صناعة كسوة الكعبة... تقليد إسلامي ينقله الأب إلى الابن

الكعبة المشرفة (أ.ب)
الكعبة المشرفة (أ.ب)
TT

صناعة كسوة الكعبة... تقليد إسلامي ينقله الأب إلى الابن

الكعبة المشرفة (أ.ب)
الكعبة المشرفة (أ.ب)

عندما يطوف عبد الله خالد جاسم وولده تركي بالكعبة المشرفة وهما يرنوان إلى البيت العتيق فإنهما، بخلاف كثيرين، يميّزان بسهولة الكلمات المتداخلة المنقوشة على كسوة الكعبة، إذ انكبّا لنحو عشرة أشهر على كتابتها مع نحو 170 عاملاً في مكة المكرمة، أقدس بقاع الأرض.
يعمل الاثنان في مهنة تاريخية سقاها الأب لولده الذي قد يورّثها بدوره لابنه «إذا كان راغباً في ذلك ومستعداً»، حسب تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء.
تُصنع الكسوة باستخدام 675 كيلوغراماً من الحرير الخام الأسود للجزء الخارجي والأخضر للبطانة الداخلية، إضافة إلى 100 كيلوغرام من خيوط الفضة المطلية بماء الذهب و120 كيلوغراماً من خيوط الفضة الخالصة، لكتابة الآيات القرآنية المنقوشة عليها، بتكلفة إجمالية تصل إلى 24 مليون ريال سعودي (6.4 مليون دولار).
لكن عبد الله وتركي لا يتوقفان كثيراً عند تلك التفاصيل، فالمهنة التي يتقاسمانها هي في المقام الأول مبعث «فخر وابتغاء للأجر».
يقول عبد الله (56 عاماً) ويعمل في مصنع الكسوة منذ 32 عاماً: «أفتخر حين أرى شغلي على الكعبة، ربما لا يستطيع الجميع قراءته إلا إنني أقدر وأفتخر».
أما العبارات التي يميزها عبد الله وتركي أكثر من غيرهما فهي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، «الله جلّ جلاله»، «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم»، «يا حنّان يا منّان»، وسورة الإخلاص داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
صناعة الكسوة التي يجري تغييرها سنوياً خلال موسم الحج صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، هي صناعة فريدة تمتزج فيها التقنيات الحديثة والأدوات التقليدية، الوارد والمحلي، الروحي والجمالي.
تدخل الخامات المستخدمة المعامل لاختبارها أولاً والتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات. وفي جامعات المملكة دراسات علمية مسجلة عن عملية تصنيع الكسوة.
كست العرب قبل الإسلام الكعبة تشريفاً وتعظيماً لها، وعندما كساها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة في العام التاسع للهجرة أصبحت كسوتها شعيرة إسلامية يحرص عليها الخلفاء والحكام المسلمون على مر العصور.
انتقلت مسؤولية صناعة الكسوة إلى المملكة بعد أن ظلت تقليداً مصرياً. وفي مصنع إنتاج الكسوة في مكة يستخدم حرير وأصباغ من إيطاليا وخيوط من الفضة بعضها مطليّ بماء الذهب من ألمانيا، لكن الآلات الحديثة لم تستطع حتى الآن أن تحل محل العمالة اليدوية بسبب الحرف البارز المستخدم في نقش الآيات القرآنية عليها.
يقول أحمد بوعنتر وكيل العلاقات العامة في مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة الذي أنشئ في 1927 لكن صناعة الكسوة لم تستقر فيه بشكل دائم إلا منذ 1962: «ما عرفوا على مر العصور يخترعوا لها آلة، لأن الحرف مرتفع. راحوا اليابان وألمانيا وحاولوا على مستوى العالم. ما قدروا».
لذا يُبدي عبد الله وتركي وزملاؤهما في قسم الحزام، وهو الأكبر والأهم في مصنع الكسوة، ثقتهم باستمرار الدور المحوري للعمل اليدوي في المصنع.
يعمل نحو 100 فني في قسم الحزام، الذي يتولى تصنيع حزام الكسوة والستارة التي توضع على باب الكعبة والصمديات، وهي تصاميم توضع على الأركان وتحوي سورة الإخلاص، حسب «رويترز».
يقول فهد عودة ضيف العويضي (55 عاماً)، مدير القسم ويعمل بالمصنع منذ 34 عاماً: «القسم قلب المصنع... الشغل ذهنيّ وبدنيّ... ذهنيّ لأن الخطأ سيقع لو فقد العامل تركيزه وسيضطر إلى فتق كل العمل، وبدنيّ لأنه يجلس وقتاً طويلاً منكبّاً على خيوط الذهب».
ويشير العويضي إلى أهمية الموهبة الفطرية في هذا العمل قائلاً: «التدريب يستمر لفترة لكن أهم شيء الموهبة. عملنا متعب وصعب. تعرف الموهوب من مسكته للخيط والإبرة... من مسكته للذهب... بعض الناس ما يكمل شهر تدريب».
يحصل المرشحون للعمل في المصنع على تدريب عملي لستة أشهر ثم ينضمون إلى المصنع لستة أشهر أخرى من التدريب العملي والنظري على يد أحد الخبراء أو مدير قسم.
يقول زكي يوسف بسام (56 عاماً) الذي يعمل في المصنع منذ 35 عاماً: «هنا الخبرة العملية أهم من التعليم النظري.... الخطاط يخط ونحن نخط فوق الخطاط. شغلنا صعب». ويضيف: «أصعب حرف الهاء، شغله صعب هو والواو، لكن مع الخبرة تعتاد، الحمد لله».
عقب انتهاء الإنتاج يقام احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة لتسليمها إلى كبير سدنة البيت، وفي أثناء فريضة الحج تستبدل الكعبة كسوتها لتستقبل الحجاج في ثوبها الجديد أول أيام عيد الأضحى.
ويصل الاهتمام بالكسوة حد وجود فرقة كاملة في الحرم على مدار 24 ساعة لإصلاح أي تلف قد يطرأ عليها بسبب تعلق البعض بها ومحاولاتهم قص أجزاء منها للتبرك بها أو للذكرى.
يقول تركي بينما يعمل بالفعل على كسوة العام القادم بعد تسليم الكسوة الجديدة: «فخر أن نرى شغلنا على الكعبة... لا أفضل العمل المكتبي على هذا العمل».


