«المنطقة الآمنة» بين أميركا وتركيا تهدد «مسار آستانة»

دورية أميركية في رأس العين شمال سوريا (أ.ف.ب)
دورية أميركية في رأس العين شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

«المنطقة الآمنة» بين أميركا وتركيا تهدد «مسار آستانة»

دورية أميركية في رأس العين شمال سوريا (أ.ف.ب)
دورية أميركية في رأس العين شمال سوريا (أ.ف.ب)

أعادت التطورات المتسارعة في سوريا بعد انتهاء أعمال الجولة 13 في إطار «مسار آستانة» تساؤلات كثيرة إلى الواجهة، في شأن الاستراتيجية الروسية، التي عمل الكرملين على بلورتها خلال 4 سنوات منذ بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية، في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015. وفور إسدال الستار على الجولة الأخيرة من المفاوضات بين ضامني آستانة، تلاحقت التطورات الميدانية والسياسية بشكل وضع الكرملين أمام استحقاقات جديدة. إذ حملت التفاهمات التركية - الأميركية حول المنطقة الآمنة في الشمال السوري، تحدياً جديداً لموسكو تزامن مع تزايد المؤشرات إلى قيام واشنطن بتكثيف الحضور في مناطق الشمال والشرق، بشكل مباشر عبر تعزيز قدرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، أو غير مباشر من خلال التقارير الروسية التي تحدثت عن زج وحدات من شركات عسكرية خاصة (مرتزقة) في المنطقتين. تزامن ذلك مع انفجار الوضع مجدداً في إدلب، وعودة شبح «الحسم العسكري» إلى الواجهة بعد الانهيار السريع للهدنة الهشة التي أعلنت في إطار مفاوضات آستانة.

- صعوبات للكرملين
هذه التطورات المتسارعة لا تأتي في توقيت ملائم بالنسبة إلى الكرملين، الذي يعاني أصلاً خلال الفترة الأخيرة من صعوبات جدية على المستوى الداخلي؛ تمثلت في تصاعد مزاج التذمر والاحتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وعلى الفساد وآليات إدارة السياسات الداخلية. وانعكست من خلال تراجع نسب التأييد للرئيس فلاديمير بوتين إلى أدنى مستوياتها منذ الفترة التي سبقت قرار ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ومنحت أحدث الاستطلاعات حول نسب تأييد السياسات الداخلية لبوتين نحو 40 في المائة فقط، وهي نسبة غير مسبوقة بالنسبة إلى الرئيس الذي حصد العام الماضي أصوات نحو 80 في المائة من الناخبين في استحقاق الانتخابات الرئاسية، فيما عكست الاحتجاجات المتواصلة تقريباً فقدان الثقة بالنظام الحزبي في البلاد الذي يقوده حزب السلطة «روسيا الموحدة»، وفقدان الثقة أيضاً بالسلطات المحلية في موسكو ومدن كبرى أخرى، كما في الأقاليم التي تعاني أكثر من غيرها من مشكلات الفساد والتسيب. كما برزت التحديات على المستوى الخارجي في بدء تفكك منظومة الرقابة على التسلح في العالم، مع انهيار معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة وقصيرة المدى، ما أبرز احتدام الوضع على صعيد ضمانات الأمن الاستراتيجي، ووضع القيادة الروسية أمام تحدٍ قوي وسط مؤشرات إلى اندلاع ما وصف بأنه «سباق تسلح جديد». يضاف إلى ذلك أن العلاقات الروسية - الأميركية التي كانت وصفت بأنها «وصلت إلى الحضيض» لم تبدأ وفقاً لتوقعات سابقة للكرملين في تجاوز أزمتها، برغم كل الآمال التي تعلقت باحتمال حدوث تغير في سياسة الرئيس دونالد ترمب بعد انتهاء المحقق الخاص بقضية «التدخل الروسي» مولر من تحقيقاته، وفشله في تقديم أدلة ملموسة على التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية. وخلافاً لما كان متوقعاً، واصلت واشنطن استخدام «سياسة العقوبات» للتضييق على موسكو، وتبعها في ذلك حلفاء واشنطن في الغرب.

