تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

مع مرض الظواهري... وبعد مقتل حمزة بن لادن

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
TT

تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)

أدت وفاة حمزة بن أسامة بن لادن، إلى ترك مستقبل تنظيم «القاعدة» في وضع غامض أكثر من أي وقت مضى، إذ يُقال إن زعيمه الحالي أيمن الظواهري بات في حالة صحية سيئة، وذلك بالإضافة إلى وفاة خلفه حمزة.
ولطالما كان يُنظر إلى حمزة باعتباره وريث والده أسامة، الذي كان العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وظل قائد شبكة التنظيم في العالم حتى قُتل على يد القوات الأميركية في عام 2011.

وبعد أن كانت «القاعدة» هي التنظيم الإرهابي الأكثر خطورة في العالم، فإنه قد تم تهميشه في السنوات الأخيرة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي؛ لكن المحللين يعتقدون أن حمزة قد قدم صوتاً أصغر سناً للتنظيم الذي كافح قادته من كبار السن من أجل إلهام المقاتلين.
وأيمن الظواهري ما زال قائد تنظيم «القاعدة» في الوقت الحالي؛ لكن خبراء الأمم المتحدة قالوا هذا الأسبوع إن هناك تقارير تفيد بأنه قد بات في حالة صحية سيئة، مما يثير شكوكاً حول كيفية إدارة التنظيم لمسألة الخلافة.
وحسب لجنة من الأمم المتحدة، فإن مسألة بقاء الظواهري على قيد الحياة قد باتت موضع شك، مشيرين إلى أن تنظيم «القاعدة» أصبح أضعف من تنظيم «داعش» من حيث التمويل والإعلام والخبرة الإرهابية.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون الآن، أن حمزة قد مات بالفعل، وذلك وفقاً لتقارير يوم الأربعاء الماضي، مما يلقي بالخلافة في مزيد من الفوضى.
ومن غير الواضح مَن الشخص الذي يمكنه تولي المهمة التي كان من المقرر أن يتولاها حمزة؛ حيث قُتِل الرجل الثاني للتنظيم، ناصر الوحيشي، في عام 2015، ولا يبدو أن هناك اسماً واضحاً قد حَل محله.
ومع ذلك، حذرت لجنة الأمم المتحدة من أن «القاعدة» ما زال قادراً على الصمود، وأن الجماعات التابعة له أقوى من «داعش» في اليمن والصومال ومعظم دول غرب أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن «القاعدة» قد يكون على استعداد للحصول على بعض الدعم من «داعش» بعد أن انهارت خلافة الأخير في وقت سابق من هذا العام.
كما حذرت اللجنة من أن يكون المجاهدين الذين سافروا إلى خلافة «داعش»، والذين يصل عددهم إلى 30 ألف شخص، لا يزالون على قيد الحياة، وقد ينضم بعضهم إلى تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به.
وقد تم وضع حمزة بن لادن على القائمة السوداء للإرهابيين، من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قبل فترة وجيزة من مغادرته منصبه في عام 2017.
وكتب العميل الخاص السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) والخبير في تنظيم «القاعدة»، علي صوفان، في الوقت الذي وُضع فيه حمزة في القائمة السوداء، أنه في ظل كون خلافة تنظيم «داعش» على وشك الانهيار، فإن حمزة كان الشخصية الأفضل لإعادة توحيد الحركة الجهادية العالمية. بينما قال مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية، إنه عازم على ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن الرعايا الأميركيين أو الأمن القومي الأميركي.
وكان حمزة، الذي يُعتقد بأنه كان يبلغ من العمر 30 عاماً، أحد أبناء أسامة بن لادن الذين يبلغ عددهم 23 ولداً على الأقل، وكان يعيش مع والده في أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد تم تقديمه باعتباره عضواً في تنظيم «القاعدة» بواسطة أيمن الظواهري، وذلك في رسالة صوتية في عام 2015، وقد دعا إلى القيام بأعمال إرهابية في العواصم الغربية.
وكان الظواهري هو الرجل الثاني في التنظيم قبل وفاة أسامة بن لادن، وهو طبيب مصري، التقى بن لادن في منتصف الثمانينات عندما كانا في باكستان لدعم المقاتلين الذين يقاتلون السوفيات في أفغانستان.
ولكن فقد تنظيم «القاعدة» نفوذه تحت قيادته، وكان يُنظر إلى حمزة على أنه «الزعيم الصاعد» في التنظيم.
