«كوباني» مدينة أشباح.. و70 ألف سوري ينزحون إلى تركيا خلال يومين

آلاف علقوا على الحدود بعد إغلاق أنقرة نقاط عبور.. ومسؤول كردي لـ {الشرق الأوسط} : سنفتح جبهات جديدة

جندي تركي يراقب مئات السوريين الفارين من كوباني وهم ينتظرون عبور الحدود مع اقتراب تنظيم «داعش» أمس (أ.ب)
جندي تركي يراقب مئات السوريين الفارين من كوباني وهم ينتظرون عبور الحدود مع اقتراب تنظيم «داعش» أمس (أ.ب)
TT

«كوباني» مدينة أشباح.. و70 ألف سوري ينزحون إلى تركيا خلال يومين

جندي تركي يراقب مئات السوريين الفارين من كوباني وهم ينتظرون عبور الحدود مع اقتراب تنظيم «داعش» أمس (أ.ب)
جندي تركي يراقب مئات السوريين الفارين من كوباني وهم ينتظرون عبور الحدود مع اقتراب تنظيم «داعش» أمس (أ.ب)

تحولت مدينة كوباني (عين العرب)، ذات الأغلبية الكردية في محافظة حلب، إلى مدينة أشباح أمس بعد أن أحكم تنظيم «داعش» حصاره عليها، وذلك غداة سيطرته على نحو 64 قرية في الريف، في إطار تعزيز نفوذه على الحدود مع تركيا. ووصل عدد الأكراد الهاربين باتجاه تركيا خلال اليومين الأخيرين إلى نحو 70 ألف كردي، وفق ما ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن «داعش» تسبب في تهجير 150 ألف شخص في كوباني.
وقالت المفوضية إن السلطات التركية والأمم المتحدة يستعدان لاحتمال أن يفر مئات الآلاف من الأكراد السوريين إلى تركيا في الأيام المقبلة. ويعتقد أن من بين الفارين عربا ومسيحيين كانوا نزحوا في أوقات سابقة من مدنهم إلى كوباني التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى ملجأ لأكثر من 200 ألف من السوريين الهاربين من القتال قبيل هجوم «داعش» الأخير.
وتعد كوباني المدينة الكردية الثالثة في سوريا بعد القامشلي وعفرين، ومن شأن السيطرة عليها أن تؤمن للتنظيم تواصلا جغرافيا على جزء كبير من الحدود السورية - التركية، وتعطيه دافعا باتجاه مناطق أخرى مثل محافظة الحسكة. كذلك، فإن سيطرة «داعش» على كوباني الحدودية مع تركيا، سيوسع الرقعة الجغرافية لنفوذه في الشمال والشرق.
وفي هذا الإطار، يشدد المسؤول الإعلامي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، نواف خليل لـ«الشرق الأوسط»، على أن الوضع في كوباني اليوم في غاية الخطورة، مؤكدا في الوقت عينه أن «داعش» لن يتمكن من السيطرة على هذه المدينة، وأشار إلى أن مئات الشباب الأكراد، لا سيما من تركيا يتوجهون للقتال ضد «داعش» في كوباني، إلى جانب غرفة العمليات المشتركة التي كانت تشكلت تحت اسم «بركان الفرات»، من 8 فصائل من الجيش الحر ووحدات حماية الشعب في الحزب الديمقراطي. وشدد خليل على أن «كوباني لن تكون بابا عمرو أو القلمون والقصير، وأبناؤها سيقاتلون بكل ما يملكون للحفاظ على مدينتهم». وكشف أن «جبهات جديدة ستفتح ضد (داعش)، ستتضح صورتها في الساعات القليلة المقبلة».
وعد خليل «أنه إذا استطاع (داعش) السيطرة على كوباني، فإن الكارثة عندها لا تقتصر على الأكراد؛ بل على كل سوريا والبلدان المجاورة». وأوضح أن «سقوط كوباني، إذا حصل، من شأنه أن يفتح الباب باتجاه ريف حلب وصولا إلى الرقة ودير الزور (حيث سيطرة داعش) ليصل التنظيم إلى مشارف الحسكة ومن ثم القامشلي».
وفيما أطلق أكراد في تركيا دعوة جديدة لحمل السلاح للدفاع عن مدينة كوباني التي تقع تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ذكرت وكالة «دوغان» الخاصة للأنباء في تركيا أمس، أن قوات الأمن أطلقت مدافع المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين أكراد احتشدوا على الحدود مع سوريا ليعبروا إلى الأراضي السورية تضامنا مع مقاتلين أكراد يقاومون متشددي «داعش» الذين يتقدمون على جبهة بلدة عين العرب السورية. وبعدما أطلق الأمن مدافع المياه والغاز المسيل للدموع بدأ المحتشدون يفرون من منطقة الحدود سيرا على الأقدام أو بالسيارات بينما رشق بعضهم عناصر الأمن بالحجارة.
