تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

مع مرض الظواهري... وبعد مقتل حمزة بن لادن

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
TT

تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)

أدت وفاة حمزة بن أسامة بن لادن، إلى ترك مستقبل تنظيم «القاعدة» في وضع غامض أكثر من أي وقت مضى، إذ يُقال إن زعيمه الحالي أيمن الظواهري بات في حالة صحية سيئة، وذلك بالإضافة إلى وفاة خلفه حمزة.
ولطالما كان يُنظر إلى حمزة باعتباره وريث والده أسامة، الذي كان العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وظل قائد شبكة التنظيم في العالم حتى قُتل على يد القوات الأميركية في عام 2011.

وبعد أن كانت «القاعدة» هي التنظيم الإرهابي الأكثر خطورة في العالم، فإنه قد تم تهميشه في السنوات الأخيرة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي؛ لكن المحللين يعتقدون أن حمزة قد قدم صوتاً أصغر سناً للتنظيم الذي كافح قادته من كبار السن من أجل إلهام المقاتلين.
وأيمن الظواهري ما زال قائد تنظيم «القاعدة» في الوقت الحالي؛ لكن خبراء الأمم المتحدة قالوا هذا الأسبوع إن هناك تقارير تفيد بأنه قد بات في حالة صحية سيئة، مما يثير شكوكاً حول كيفية إدارة التنظيم لمسألة الخلافة.
وحسب لجنة من الأمم المتحدة، فإن مسألة بقاء الظواهري على قيد الحياة قد باتت موضع شك، مشيرين إلى أن تنظيم «القاعدة» أصبح أضعف من تنظيم «داعش» من حيث التمويل والإعلام والخبرة الإرهابية.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون الآن، أن حمزة قد مات بالفعل، وذلك وفقاً لتقارير يوم الأربعاء الماضي، مما يلقي بالخلافة في مزيد من الفوضى.
ومن غير الواضح مَن الشخص الذي يمكنه تولي المهمة التي كان من المقرر أن يتولاها حمزة؛ حيث قُتِل الرجل الثاني للتنظيم، ناصر الوحيشي، في عام 2015، ولا يبدو أن هناك اسماً واضحاً قد حَل محله.
ومع ذلك، حذرت لجنة الأمم المتحدة من أن «القاعدة» ما زال قادراً على الصمود، وأن الجماعات التابعة له أقوى من «داعش» في اليمن والصومال ومعظم دول غرب أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن «القاعدة» قد يكون على استعداد للحصول على بعض الدعم من «داعش» بعد أن انهارت خلافة الأخير في وقت سابق من هذا العام.
كما حذرت اللجنة من أن يكون المجاهدين الذين سافروا إلى خلافة «داعش»، والذين يصل عددهم إلى 30 ألف شخص، لا يزالون على قيد الحياة، وقد ينضم بعضهم إلى تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به.
وقد تم وضع حمزة بن لادن على القائمة السوداء للإرهابيين، من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قبل فترة وجيزة من مغادرته منصبه في عام 2017.
وكتب العميل الخاص السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) والخبير في تنظيم «القاعدة»، علي صوفان، في الوقت الذي وُضع فيه حمزة في القائمة السوداء، أنه في ظل كون خلافة تنظيم «داعش» على وشك الانهيار، فإن حمزة كان الشخصية الأفضل لإعادة توحيد الحركة الجهادية العالمية. بينما قال مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية، إنه عازم على ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن الرعايا الأميركيين أو الأمن القومي الأميركي.
وكان حمزة، الذي يُعتقد بأنه كان يبلغ من العمر 30 عاماً، أحد أبناء أسامة بن لادن الذين يبلغ عددهم 23 ولداً على الأقل، وكان يعيش مع والده في أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد تم تقديمه باعتباره عضواً في تنظيم «القاعدة» بواسطة أيمن الظواهري، وذلك في رسالة صوتية في عام 2015، وقد دعا إلى القيام بأعمال إرهابية في العواصم الغربية.
وكان الظواهري هو الرجل الثاني في التنظيم قبل وفاة أسامة بن لادن، وهو طبيب مصري، التقى بن لادن في منتصف الثمانينات عندما كانا في باكستان لدعم المقاتلين الذين يقاتلون السوفيات في أفغانستان.
ولكن فقد تنظيم «القاعدة» نفوذه تحت قيادته، وكان يُنظر إلى حمزة على أنه «الزعيم الصاعد» في التنظيم.