- نقاش حول الاستراتيجية
على خلفية هذه الأجواء المعقدة، كان للتأكيد على أهمية «الإنجاز» الذي تحقق في سوريا أهمية خاصة، برزت من خلال التركيز في التصريحات والتغطيات الإعلامية الموجهة إلى الداخل الروسي على الأبعاد «الاستراتيجية» لنجاحات موسكو في الحرب، ورغم أن المزاج العام أظهر تراجعاً في نسب تأييد تحركات الكرملين على الصعيد الخارجي، خصوصاً في إطار الانخراط في الحرب السورية، فإن التفاوت ظل واسعاً وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي بين تعامل الروس الانتقادي مع الوضع الداخلي، وتأييدهم سياسات الكرملين الخارجية الذي حافظ على معدلات عالية نسبياً، وإن كان تراجع بعض الشيء عن الفترات الماضية. لكن «الإنجازات» التي تؤكدها موسكو لم تنعكس أصداؤها في جولات محادثات آستانة، وأظهرت نتائج الجولتين الأخيرتين تفاقم الصعوبات أمام الكرملين في دفع الملفات المطروحة من جانب موسكو، وحشد تأييد دولي وإقليمي حولها، خصوصاً على صعيد ملفي اللاجئين وإعادة الأعمار، في حين راوحت عملية تشكيل اللجنة الدستورية طويلاً. وخلافاً لتأكيدات سابقة، فقد تعمقت أكثر الخلافات بين روسيا وحليفيها الأساسيين في «مسار آستانة» تركيا وإيران. وأظهرت نقاشات جرت أخيراً في إطار ندوة خصصت للبحث في الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، أن تقويم الوضع من جانب الخبراء الروس تغير جذرياً، من حديث في بداية التدخل المباشر في سوريا عن «حملة سريعة هدفها تعزيز الحضور الروسي وترتيب موازين القوى لدفع عملية سياسية مقبولة» إلى «انخراط كامل في تعقيدات إقليمية ودولية، أسفر عن اضطرار الكرملين إلى زج كل قدراته في المسار السوري».
بهذا الفهم يتعامل فريق من الخبراء الروس مع الفارق على المستوى الميداني بين الرؤية الأولى لحجم وطبيعة التدخل الروسي في سوريا كما كان مرسوماً، واضطرار موسكو تدريجياً إلى الانزلاق نحو «تورط» كامل في هذه الأزمة، انعكس من خلال زج الشرطة العسكرية ووحدات برية في أكثر من منطقة، فضلاً عن غض النظر عن استخدام وحدات من شركات مسلحة روسية خاصة في عمليات عسكرية واسعة النطاق. أما على الصعيد السياسي، فإن موسكو باتت تواجه صعوبة أكبر في المحافظة على توازنات القوى التي أقامتها في سوريا، ومع التأكيد على أن روسيا «لن تقبل بعقد صفقات على حساب مصالح حلفائها» وفقاً لتشديد الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً، فإن تعقيدات التعامل مع التناقضات القائمة في رؤى روسيا وتركيا وإيران باتت أكثر وضوحاً أخيراً، مع تداخل تأثير القوى الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

- مسار وتعقيدات
حملت نتائج جولة المحادثات السورية الأخيرة في إطار «مسار آستانة» إشارات واضحة إلى هشاشة التحالف القائم مع أنقرة وطهران، إذ إن الزخم الكبير الذي رافق انطلاقه في يناير (كانون الثاني) 2017 تقلص كثيراً. ويواجه الموقف الروسي الرسمي صعوبة متزايدة في الترويج لـ«إنجازات» هذا المسار. تصر موسكو على رؤيتها حول أن «مسار آستانة» نجح في خفض التوتر في سوريا وتوسيع رقعة وقف النار على غالبية الأراضي السورية، كما وضع، وهو الأمر الأهم من وجهة نظرها، الأساس لإطلاق العملية السياسية وفقاً للتأويل الروسي للقرار «2254»، بمعنى الانطلاق من «ضرورة الحوار بين كل مكونات الشعب السوري»، وهو أمر أطلقته موسكو في مؤتمر سوتشي في 30 يناير 2018 وانتقلت منه إلى النشاط المتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية، متجاهلة البنود الأخرى في القرار الدولي، خصوصاً تلك التي تتحدث عن «عملية سياسية تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية». لكن في المقابل، بدا أن المسار الذي عولت عليه موسكو كثيراً، تحول منذ الجولة الرابعة له إلى ساحة للحوار بين موسكو وأنقرة وطهران، مع تراجع دور وأهمية حضور كل من طرفي الأزمة السورية: السلطة والمعارضة. ناهيك بالعنصر الأهم المتعلق بمسألة «وقف النار»، إذ شهدت «مناطق خفض التصعيد» أوسع عمليات قتالية لم تُبقِ من تسميتها شيئاً، ومع نجاح موسكو وطهران في مساعدة النظام على بسط سيطرة كاملة على هذه المناطق لـ«تخرج من أجندة الحوار بسبب انتهاء المشكلة فيها»، وفقاً لما قاله الوزير سيرغي لافروف بعد السيطرة على الغوطة الشرقية. لكن الأطراف أخفقت في وضع أجندة مشتركة للخطوات اللاحقة، وهو أمر برز في تعثر محاولات التقدم على المسارات المختلفة وبروز المشكلات الجدية بين أطراف المسار.
وتبدو الهواجس الإيرانية من احتمال أن تقدم موسكو على مقايضات حول الوجود الإيراني في سوريا، أكثر وضوحاً من الفترات السابقة، رغم تأكيد موسكو رفضها مبدأ «الصفقات». كما أن الصراع على النفوذ في عدد من المناطق السورية بدا واضحاً خلال الفترة الأخيرة. أما مع «الحليف» التركي، فالمشكلة أكثر تعقيداً، فمن جانب تسعى موسكو وأنقرة إلى إظهار عمق وقوة التعاون، الذي اتخذ بعداً جديداً ومهماً بعد صفقة «إس400»، لكن من جانب آخر، راقبت موسكو بحذر الحوارات التركية - الأميركية حول مسألة «المنطقة الآمنة» في الشمال، وأبلغت الجانب التركي رفضها أي خطوات أحادية في هذا الشأن، كما أن معضلة إدلب ما زالت تشكل نقطة خلافية كبرى، ويدفع التصعيد العسكري الحاصل حالياً حول إدلب إلى تكهنات بشأن مزيد من التعقيدات في العلاقة بين موسكو وأنقرة. بهذا المعنى، فإن ما تبقى من «مسار آستانة» وفقاً لآراء خبراء هو الحاجة المشتركة لكل من طهران وموسكو وأنقرة إلى التمسك بـ«آلية العمل المقبولة للأطراف الثلاثة».

