البرلمان مهدَّد بمواجهة «مشتعلة» عند تفسير «إلغاء الطائفية السياسية»

التكتل النيابي برئاسة باسيل يقترح وقف التوظيف

TT

البرلمان مهدَّد بمواجهة «مشتعلة» عند تفسير «إلغاء الطائفية السياسية»

يواصل «تكتل لبنان القوي» برئاسة رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، استعداداته للجلسة النيابية التي يعقدها البرلمان في بداية عقده العادي في 17 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والتي ستنظر في رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حول تفسير المادة 95 من الدستور في ضوء الاختلاف على تفسيرها بين وجهتي نظر، الأولى يدعمها عون وتقول بتطبيق المناصفة في جميع الوظائف بين المسلمين والمسيحيين إلى حين التوصّل إلى إلغاء الطائفية السياسية، والأخرى يقودها الفريق المناوئ له وتدعو إلى حصر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في وظائف الفئة الأولى دون الفئات الوظيفية الأخرى.
ويبدو أن «تكتل لبنان القوي» قرر أن يستبق المواجهة التي ستشهدها الجلسة النيابية المخصصة لتفسير المادة 95 من الدستور بناءً على إلحاح من رئيس الجمهورية وبادر إلى التقدّم من المجلس النيابي باقتراح قانون معجل مكرر وقّع عليه عشرة نواب من أعضائه يرمي إلى إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 80 من قانون الموازنة والموازنات الملحقة لعام 2019 المتعلقة بوقف التوظيف والتعيين والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة، إضافة إلى إسقاط حق الناجحين في التوظيف في امتحانات مجلس الخدمة المدنية بذريعة أن المهلة القانونية المحدّدة بسنتين لحفظ حقهم قد سقطت.
لكن اقتراح «تكتل لبنان القوي» لم يقتصر على إلغاء المادة المتعلقة بوقف التوظيف مع أن أمين سره، رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان، كان أول مَن قاد الحملات السياسية والإعلامية لوقف التوظيف الذي اتسم بطابع سياسي وهو مَن وقف إلى جانب إدخال المادة 80 على قانون الموازنة، وإنما ذهب بعيداً في اقتراحه وصولاً إلى مطالبته بضرورة إجراء مسح شامل للقطاع الوظيفي في الدولة لتبيان النواقص والفوائض في القطاع.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن الاقتراح الذي تقدّم به «تكتل لبنان القوي» يصب في خانة توفير الدعم السياسي لطلب رئيس الجمهورية في رسالته إلى البرلمان بتفسير المادة 95 من الدستور والذي كان قد تلقى دعماً كنسياً من خلال موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في ختام زيارته للرئيس في قصر بيت الدين.
ويأتي الاقتراح هذا على خلفية تأكيد حزب «القوات اللبنانية» الذي كان رئيسه سمير جعجع أن الخلل في الوظائف يعالَج بهدوء بعيداً من الإعلام والمزايدات الشعبوية، إضافة إلى أن ما تقدّم به يسعى لتوجيه رسالة إلى المسيحيين بأنه وحده الحريص على تصحيح الخلل في الإدارات العامة باستعادته حقوق المسيحيين وتثبيتها.
وأبدى مصدر وزاري قلقه حيال الأبعاد السياسية غير المرئية لمثل هذا الاقتراح، خصوصاً إذا أُريد منه وقف توظيف المسلمين في القطاع العام في مقابل حصره في المسيحيين بذريعة أن المسح الشامل لهذا القطاع أظهر وجود خلل في مجموع أعداد الموظفين لغير مصلحة المسيحيين، وبالتالي لا بد من تداركه بإلغاء المادة 80 إفساحاً في المجال أمام توظيف دفعات جديدة من فئة واحدة.
