الأزمات تلاحق فيلم «خيال مآتة» وتهبط بإيراداته

أحد أفيشات فيلم خيال مآتة
أحد أفيشات فيلم خيال مآتة
TT

الأزمات تلاحق فيلم «خيال مآتة» وتهبط بإيراداته

أحد أفيشات فيلم خيال مآتة
أحد أفيشات فيلم خيال مآتة

يواجه الفيلم المصري «خيال مآتة» بطولة الفنان أحمد حلمي أزمات متلاحقة منذ طرحه في ثاني أيام عيد الأضحى، أدت في النهاية إلى تراجع ترتيبه بشباك التذاكر بشكل لافت خلال اليومين الماضيين، إذ تراجع ترتيب الفيلم للمركز الثالث في سباق إيرادات موسم عيد الأضحى السينمائي، الذي يشهد منافسة شرسة بين نجوم الصف الأول بالسينما المصرية، بعدما كان يحتل المركز الثاني.
ويتعرض سيناريو الفيلم لانتقادات شديدة من جمهور «السوشيال ميديا»، إذ تم وصفه في البداية بأنه من أسوأ أفلام الفنان أحمد حلمي، وأنه مؤشر على بداية تراجعه واختفاء شعبيته. كما تسبب تسريب الفيلم على شبكة الإنترنت بنسخة ذات جودة عالية في تراجع إيراداته بدور العرض السينمائي بجميع أنحاء مصر. بينما يتهم صناع الفيلم شخصيات مجهولة بتعمد إثارة الأزمات وإصدار الشائعات حول «خيال مآتة» بهدف إسقاطه وإخراجه من المنافسة، والعمل على تراجع شعبية أحمد حلمي.
ورغم صمود «خيال مآتة» أمام الأزمات السابقة الأسبوع الماضي، وتحقيقه أرباحاً جيدة، فإن اتهام صناعه بسرقة فكرة الفيلم ساهم في تراجع إيراداته بشكل لافت خلال اليومين الماضيين، ليحقق نحو مليونين ونصف المليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 16.5 جنيه مصري) يوم الجمعة الماضي، بعدما كان يحقق 6 ملايين جنيه في اليوم، ليصل إجمالي رصيده الآن نحو 25 مليون جنيه.
ويعد الفنان أحمد حلمي من أبرز الفنانين الكوميديين المصريين في الوقت الراهن، وحققت بعض أفلامه السينمائية السابقة نجاحاً كبيراً في دور العرض وشاشات التلفزيون.
وفي آخر أزمات «خيال مآتة» اتهمت المؤلفة المصرية، نهال سماحة، صناع وأبطال «خيال مآتة» بسرقة فكرتها، وقالت على صفحتها الشخصية على موقع «فيسبوك» قبل 3 أيام إنه «تمت سرقة الفكرة الرئيسية وبعض تفاصيل السيناريو وأسماء الشخصيات مع بعض الاختلافات في التنفيذ».
وقالت سماحة لـ«الشرق الأوسط» إنها سجلت الفكرة رسمياً، ولكنها رفضت التعليق على إمكانية رفع دعوى قضائية ضد صناع الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت: «هذه آخر كلمات يمكن قولها في هذا الموضوع». مكتفية بتعليقها على «فيسبوك».
ونفى محمد عبد المغني، المشرف على إنتاج الفيلم بالشركة المنتجة، سرقة فكرة الفيلم الرئيسية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «غير مهتمين بهذه الأقاويل غير الصحيحة». ولفت إلى أن «المؤلف عبد الرحيم كمال، شخصية معروفة فنياً ولا يمكن قيامه بسرقة فكرة أو العمل على فكرة مسروقة». وأوضح أن «فكرة الفيلم موجودة في الشركة منذ عام 2015، وتم تأجيل تصوير الفيلم لعدم وجود ماكيير جيد لشخصية (الرجل العجوز) بالفيلم، إذ تم العمل على فكرة أخرى هي قصة فيلم (لف دوران) الذي طرح منذ 3 سنوات».
«خيال مآتة» فيلم كوميدي مصري من إخراج خالد مرعي، وتأليف عبد الرحيم كمال، ومن بطولة أحمد حلمي، منة شلبي، خالد الصاوي، حسن حسني، عبد الرحمن أبو زهرة، بيومي فؤاد، لطفي لبيب. وتدور أحداثه حول مجموعة من الأصدقاء المقربين الذين يقومون بعملية سرقة في شبابهم، وعقب ذلك تفرقهم الأيام، ثم يجتمعون مرة أخرى بعد ثلاثين عاماً من عملية السرقة، يتذكرون تلك الفترة التي تمت فيها السرقة ويتناقشون حول الأسباب التي دفعتهم للسرقة.
وقال الدكتور خالد عبد الجليل، رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لـ«الشرق الأوسط»: «الرقابة تابعت ما أثير عن فيلم (خيال مآتة) عبر ما نشر بوسائل الإعلام، لكن لم تتقدم المؤلفة بأي شكوى رسمية حتى الآن، وفي حال حدوث ذلك سيتم تشكيل لجنة من الرقابة». وأضاف: «على المؤلفة تقديم ما يثبت سرقة فكرتها من معالجه للفيلم أو السيناريو الخاص به»، مشيراً إلى أهمية تسجيل الفكرة عبر (الملكية الفكرية) أو عن طريق تصريح من الرقابة، وفي حال إثبات أي مخالفة سيتم وقف الفيلم فوراً».
ورد عبد الرحيم كمال على اتهامه بسرقة الفكرة عبر رسالة بعثها للناقد الفني طارق الشناوي، قال فيها: «لا يجوز الرد على كل ادعاء يتم تبادله عبر (فيسبوك)، ولم تكن الأولى، وأظنها ليست أبداً الأخيرة، سواء لي أو لغيري، وسبق أن أساتذتنا الكبار في كل المجالات، بداية من توفيق الحكيم، تعرضوا لهذه الاتهامات وغيرها، والزمن أسقطها لأنه لا يصح إلا الصحيح، هكذا علمتنا الدنيا».
وأوضح قائلاً: «الصمت هو سلاحي، في مثل هذه الأمور، وفيلم (خيال مآتة) وشخصية الرجل العجوز بدأت عام 2009 وتم الاتفاق أن يخرجه شريف عرفة باسم (فركة كعب)، وأجيز رقابيا، ولكن شريف ارتبط بأفلام أخرى، وكذلك حلمي، وتوقف المشروع، إلى أن جدد حلمي رغبته في استكماله وبنفس شخصية العجوز في 2013 باسم (تحت وفوق)، وأجيز رقابياً وعدنا في 2016 وأطلقنا عليه (شباك رزق)، ثم أصبح في اللحظات الأخيرة (خيال مآتة)».
وقبل شهور ترقب الجمهور المصري طرح فيلم حلمي الجديد، لا سيما بعد ظهوره السينمائي المتقطع، وعدم تحقيق أفلامه الأخيرة النجاح المنشود على غرار فيلم «عسل أسود» عام 2010 الذي تعاون فيه حلمي مع المخرج خالد مرعي. فيما أشار بعض النقاد إلى أن آخر أفلام حلمي المميزة كان فيلم «إكس لارج» عام 2011، وشن كثيرون هجوماً لاذعاً على حلمي، وفيلمه الجديد، معتبرين أن «خيال مآتة»، لم يخرج حلمي من سلسلة الأفلام «الفقيرة» التي ظهر بها بالسنوات الأخيرة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)