد ترمب رئيس أعظم دولة في العالم.
الجدل بدأ عندما تحدث الرئيس الأميركي عن رغبته بشراء غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم وجزء من الملكية الدنماركية. ولما كان كلامه بدا مزحة في البداية، جاء رد فريديريكسن عليه بقياس هذا التقدير. إذ وصفت عرضه بـ«اللامعقول»، مضيفة أنها تأمل بأن يكون الأمر عبارة عن مزاح من جانب ترمب. ولكن رد ترمب ليؤكد لها أنه كان بغاية الجدية. ووصفها بدوره بأنها امرأة «سيئة». وذهب لأبعد من ذلك، ملغياً «زيارة دولة» إلى الدنمارك كانت مقرّرة في مطلع سبتمبر (أيلول). وهكذا، أوقع سفيرته في كوبنهاغن في إحراج كبير بعدما كانت قد غرّدت على «تويتر» قبل ساعات بأنها تتطلع لزيارته، ورمى الدبلوماسية الأميركية في حالة من الفوضى. وعلى الفور، بدأت اتصالات إعادة تصحيح العلاقات مع حليف أوروبي مهم، فاتصل وزير الخارجية الأميركي بنظيره الدنماركي ليؤكد أهمية «الصداقة» مع بلاده، وعادت السفيرة الأميركية لتغرّد بأن العلاقات بين الدولتين متينة وقوية. أما فريديريكسن نفسها، فقد أبدت أسفها على إلغاء ترمب زيارته مع إعرابها عن حرصها على التأكيد بأن ذلك لن يؤثر على العلاقات الثنائية.

اللافت في التلاسن الذي تفجر أمس بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيسة وزراء الدنمارك ميته فريديريكسن أن «بطليه» يتشابهان في بعض النواحي. ولو أنهما التقيا فعلا لكان الرئيس الأميركي قد أبدى إعجابه الكبير بتلك السيدة، أو أقله بسياستها المتعلقة بالهجرة.
فمع أن رئيسة الوزراء الدنماركية سياسية اشتراكية تنتمي لحزب يساري منفتح تاريخياً على الهجرة وتقبّل اللاجئين من مبدأ إنساني، اختارت فريديريكسن شخصياً تبنّي سياسات مضادة للهجرة تشابه كثيراً سياسات اليمين المتطرف. وهذا، مع أنها نجحت من ناحية أخرى في أن تحافظ على السياسات اليسارية التقليدية للاشتراكيين فيما يتعلق بالسياسات الضريبية والاقتصادية والاجتماعية.

إسكندنافيا... الاستثنائية

لقد جاء فوز الاشتراكيين الدنماركيين في الانتخابات العامة قبل شهرين مفاجئا ليس فقط للشارع الدنماركي، بل للاشتراكيين في كل أنحاء أوروبا، وخاصة «الجارة الكبيرة» ألمانيا. وفي حين تتراجع شعبية الأحزاب الاشتراكية شيئاً فشيئاً في كثير من الدول، يبدو أن شعبيتها في الدول الإسكندنافية في صعود لافت. فالمعروف في فرنسا، مثلاً، أن الحزب الاشتراكي اختفى تقريباً بعد الانتخابات الأخيرة التي أوصلت إيمانويل ماكرون الرئيس الشاب (المنشق عنهم) إلى قصر الإليزيه... وبات أقدم حزب فرنسي في المرتبة الرابعة.
وفي ألمانيا، مع أن الاشتراكيين ما زالوا في الحكم جزءا من الحكومة الائتلافية، فإنهم يخسرون كثيرا من شعبيتهم سنة بعد سنة، حتى باتوا يحتلون المرتبة الثالثة وأحياناً الرابعة بين الأحزاب الألمانية، حسب استطلاعات الرأي في كثير من المناطق.
وفي بريطانيا، ما زال حزب العمال، القوة الاشتراكية الأبرز، عاجزاً عن تحدي غريمه اليميني حزب المحافظين على الرغم من فوضى أزمة «البريكست».

