تركيا تتمسك بمنطقة آمنة بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً في سوريا

هددت بتنفيذها بمفردها إذا لم تلتزم واشنطن باتفاق العمليات المشتركة

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار
TT

تركيا تتمسك بمنطقة آمنة بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً في سوريا

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار

أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تمسك بلاده بإقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا على عمق يمتد من 30 إلى 40 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لتركيا، قائلاً إن بلاده لديها خططها، وستتحرك بشكل مستقل عن الجانب الأميركي حال عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مباحثات الوفدين العسكريين في أنقرة الأسبوع الماضي.
وقال أكار: «المنطقة الآمنة في سوريا يجب أن تمتد من الحدود التركية لمسافة 30 إلى 40 كيلومتراً إلى داخل الأراضي السورية... ننتظر من الولايات المتحدة الخطوات بهذا الاتجاه تحديداً، وتركيا مستعدة للعمل بشكل مستقل لإنشاء المنطقة الآمنة، ولديها خطط بديلة حال عدم التزام الجانب الأميركي».
وأضاف أكار، في مقابلة تلفزيونية أمس (الاثنين)، أنه سيتم قريباً افتتاح مركز العمليات المشتركة المقرر إقامته بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة و«نعرب عن رغبتنا في التقدم وفقاً لروح التحالف والشراكة الاستراتيجية والتحرك مع حلفائنا الأميركيين، بعد إقامة مركز العمليات، وفي حال لم يتم ذلك سيكون لدى تركيا أنشطة وعمليات ستقوم بها بنفسها».
وعن مباحثات الوفدين العسكريين التركي والأميركي في أنقرة الأسبوع الماضي، قال أكار: «تحدثنا عن نوايانا ومخاوفنا وطلباتنا، وهم أعربوا عن آرائهم، وتم التوصل إلى اتفاق وتفاهم على نقاط محددة في قضايا إخراج مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة وسحب أسلحتهم الثقيلة، ومراقبة المجال الجوي، والتنسيق والتبادل الاستخباراتي».
وتابع أن المباحثات تناولت عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى المناطق التي سيتم تطهيرها مما سماه «الإرهاب»، مؤكداً التوصل إلى تفاهم بشكل كبير بهذا الصدد.
وبالنسبة للجدول الزمني الخاص بالمنطقة الآمنة، قال الوزير التركي: «وضعنا بعض المواعيد، بسبب حدوث تأخيرات سابقاً (في إشارة إلى التأخر في تنفيذ اتفاق خريطة الطريق في منبج الموقّع مع أميركا العام الماضي)، ونقلنا لهم إننا لن نقبل بحدوث ذلك، وضرورة القيام بما يتوجب وفق برنامج محدد».
وواصل أكار: «سيتم تنفيذ الأنشطة الأخرى مع افتتاح مركز العمليات المشتركة في الأيام المقبلة، حيث إننا أبرزنا بشكل واضح وجلي أننا لن نسمح أبداً بإنشاء ممر إرهابي على حدودنا الجنوبية، وأننا عازمون على اتخاذ ما يلزم بهذا الصدد».
وذكر أنهم أكدوا للجانب الأميركي ضرورة أن يكون عمق المنطقة الآمنة ما بين 30 و40 كيلومتراً، لافتاً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب طرح هذه المسافة خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان.
وعن توقعات الجانب التركي حول التزام الجانب الأميركي بالاتفاق ومدى مصداقيته، قال أكار: «حددنا معاً أهدافاً ونقاط مراقبة متعلقة بالوقت... طالما استمر الالتزام بهذه الأمور فإن تعاوننا سيستمر، وقلنا لهم مراراً وتكراراً إننا لا نستطيع تحمل الانتظار في حالة عدم الالتزام».
وأوضح أنه سيكون لتركيا الحق في استخدام مبادرة التحرك بمفردها دون أي تردد في حال عدم الالتزام بما تم التوصل إليه، قائلاً: «نقلنا إلى الوفد الأميركي ضرورة إنهاء الدعم المقدم لوحدات حماية الشعب الكردية التي لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني (المحظور)، وبخاصة بالسلاح والذخائر، وأن ذلك يعد شرطاً باسم التحالف والشراكة الاستراتيجية».
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن تركيا ستطهر منطقة شرق الفرات من عناصر الوحدات الكردية ولن تسمح للولايات المتحدة الأميركية بإلهائها كما حدث في اتفاق خريطة الطريق في منبج. وقال جاويش أوغلو في تصريحات مساء أول من أمس إن بلاده اتخذت كل التدابير اللازمة ضد التهديدات الخارجية، واتخذت خطوات مهمة في عملية شرق الفرات و«إما أن نقوم بتنظيف منطقة شرق الفرات معاً (مع الولايات المتحدة)، أو أن تدخل تركيا وحدها المنطقة لتنظيفها من الإرهابيين».
وتحاول تركيا عبر إقامة المنطقة الآمنة إلى السيطرة على مدن وبلدات في الشمال السوري شرق الفرات ونقل اللاجئين السوريين إليها، وبينهم، أكثر من 80 ألفاً حصلوا على الجنسية التركية، بينما تتمسك الولايات المتحدة بتوفير ضمانات حماية للمقاتلين الأكراد، وهم أوثق حلفائها في الحرب على تنظيم «داعش»، وترفض حتى الآن فكرة سيطرة تركيا بشكل كامل على المنطقة الآمنة التي لم تتضح معالمها بعد.
من ناحية أخرى، انتقد وزير الدفاع التركي استمرار الهجمات الجوية والبرية، للنظام السوري على منطقة خفض التصعيد في إدلب بدعم من روسيا. ووصفها بـ«الجائرة وغير الأخلاقية»، مشيرا إلى أن نحو 400 مدني قتلوا بسببها منذ يونيو (حزيران) الماضي. وذكر أكار أن تركيا تواصل المباحثات مع روسيا بشأن اتخاذ التدابير اللازمة بهدف ضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في المنطقة.
في السياق ذاته، نفت «الجبهة الوطنية للتحرير»، العاملة في إدلب، وقف تركيا دعمها للفصائل المسلحة التي تقاتل ضد النظام السوري. وقال المتحدث باسم «الجبهة»، وهي واحدة من فصائل «الجيش السوري الحر» الموالي لتركيا، النقيب ناجي مصطفى، أمس، إن الدعم التركي لم يتوقف. ودلل على ذلك بتدمير أربعة أهداف بصواريخ «تاو» المضادة للدروع، أول من أمس.
وأحرزت قوات النظام السوري تقدماً متسارعاً في خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة، منذ استئناف العمليات العسكرية، في 4 أغسطس (آب) الحالي، عقب إنهاء دمشق الهدنة المتفق عليها في جولة محادثات «آستانة 13»، بضمانة روسية - تركية - إيرانية.
وكان ناشطون أكدوا تجميد تركيا دعمهما للفصائل الموالية لها بالصواريخ، بعد تراجع المقاومة مقارنة بما كانت عليه قبل «آستانة 13». وأرجع مصطفى تراجع المقاومة إلى استخدام قوات النظام وحلفائه الروس ترسانة عسكرية ضخمة من الأسلحة والطيران الحربي إلى جانب إلقاء مئات القذائف الصاروخية على مناطق التماس في مختلف المحاور؛ وهو ما يجبر الفصائل على التراجع.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم