«مهرجان حكاياتنا» إطلالة على قصص شعبية من تراث بلاد الشام

يجول على عدة مناطق لبنانية في نسخته الثانية

«مهرجان حكاياتنا» في نسخته الثانية يتجول في عدة مناطق لبنانية
«مهرجان حكاياتنا» في نسخته الثانية يتجول في عدة مناطق لبنانية
TT

«مهرجان حكاياتنا» إطلالة على قصص شعبية من تراث بلاد الشام

«مهرجان حكاياتنا» في نسخته الثانية يتجول في عدة مناطق لبنانية
«مهرجان حكاياتنا» في نسخته الثانية يتجول في عدة مناطق لبنانية

حكايات وطنية وأخرى رومانسية واجتماعية يتناولها «مهرجان حكاياتنا» الذي تنظمه جمعية «السبيل» في 29 و30 و31 أغسطس (آب) الجاري. ويتنقل هذا المهرجان في نسخته الثانية بين العاصمة بيروت ومدينة صيدا الجنوبية والهرمل البقاعية. ويشارك فيه نحو 16 حكواتياً جاءوا من لبنان ومصر وسوريا وفلسطين بهدف إعادة إحياء الحكاية الشعبية شفهياً بعيداً عن الكتب أو وسائل التواصل الاجتماعي.
«إنه تقليد سنوي ننظمه للعام الثاني على التوالي بالتعاون مع مؤسسة (التعاون)، ويجري فيه تلاوة القصص للكبار والصغار». يوضح علي صبّاغ أحد المسؤولين في جمعية «السبيل» المنظمة للحدث. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ولقد آثرنا أن يشارك فيه عدة ضيوف من خارج لبنان للتعرف على سياق قصص مختلفة تتبع بأسلوبها ومسارها البلد الذي يمثلونه».
ويتألف برنامج المهرجان من تدريبات وورش عمل وطاولات مستديرة مستنبطة موضوعاتها من فنون الحكاية الشعبية بشكل عام. وتتوزع نشاطاته على مخيمات اللاجئين في صور وبيروت (مخيما الرشيدية وبرج البراجنة). كما سيحل ضيفاً على مركز معروف سعد في صيدا في يومه الأول. أما في اليومين الثاني والثالث (في 30 و31 الجاري) فسيتواجد في مكتبة أحمد أبو غزالة ومخيم الجليل في مدينة بعلبك، وكذلك في مركز منتدى التراث والثقافة في الهرمل. ويحل ضيفاً على مكتبة سعيد خوري العامة ومخيم برج البراجنة والمكتبتين العامتين لبلدية بيروت في الباشورة والجعيتاوي وفي دار النمر في بيروت أيضا.
«سأتلو حكايات هي بمثابة خليط بين الشرق والغرب». يقول الحكواتي خالد النعنع من الأردن. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فالقصص تسافر من بلد لآخر بصورة طبيعية وهناك كم كبير منها معروف في بلاد الشام وتتم تلاوتها في بلدان أوروبية كفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وغيرها التي تنظم مهرجانات كبرى لنشر فنون الحكايات الشعبية». ويؤكد النعنع أن حكاية بعنوان «جرادة وعصفور» هي نفسها يقصها أهل الغرب تحت عنوان «L’homme qui veut etre roi». «هذه القصة سأحكيها في مهرجان «حكاياتنا» مع إضافات اجتماعية ترتبط ارتباطاً مباشراً بمنطقتنا. فالحكواتي فن عالمي أخذه عنا الغرب ولكنه طوّره بشكل أفضل ليستقطب الألوف من هواته».
وبحسب خالد النعنع فإن لكل بلد في منطقتنا عناصر خاصة تتألف منها الحكاية. ففي التراث الفلسطيني تندرج شخصية «الغول» في كل القصص النابعة منه. أما في لبنان فإن الحكايا تنقسم إلى ساحلية وجبلية لتندمغ الأولى بصيادي السمك وشاطئ البحر. فيما الثانية يكون محورها البساتين والزراعة والحيوانات البرية التي تعكس طبيعة الجبل اللبناني.
ويعرف الحكواتي في الغرب باسم «لو كنتور» أو «ستوري تيلر» وهم أشخاص يتفرغون تماما لمهنتهم ضمن دخل شهري وثابت. «صحيح أننا كنا أول من نشر هذا الفن ولكن مع الأسف أننا جميعنا نمارسها في منطقتنا كهواية ولا نعتاش منها بتاتا». يوضح النعنع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ومن لبنان تشارك نجوى مزهر في المهرجان، إذ تمارس هوايتها هذه منذ كانت في العشرين من عمرها. «أبلغ حالياً الـ66 من عمري ولا أزال شغوفة بتلاوة القصص على أنواعها وأتمنى أن يتلقف هذه المهنة جيل جديد كي لا تندثر وتصبح من الماضي الجميل». وترى نجوى أن القصص التي تتلى للصغار لا يجب أن تتعدى الـ15 دقيقة كي لا يشعروا بالملل ويهرعوا بالتالي إلى الـ«آيباد» ووسائل إلكترونية أخرى. وعن نوعية القصص التي تحكيها عادة تقول: «عادة ما أستفهم من الصغار عن طبيعة القصص التي يفضلونها على غيرها كي أتلوها عليهم. أما بالنسبة للكبار فأقص عليهم حكايات من الأدب الشعبي المعروف وكذلك من واقع مجتمعنا. ولذلك اخترت قصة (الأم بتلم) التي تركز على دور الأم في المنزل لجمع أولادها تحت جناح بيتها. وفي مرات أخرى سأخبرهم حكايات مستوحاة من (ألف ليلة وليلة) و(عنترة) وغيرها من القصص الأدبية المشهورة».
وبذلك ينضم «مهرجان حكاياتنا» إلى لائحة مهرجانات عالمية تقام في الغرب بصدد إعادة إحياء فن تلاوة القصص كـ«بالأبراج» في فرنسا ومهرجان «دي كونت» في بلجيكا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».