اشتراكيون ضد المهاجرين

ولكن في الدنمارك، بعد فنلندا والسويد، حيث شُكلت حكومتان تحت قيادة الاشتراكيين قبل أشهر، كان الحال مختلفاً. إذ صعد الاشتراكيون بقيادة فريديريكسن حتى فازوا بالانتخابات الأخيرة.... وإن كان الثمن تخليهم عن سياسة الانفتاح التقليدي تجاه المهاجرين، وتبني سياسات وصفها البعض بأنها أقرب للسياسات التي اعتمدها النازيون أيام هتلر ضد اليهود. فقبل أن يفوزوا بالانتخابات الأخيرة، دعم الاشتراكيون - عندما كانوا في صفوف المعارضة - معظم السياسات المتعلقة بالهجرة واللجوء التي تقدّمت بها حكومة لارس لوكه راسموسن التي وُصفت بأنها كانت الحكومة الأكثر يمينية التي مرّت على الدنمارك.
من هذه القوانين، مثلاً، صوت الاشتراكيون لصالح قانون يجيز تجريد طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الدنمارك من أموالهم ومجوهراتهم بحجة تمويل إقامتهم. كما صوّتوا لصالح مشروع يجبر اللاجئين على العمل لـ37 ساعة أسبوعياً مقابل تلقيهم إعانات الدولة، ولآخر يضع حدا للمهاجرين «غير الغربيين» في مخالفة لـ«الكوتا» التي وضعتها الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين. وأيضاً، صوّت الاشتراكيون لقانون يمنع ارتداء النقاب، ولآخر بفرض عقوبة بالسجن لأهالي الأولاد المهاجرين الذين يأخذون أطفالهم في إجازات طويلة إلى بلدهم الأم. كما أيدوا قراراً آخر بفرض دورات إجبارية تتعلق بالثقافة والقيم الدنماركية على أطفال لا تزيد أعمارهم على العام الواحد إذا كانوا من أصول غير دنماركية.
إزاء كل هذه القوانين كان الاشتراكيون يصوتون بتوجيهات من زعيمتهم الشابة فريديريكسن، التي تؤمن حقاً بأن الهجرة «تلعب دوراً سلبياً في المجتمع الدنماركي»، ومن ثم، تبنّت سياسة لترحيل اللاجئين عوضا عن دمجهم في المجتمع.
إذ كتبت فريديريكسن في سيرة ذاتية لها: «بالنسبة إليّ، يتضّح الأمر أكثر فأكثر، وهو أن ثمن العمالة غير المنظمة، والهجرة الجماعية، وحرية العمل، تدفعه الطبقة الدنيا». وأضافت: «كنت أعلم بأن تغيير موقف الحزب سيتطلّب كثيرا من الجهد، لكنني أدركت أن علي كسب هذه المعركة. عادة، أنا أسعى لإيجاد حل وسط... ولكن ليس فيما يتعلق بسياسة الهجرة».
وبالفعل، لم تتسامح فريديريكسن مع معارضي سياساتها هذه داخل الحزب. فعندما اعترضت زميلتها ميته غجيرسكوف، وهي وزيرة سابقة، على قرار حظر النقاب، حاولت زعيمة الحزب إبعادها عن مقعدها النيابي واختيار بديل لها، لكنها بعدما فشلت أقالتها من منصب المتحدث باسم الحزب في شؤون التنمية الدولية.