مقالات ذات صلة

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

يوميات الشرق 6 حكايات متنوّعة من قلب المشاعر المقدَّسة (لقطة من الفيلم)

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

تتكشَّف قصص ممزوجة بالخوف، والشوق، والأمل، والفقد، ليظهر مفهوم الحج بأبعاد جديدة، في رحلة تتحرّك بالروح قبل القدم...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق هيثم مساوا يُقدّم ورشة عمل بعنوان «التحدّيات الصحية في المنافذ الجوّية» (الشرق الأوسط)

جدة تحتضن «هاكاثون الابتكار الصحي» للارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن

يستعرض الهاكاثون 4 مسارات رئيسية. تشمل المنتجات الصحية، والخدمات الصحية، وتجربة المريض، والإعلام الصحي...

أسماء الغابري (جدة)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة من الرئيس الإيراني

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 
قبو زمزم يظهر في صحن المطاف عام 1970 (دارة الملك عبد العزيز)

تطوّر الحج في معرض بـ«دارة الملك عبد العزيز»

يروي معرض «100 عام من العناية بالحرمين»، في دارة الملك عبد العزيز، تطور رحلة الحج منذ عام 1925 حتى اليوم، مِن وقت المشقة إلى تجربة آمنة وروحانية، عبر سرد بصري.

أسماء الغابري (جدة)
الخليج عرضت جهات حكومية أحدث مشروعاتها وبرامجها التطويرية لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)

وزير الحج السعودي: إجراءات مبكرة لضمان تجربة استثنائية للحجاج

أعلن وزير الحج الدكتور توفيق الربيعة إتمام التعاقد لأكثر من مليون حاج في المشاعر المقدسة حتى الآن، في «إنجاز غير مسبوق يتحقق قبل الموسم بـ6 أشهر».

