الاقتصاد الروسي يتجنب «الركود التقني»... وتوقعات مبشرة للنصف الثاني

تقارير تحذّر من استمرار استنزاف الأيدي العاملة

TT

الاقتصاد الروسي يتجنب «الركود التقني»... وتوقعات مبشرة للنصف الثاني

قالت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية إن الاقتصاد سجل دينامية إيجابية خلال الفصل الثاني من العام الحالي، مما يعني أنه تجنب «الركود التقني»، وتوقعت أن يسجل نمواً في النصف الثاني من العام الحالي، وأحالت ضعف دينامية النمو في الربع الثاني منه إلى تراجع الطلب المحلي والدينامية السلبية للطلب الخارجي.
في غضون ذلك، عاد الوضع الديموغرافي في روسيا إلى الصدارة على قائمة «مصادر القلق الاقتصادي الرئيسية للسلطات الروسية». وبعد ارتياح تجاه أسعار النفط، نتيجة «ضبط» تقلبات السوق بفضل اتفاقية «أوبك+»، والحفاظ على أسعار مرتفعة مريحة للميزانية الروسية، ومع تراجع المخاوف من تأثير العقوبات، إثر إعلان الولايات المتحدة أخيراً عن حزمة جديدة منها، ترقبها الاقتصاد الروسي منذ صيف العام الماضي، عاد إلى الصدارة مجدداً الحديث عن مخاطر تراجع أعداد العاملين في الاقتصاد الروسي.
في نشرتها الشهرية، قالت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية إن روسيا تجنبت «الركود التقني»، وأشارت إلى أن الربع الثاني من العام أظهر دينامية إيجابية على أساس فصلي. ومع استثناء العامل الموسمي، سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بمعدل 0.4 في المائة في الربع الثاني من عام 2019، بعد تراجع بمعدل 0.2 في المائة في الربع الأول منه؛ «مما يعني أنه لا يوجد ركود تقني» على حد تعبير الوزارة. وفي وقت سابق قالت دائرة الإحصاء الفيدرالية، التي تأخذ العامل الموسمي بالحسبان في بياناتها، إن معدل النمو بلغ خلال الربع الثاني من العام 0.9 في المائة على أساس سنوي، ولم يتجاوز 0.5 في المائة على أساس سنوي أيضاً؛ في الربع الأول منه.
وأحالت الوزارة ضعف دينامية النمو في الربع الثاني من العام إلى تدني الطلب المحلي، وسط استمرار السياسة المالية النقدية المتشددة، فضلاً عن الدينامية السلبية للطلب الخارجي، في ظل تباطؤ النمو العالمي. وقالت إن وتيرة النمو ستستعيد عافيتها مع بداية الربع الثالث من العام، تحت تأثير زيادة نفقات الميزانية الفيدرالية، بما في ذلك على تمويل «المشروعات القومية»، وبناء عليه «يُتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الثاني من عام 2019 حتى 1.6 إلى 1.8 في المائة على أساس سنوي، مما يسمح بالوصول إلى وتيرة النمو التي توقعتها وزارة التنمية الاقتصادية، بمعدل نحو 1.3 في المائة حصيلة عام 2019».
في غضون ذلك، تجدد الحديث حول مخاطر تراجع أعداد السكان في روسيا، لا سيما في سن العمل، على النمو الاقتصادي، في ظل معطيات تشير إلى استنزاف الاقتصاد الروسي الأيدي العاملة المتوفرة. وقال خبراء «قسم الدراسات والتنبؤات» في «البنك المركزي الروسي»، في تقرير أخيراً (لا يعبرون بالضرورة عن الموقف الرسمي لـ«المركزي»)، إن تدني البطالة حتى أدنى مستوى، وسط تراجع أعداد العاملين، قد يؤدي إلى خلق مخاطر على الاقتصاد والتضخم. ولم يساعد قرار رفع سن التقاعد على تحسين الوضع؛ إذ استمر تراجع أعداد العاملين في الاقتصاد خلال النصف الأول من العام الحالي، بواقع تراجع بقدر 0.8 مليون عامل في الربع الأول، و0.6 مليون عامل في الربع الثاني من العام.
ويشير التقرير إلى أن هذا التراجع جاء بالتزامن مع تدنٍ قياسي لمعدل البطالة في البلاد حتى 3.3 مليون عاطل عن العمل، مما يعني أن الاقتصاد استنزف طاقة العمل المتوفرة. وعليه؛ يحذر الخبراء في تقريرهم من أن هذا الوضع يشكل مخاطر على التضخم وعلى نمو الاقتصاد الروسي بشكل عام.
وقال خبراء «معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية»، في «أكاديمية الاقتصاد الوطني» التابعة للرئاسة الروسية، إن زيادة أعداد العاملين في الاقتصاد ممكنة؛ لكن فقط على حساب انخراط أوسع وأكثر نشاطاً في سوق العمل من جانب المواطنين كبار السن. وكان خبراء المعهد أعدوا تقريراً بالتعاون مع «معهد غايدرا» بعنوان: «مراقبة الوضع الاقتصادي في روسيا... توجهات وتحديات التنمية الاقتصادية»، قالوا فيه إن «النشاط الاقتصادي للسكان بلغ ذروته في الفترة الحالية»، وأشاروا إلى تسارع وتيرة تراجع أعداد العاملين خلال الربع الأول من العام الحالي، حتى 0.8 مليون عامل أقل؛ مقارنة بعدد العاملين خلال الربع الأول من العام الماضي. وتتضح خطورة الوضع بالنظر إلى مؤشرات العام الماضي، حيث تراجع عدد العاملين طيلة العام بقدر 0.1 مليون مواطن فقط. ووفق تقديرات «المركزي» الروسي؛ فإن أسرع وتيرة تراجع لأعداد العاملين في الاقتصاد تُلاحظ حالياً بين المواطنين في سن من 25 إلى 29، و50 إلى 54 عاماً، هذا بينما لا يوجد نمو في أعداد العاملين بسن فوق 60 عاماً.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تحذيرات من مخاطر «تأهرم» السكان في روسيا؛ إذ حذرت وزارة المالية وكذلك «المركزي» أكثر من مرة من أن تراجع أعداد المواطنين في سن العمل يبقى أحد المخاطر الرئيسية بالنسبة للاقتصاد الروسي. وحسب تقديرات الوزارة؛ فإن أعداد النساء في سن «العمل» حتى 55 عاماً والرجال حتى 60 عاماً ستتقلص بقدر 2.7 مليون رجل وامرأة خلال السنوات الخمس المقبلة، وفي المقابل يتوقع ارتفاع أعداد المواطنين كبار السن بقدر 5 ملايين مواطن خلال الفترة ذاتها. وحذر «المركزي» من أنه حتى قرار رفع سن التقاعد فلن يتمكن من حل هذه الأزمة، لافتاً إلى أن إنتاجية العاملين كبار السن تكون عادة أدنى من المستوى المتوسط.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.