- المنطقة الآمنة وآستانة؟
فور الإعلان عن توصل واشنطن وأنقرة إلى تفاهمات حول إنشاء غرفة عمليات مشتركة في منطقة الشمال، ما يعني إطلاق عملية تأسيس «منطقة آمنة» على طول الحدود التركية - السورية، طرحت وسائل الإعلام الروسية الكبرى أسئلة حول مصير «مسار آستانة»، ورأت أن هذا التطور ستكون له آثار مباشرة وقوية، على العلاقة بين موسكو وأنقرة في الملف السوري تحديداً. ورغم أن موسكو تجنبت على المستوى الرسمي المسارعة في التعليق على التطور، وهو أمر فسره مراقبون بأنه هدف إلى استطلاع آليات التنفيذ ومدى تأثير التفاهم في تحولات العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لكن أوساطاً دبلوماسية روسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» لم تخفِ قلقها بسبب التطور، وقالت إنه «يضع واقعاً جديداً في منطقة الشمال السوري، لا يقتصر على منح الوجود الأميركي غير الشرعي وضعاً مختلفاً، لكنه يزيد أيضاً من تعقيدات بلورة ملامح التسوية السياسية النهائية في سوريا».
وتعكس العبارة خيبة أمل روسية عميقة بسبب تجاهل أنقرة الدعوات الروسية المتكررة حول ضرورة العمل بشكل مشترك، وعدم القيام بتصرف أحادي الجانب، خصوصاً أن المسؤولين الروس شددوا أكثر من مرة على تفهم موسكو الحاجات الأمنية التركية، وضرورة حصول أنقرة على ضمانات كاملة في هذا الشأن.
وكانت موسكو تفضل دفع تركيا إلى مسار آخر، يقوم على فتح قنوات اتصال بشكل مباشر أو غير مباشر مع دمشق، للتفاهم على الترتيبات الأمنية المطلوبة للجانبين، وطرحت رؤيتها حول ضرورة العودة إلى «اتفاق أضنة» المبرم بين دمشق وأنقرة في عام 1998 كونه يشكل «أساساً للتفاوض»، بمعنى أن موسكو لم تكن تعارض أن يتم توسيع هذا الاتفاق الذي يمنح أنقرة حق التوغل لمسافة 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية لضرورات مواجهة الخطر الإرهابي. ويفضل الخبراء الروس عدم إعطاء تقويمات لطبيعة التحرك الروسي اللاحق، بعدما غدا الاتفاق التركي - الأميركي أمراً واقعاً، لكن بعضهم نبه إلى رهان روسي على أن التفاهمات التركية - الأميركية سوف تفشل ولن يكون من الممكن تنفيذها عملياً، بسبب تضارب المصالح، والتحالفات، والرؤية النهائية للوضع في المنطقة بين الجانبين. لكن في المقابل، يرى جانب آخر من المراقبين أن التصعيد الحاصل في إدلب، يشكل واحدة من آليات الضغط الروسي على أنقرة، وأن موسكو تفضل استعادة الحوار مع الجانب التركي حول آليات مشتركة لتسوية الملف الأمني في الشمال، بدلاً من الاعتماد على تفاهمات «غير قابلة للتنفيذ» مع واشنطن. وبانتظار أن تتضح الملامح النهائية للتحركات المقبلة، يبدو أن مسار آستانة يواجه أكبر ضربة جدية، ما دفع معلق في صحيفة روسية كبرى إلى أن يتوقع قبل يومين أن الجولة 13 في هذا المسار، قد تكون آخر الجولات التي يجري فيها حوار ثلاثي بين موسكو وطهران وأنقرة.
وفي ظل الشكوك التي تحيط بعلاقة موسكو وأنقرة، على خلفية تأكيد الطرفين عمق واستراتيجية التعاون من جانب، وبروز ملفات خلافية واسعة من الجانب الآخر، فإن الاستحقاق الآخر الذي تسعى موسكو إلى التعامل معه وفقاً لرأي خبير في مجلس السياسة الخارجية الروسي هو وضع آليات جديدة للنقاش مع الولايات المتحدة حول الوضع في سوريا.



دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

قال أشخاص مشاركون في محادثات لدمج القوات الكردية مع الدولة السورية، أو مطلعون عليها، إن المسؤولين السوريين والأكراد والأميركيين يسعون جاهدين لإظهار تقدم في اتفاق متعثر قبل المهلة المحددة بنهاية العام.

وذكرت المصادر السورية والكردية والغربية التي تحدّثت إلى «رويترز» أن المناقشات تسارعت في الأيام القليلة الماضية، على الرغم من تزايد الإحباط بسبب التأخيرات، وحذّر بعضهم من أن تحقيق انفراجة كبيرة أمر غير مرجح.

وقال 5 من المصادر إن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحاً إلى «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد وتُسيطر على شمال شرقي البلاد.

وأضاف أحد المسؤولين السوريين ومسؤول غربي و3 مسؤولين أكراد أن دمشق عبّرت في الاقتراح عن انفتاحها، على أن تُعيد «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم مقاتليها، وعددهم نحو 50 ألف مقاتل، في 3 فرق رئيسية وألوية أصغر، ما دامت ستتنازل عن بعض سلاسل القيادة، وتفتح أراضيها لوحدات الجيش السوري الأخرى.

ولم يتضح ما إذا كانت الفكرة ستمضي قدماً أم لا، وقللت عدة مصادر من احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل في اللحظات الأخيرة، قائلة إن هناك حاجة إلى مزيد من المحادثات.

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق اندماج «قسد» في الجيش السوري في 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

ومع ذلك، قال مسؤول بـ«قوات سوريا الديمقراطية»: «نحن أقرب إلى اتفاق أكثر من أي وقت مضى».