براغماتية يمينية داخل اليسار

أكثر من هذا، تؤمن فريديريكسن بأن تبني سياسة متشددة ضد اللاجئين والمهاجرين حاجة ماسة لاستعادة شعبية الاشتراكيين، ليس فقط في الدنمارك بل في عموم أوروبا. ووجهت انتقادات حادة للاشتراكيين في الدول الأخرى خلال لقاء عقد في العاصمة البرتغالية لشبونة في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وقالت إنهم «خسروا ثقة ناخبيهم» بسبب فشلهم في منع العولمة من التأثير على حقوق العمال، وتغييبهم العدالة الاجتماعية»، ولم تتردد باتهامهم بالترويج للهجرة غير المنضبطة. وتابعت: «لسنوات ظللنا نقلل من أهمية التحديات التي تمثلها الهجرة الكبيرة. السياسات الاقتصادية والسياسية الخارجية لأوروبا ليبرالية أكثر من اللازم. لكننا فشلنا بالحفاظ على العقد الاجتماعي الذي يشكل أساس النموذج الاجتماعي للديمقراطيين الاشتراكيين».
وبالفعل نجحت سياسة فريديريكسن هذه حيث أخفقت الأحزاب الاشتراكية الأخرى في أوروبا، وكانت النتيجة إعادة حزبها الاشتراكي إلى سدة الحكم بعدما استعاد أصواتاً كان قد خسرها لصالح اليمين المتطرف والشعبويين. وأظهرت دراسات أن كثيرا من قواعد الحزب الذين كانوا هجروه لصالح اليمين المتطرف عادوا ليصوّتوا له بعد تغيير سياساته تجاه المهاجرين واللاجئين.
وفي المقابل، شدت الزعيمة الشابة حزبها نحو أقصى اليسار في سياسات المناخ والاقتصاد لناحية زيادة الضرائب على الأغنياء ووقف عصر النفقات. وحسب استطلاعات للرأي أجريت قبل الانتخابات، تبين أن على رأس أولويات الناخبين موضوعين: الهجرة والمناخ. ولم تضيع فريديريكسن الوقت في ترجمة نتائج الاستطلاعات لفوز انتخابي.
بالنسبة للمناخ، تعهدت رئيس الوزراء الجديدة بتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 70 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة، ليصل بحسب تعهدها إلى مستوى أقل مما كان عليه قبل عام 1990. ومع اعتراف حكومتها بصعوبة تنفيذ هذا التعهد، فإنها قالت إن «العالم والدنمارك يعانيان من أزمة مناخية»، وإن الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة «ليس فقط الأمر الذي يجب القيام به بل أيضا الأمر الأكثر مسؤولية اقتصاديا». وبالفعل، فإن التغير يظهر بشكل مخيف في الدنمارك، وخاصة، في جزيرة غرينلاند التي تخسر جبالها الجليدية بسبب التغير المناخي، وهو ما يجعل الدول الكبرى اليوم تتنافس على تقوية نفوذها هناك بسبب خطوط التجارة الجديدة التي يفتحها ذوبان جبال الجليد وتحوّلها إلى ممرات مائية.

