تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

مع مرض الظواهري... وبعد مقتل حمزة بن لادن

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
TT

تساؤلات حول قيادة «القاعدة»

أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)
أنصار بن لادن يحملون صورته في تايلاند بعد مقتله في أبوت آباد بباكستان عام 2011 (غيتي)

أدت وفاة حمزة بن أسامة بن لادن، إلى ترك مستقبل تنظيم «القاعدة» في وضع غامض أكثر من أي وقت مضى، إذ يُقال إن زعيمه الحالي أيمن الظواهري بات في حالة صحية سيئة، وذلك بالإضافة إلى وفاة خلفه حمزة.
ولطالما كان يُنظر إلى حمزة باعتباره وريث والده أسامة، الذي كان العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وظل قائد شبكة التنظيم في العالم حتى قُتل على يد القوات الأميركية في عام 2011.

وبعد أن كانت «القاعدة» هي التنظيم الإرهابي الأكثر خطورة في العالم، فإنه قد تم تهميشه في السنوات الأخيرة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي؛ لكن المحللين يعتقدون أن حمزة قد قدم صوتاً أصغر سناً للتنظيم الذي كافح قادته من كبار السن من أجل إلهام المقاتلين.
وأيمن الظواهري ما زال قائد تنظيم «القاعدة» في الوقت الحالي؛ لكن خبراء الأمم المتحدة قالوا هذا الأسبوع إن هناك تقارير تفيد بأنه قد بات في حالة صحية سيئة، مما يثير شكوكاً حول كيفية إدارة التنظيم لمسألة الخلافة.
وحسب لجنة من الأمم المتحدة، فإن مسألة بقاء الظواهري على قيد الحياة قد باتت موضع شك، مشيرين إلى أن تنظيم «القاعدة» أصبح أضعف من تنظيم «داعش» من حيث التمويل والإعلام والخبرة الإرهابية.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون الآن، أن حمزة قد مات بالفعل، وذلك وفقاً لتقارير يوم الأربعاء الماضي، مما يلقي بالخلافة في مزيد من الفوضى.
ومن غير الواضح مَن الشخص الذي يمكنه تولي المهمة التي كان من المقرر أن يتولاها حمزة؛ حيث قُتِل الرجل الثاني للتنظيم، ناصر الوحيشي، في عام 2015، ولا يبدو أن هناك اسماً واضحاً قد حَل محله.
ومع ذلك، حذرت لجنة الأمم المتحدة من أن «القاعدة» ما زال قادراً على الصمود، وأن الجماعات التابعة له أقوى من «داعش» في اليمن والصومال ومعظم دول غرب أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن «القاعدة» قد يكون على استعداد للحصول على بعض الدعم من «داعش» بعد أن انهارت خلافة الأخير في وقت سابق من هذا العام.
كما حذرت اللجنة من أن يكون المجاهدين الذين سافروا إلى خلافة «داعش»، والذين يصل عددهم إلى 30 ألف شخص، لا يزالون على قيد الحياة، وقد ينضم بعضهم إلى تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به.
وقد تم وضع حمزة بن لادن على القائمة السوداء للإرهابيين، من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قبل فترة وجيزة من مغادرته منصبه في عام 2017.
وكتب العميل الخاص السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) والخبير في تنظيم «القاعدة»، علي صوفان، في الوقت الذي وُضع فيه حمزة في القائمة السوداء، أنه في ظل كون خلافة تنظيم «داعش» على وشك الانهيار، فإن حمزة كان الشخصية الأفضل لإعادة توحيد الحركة الجهادية العالمية. بينما قال مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية، إنه عازم على ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن الرعايا الأميركيين أو الأمن القومي الأميركي.
وكان حمزة، الذي يُعتقد بأنه كان يبلغ من العمر 30 عاماً، أحد أبناء أسامة بن لادن الذين يبلغ عددهم 23 ولداً على الأقل، وكان يعيش مع والده في أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد تم تقديمه باعتباره عضواً في تنظيم «القاعدة» بواسطة أيمن الظواهري، وذلك في رسالة صوتية في عام 2015، وقد دعا إلى القيام بأعمال إرهابية في العواصم الغربية.
وكان الظواهري هو الرجل الثاني في التنظيم قبل وفاة أسامة بن لادن، وهو طبيب مصري، التقى بن لادن في منتصف الثمانينات عندما كانا في باكستان لدعم المقاتلين الذين يقاتلون السوفيات في أفغانستان.