وذكر مسؤول غربي ثانٍ أن أي إعلان في الأيام المقبلة سيكون هدفه جزئياً «حفظ ماء الوجه»، وتمديد المهلة والحفاظ على الاستقرار في دولة لا تزال هشّة بعد عام من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد.

وذكرت معظم المصادر أنه من المتوقع ألا يرقى أي شيء، تفرزه هذه المساعي، إلى مستوى الاندماج الكامل لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى بحلول نهاية العام، وهو المنصوص عليه في اتفاق تاريخي بين الجانبين في 10 مارس (آذار).

ويُهدد الفشل في رأب الصدع الأعمق المتبقي في سوريا بإشعال صدام مسلح قد يعرقل خروجها من حرب استمرت 14 عاماً، وربما يستدرج تركيا المجاورة التي تُهدد بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم إرهابيين.

ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمماطلة والتصرف بسوء نية، فـ«قوات سوريا الديمقراطية» لا ترغب في التخلّي عن الحكم الذاتي الذي فازت به بوصفها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة خلال الحرب، التي سيطرت بعدها على سجون تنظيم «داعش» وموارد النفط الغنية.

وقالت عدة مصادر إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد الشرع، وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق وسهّلت المحادثات، وحثت على التوصل إلى اتفاق.

تركيا: صبرنا ينفد

ومنذ أن فشلت جولة كبيرة من المحادثات بين الجانبين في الصيف، تصاعدت الاحتكاكات، بما في ذلك المناوشات المتكررة على طول عدد من خطوط المواجهة في الشمال.

وسيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على جزء كبير من شمال شرقي سوريا، حيث يوجد معظم إنتاج البلاد من النفط والقمح، وذلك بعد هزيمة مسلحي «داعش» في 2019.

وقالت «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تنهي عقوداً من القمع ضد الأقلية الكردية، لكن الاستياء من حكمها تنامى بين السكان الذين يغلب عليهم العرب، بما في ذلك الاستياء من التجنيد الإجباري للشباب.

وقال مسؤول سوري إن الموعد النهائي للاندماج في نهاية العام ثابت، ولا يمكن تمديده إلا «بخطوات لا رجعة فيها» من «قوات سوريا الديمقراطية».

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم، إن تركيا لا تريد اللجوء إلى الوسائل العسكرية، لكنه حذّر من أن الصبر على «قوات سوريا الديمقراطية» «ينفد».

عناصر من «قسد» في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وقلل المسؤولون الأكراد من أهمية المهلة، وقالوا إنهم ملتزمون بالمحادثات من أجل تحقيق الاندماج العادل.

وقال سيهانوك ديبو، وهو مسؤول في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، إن «الضمانة الأكثر موثوقية لاستمرار صلاحية الاتفاق تكمن في مضمونه، لا في الإطار الزمني»، مشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2026 لمعالجة جميع النقاط الواردة في الاتفاق.

وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» قد طرحت في أكتوبر (تشرين الأول) فكرة إعادة تنظيم نفسها في 3 فرق جغرافية بالإضافة إلى الألوية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التنازل، الوارد في الاقتراح الذي قدمته دمشق في الأيام القليلة الماضية، سيكون كافياً لإقناعها بالتخلي عن السيطرة على الأراضي.

وقال عبد الكريم عمر، ممثل «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، التي يقودها الأكراد في دمشق، إن الاقتراح الذي لم يُعلن عنه يتضمن «تفاصيل لوجيستية وإدارية قد تسبب خلافاً وتؤدي إلى تأخير».

وصرح مسؤول سوري كبير لـ«رويترز» بأن الرد السوري «يتسم بالمرونة لتسهيل التوصل إلى توافق من أجل تنفيذ اتفاق مارس».


وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه
TT

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية المصرية إطلاق «الكتاب الأبيض» بشأن مبدأ الاتزان الاستراتيجي في الدبلوماسية المصرية، حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، في مكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع فيها القاهرة بأدوار تتراوح ما بين الوساطة والشراكة والحوار والاتصالات الدبلوماسية.

في حديثه أكد عبد العاطي «تميز» العلاقات المصرية - السعودية، معلناً التحضير للاجتماع الأول لـ«مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي. وأشار وزير الخارجية المصري إلى التنسيق مع الرياض في ملفات إقليمية عدة، بينها غزة وأمن البحر الأحمر، مؤكداً أن القاهرة والرياض هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية ودونهما لن يصلح حالهما.

وحمَّل عبد العاطي إسرائيل مسؤولية تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وقال إن «الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي لنقل الرؤية المصرية بشأن الكيانات الانتقالية، وعلى رأسها مجلس السلام وقوة الاستقرار»، مشدداً على موقف القاهرة بأن تكون قوة الاستقرار «قوة حفظ سلام لا فرض سلام». وتحدث عن حصر السلاح في غزة لا نزعه.

كما نفى عبد العاطي الاتهامات الموجهة لبلاده بلعب دور ميداني في السودان، مؤكداً دعم مصر للدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش السوداني، وهو «ما لا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة»، على حد تعبيره.

وأشار وزير الخارجية إلى تطور العلاقات مع تركيا، مؤكداً أن «بناء الشراكات لا يعني التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة». كما جدد التأكيد على أن البحر الأحمر للدول المشاطئة، وشدَّد على حق بلاده في الدفاع عن أمنها المائي بعد وصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى «طريق مسدود».

