أطفال «داعش» وطريق العودة الوعر إلى أوروبا

1300 من أبناء المتطرفين المقاتلين منتشرون في سوريا والعراق

اطفال «داعش» في مخيم الهول حيث الأوضاع المعيشية البائسة (نيويورك تايمز)
اطفال «داعش» في مخيم الهول حيث الأوضاع المعيشية البائسة (نيويورك تايمز)
TT

أطفال «داعش» وطريق العودة الوعر إلى أوروبا

اطفال «داعش» في مخيم الهول حيث الأوضاع المعيشية البائسة (نيويورك تايمز)
اطفال «داعش» في مخيم الهول حيث الأوضاع المعيشية البائسة (نيويورك تايمز)

بعد أعوام من انطلاق آبائهم في رحلة مجهولة من بلجيكا وفرنسا للانضمام إلى صفوف التنظيم الإرهابي، انتقل 18 طفلاً من مخيمات اللاجئين السورية البائسة ذات الأوضاع المعيشية اليائسة إلى حياة جديدة واعدة في بلجيكا وفرنسا، الأمر الذي أثار الانتباه والاهتمام على نطاق واسع هناك، إثر حالة التعنُّت الأوروبية المشهودة في قبول أطفال المتطرفين على أراضيها.
تشير التقديرات إلى أن قبولهم ليس القاعدة وإنما مجرد استثناء، ولا يزال هناك نحو 1300 طفل أو أكثر من أبناء المتطرفين المقاتلين ذوي الأصول الأوروبية ينتشرون في مختلف الأماكن في سوريا والعراق. وفي حين أن بعض الحكومات الأوروبية قد خففت من مواقفها المتعنتة، بصورة نسبية، بشأن إعادة الأطفال إلى أوطانهم، فلا يزال من غير الواضح متى، أو ما إذا كان يمكن للأطفال المغادرة إلى بلادهم.
وتشير رحلات النقل الجوي الأخيرة التي تمت بعد شهور من إجراءات التحقق من هويات الأطفال إلى مدى مقاومة وتعنت البلدان الغربية للأمر برمته. ولم تستقبل بلجيكا أو فرنسا من الأطفال إلا الذين لقي آباؤهم مصرعهم فعلاً في سوريا أو العراق، وأغلبهم من الأيتام، ودخل بعضهم إلى أراضي «داعش» رفقة آبائهم الذين قُتِلوا هناك، في حين بقيت أمهاتهم في أوروبا.
وقبل ذلك بأيام، كان فريق عمل بلجيكي قد أنشأ عيادة فحص مؤقتة في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، ذلك المخيم الذي يضم بين جنباته الآلاف من أتباع «داعش» الحاليين والسابقين وأفراد عائلاتهم وذويهم، بهدف توفير الرعاية الطبية والتقييمات النفسية لأطفال الرعايا البلجيكيين.
تقول هايدي دي - باو، إحدى عضوات الفريق البلجيكي: «إنهم يرغبون بالعودة إلى بلجيكا، وكانوا يقولون لنا: نريد الرجوع إلى بلادنا».
بيد أن السيدة دي - باو، وهي المديرة التنفيذية لمركز «تشايلد فوكاس» للأطفال المفقودين والمستغَلّين جنسياً، لا تملك كثيراً من الأمل كي تمنحه للأطفال هناك، ويرجع ذلك بسبب جزئي إلى أن أغلبهم لديه أحد الوالدين يعيش معه في مخيم اللاجئين.
وكانت البلدان الأوروبية قد أعلنت عن رفضها التام لرجوع المتطرفين البالغين إلى بلدانهم، مع استثناءات قليلة للغاية. كما أعربت السلطات الكردية، المعنية بالإشراف على مخيمات اللاجئين الكبرى في سوريا، عن موقفها بكل وضوح بأنها لا ترغب في تقطيع أوصال العائلات وفصل الأطفال عن ذويهم، كما أنها لا ترغب كذلك في ترك الأطفال بلا جنسية محددة.
تحمل هذه القضية كثيراً من الشحن والزخم السياسي في جميع أنحاء أوروبا؛ إذ يُنظر إلى الناجين من أتباع «داعش»، حتى الأطفال منهم، من زاوية التهديدات المستقبلية المحتملة على أمن البلاد والعباد هناك، بصرف النظر تماماً عن برامج الإصلاح أو التأهيل التي مروا بها أو خضعوا إليها. وأعلن ثيو فرانكين، مساعد وزير الخارجية البلجيكي الأسبق لشؤون اللجوء والهجرة، وهو من سياسيي الحزب الفلمندي المحافظ، عن تنديده بإجراءات الإرجاع إلى الوطن المتخَذة أخيراً في بلاده، محذراً من أنها قد تكون بادرة لإعادة جميع أطفال «داعش» إلى بلجيكا، وكتب مغرداً: «كلا، كلا، كلا، لا يمكنهم العودة، لم يعد آباؤهم من مواطني البلاد».