وأغلق عناصر الدرك والشرطة غالبية نقاط العبور في المنطقة؛ بينها نقطة كان يستخدمها المقاتلون الأكراد للانتقال إلى سوريا. وبقيت نقطتان حدوديتان فقط مفتوحتين على أن تتولى وزارة الداخلية تسجيل أسماء الوافدين الجدد، مما ترك آلاف النازحين عالقين على الحدود.
وقال مصطفى عبدي، الناشط السوري الكردي الذي يتحرك بين الحدود ومدينة كوباني، إن «شوارع كوباني شبه مقفرة وهناك شعور كبير بالخوف». وأضاف أن مدنيين «بينهم مسنون ومعوقون جرى إعدامهم في القرى، لكننا لا نملك رقما محددا»، مؤكدا أن «الدولة الإسلامية تنهب المنازل».
وتابع عبدي أن «معظم النساء والأطفال غادروا كوباني وثمة آلاف الرجال المسلحين المستعدين للدفاع عن المدينة حتى آخر نقطة دم. ولكن ماذا يستطيعون حيال الأسلحة الثقيلة للدولة الإسلامية (داعش)؟». وقال أيضا: «نحتاج إلى طائرة أميركية واحدة لضرب هؤلاء الهمجيين. أين التحالف المناهض للدولة الإسلامية (بقيادة الولايات المتحدة)؟ عليهم أن ينقذوا الشعب الكردي».
في غضون ذلك، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية إن عناصر «داعش» أصبحوا موجودين في بعض الأماكن على بعد 10 كيلومترات فقط من المدينة التي تعد ثالث تجمع للأكراد في سوريا.
وأسفرت المعارك التي ما زالت مستمرة في ضواحي كوباني، منذ مساء الثلاثاء، عن مقتل 37 مقاتلا على الأقل من عناصر «داعش» و27 من الأكراد. وقال عبد الرحمن إن «أكثرية القتلى لدى الجهاديين غير سوريين ومنهم شيشانيون ورعايا خليجيون».
وروى لاجئون من القرى أن الجهاديين قصفوا ودمروا المنازل وقطعوا رؤوس السكان الباقين في كوباني وريفها.
ودعت المعارضة السورية المجموعة الدولية إلى «التحرك العاجل للحؤول دون حصول تطهير إثني في هذه المدينة، فيما وصل نحو 300 مقاتل كردي من تركيا إلى سوريا لمساعدة إخوانهم في سوريا»، كما ذكر المرصد.
وتعمل الحكومة التركية على الإسراع ببناء مخيمات للاجئين الأكراد، بينما ذكرت المفوضية أنها ترسل الآلاف من البطاطين والسجاد وتعتزم إقامة مراكز تسجيل.
وفي هذه الأثناء، أطلق أكراد في تركيا دعوة جديدة لحمل السلاح للدفاع عن المدينة الكردية. وقال قائد كردي في المنطقة إن «داعش» تقدم حتى مسافة 15 كيلومترا من كوباني التي عرقل موقعها الاستراتيجي إحكام المتشددين السيطرة على مختلف أنحاء شمال سوريا.
وقال سياسي كردي من تركيا زار كوباني السبت الماضي إن سكان المدينة أبلغوه أن مقاتلي «داعش» يذبحون بعض الناس في تقدمهم من قرية لأخرى. وأفاد إبراهيم بينيجي، نائب حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد، في تركيا، لوكالة «رويترز»: «هذه ليست حربا، بل عملية إبادة جماعية.. فهم يدخلون القرى ويقطعون رأس شخص أو شخصين ويفرّجون أهل القرية عليها». وأضاف: «حقيقة هذا وضع مخجل للإنسانية». ودعا إلى تدخل دولي. وتابع أن 5 من زملائه من أعضاء البرلمان ينوون الإضراب عن الطعام خارج مكتب الأمم المتحدة في جنيف للمطالبة بتحرك.
وقد استولى تنظيم «داعش» على 64 قرية على الأقل حول كوباني منذ بدأ الهجوم يوم الثلاثاء الماضي مستخدما الأسلحة الثقيلة والآلاف من مقاتليه. وقال المرصد السوري إن التنظيم أعدم 11 مدنيا على الأقل السبت الماضي؛ فيهم صبيان اثنان على الأقل.



تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

تسببت مخاوف الجماعة الحوثية من ملاقاة مصير «حزب الله» اللبناني أو نظام بشار الأسد في سوريا، في تصاعد حدة الخلافات والتنافس داخلها، وبروز انقسامات جديدة حول مستقبلها، في ظل تقليص النفوذ الإيراني، وبروز رغبة غربية في إخراج طهران من المنطقة.

وتسببت تطورات الأحداث التي تشهدها المنطقة، مع ممارسات الجماعة داخلياً، وتنافس أجنحتها على النفوذ والثروات، إلى جانب تصعيدها في البحر الأحمر وهجماتها على إسرائيل، والردود العسكرية الأميركية البريطانية والإسرائيلية؛ في إثارة مخاوفها من احتمالية نشوء توجه دولي يتوافق مع رغبة محلية وإقليمية لإنهاء انقلابها في اليمن.

وذكرت مصادر محلية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن انقسامات كبيرة ظهرت في أوساط الجماعة الحوثية خلال الأشهر الماضية، مع صعود مطالب بإحداث تغييرات فعلية في هيكلها القيادي، والاستجابة لدعوات وجهود السلام، والتصالح مع مختلف الأطراف داخلياً وخارجياً، لتجنيبها مصير «حزب الله» اللبناني، أو نظام بشار الأسد في سوريا.

منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

وبيَّنت المصادر أن ما زاد الانقسام في أوساط الجماعة لجوء قادتها إلى التوقف عن استخدام أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية، بسبب مخاوفهم من أن تُستخدم في التجسس عليهم أو اغتيالهم، كما جرى لآلاف من عناصر «حزب الله» اللبناني في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب نزوح غالبيتهم من منازلهم إلى منازل مستأجرة، واتباع وسائل تخفٍّ متعددة.

وبالإضافة إلى ذلك، توقفت غالبية القيادات الحوثية عن حضور الاجتماعات واللقاءات الاعتيادية، ولجأت إلى وسائل معقدة للتواصل فيما بينها.

وتسببت هذه الإجراءات الاحترازية في انقطاع التواصل بين مختلف القيادات، وعدم معرفة غالبيتها بما يجري التخطيط له للتعاطي مع مختلف التطورات الداخلية والخارجية، واتخاذ قرارات وتنفيذ إجراءات دون تنسيق.

جداريات في صنعاء للقيادي الحوثي مهدي المشاط وحسن نصر الله وقاسم سليماني (إ.ب.أ)

وحسب المصادر، فإن الانقسامات الأخيرة التي تشهدها الجماعة، مردُّها إلى خلافات كبيرة بشأن التعاطي مع التطورات الأخيرة في المنطقة؛ حيث ترى بعض القيادات ضرورة تقديم تنازلات للأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لتجنب مصير «حزب الله» ونظام بشار الأسد، بينما فريق آخر يصر على استمرار التصعيد، وعدم الرضوخ لأي ضغوط عسكرية كانت أو سياسية.

مخاوف وإصرار

وضعت الشخصيات التي تطالب بتقديم التنازلات كثيراً من المعطيات الميدانية والسياسية التي تعدُّها مؤشرات إلى احتمالية خسارة المواجهات التي تخوضها الجماعة، ومن ذلك الخسائر الكبيرة في العتاد والمعدات التقنية الحديثة والنوعية، مثل مواقع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة والرادارات، نتيجة الضربات الأميركية البريطانية، وفق توضيح المصادر.