وبدا لافتاً تقاطع الاتصالات الأميركية - المصرية في ملفات عدة، من بينها غزة والسودان و«سد النهضة»، في إشارة واضحة إلى حوار وصفه عبد العاطي بـ«الإيجابي» بين القاهرة وواشنطن. وفيما يلي نص الحوار:

 

* نبدأ بملف غزة، رغم الجهود المبذولة لتنفيذ «خطة ترمب»، لماذا يتعذر الوصول للمرحلة الثانية من الاتفاق؟

- الأمر مرتبط بالتعاون والالتزام من الجانب الإسرائيلي بخطة الرئيس ترمب، وهي خطة واضحة تم تنفيذ المرحلة الأولى منها بالكامل باستثناء جثة وحيدة يتم البحث عنها وسط آلاف الأطنان من الركام والمتفجرات التي خلفها العدوان الإسرائيلي على غزة. نحن نعوّل على الدور الأميركي وقيادة ترمب للعمل على إنفاذ الخطة والانتقال إلى المرحلة الثانية، ورغم كل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة يومياً، لا بد أن نعيد التأكيد على ضرورة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والمضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية بكل استحقاقاتها، بما في ذلك إعادة الانتشار والانسحاب الإسرائيلي من داخل قطاع غزة، ووفقاً للخطة، ولما تضمنه أيضاً قرار مجلس الأمن 2803، ونرمز حالياً إلى الكيانات الانتقالية المؤقتة التي تم النص عليها في قرار مجلس الأمن، سواء ما يتعلق بمجلس السلام أو قوة الاستقرار الدولية أو اللجنة الإدارية الفلسطينية. نحن جاهزون، ولا بد من الضغط في اتجاه الدخول في المرحلة الثانية والعمل على تنفيذها.

 

* بمناسبة الحديث عن الكيانات الانتقالية، ما آخر تطورات تشكيل «مجلس السلام العالمي»؟

- نحن على تواصل مستمر مع الجانب الأميركي، لا سيما أن الولايات المتحدة معنية بشكل كامل بوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على أرض الواقع. الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي على كل المستويات، السياسي والأمني والاستخباراتي؛ بهدف تذليل أي مشاكل موجودة. ومصر بصفتها دولة عربية وإسلامية وواحدة من الدول الثماني التي اجتمعت بالرئيس الأميركي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة ودعمت رؤيته، لديها تصور يتوافق مع الرؤية العربية والإسلامية، خاصة فيما يتعلق بهذه الأطر الانتقالية المؤقتة، ونحن نتفاعل ونتحاور مع الجانب الأميركي بشكل إيجابي.

نحن ننقل رؤيتنا بأن «مجلس السلام» مهم للغاية ولا بد من تدشينه، ولا بد من أن تتركز صلاحياته في تعبئة وحشد الموارد المالية الخاصة بتنمية غزة وإعادة إعمارها والتعافي المبكر، وأيضاً مراقبة صرف أموال إعادة الإعمار، وإذا كان هناك صندوق سيتم تدشينه من جانب البنك الدولي لهذا الغرض فلا بد أن يكون تحت رعاية هذا المجلس وإشرافه.

 

* ما آخر تطورات تشكيل «قوة الاستقرار»، وهل ستضم قوات من مصر ودول عربية؟

- نحن في حوار جدي وإيجابي مع الجانب الأميركي؛ لأن هذه القوة لا بد أن يكون طبيعتها حفظ السلام وليس فرض السلام، وهناك بون شاسع بين الاثنين. حفظ السلام يعني التركيز على مراقبة مدى التزام طرفي الاتفاق بوقف إطلاق النار، إضافة إلى المساعدة في تشغيل المعابر، أما فرض القانون أو إقرار النظام العام الداخلي فهذه صلاحيات أصيلة للشرطة الفلسطينية التي يتعين نشرها داخل قطاع غزة، وإلى جانب ذلك تؤكد مصر ضرورة تشكيل اللجنة غير الفصائلية، اللجنة «التكنوقراط»؛ لتتولى إدارة الأمور الحياتية في القطاع. ومصر قدمت قائمة من 15 اسماً هناك توافق بين الفصائل عليها.

 

* هل سيكون هناك مشاركة مصرية أو عربية في القوة الدولية؟

- بالتأكيد مصر تدعم تشكيل القوى الدولية، وهناك أطر مختلفة لتقديم الدعم اللوجستي والفني لهذه القوة. وبالتأكيد نحن منخرطون في أعمال القيادة والسيطرة، ومصر موجودة في «اللجنة المدنية العسكرية» في كريات غات بجنوب إسرائيل، والتي تم تشكيلها لمتابعة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ.

 

* هناك حديث عن نزع سلاح حركة «حماس»، فهل يمكن أن توافق الحركة على ذلك؟

- خطة ترمب تتحدث عن حصر السلاح وتسليمه وليس نزع السلاح. وهذه أمور سيتم التفاهم بشأنها بين الفصائل الفلسطينية. وأعتقد أن هناك إمكانية في إطار التفاهم بين الفصائل للوصول إلى صيغة تتضمن تسليم الأسلحة بشكل متدرج في الإطار الفلسطيني - الفلسطيني.

 

* قدمت مصر خطة لإعادة إعمار غزة. وأعلنت استعدادها لاستضافة مؤتمر لتمويل إعادة الإعمار، فإلى أين وصلت الجهود؟

- هناك تنسيق كامل مع الجانب الأميركي على المستوى السياسي، وتحدثت مؤخراً مع وزير الخارجية ماركو روبيو وأيضاً مع جارد كوشنير. هناك حوار ممتد ننقل فيه رؤيتنا بشأن مكان وتوقيت عقد المؤتمر والاستفادة من الزخم الحالي.