أسماء الغابري (جدة)

احتفاء واسع في مصر بكسر عبلة كامل عزلتها الطويلة

الفنانة المصرية عبلة كامل (قناة النهار)
الفنانة المصرية عبلة كامل (قناة النهار)
TT

احتفاء واسع في مصر بكسر عبلة كامل عزلتها الطويلة

الفنانة المصرية عبلة كامل (قناة النهار)
الفنانة المصرية عبلة كامل (قناة النهار)

احتفى مصريون برسالة الفنانة عبلة كامل التي كسرت من خلاها عزلتها الطويلة التي أثارت الكثير من التكهنات والتساؤلات حول حياتها الخاصة واعتزالها الفن.

وأطلت كامل من خلال رسالة صوتية وُصفت بـ«النادرة» لبرنامج «الصورة»، الذي تقدمه المذيعة لميس الحديدي، وأعربت عن شكرها وامتنانها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قراره علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة، واصفةً القرار بأنه «لفتة كريمة وحنونة».

عمليات جراحية

وأكدت عبلة كامل في رسالتها «أنها فوجئت بالقرار الذي أسعدها»، كما طمأنت محبيها على صحتها، معلنة «عن خضوعها لعمليات جراحية على نفقتها الخاصة خلال ابتعادها عن الأضواء».

وعاتبت عبلة كامل بعض الذين انتقدوا قرار علاجها على نفقة الدولة، مؤكدةً «أنها سامحتهم»، وفي نهاية رسالتها نفت بشكل قاطع «وجود صفحات سوشيالية تخصها».

وخلال الأيام الماضية تصدر اسم عبلة كامل «التريند» على بعض مواقع التواصل في مصر، بعد الإعلان عن اسمها ضمن قائمة الفنانين الذين شملهم القرار، وذلك عقب بيان أصدره نقيب الممثلين الدكتور أشرف زكي، شكر خلاله الرئيس المصري، تقديراً لتوجيهاته برعاية كبار الفنانين أصحاب التاريخ الفني الحافل، وتكفل الدولة بعلاجهم عرفاناً بما قدموه من إبداع وإثراء للوجدان على مدار عقود.

الفنانة عبلة كامل في صورة من أحد أعمالها قبيل الابتعاد عن الأضواء (يوتيوب)

إلى جانب عبلة كامل، شمل قرار العلاج أسماء أخرى لفنانين، من بينهم ضياء الميرغني، وعبد الله مشرف، ونجوى فؤاد. وفي السياق، أكد أشرف زكي خلال مداخلة لبرنامج «كلمة أخيرة» على قناة «ON» مع المذيع أحمد سالم، أن الدولة لا تتأخر عن تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية لكبار الفنانين، موضحاً في حديثه «أن عبلة كامل بخير وفي منزلها، وليست بالمستشفى كما يقال، وأن غيابها ليست له علاقة بالمرض، بل قرارها الشخصي».

وأعرب فنانون ومتابعون ونقاد عن سعادتهم بكسر كامل لعزلتها الطويلة، وكتبت الفنانة مي كساب عبر حسابها على «إكس» قائلة: «الفنانة والإنسانة العظيمة عبلة كامل بنحبك وبنحترمك وبنقدرك ربنا يحفظك من كل شر ويبارك في عمرك ويسعدك زي ما أسعدتينا طول عمرك بفنك واحترامك وإنسانيتك هتعيشي وتعيشي تعلمينا دروس في الفن وفي الحياة بنحبك».

وفي تعليقها على احتفاء الناس برسالة عبلة كامل، أكدت الكاتبة والناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «مظاهرة الحب التي صاحبت سماع صوتها يرجع لكونها شخصية محبوبة، ولها جمهور كبير لتلقائيتها، وعدم مبالغتها طوال مسيرتها في ظهورها، فهي تشبههم وكأنها فرد من أفراد الأسرة».

رسالة تطمين

وفق هنداوي، «فإن عبلة كامل قدمت الكثير من الأعمال الفنية الناجحة، وتشوق الناس لأي كلمة أو خبر عنها، يبرر لهفتهم وسعادتهم عقب سماع صوتها، وأنها بصحة جيدة بعد أخبار مرضها».

وفسرت الكاتبة المصرية كسر كامل لعزلتها الطويلة، بأنها رسالة تطمين لجمهورها، أو لنفي فكرة العلاج على نفقة الدولة، برغم عدم الهجوم عليها بشكل كبير بالمقارنة مع أسماء أخرى.