وإضافة إلى ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة؛ خصوصاً في قطاع الطاقة الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي، خلال هجماته الثلاث على المنشآت التي تسيطر عليها الجماعة.

الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تزداد سوءاً بسبب تصعيدها العسكري خارج البلاد (إ.ب.أ)

وترى هذه الشخصيات أن المواجهة مع الغرب وإسرائيل لم يعد لها داعٍ، وأنها تأتي بالضرر أكثر مما تحقق من مكاسب؛ خصوصاً بعد اضطرار «حزب الله» إلى الدخول في اتفاقية تهدئة مع إسرائيل، وسقوط نظام الأسد في سوريا، ما يجعل الجماعة شبه وحيدة في المعركة، ويسهل هزيمتها مع تراجع الغطاء الإيراني.

وحذَّر هذا الجناح من أن الضربات الغربية والإسرائيلية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة على عدد من الشخصيات، تسببت خلال الأشهر الأخيرة في أزمات معيشية بدأت معالمها أخيراً بحدوث نقص في الوقود والسلع الغذائية، ولم يجرِ التركيز عليها إعلامياً؛ لأنها لم تشكِّل فرقاً كبيراً عن الوضع السائد قبلها.

وفي مقابل هذا الرأي، يصرُّ جناح آخر على استمرار المواجهة مع الغرب وإسرائيل، باعتبار ذلك أحد أسباب قوة الجماعة وحصولها على التأييد الشعبي محلياً وإقليمياً، وحتى على مستوى العالم، لكون هذه المواجهة تأتي رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

قادة حوثيون في محافظة الحديدة يتحدثون عن تأثير الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت (إعلام حوثي)

ويذهب هذا الجناح -الذي وصفته المصادر بالعقائدي- إلى أن الضربات الجوية لن تضرَّ الجماعة ما دامت تُحكم سيطرتها ونفوذها على الأرض، وأن الخسائر في العتاد والمنشآت لا تكفي لهزيمتها، وهي خسائر يمكن تعويضها من خلال الموارد المحلية والدعم الخارجي.

كما يتوقع هذا الجناح أن الضربات الغربية والإسرائيلية ستخفف الأعباء، في مواجهة المطالب الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية، وصرف رواتب الموظفين العموميين وتوفير الخدمات، وسيسهل استغلالها في مواجهة الحكومة الشرعية التي دأبت الجماعة على وصفها بالعميلة للغرب وإسرائيل.

العودة إلى العقائديين

وفي منظور الجناح العقائدي؛ فإن الحكومة الشرعية ليست مستعدة في الوقت الحالي للعودة إلى المواجهات العسكرية، ولن تحصل على ضوء أخضر للعودة إلى المعارك ما دام المجتمع الدولي يأمل في إمكانية نجاح جهود السلام، إلى جانب أن الغرب يخشى من حدوث فوضى تتسبب في مزيد من المخاطر على طرق الملاحة الدولية.

القيادي الحوثي قاسم الحمران في زيارة معرض قتلى الجماعة الحوثية في صنعاء (إعلام حوثي)

ووصلت الصراعات بين أجنحة الجماعة الحوثية إلى المطالبة بالإطاحة بالقيادي مهدي المشاط، رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي) حسب مصادر صحافية يمنية، وتعيين القيادي المقرب من زعيم الجماعة قاسم الحمران بدلاً عنه.

وتشير المعلومات التي جرى الكشف عنها إلى أن قيادة الجماعة تسعى إلى إعادة تماسك هيئاتها القيادية، بما فيها «المجلس السياسي» الذي أدى صراع الأجنحة إلى إضعافه، بتولي شخصيات فضَّلت مصالحها الشخصية ومساعيها للإثراء على مصالح الجماعة، وتسببت في غضب شعبي عليها.

وكانت الجماعة الحوثية قد شكَّلت في أغسطس (آب) الماضي حكومة جديدة، غير معترف بها، أطلقت عليها اسم «حكومة التغيير والبناء»، وكشفت «الشرق الأوسط» حينها عن تعيين قيادات عقائدية لتسيير أعمال هذه الحكومة، من خلال مناصب ثانوية فيها، في حين يمارس رئيسها وغالبية أعضائها مهام شكلية.