ويُعتقد أن حمزة كان رهن الإقامة الجبرية في إيران عندما أغارت القوات الخاصة الأميركية على مجمع أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان، وقتلته بالرصاص في عام 2011. وأشارت الوثائق التي تم إيجادها في المجمع إلى أن مساعديه كانوا يحاولون لَم شمله مع والده مرة أخرى.
وقد تم العثور على فيديو لحفل زفاف حمزة في المجمع، وكانت وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) قد نشرته في عام 2017.
ومع ذلك، لم يتم تحديد مكان حمزة مطلقاً، ولكن قالت عدة تقارير مختلفة إنه كان في أفغانستان وباكستان وسوريا.
وفي مارس (آذار) من هذا العام، قال ضابط البحرية الأميركي الذي يزعم أنه أطلق الرصاصة القاتلة على أسامة بن لادن، إن حمزة كان مختبئاً في باكستان.
وخلال فترة وجوده في «القاعدة»، هدد حمزة باستهداف الأميركيين في الخارج، وحث الجماعات القبلية في منطقة الخليج على الاتحاد مع تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما هدد بالانتقام لوفاة والده، ووعد بمواصلة حرب التنظيم ضد الولايات المتحدة وحلفائها في خطاب بعنوان «كلنا أسامة».
وبالإضافة إلى ذلك، فقد دعا إلى شن هجمات «الذئاب المنفردة» ضد المصالح الأميركية والفرنسية والإسرائيلية، في واشنطن وباريس وتل أبيب.
وفي مارس الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها قد جردت حمزة بن لادن من جنسيته، قائلة إن القرار تم اتخاذه بأمر ملكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.
وبحسب وسائل الإعلام الأميركية، فهو يُعتقد أنه قد مات بالفعل، وذلك على الرغم من رفض الرئيس ترمب تأكيد هذه المزاعم.
وفي مارس الماضي، رصدت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة قدرها مليون دولار لمن يزودها بمعلومات تؤدي إلى الوصول لمكان حمزة بن لادن.
وذكرت التقارير أنه قُتل خلال العامين الأخيرين في عملية شاركت فيها الولايات المتحدة. وتشير التقارير إلى أن حمزة ربما يكون قد قُتِل قبل فترة طويلة من رصد وزارة الخارجية مكافأة المليون دولار.
وتقول المديرة التنفيذية لمجموعة «سايت» للاستخبارات، والتي تقوم بتعقب المتطرفين، ريتا كاتز، إن حمزة لم يكن مستهدفاً لكونه ابن أسامة بن لادن فقط، ولكن لأنه كان أحد أعلى أصوات تنظيم «القاعدة» التي تدعو إلى شن هجمات في الغرب، وكان يعطي التوجيهات بذلك، كما كان يقوم بتأهيل نفسه، بمساعدة «القاعدة»، لقيادة حركة التطرف العالمية، وكان يُنظر إليه باعتباره القائد المستقبلي الذي سيوحد الجهاد العالمي، ولذلك فإنه في حال كان قد مات بالفعل، فإن وفاته ستكون بمثابة ضربة كبيرة للحركة، بحسب «الغارديان» البريطانية.
وقد كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، هي أكبر خسارة في الأرواح على الأراضي الأميركية بسبب الإرهاب؛ حيث أودت بحياة 2977 ضحية. ويُعتقد أن التنظيم يحاول جذب القبائل المحلية في اليمن، في محاولة منه لترسيخ نفسه بين السكان المدنيين. وقد وجد تقرير لجنة الأمم المتحدة أن تنظيم «القاعدة» قد اشتبك مع «داعش» في اليمن، وذلك في محاولته للحفاظ على موقعه باعتباره التنظيم الإرهابي المهيمن على المناطق التي ينفذ فيها عملياته.
أما في ليبيا، فإنه يبدو أن «داعش» و«القاعدة» لديهما مناطق نفوذ متداخلة هناك؛ حيث يدعم ما يصل إلى 200 مقاتل «القاعدة».
وقالت لجنة الأمم المتحدة، إن التنظيم ما زال يعتبر أفغانستان ملاذاً آمناً لقيادته، معتمداً في ذلك على علاقته القوية طويلة الأمد مع قيادة «طالبان»، وأضافت أن أعضاء «القاعدة» يواصلون العمل بشكل روتيني كمعلمين عسكريين ودينيين لـ«طالبان».
وكان أسامة بن لادن في أفغانستان عندما حكمت «طالبان» البلاد في أواخر التسعينات، وقام باستخدامها كقاعدة لعملياته، وغزت الولايات المتحدة أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001 بفترة وجيزة، وذلك لعزل «طالبان» من السلطة، وإضعاف قاعدة دعم الإرهابيين في البلاد.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.