ويُعتقد أن حمزة كان رهن الإقامة الجبرية في إيران عندما أغارت القوات الخاصة الأميركية على مجمع أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان، وقتلته بالرصاص في عام 2011. وأشارت الوثائق التي تم إيجادها في المجمع إلى أن مساعديه كانوا يحاولون لَم شمله مع والده مرة أخرى.
وقد تم العثور على فيديو لحفل زفاف حمزة في المجمع، وكانت وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) قد نشرته في عام 2017.
ومع ذلك، لم يتم تحديد مكان حمزة مطلقاً، ولكن قالت عدة تقارير مختلفة إنه كان في أفغانستان وباكستان وسوريا.
وفي مارس (آذار) من هذا العام، قال ضابط البحرية الأميركي الذي يزعم أنه أطلق الرصاصة القاتلة على أسامة بن لادن، إن حمزة كان مختبئاً في باكستان.
وخلال فترة وجوده في «القاعدة»، هدد حمزة باستهداف الأميركيين في الخارج، وحث الجماعات القبلية في منطقة الخليج على الاتحاد مع تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما هدد بالانتقام لوفاة والده، ووعد بمواصلة حرب التنظيم ضد الولايات المتحدة وحلفائها في خطاب بعنوان «كلنا أسامة».
وبالإضافة إلى ذلك، فقد دعا إلى شن هجمات «الذئاب المنفردة» ضد المصالح الأميركية والفرنسية والإسرائيلية، في واشنطن وباريس وتل أبيب.
وفي مارس الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها قد جردت حمزة بن لادن من جنسيته، قائلة إن القرار تم اتخاذه بأمر ملكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.
وبحسب وسائل الإعلام الأميركية، فهو يُعتقد أنه قد مات بالفعل، وذلك على الرغم من رفض الرئيس ترمب تأكيد هذه المزاعم.
وفي مارس الماضي، رصدت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة قدرها مليون دولار لمن يزودها بمعلومات تؤدي إلى الوصول لمكان حمزة بن لادن.
وذكرت التقارير أنه قُتل خلال العامين الأخيرين في عملية شاركت فيها الولايات المتحدة. وتشير التقارير إلى أن حمزة ربما يكون قد قُتِل قبل فترة طويلة من رصد وزارة الخارجية مكافأة المليون دولار.
وتقول المديرة التنفيذية لمجموعة «سايت» للاستخبارات، والتي تقوم بتعقب المتطرفين، ريتا كاتز، إن حمزة لم يكن مستهدفاً لكونه ابن أسامة بن لادن فقط، ولكن لأنه كان أحد أعلى أصوات تنظيم «القاعدة» التي تدعو إلى شن هجمات في الغرب، وكان يعطي التوجيهات بذلك، كما كان يقوم بتأهيل نفسه، بمساعدة «القاعدة»، لقيادة حركة التطرف العالمية، وكان يُنظر إليه باعتباره القائد المستقبلي الذي سيوحد الجهاد العالمي، ولذلك فإنه في حال كان قد مات بالفعل، فإن وفاته ستكون بمثابة ضربة كبيرة للحركة، بحسب «الغارديان» البريطانية.
وقد كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، هي أكبر خسارة في الأرواح على الأراضي الأميركية بسبب الإرهاب؛ حيث أودت بحياة 2977 ضحية. ويُعتقد أن التنظيم يحاول جذب القبائل المحلية في اليمن، في محاولة منه لترسيخ نفسه بين السكان المدنيين. وقد وجد تقرير لجنة الأمم المتحدة أن تنظيم «القاعدة» قد اشتبك مع «داعش» في اليمن، وذلك في محاولته للحفاظ على موقعه باعتباره التنظيم الإرهابي المهيمن على المناطق التي ينفذ فيها عملياته.
أما في ليبيا، فإنه يبدو أن «داعش» و«القاعدة» لديهما مناطق نفوذ متداخلة هناك؛ حيث يدعم ما يصل إلى 200 مقاتل «القاعدة».
وقالت لجنة الأمم المتحدة، إن التنظيم ما زال يعتبر أفغانستان ملاذاً آمناً لقيادته، معتمداً في ذلك على علاقته القوية طويلة الأمد مع قيادة «طالبان»، وأضافت أن أعضاء «القاعدة» يواصلون العمل بشكل روتيني كمعلمين عسكريين ودينيين لـ«طالبان».
وكان أسامة بن لادن في أفغانستان عندما حكمت «طالبان» البلاد في أواخر التسعينات، وقام باستخدامها كقاعدة لعملياته، وغزت الولايات المتحدة أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001 بفترة وجيزة، وذلك لعزل «طالبان» من السلطة، وإضعاف قاعدة دعم الإرهابيين في البلاد.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».