وعن عدم تطرقها لفكرة العودة الفنية مجدداً في رسالتها بعد ابتعاد دام نحو 7 سنوات، أشارت هنداوي إلى أن «عبلة كامل بنسبة كبيرة لن تعود للتمثيل، وهذا الأمر أعلنه بعض المقربين منها، من بينهم زوجها السابق، ووالد ابنتيها الفنان أحمد كمال بحكم علاقتهما الطيبة».

وبدأت عبلة كامل مسيرتها الفنية في ثمانينات القرن الماضي، وشاركت في بدايتها بالكثير من الأعمال، وقدمت شخصيات اجتماعية وكوميدية وصعيدية، وجسدت دور الأم والأخت، والابنة والزوجة والصديقة، ببساطة وتلقائية مما جعلها قريبة من الناس بشكل لافت. وفق نقاد.

من بين أعمال عبلة كامل مسلسلات «ليالي الحلمية»، و«ضمير أبلة حكمت»، و«المال والبنون»، و«أبناء ولكن»، و«لن أعيش في جلباب أبي»، و«هوانم جاردن سيتي»، و«امرأة من زمن الحب»، و«حديث الصباح والمساء»، و«أين قلبي»، و«عيش أيامك»، و«ريا وسكينة»، و«العندليب».

وأفلام، «سيداتي آنساتي»، و«الستات»، و«مرسيدس»، و«سواق الهانم»، و«قشر البندق»، و«اللمبي»، و«اللي بالي بالك»، و«خالتي فرنسا»، و«سيد العاطفي»، و«عودة الندلة»، و«بلطية العايمة»، بينما شهد الجزء الـ5 من مسلسل «سلسال الدم»، قبل 7 سنوات على آخر ظهور فني لها، وعقب ذلك فضلت عبلة كامل الابتعاد كلياً عن الأضواء، رغم عدم إعلانها اعتزال الفن.


مصر تُعيد تركيب تمثالين ضخمين بمعبد «ملايين السنين» بالأقصر

فريق عمل المشروع في صورة جماعية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
فريق عمل المشروع في صورة جماعية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تُعيد تركيب تمثالين ضخمين بمعبد «ملايين السنين» بالأقصر

فريق عمل المشروع في صورة جماعية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
فريق عمل المشروع في صورة جماعية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد مرور نحو عقدين على بدء العمل بالمشروع، أزاحت مصر الستار الأحد عن تمثالين ضخمين من الألبستر للملك أمنحتب الثالث، بموقعهما الأصلي بالصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك والمعروف بـ«معبد ملايين السنين»، في البر الغربي بالأقصر (جنوب مصر).

وجاء هذا العمل ضمن أعمال مشروع الحفاظ على تمثالي ميمون ومعبد الملك أمنحتب الثالث الذي بدأ عام 1998 بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار والمعهد الألماني للآثار بالقاهرة الذي دعم مبادرة المشروع، وبرنامج «World Monuments Watch» و«World Monuments Fund» اللذين أتاحا تصور مشروع الحفاظ على الموقع عام 1998 والشروع في تنفيذه، وجامعة يوهانس غوتنبرج في ماينتس، بهدف حماية ما تبقى من المعبد وإعادته إلى شكله الأصلي قدر الإمكان.

«إنجاز كبير»

وقد أسفرت الأعمال وفق وزارة السياحة والآثار عن اكتشاف وترميم وتوثيق وإعادة تركيب ورفع العديد من التماثيل التي كانت موجودة بالمعبد بالإضافة إلى بعض عناصره المعمارية.

ووصف شريف فتحي، وزير السياحة والآثار المصري، الانتهاء من المشروع بـ«الإنجاز الكبير والعمل المتميز الذي يستهدف الحفاظ على وإحياء أحد أهم معالم الحضارة المصرية العريقة، بما يسهم في تعزيز مكانة الأقصر كأحد أهم المقاصد السياحية والثقافية على مستوى العالم».