سيرة شخصية

ولدت ميته فريديريكسن يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977 في مدينة آلبورغ، رابع كبرى مدن الدنمارك، وانطلقت حياتها السياسية في وقت مبكر جداً. إذ قال والدها فليمنغ فريديريكسن في مقابلة مع وكالة الأنباء الدنماركية قبل الانتخابات الأخيرة إنها «كانت منشغلة بالأمور السياسية منذ سن صغيرة جدا، عندما كانت في السابعة من عمرها». وأردف: «لم يكن لدي شك أبدا بأن ميته يمكنها الذهاب إلى أبعد الحدود إذا ما أرادت ذلك».
في سن الـ15 أصبحت عضواً في جناح الشباب، بالحزب الديمقراطي الاشتراكي. ودخلت البرلمان عام 2001 عندما كانت في سن الـ24 لتصبح أصغر نائب في بلادها. وأكملت دراستها الجامعية في جامعة آلبورغ وهي في البرلمان، فبعدما حصلت على شهادة في العلوم السياسية والاجتماعية، حازت الماجستير في الدراسات الأفريقية.
عام 2005 تولّت فريديريكسن منصب المتحدثة باسم الحزب في شؤون السياسات الاجتماعية والثقافة والإعلام. وبين العامين 2005 و2011 شغلت منصب نائب زعيم الكتلة الاشتراكية في البرلمان. ثم في عام 2011 حصلت على أول منصب وزاري لها، عندما عيّنت وزيرة للعمل في أول حكومة ترأسها سيدة في الدنمارك هي الاشتراكية هيله ثورنينغ - شميت. وعام 2014 انتقلت من حقيبة العمل إلى حقيبة العدل. وفي يونيو (حزيران) الماضي، نجح حزبها في أن يكوّن أكبر كتلة نيابية في البرلمان. وبعد 3 أسابيع من المفاوضات مع الأحزاب الأخرى، أصبحت فريديريكسن رئيسة لحكومة أقلية بدعم من 4 أحزاب يسارية ووسطية في البرلمان.
رئيسة الوزراء الشابة أم لولدين، بنت وصبي، من زواج سابق. وهي الآن مخطوبة لمنتج أفلام، ومن المفترض أن يتزوجا نهاية هذا الصيف. وكانت قد أثارت جدلا قبل بضع سنوات عندما تبين أنها، إلى جانب ساسة آخرين في الحزب، ترسل ابنتها إلى مدرسة خاصة عوضاً عن المدارس الرسمية التابعة للدولة. وتسبب ذلك في نقمة من القاعدة الشعبية للحزب التي تعتبر المدارس الخاصة للنخب الغنية وتناقض مبدأ الاشتراكية.

خبرتها الدولية... محدودة

على صعيد آخر، رغم أن فريديريكسن دخلت عالم السياسة مبكراً، فإن تجربتها في السياسة الخارجية ليست عميقة. ولذا تبدو مواجهتها الدولية الأولى مع الرئيس ترمب ذات أهمية كبيرة. ومع ذلك، ورغم الجدل الذي تسببت به هذه المواجهة وغضب ترمب عليها، تبدو فريديريكسن متمسكة بأسلوب ردها عليه. إذ قالت في مقابلة أدلت بها لإذاعة دنماركية إنها لا تعتقد أن كلماتها كانت تنم عن قلة احترام للرئيس الأميركي، وأضافت: «لا أعتقد أنني كنت جافة أو قاسية في ردي، بل بالعكس أعتقد أن الرد من الجانب الدنماركي كان لطيفاً جداً. فعندما تكون دولتان حليفتين وصديقتين، مثل الدنمارك والولايات المتحدة، يجب أن يكون هناك مجال للتعبير عن الاختلاف في الرأي، وآمل بأن نوقف هذه السجالات قريباً».
ولكن مع الرئيس ترمب، خاصة، يصعب تخطي «اختلافات الرأي». وهو بعدما وصف فريديريكسن بـ«السيئة» بسبب ردّها عليه، كتب تغريدة على صفحته في «تويتر» ذكّرها فيها بأن بلادها لا تدفع مساهمتها المالية المطلوبة منها في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والتي من المفترض أن تصل إلى 2 في المائة من الناتج الإجمالي للدولة العضو في الحلف. وتابع أن الدنمارك تساهم بـ1.2 في المائة فقط، بينما «الولايات المتحدة تحمي أوروبا».
قد تكون تغريدة ترمب هذه تمهيداً لتحول العلاقات مع الدنمارك إلى ما يشبه العلاقة مع ألمانيا، التي لم يتفق فيها مع مستشارتها أنجيلا ميركل منذ بداية عهده، وما تردد حول انتقادها وانتقاد ألمانيا التي تضم ثاني أكبر قواعد عسكرية أميركية في العالم، كلما سنحت له الفرصة.
إلا أن فريديريكسن، الزعيمة الشابة الواصلة حديثاً إلى المنبر الدولي، تستفيد مؤقتاً، على الأقل، من الدعاية الدولية التي قدّمها لها هذا الجدل مع الرئيس الأميركي.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.