 

* هل في موعد قريب؟

- حتى الآن لم يتم تحديد موعد، لكننا ننخرط في حوار مع الجانب الأميركي لتحديده.

 

* السعودية كانت من الدول الرئيسية الداعمة للحراك السياسي من أجل وقف الحرب في غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فكيف تقيّم العلاقات السعودية - المصرية؟ وكيف تصف دور المملكة إزاء الملفات الإقليمية المهمة؟

- علاقات المصرية والسعودية علاقات متميزة للغاية، وهي علاقات أبدية بين بلدين وشعبين شقيقين. وبالتأكيد مصر والمملكة هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية، ولن ينصلح حالهما إلا بالتنسيق الكامل والتعاون الكامل بين جناحي الأمة.

هناك تنسيق على كل المستويات بين مصر والمملكة في ضوء توجيهات عليا من الرئيس السيسي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ للارتقاء بهذه العلاقات في كل المستويات الاقتصادية والتجارية والاستثماريّة، وفي مجالات الطاقة والمجالات القنصلية أيضاً.

التنسيق على المستوى السياسي في أبهى وأفضل حالاته. وقريباً سيتم عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى.

 

* متى يُتوقَع عقد الاجتماع؟

- يجري الآن الاختيار من بين مواعيد مختلفة، ونأمل أن يُعقَد في الربع الأول من العام المقبل.

 

* إلى أين وصلت الجهود المصرية لوقف الصراع في السودان؟

- الجهود المصرية مستمرة، ولا يمكن أن تتوقف على الإطلاق؛ لأن السودان هي الفناء الخلفي لمصر لذلك فالاتصالات المصرية مستمرة بشكل يومي على كل المستويات، سواء مع مجلس السيادة أو الحكومة أو الجيش السوداني، من منطلق الحرص المصري على الحفاظ على المؤسسات الوطنية، وفي مقدمتها الجيش الوطني، فضلاً عن الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.

أما على مستوى الرباعية الدولية، فمصر في انخراط وتواصل مستمرين مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة لبحث سبل وقف هذه الحرب المروعة، وتتواصل مصر مع الأمم المتحدة لحشد وتعبئة الموارد الإنسانية وفتح الممرات الإنسانية وإقامة ملاذات آمنة. كما ننسق أيضاً مع بريطانيا وقطر، وكلتاهما أبدت رغبة في الإسهام والمشاركة جنباً إلى جنب مع الرباعية الدولية. ولن نهدأ إلا بالتوصل إلى هدنة ووقف إطلاق نار بما يمهد إلى إقامة أو تدشين عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً. فما يحدث في السودان أمر يدمي القلوب ولا يمكن السماح أو القبول باستمراره.

 

* هل هذه الهدنة ممكنة في ظل استمرار النزاع واتهامات بدعم أطرافه؟

- هدف هذه الهدنة هو بالتأكيد تهيئة الظروف نحو وقف دائم لإطلاق النار بما يؤسس للعملية السياسية، نحن نسعى لهذا بما يحقق مصلحة السودان، ولا يمكن ولا نقبل بتقسيم السودان، أو نقبل بوضع مؤسسة الدولة السودانية على قدم المساواة مع أي كيانات موازية نرفضها تماماً ولا يمكننا أن نعترف بها.

 

* تُتَهم القاهرة عادة بأن لها دوراً ميدانياً فيما يخص الحرب السودانية، فهل هذا صحيح؟

- هذه أكاذيب. مصر لا تنخرط إلا في إطار وقف وخفض التصعيد. وموقف مصر واضح ومعلن، وهو مع الحلول السياسية والدبلوماسية؛ لأنه ببساطة شديدة لا يوجد حل عسكري للأزمة في السودان.

 

* تدعم مصر مؤسسات الدولة السودانية، فهل يتسبب موقف القاهرة الواضح إزاء طرفي الحرب في إرباك علاقاتها الإقليمية؟

- هناك طرف يمثل الدولة الوطنية ومؤسساتها ولا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة، وبالتالي فالحفاظ على الدولة ومؤسساتها وفي قلبها الجيش الوطني مسألة مهمة جداً ومفروغ منها.

 

* ألا يربك ذلك علاقات مصر الإقليمية؟

- لا، على الإطلاق.

 

* لا يمكن إغفال الوضع في ليبيا، فما موقف مصر من استمرار الأزمة؟

- الوضع في ليبيا يثير القلق، ولا يمكن أن نقبل بتكريس الانقسام الحالي بين الشرق والغرب، ولا بد من العمل على توحيد مؤسسات الدولة، وفي القلب منها الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية؛ بهدف تهيئة الظروف نحو إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن. نحن نسعى لتحقيق ذلك، وكان هناك حوار مطول مع مبعوث الرئيس ترمب إلى أفريقيا مسعد بولس، أكّدنا خلاله على أنه لا مخرج للوضع في ليبيا سوى من خلال التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

 

* المشير خليفة حفتر التقى الرئيس السيسي أخيراً بالقاهرة، وكان هناك حديث عن ملف ترسيم الحدود البحرية، وسبق لمصر أن أبدت اعتراضاً على اتفاقيات تركية - ليبية في هذا المجال، فما الخطوات التي تتخذها مصر في هذا الملف؟

- نعم، نحن لا نعترف بمذكرة التفاهم الموقَّعة بين الجانب التركي والحكومة «غير الشرعية» حكومة السراج آنذاك في الغرب، وأبلغنا مجلس الأمن والأمم المتحدة بهذا الموقف، ولدينا حوار مع الجانب الليبي حول الأمر الذي يعدّ مسألة ثنائية تخص البلدين.