وعندما خضعت أجزاء من أراضي سوريا والعراق إلى سيطرة «داعش»، غادر ما لا يقل عن 41 ألفاً من المتطرفين من مختلف أصقاع العالم بغية الانضمام إلى صفوف التنظيم الإرهابي وخلافته الموهومة، وكان ثلثهم قادماً من بلدان أوروبية، بما في ذلك إقليم القوقاز. واصطحب بعضهم أطفالهم رفقتهم، وبعضهم أنجب أطفاله حال وجوده في منطقة الشرق الأوسط. وتعرض الآلاف منهم للقتل، وتمكن آلاف آخرون من الفرار من القتال المستعر، وحاول كثيرون منهم تلمس سبيل الرجوع إلى بلادهم رغم مخاطر الملاحقات القضائية باتهامات التطرف والإرهاب التي تنتظرهم هناك.
ومع فقدان «داعش» لآخر معاقله ومواقعه في وقت مبكر من العام الحالي، احتشد الآلاف من الناجين من أتباع التنظيم المنهزم داخل مخيمات اللاجئين التي أُنشئَت لتستوعب أعداداً أقل بكثير مما تؤويه الآن. ولقي ما لا يقل عن 29 طفلاً حتفهم في رحلة الموت الرهيبة إلى مخيم الهول السوري أو وافتهم منيتهم بعد فترة وجيزة من وصولهم إلى المخيم.
ومن العلل الشائعة هناك نجد أعمال العنف، والأمراض المتفشية، وحالة اليأس القاتم الجاثمة على نفوس الجميع، فضلاً عن ندرة واضحة في إمدادات الغذاء والدواء اللذين لا يكادان يكفيان سكان المخيم وعائلاتهم. وقال غيريت لوتس، الطبيب النفسي الذي يقود الفريق الطبي البلجيكي في مخيم الهول، إن النساء ما زلن مؤمنات بأفكار وآيديولوجيات «داعش» الراديكالية ويرجمن بالحجارة كلّ من تخلى عن هذه الأفكار وتراجع عن الاعتقاد في صحتها.
ويضم مخيم الهول السوري نحو 3 آلاف امرأة، رفقة 7 آلاف طفل من بلدان أخرى غير سوريا والعراق، كلهم قيد الاحتجاز بين أسوار المخيم، وفقاً للسلطات الكردية وممثلي منظمة «هيومان رايتس ووتش». ويرغب كثيرون منهم في العودة إلى أوطانهم، ويُعتقد أن السواد الأعظم منهم يرجع إلى أصول روسية وفرنسية، وهناك جانب لا بأس من أصول ألمانية، وهولندية، وبلجيكية، من بين جنسيات أوروبية أخرى.
وبعض النساء ممن انضممن طواعية إلى «داعش» تخلين مختارات عن أفكار التنظيم بعد شهود انهياره وهزيمته، في حين آمنت نساء أخريات بدعاوى التنظيم الواهية حتى إنهنّ شاركن بأنفسهن في بعض أعمال العنف والفظائع المرتكبة هناك.
وتعرض الأطفال لحملات مكثفة من تلقين أفكار التطرف والإرهاب مع إجبارهم على المشاركة في بعض أعمال التنظيم الإجرامية. ومن الصعوبة تحديد المذنب والمدان بارتكاب تلك الجرائم، ومن لا يزال متمسكاً بالأفكار المتطرفة، ومن قد تتغير مواقفهم بعد المشورة والنصح والإرشاد.
وهناك بلدان قليلة للغاية، مثل كازاخستان وكوسوفو، قد سمحت باستعادة كثير من مواطنيها من أراضي «داعش»، بمن في ذلك البالغون منهم. واستقبلت تركيا وروسيا، وبلدان أخرى، أعداداً كبيرة من الأطفال في الآونة الأخيرة، أغلبهم من الأيتام، برغم بقاء المزيد منهم قيد الاحتجاز في مخيمات اللاجئين.
لكن أغلب البلدان الأوروبية قد اعتمدت موقفاً متصلباً إزاء ذلك. وذهبت المملكة المتحدة إلى حد إلغاء جنسية المواطنين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم. وكثير من البلدان الأوروبية الأخرى، في أعقاب قرارات الرفض المبدئية، قد أعلنت أنها ربما تستقبل بعض الأطفال من رعاياها، غير أن الإجراءات تستغرق أوقاتاً طويلة.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».