ولكن فقد تنظيم «القاعدة» نفوذه تحت قيادته، وكان يُنظر إلى حمزة على أنه «الزعيم الصاعد» في التنظيم.
ويُعتقد أن حمزة كان رهن الإقامة الجبرية في إيران عندما أغارت القوات الخاصة الأميركية على مجمع أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان، وقتلته بالرصاص في عام 2011. وأشارت الوثائق التي تم إيجادها في المجمع إلى أن مساعديه كانوا يحاولون لَم شمله مع والده مرة أخرى.
وقد تم العثور على فيديو لحفل زفاف حمزة في المجمع، وكانت وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) قد نشرته في عام 2017.
ومع ذلك، لم يتم تحديد مكان حمزة مطلقاً، ولكن قالت عدة تقارير مختلفة إنه كان في أفغانستان وباكستان وسوريا.
وفي مارس (آذار) من هذا العام، قال ضابط البحرية الأميركي الذي يزعم أنه أطلق الرصاصة القاتلة على أسامة بن لادن، إن حمزة كان مختبئاً في باكستان.
وخلال فترة وجوده في «القاعدة»، هدد حمزة باستهداف الأميركيين في الخارج، وحث الجماعات القبلية في منطقة الخليج على الاتحاد مع تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما هدد بالانتقام لوفاة والده، ووعد بمواصلة حرب التنظيم ضد الولايات المتحدة وحلفائها في خطاب بعنوان «كلنا أسامة».
وبالإضافة إلى ذلك، فقد دعا إلى شن هجمات «الذئاب المنفردة» ضد المصالح الأميركية والفرنسية والإسرائيلية، في واشنطن وباريس وتل أبيب.
وفي مارس الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها قد جردت حمزة بن لادن من جنسيته، قائلة إن القرار تم اتخاذه بأمر ملكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.
وبحسب وسائل الإعلام الأميركية، فهو يُعتقد أنه قد مات بالفعل، وذلك على الرغم من رفض الرئيس ترمب تأكيد هذه المزاعم.
وفي مارس الماضي، رصدت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة قدرها مليون دولار لمن يزودها بمعلومات تؤدي إلى الوصول لمكان حمزة بن لادن.
وذكرت التقارير أنه قُتل خلال العامين الأخيرين في عملية شاركت فيها الولايات المتحدة. وتشير التقارير إلى أن حمزة ربما يكون قد قُتِل قبل فترة طويلة من رصد وزارة الخارجية مكافأة المليون دولار.
وتقول المديرة التنفيذية لمجموعة «سايت» للاستخبارات، والتي تقوم بتعقب المتطرفين، ريتا كاتز، إن حمزة لم يكن مستهدفاً لكونه ابن أسامة بن لادن فقط، ولكن لأنه كان أحد أعلى أصوات تنظيم «القاعدة» التي تدعو إلى شن هجمات في الغرب، وكان يعطي التوجيهات بذلك، كما كان يقوم بتأهيل نفسه، بمساعدة «القاعدة»، لقيادة حركة التطرف العالمية، وكان يُنظر إليه باعتباره القائد المستقبلي الذي سيوحد الجهاد العالمي، ولذلك فإنه في حال كان قد مات بالفعل، فإن وفاته ستكون بمثابة ضربة كبيرة للحركة، بحسب «الغارديان» البريطانية.
وقد كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، هي أكبر خسارة في الأرواح على الأراضي الأميركية بسبب الإرهاب؛ حيث أودت بحياة 2977 ضحية. ويُعتقد أن التنظيم يحاول جذب القبائل المحلية في اليمن، في محاولة منه لترسيخ نفسه بين السكان المدنيين. وقد وجد تقرير لجنة الأمم المتحدة أن تنظيم «القاعدة» قد اشتبك مع «داعش» في اليمن، وذلك في محاولته للحفاظ على موقعه باعتباره التنظيم الإرهابي المهيمن على المناطق التي ينفذ فيها عملياته.
أما في ليبيا، فإنه يبدو أن «داعش» و«القاعدة» لديهما مناطق نفوذ متداخلة هناك؛ حيث يدعم ما يصل إلى 200 مقاتل «القاعدة».
وقالت لجنة الأمم المتحدة، إن التنظيم ما زال يعتبر أفغانستان ملاذاً آمناً لقيادته، معتمداً في ذلك على علاقته القوية طويلة الأمد مع قيادة «طالبان»، وأضافت أن أعضاء «القاعدة» يواصلون العمل بشكل روتيني كمعلمين عسكريين ودينيين لـ«طالبان».
وكان أسامة بن لادن في أفغانستان عندما حكمت «طالبان» البلاد في أواخر التسعينات، وقام باستخدامها كقاعدة لعملياته، وغزت الولايات المتحدة أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001 بفترة وجيزة، وذلك لعزل «طالبان» من السلطة، وإضعاف قاعدة دعم الإرهابيين في البلاد.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.