 

* هل هناك حوار أيضاً مع الجانب التركي في هذا الإطار؟

نعم، هناك حوار عام ومشاورات على المستوى الوزاري وغير الوزاري، يتم خلالها تناول الأوضاع في ليبيا والعمل على تجاوز أي نقاط قد تكون خلافية. ومواقف مصر واضحة ومعلنة وسبق الحديث عنها في أنقرة وفي كل أنحاء العالم. والقاهرة تؤكد دائماً على ضرورة خروج القوات الأجنبية من ليبيا وتفكيك الميليشيات، وأن ترسيم الحدود البحرية مسألة ثنائية بين مصر وشقيقتها ليبيا.

 

* شهدت العلاقات المصرية - التركية تطورات في الآونة الأخيرة، فكيف يمضي مسار التقارب بين البلدين؟

- تمضي العلاقات بشكل جيد جداً ونعدّ حاليا للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق الاستراتيجي المقرر عقده العام المقبل في القاهرة وبحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان؛ كون الاجتماع الأول كان في أنقرة.

 

* هناك تباينات بين مواقف مصر وتركيا إزاء بعض الملفات الإقليمية، فكيف توازن مصر بين علاقاتها مع تركيا في ظل هذه التباينات؟

- هناك تنسيق مشترك، ونحن نبني شراكات، وليس معنى ذلك التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة؛ فهذا أمر يستعصي حتى ما بين الأشقاء. وبالتالي، نحن نبني على نقاط الاتفاق الموجودة ونحاول التوصل إلى تفاهمات حول النقاط العالقة.

 

* دعمت مصر الصومال وأكدت مراراً حرصها على استقرار منطقة القرن الأفريقي، لكن أحياناً ينظر لأي تحركات مصرية بأنها تستهدف الضغط على إثيوبيا؟ لماذا؟

- هذه أكاذيب وأوهام ولا علاقة لها بالواقع، مصر علاقتها بالصومال تمتد إلى آلاف السنين، وبالتالي نحن معنيون باستقراره. ولذلك؛ ستشارك مصر في بعثة حفظ السلام بناءً على طلب من الاتحاد الأفريقي ومن الحكومة الصومالية، وبهدف واحد هو تمكين الحكومة الصومالية من فرض سيطرتها ومكافحة الإرهاب.

 

* تدعم مصر الصومال ودول القرن الأفريقي، فما خطة مصر لأداء دورها إزاء الأمن في البحر الأحمر؟ ومع من تتعاون؟

- نحن معنيون أيضاً بقضية الاستقرار في القرن الأفريقي وأيضاً حوكمة البحر الأحمر، وننسق بشكل كامل مع السعودية والدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وهناك توافق كامل بأن حوكمة هذه المنطقة، خليج عدن والبحر الأحمر، يخص الدول المشاطئة فقط ولا دخل لأي دولة أخرى، ولن نسمح بأي نفاذ بحري لأي أغراض عسكرية لأي دولة غير مشاطئة.

 

* يقودنا الحديث عن مساعي الدول غير المشاطئة للوجود على البحر الأحمر، إلى إثيوبيا وملف سد النهضة، فما خطة مصر للتعامل مع هذا الملف؟

- الموقف مصري واضح تماماً، وسبق أن أعلنا أن المسار التفاوضي وصل إلى طريق مسدود ولا مجال لاستئنافه حالياً؛ لأنه ليس ما يبرر ذلك بعد استنزاف 13 سنة في مفاوضات عبثية بسبب سوء النية من الطرف الآخر. ومصر تحتفظ لنفسها بحق الدفاع الشرعي عن النفس المكفول في ميثاق الأمم المتحدة إذا حدث ضرر لأمنها المائي.

 

* ما المسارات الأخرى بعد إيقاف المفاوضات؟ وفي ظل وجود السد كأمر واقع؟

- مصر تتابع الوضع على الأرض، وإذا حدث ضرر لأمنها المائي سيكون هناك رد فعل.

 

* هل تطمح مصر لوساطة أميركية في هذا الملف؟

- هناك حديث مع الجانب الأميركي ومع أطراف أخرى، لكن لن تحدث أي انفراجة في هذا الملف ما لم يعي الجانب الإثيوبي أن نهر النيل نهر عابر للحدود، ومن ثم فهو لا يخضع لسيادة إثيوبيا. والمجاري المائية العابرة للحدود مثل نهر النيل تخضع لقواعد القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بمبادئ الإخطار المسبق وعدم إحداث أي ضرر بالدول التي يمر بها النهر.

 

* كيف تنظر مصر إلى التطورات الأخيرة في سوريا؟ وهل لا تزال لدى القاهرة تحفظات إزاء الإدارة السورية الجديدة؟

- مصر يعنيها بشكل مبدئي وبشكل شديد الأهمية الاستقرار والخير لسوريا والشعب السوري، ونحن ندعم الشعب السوري بكل قوة وندين إدانة كاملة أي انتهاكات للسيادة السورية من جانب إسرائيل. وأنا على اتصال مع وزير الخارجية السوري وكنت قد التقيته مؤخراً في الدوحة. وإذا كانت هناك أي نصائح نقدمها، فإن ذلك من باب الأخوة والحرص على أمن سوريا واستقرارها ومساعدتها ودعمها في استرداد أراضيها المحتلة، والعمل على كف الجانب الإسرائيلي عن التدخل في شؤون سوريا.