وأشار إلى أن «التعاون المصري - الألماني الممتد لسنوات طويلة، يمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي المثمر، معرباً عن تطلعه إلى استمرار هذا التعاون البنّاء لسنوات عديدة قادمة بما يخدم أهداف الحفاظ على التراث الإنساني».

شريف فتحي خلال إزاحته الستار عن التمثالين الضخمين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكرّم الوزير مديرة المشروع الدكتورة هوريج سوروزيان، تقديراً لـ«جهودها المتواصلة وعطائها المتميز على مدار السنوات الماضية في إحياء المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث»، إلى جانب إهدائها مستنسخاً لأحد تماثيل الإلهة سخمت (إلهة الحماية)، التي تم الكشف عن عدد كبير من تماثيلها بالموقع خلال فترة إشرافها على المشروع.

ووفق الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإن تنفيذ أعمال ترميم وتوثيق وإعادة تركيب ورفع هذين التمثالين الضخمين، التي استمرت قرابة عقدين من الزمن، تمت وفق أحدث الأساليب العلمية والمعايير الدولية المعتمدة في مجال الترميم الأثري، بما يضمن الحفاظ على أصالتهما وقيمتهما التاريخية، وإعادتهما إلى موضعهما الأصلي داخل المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث بالبر الغربي في الأقصر.

تطوير البر الغربي

وأشار إسماعيل في مؤتمر صحافي، الأحد، بالموقع الأثري، إلى أن أعمال الترميم شملت دراسات علمية دقيقة، وتوثيقاً شاملاً لحالة التمثالين، واستخدام مواد متوافقة مع طبيعة الحجر الأثري، بما يضمن استدامتهما على المدى الطويل، مع مراعاة الظروف البيئية والمناخية المحيطة بالموقع.

ووصف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ما تم من أعمال بـ«الخطوة المهمة ضمن خطة متكاملة لإحياء وتطوير المواقع الأثرية في البر الغربي بالأقصر، وتعزيز تجربة الزائرين، مع الحفاظ الكامل على القيمة الأثرية والتاريخية للموقع».

وكشف عن إجراء أعمال توثيق وترميم الصرح الأول لمعبد الرامسيوم، بجانب قرب الانتهاء من الدراسات اللازمة لتحديد حالة حفظ مقبرة الملكة نفرتاري لإمكانية إعادة فتحها للجمهور.

بينما وصف الدكتور ديترش راو، مدير المعهد الألماني للآثار بالقاهرة، المشروع بأنه أحد أكبر وأهم المشروعات الأثرية المشتركة، موضحاً أن المشروع شهد تنفيذ العديد من الأعمال المعقدة، في إطار تعاون وثيق ومثمر.

أحد التمثالين الضخمين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وواجه المشروع تحديات عدة خلال العقدين الماضيين، من أبرزها تغير منسوب المياه الجوفية بالموقع، وهو ما تطلّب حلولاً هندسية وفنية دقيقة للحفاظ على استقرار الموقع الأثري، وفق الدكتورة نايري هابيكيان، مهندسة الموقع.

كوادر مصرية

وأشارت هابيكيان إلى أن المشروع مثّل فرصة حقيقية لبناء كوادر مصرية مؤهلة، حيث تم تدريب وتأهيل أكثر من 30 مُرمماً مصرياً، إلى جانب استقطاب نحو 10 مهندسين معماريين للعمل في مجال الآثار، وذلك في إطار شراكة فعالة وتكاملية بين الخبرات المصرية والدولية.

وكانت البعثة الأثرية قد عثرت على مدار سنوات عملها بالمشروع على أجزاء من التمثالين الضخمين بصورة متفرقة بالموقع، ولكنها كانت في حالة سيئة من الحفظ حيث غمرها الطمي والمياه المالحة، كما تم استعادة بعض كتل الجرانيت المكونة لقاعدة التمثالين، من المتحف المفتوح بمعابد الكرنك، حسب الدكتورة هوريج سوروزيان.

وأضافت سوروزيان أنه في عام 2006 بدأ فريق عمل المشروع في تنظيف التمثالين وترميمهما وإجراء أعمال المسح الثلاثي الأبعاد، وإعادة تركيب الكتل المتفرقة المكونة لهما حتى تم إعادة تركيبهما ورفعهما في عام 2025 في مكان عرضهما الأصلي بالمعبد. ويتراوح ارتفاع هذين التمثالين ما بين 13.6 و14.5 متر.