ولفت المصدر الوزاري إلى أن الشكوى من وجود خلل في القطاع الوظيفي الرسمي لا تعالَج بهذا الأسلوب ولا تلغي حق الناجحين في التوظيف، خصوصاً أن غالبيتهم من المسلمين، وهذا أمر طبيعي يعود إلى أن المسيحيين لا يتقدّمون لوظائف عادية، وأيضاً إلى التغيير الديموغرافي الذي لا بد من مراعاته بعد أن كان رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، أول من دعا من بكركي إلى وقف العدّ وقبل فترة قصيرة من اغتياله.
وسأل أيضاً عن مصير الانصهار الوطني وأيضاً عن ردود الفعل التي قد يتعذّر السيطرة عليها في حال لجأ فريق من المتشدّدين في الشارع الإٍسلامي إلى استغلال ما يحصل للمزايدة على قوى الاعتدال في الشارع نفسه. ورأى المصدر أن العيش المشترك لا يتهدد من جراء وجود خلل، كما يقول نواب «تكتل لبنان القوي»، مع أن مثل هذه الحالات كانت تعالَج في حينها، وقال إنه لا مصلحة لأحد في جر البلد إلى لعبة التطييف تحت ستار استعادة الحقوق. وحذّر المصدر نفسه من أن يكون الهدف الأول والأخير من توظيف شعار «استعادة الحقوق» للإطاحة باتفاق «الطائف»، وإلا ماذا كان يقصد رئيس الجمهورية عندما تطرّق إلى «الاستراتيجية الدفاعية» بأنه يريد أن يعيد تطبيق الدستور.
لذلك فإن البرلمان يقف مع بدء عقده العادي في 17 أكتوبر، أمام إقحامه في اشتباك سياسي أين منه الاشتباك الذي ترتب على حادثة قبرشمون ونجح الرئيس بري في تطويقه، مع أن الأخير أحسن كعادته إدارة اللعبة عندما قرر إدراج رسالة عون الخاصة بتفسير المادة 95 من الدستور على جدول أعمال أول جلسة نيابية في هذا العقد.
وعليه، فإن قرار بري ترحيل بحث النظر في رسالة رئيس الجمهورية لم يسمح بفتح حوار هادئ لتفسير هذه المادة، والسبب يعود -كما يقول المصدر- إلى إصرار باسيل على خوض معركته حتى النهاية مع أن هناك من يقول إن عليه الركون إلى التهدئة بعد أن خسر معركة قبرشمون واضطر رئيس الجمهورية إلى تبني اقتراح رئيس المجلس وإن كانت موافقته جاءت متأخرة.
فهل يصار إلى تطويق ما سيترتب من تداعيات على اقتراح القانون الذي يبدو أنه لن يمر وقد يحال في أحسن الأحوال إلى لجنة الإدارة والعدل، لدراسته، لقطع الطريق على إقحام البرلمان في اشتباك سياسي من لون آخر، إلا إذا جاء الفرج هذه المرة من خلال إجماع الأكثرية النيابية على ترحيل كل اقتراح يُشتمّ منه أنه قد يتحوّل إلى مادة مشتعلة تؤدي إلى انقسام البرلمان؟
وهكذا فإن الاقتراح الذي تقدّم به «تكتل لبنان القوي» يأتي متناغماً مع طلب عون تفسير المادة 95، ما يعني أن «التيار الوطني» جهّز عدّته للدخول في مواجهة مع مَن يعترض على اقتراحه، وإن كان الهدف الخفي من طلب إلغاء وقف التوظيف سيفتح الباب على مصراعيه -حسب المصدر الوزاري- أمام الالتفاف على «الطائف» تحت غطاء أن هناك ضرورة لتصحيح الخلل في توزيع الموظفين طائفياً، خصوصاً أن محاولات جرت في السابق وتولاّها الفريق الوزاري المحسوب على باسيل لتعديل هذا الاتفاق من زاوية وجوب تحديد مهلات زمنية تفرض على رئيس الحكومة المكلّف لتشكيل حكومته.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.