نحن نتحدث عن أهمية الانفتاح لكل مكونات المجتمع السوري وعدم إعطاء الذرائع لأي دولة خارجية أن تنصّب نفسها داعمة لأي أقلية كما تحاول إسرائيل أن تفعل، ومن ثم نقول إن الدولة والحكومة السورية هي المعنية بشكل أساسي بتقديم كل الدعم والحماية والتواصل مع كل أطياف الشعب السوري.

أيضاً قضية المقاتلين الأجانب لا بد من التعامل معها، وكذلك قضية الإرهاب فلا يجب أن تكون سوريا قاعدة لتهديد أي دولة من دول المنطقة.

 

* قدمت مصر مبادرة إزاء لبنان؟ فما آخر تطورات الجهود المصرية؟

- نبذل جهوداً مكثفة، وكثيرة للغاية على كل المستويات مع كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، وأجريت اتصالات مكثفة مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة لتجنيب لبنان ويلات أي تدخلات أو أي عمليات عسكرية تمس بمقدرات الشعب. ونحن نثمّن كل الخطوات التي اتخذها الجيش اللبناني وكل الإنجازات التي تحققت في منطقة جنوب الليطاني فيما يتعلق بفرض سيادة الدولة وسيطرتها، كما نثمن تأكيد الحكومة اللبنانية التزامها باتفاق وقف العدائيات الموقَّع العام الماضي وتنفيذه في كل ربوع لبنان وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني. ومصر لا تدخر وسعاً لدعم لبنان وشعبها وقيادتها.


حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
TT

حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)

أظهرت سلسلة لقاءات واتصالات أجراها سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاغن، مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، اتجاهاً أميركياً نحو تثبيت الشراكة السياسية والأمنية مع الحكومة اليمنية واحتواء الخلافات داخل معسكر الشرعية، في مرحلة تتسم بتعقيد المشهد المحلي، وازدياد التحديات الإقليمية المرتبطة بالأمن والاستقرار في اليمن.

وشملت هذه التحركات لقاءً جمع السفير فاغن برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أعقبه لقاء آخر مع عضو المجلس الشيخ عثمان مجلي، إلى جانب اتصال مرئي مع عضو المجلس اللواء سلطان العرادة، في سياق مشاورات تناولت مسار العلاقات الثنائية، والتطورات السياسية والعسكرية، والملفات ذات الأولوية، وفي مقدمها مكافحة الإرهاب، والتعامل مع تهديدات الحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق ما رشح عن هذه اللقاءات، فقد تركزت المباحثات مع رئيس مجلس القيادة على مستوى الشراكة اليمنية - الأميركية، والدور الذي تضطلع به واشنطن في دعم الدولة اليمنية، سواء على الصعيد السياسي في المحافل الدولية، أو في ملف مكافحة الإرهاب، وردع شبكات تهريب السلاح والتمويل المرتبطة بإيران. كما برز ملف الإصلاحات الحكومية كأحد محاور النقاش، في ظل الحاجة إلى دعم دولي مستمر يخفف من الضغوط الاقتصادية والإنسانية.

في هذا السياق، جرى التطرق إلى المستجدات في المحافظات الشرقية، وما رافقها من إجراءات أحادية، والجهود الإقليمية التي تقودها السعودية، والإمارات، لاحتواء التوتر، وإعادة تطبيع الأوضاع، بما يحافظ على التوافق داخل إطار الشرعية، ويمنع انعكاس الخلافات الداخلية على وحدة القرار الأمني والعسكري.

القيادة اليمنية شددت خلال هذه المشاورات على أهمية الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، بوصفها الإطار الناظم للشراكة السياسية، محذرةً من أن أي تجاوز لهذه المرجعيات قد يخلق فراغات تستغلها الجماعة الحوثية والتنظيمات الإرهابية، بما يفاقم التحديات الأمنية.

مقاربة أوسع

في اتصال مرئي أجراه السفير الأميركي ستيفن فاغن، مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني سلطان العرادة، برزت مقاربة أوسع لطبيعة المرحلة التي يمر بها اليمن، بوصفها مرحلة مركَّبة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وأكد العرادة أن مواجهة هذه التحديات تتطلب موقفاً دولياً أكثر صرامة، ودعماً عملياً يمكّن الحكومة من استعادة مؤسسات الدولة، وتجفيف مصادر تمويل الميليشيات، ومنع تقويض الجهود الأممية. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

التحذير من تداعيات التساهل الدولي مع الممارسات الحوثية شكّل نقطة تقاطع في هذه النقاشات، إذ اعتُبر هذا التساهل عاملاً مشجعاً على استمرار التصعيد، وعرقلة مساعي السلام، وخلق بيئة غير مستقرة تؤثر على الأمن اليمني والإقليمي، وعلى خطوط الملاحة الدولية.

السفير الأميركي مجتمعاً مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي (سبأ)

أما لقاء السفير الأميركي مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي، فقد ركّز على أبعاد التهديد الإيراني في اليمن، ودور طهران في دعم القدرات العسكرية للحوثيين، وما يمثله ذلك من خطر على الداخل اليمني، ودول الجوار، والأمن البحري في البحرين الأحمر والعربي.

كما جرى تأكيد دور تحالف دعم الشرعية في الحفاظ على السلم الاجتماعي في المناطق المحررة، ودعم مؤسسات الدولة، والبنك المركزي، لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية.

وحسبما أورد الإعلام الرسمي اليمني، أعاد السفير الأميركي تأكيد ثوابت موقف بلاده الداعم لوحدة اليمن، وسلامة أراضيه، ووحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، والتزام واشنطن بالشراكة في مكافحة الإرهاب، والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتعزيز فرص الاستقرار والتنمية.