«الملك جالساً»

ويصور التمثالان الملك أمنحتب الثالث جالساً، ويديه مستقرّتين على فخذيه، مرتدياً غطاء الرأس «النمس» يعلوه التاج المزدوج والنقبة الملكية ذات الطيات، وتزين ذقنه لحية احتفالية، بينما يكتمل زيه بذيل الثور التقليدي، كما يصاحب التمثالين عدد من تماثيل الملكات، تتقدمهن الزوجة الملكية العظمى «تي»، إلى جانب تماثيل للأميرة «إيزيس» والملكة الأم «موت إم ويا»، كما تزيّنت جوانب العرش بمنظر «السماتاوي» الذي يرمز إلى توحيد مصر العليا والسفلى، مع بقايا ألوان أصلية ما زالت ظاهرة على بعض العناصر الزخرفية. وفق محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية.

كما تم العثور على 280 تمثالاً وأجزاء تماثيل للإلهة سخمت ذات رأس اللبؤة، وتوثيقها وترميمها، وهي حالياً في انتظار عرضها بفناء الأعمدة بالمعبد، كما تم اكتشاف وإنقاذ تمثالين من تماثيل أبو الهول من الحجر الجيري ويجري العمل على ترميمهما، بالإضافة إلى وضع خطة شاملة لإدارة الموقع وحمايته.

وزير السياحة والآثار خلال تكريمه مديرة المشروع (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وشُيِّد المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث، المعروف بمعبد «ملايين السنين»، خلال النصف الأول من القرن 14 قبل الميلاد على مدى 39 عاماً من فترة حكمه. ويُعد المعبد الأكبر بين المعابد الجنائزية وأكثرها ثراءً في عناصره المعمارية والتجهيزية. وقد تعرّض المعبد لانهيار نتيجة زلزال عنيف في عام 1200 قبل الميلاد، ثم استُخدمت بقاياه كمحجر في عصور لاحقة، قبل أن تتأثر أطلاله بالسيول التي غطت تدريجياً بطبقات الطمي النيلي عبر الزمن.

ولم يتبقَّ من معالم المعبد القائمة في مواضعها الأصلية سوى التمثالين العملاقين للملك أمنحتب الثالث عند مدخل حرم المعبد المدمَّر، المعروفين بتمثالي ممنون. أما باقي الآثار فكانت مدمرة وغارقة في المياه المالحة.


شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
TT

شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)

واصل شباك التذاكر السعودي أداءه المستقر خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، محققاً إيرادات تتجاوز 14 مليون ريال، مع بيع نحو 286 ألف تذكرة، في أسبوع شهد عرض أكثر من 40 فيلماً في دور السينما، وتوزَّعت فيه اختيارات الجمهور بين الإنتاجات العربية والأفلام الأجنبية، دون هيمنة مطلقة لعنوان واحد، وإن ظلت الصدارة محصورة في نطاق محدود من الأعمال الأكثر جماهيرية، حسبما يظهر التقرير الأسبوعي لهيئة الأفلام.

وتصدَّر فيلم «السلم والثعبان» قائمة إيرادات الأسبوع، محققاً أكثر من 3 ملايين ريال، مع بيع أكثر من 58 ألف تذكرة، ليواصل حضوره القوي في الصالات للأسبوع الخامس على التوالي. هذا الأداء يعكس قدرة الفيلم على الحفاظ على زخمه بعد مرحلة الافتتاح، مستفيداً من قاعدة جماهيرية واسعة، ومن تداول إيجابي أسهم في إطالة عمره التجاري داخل دور العرض. كما تجاوزت إيراداته التراكمية منذ بدء عرضه 26 مليون ريال، ما يجعله من أبرز عناوين الشهر من حيث الاستمرارية، لا الاندفاع المؤقت.

في المركز الثاني، حلَّ فيلم «Zootropolis 2» (زوتوبيا 2)، محققاً إيرادات قاربت 3 ملايين ريال، مع بيع أكثر من 60 ألف تذكرة خلال الأسبوع. ورغم حلوله ثانياً في ترتيب الإيرادات، فإن الفيلم يتقدّم من حيث عدد التذاكر المبيعة مقارنة بالمتصدر، وهو ما يشير إلى جاذبيته الكبيرة لدى فئة العائلات، وإلى تنوُّع فئات التذاكر وأسعارها بين العروض المختلفة. ومع هذا الأسبوع، تجاوز إجمالي إيرادات الفيلم 9 ملايين ريال.

أما المركز الثالث فكان من نصيب فيلم «Five Nights at Freddy’s 2» (خمس ليالٍ في فريديز 2) الذي حقق أكثر من 2.5 مليون ريال، مع بيع نحو 52 ألف تذكرة في أسبوعه الثاني. ويُعد هذا الرقم دلالة على دخول قوي للفيلم في السوق السعودية، مستنداً إلى شعبية سابقة للجزء الأول، وإلى قاعدة جماهيرية من فئة الشباب، ما مكَّنه من تثبيت موقعه ضمن الثلاثة الأوائل بسرعة لافتة.

ويبرز عند قراءة الأرقام أن الأفلام الثلاثة الأولى استحوذت مجتمعة على نحو 60 في المائة من إجمالي إيرادات الأسبوع، وهي نسبة تعكس نمطاً مألوفاً في أسواق السينما؛ حيث تتركَّز الكتلة الكبرى من الإيرادات في عدد محدود من العناوين، بينما تتوزع بقية الإيرادات على أعمال متعددة ذات حضور أقل، ولكنها تساهم في تنويع المشهد السينمائي.

في المرتبة الرابعة، جاء فيلم «Now You See Me: Now You Don’t» (الآن تراني: الآن لا تراني) بإيرادات تجاوزت مليون ريال، مع بيع أكثر من 22 ألف تذكرة في أسبوعه الرابع، مواصلاً أداءً متماسكاً منذ بدء عرضه، مع إيرادات تراكمية قاربت 8 ملايين ريال. ويعكس هذا الأداء قدرة الفيلم على الصمود في شباك التذاكر، اعتماداً على اسمه المعروف وسلسلة ناجحة سابقاً.

أما المركز الخامس فكان من نصيب فيلم «الست» الذي يتناول سيرة المغنية أم كلثوم؛ وسجَّل حضوراً لافتاً في أسبوعه الأول، محققاً أكثر من مليون ريال، مع بيع نحو 17 ألف تذكرة. ويُعد هذا الافتتاح مؤشراً على اهتمام الجمهور بالأعمال ذات الطابع العربي والسِّيَر الذاتية؛ خصوصاً حين تتناول شخصيات ثقافية ذات حضور راسخ في الذاكرة الجمعية.

وخارج دائرة الخمسة الأوائل، واصلت أفلام عدة تحقيق إيرادات متوسطة تعكس ما يمكن وصفه بـ«الذيل الطويل» لشباك التذاكر؛ حيث جاء سادساً الفيلم المصري «ولنا في الخيال حب»، يليه سابعاً الفيلم الهندي «Kalamkaval». وفي المرتبة الثامنة فيلم «Wildcat» (وايلدكات) ثم في المرتبة التاسعة «Wicked: For Good» (ويكد: للأفضل)، وأخيراً في المرتبة العاشرة الفيلم المصري «السادة الأفاضل».

وتعكس نتائج الأسبوع الثاني من ديسمبر صورة واضحة عن نضج السوق السينمائية السعودية؛ حيث لم يعد الإقبال محكوماً بعناوين ضخمة فقط؛ بل بات الجمهور أكثر انتقائية، موزعاً اهتمامه بين الفيلم العربي والأجنبي، وبين الترفيه العائلي وأفلام الرعب أو الحركة. كما تشير الأرقام إلى استقرار متوسط العائد للتذكرة، ما يؤكد توازن العلاقة بين التسعير وحجم الإقبال.

ومع اقتراب نهاية العام، يبدو شباك التذاكر السعودي مهيأً لمواصلة هذا النسق المتوازن، في ظل جدول عروض متنوع، وجمهور بات أكثر خبرة في الاختيار، وأكثر استعداداً لمنح الأفلام ذات الجودة أو الجاذبية الجماهيرية فرصة أطول داخل الصالات.