مخاطر اقتحام الخصوصية تحاصر «فيسبوك»

يخضع «فيسبوك» للتحقيقات من قِبل المنظمين والمشرّعين في بلدان عدّة منها الولايات المتحدة وكندا  (رويترز)
يخضع «فيسبوك» للتحقيقات من قِبل المنظمين والمشرّعين في بلدان عدّة منها الولايات المتحدة وكندا (رويترز)
TT

مخاطر اقتحام الخصوصية تحاصر «فيسبوك»

يخضع «فيسبوك» للتحقيقات من قِبل المنظمين والمشرّعين في بلدان عدّة منها الولايات المتحدة وكندا  (رويترز)
يخضع «فيسبوك» للتحقيقات من قِبل المنظمين والمشرّعين في بلدان عدّة منها الولايات المتحدة وكندا (رويترز)

مع مطالبات من منظمات حماية الخصوصية والمستهلكين وافقت لجنة التجارة الفيدرالية على تسوية مع «فيسبوك» بقيمة 5 مليارات دولار، بينما يرى مراقبون أنها لا تفعل ما يكفي لحماية الأفراد.
وحتى إذا كانت الشركة الموجودة في وادي الـ«سيلكون» قد تمكنت من الإفلات من تلك الرصاصة، لقد بدأ الألم لتوه، حيث شرع المنظمون والمشرعون في واشنطن، وأوروبا، ودول أخرى من بينها كندا، في فتح تحقيقات عدة، واقتراح قيود جديدة تتعلق بشركة الـ«فيسبوك» من المرجح أن تورطها في نقاشات سياسية ومساجلات قانونية لسنوات مقبلة. كذلك يزداد التنسيق بين السلطات في بعض تلك الدول لتكوين جبهة موحدة ضد الشركة.
على غرار الولايات المتحدة يواجه «فيسبوك» اتهامات في أوروبا بالسماح لأطراف خارجية بمعالجة البيانات الشخصية للمستخدمين بعد الضغط على زر «أعجبني» أو Like»» بموجب قواعد الخصوصية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ونظرت محكمة العدل الأوروبية في نزاع بعد اتهام تاجر تجزئة على الإنترنت بانتهاك قانون الاتحاد الأوروبي من خلال تضمين محتوى معالج من «فيسبوك» وهو ما قال عنه إن «فيسبوك» سمحت له بجمع بيانات عن مستخدمي الموقع واستهدافهم في إعلاناته من خلال اهتماماتهم بالضغط على زر «أعجبني».
ويلوح في الأفق احتمال إجراء تحقيق فيدرالي خاص بمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، وقد فتح الكثير من ممثلي الادعاء العام في ولايات عدة تحقيقات خاصة بالشركة، وينظر أعضاء في الكونغرس في تمرير قانون فيدرالي يتعلق بالخصوصية، فضلاً عن وضع قيود وضوابط أخرى. كذلك، من المعروف أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد زاد الضغط على «فيسبوك» وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة، حيث قال في وقت سابق إن تلك المنصات كانت «غير أمينة» و«غير شريفة» وأنه من الضروري اتخاذ إجراء ما حيال ذلك.
وبينما تتصاعد القضية في الولايات المتحدة، يواجه «فيسبوك» في أوروبا عقوبات بسبب انتهاكه قوانين الخصوصية الصارمة في المنطقة، ولا يزال تحقيق مكافحة الاحتكار الذي تجريه اللجنة الأوروبية ضد الشركة في المراحل المبكرة. وفي بريطانيا صدر تقرير برلماني خلال العام الحالي وصف الـ«فيسبوك» بـ«أفراد عصابات رقمية»، ويعكف مسؤولون على صياغة قوانين جديدة تتعلق بالمنافسة ومواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ المنظمون تحقيق واسع النطاق بشأن مكافحة الاحتكار استهدف كل من الـ«فيسبوك» و«غوغل». كذلك تنظر فرنسا في فرض عقوبات وغرامات جديدة على موقع التواصل الاجتماعي في حال تقاعسه عن حذف أي مشاركات تحضّ على الكراهية أو أي محتوى آخر مؤذٍ في غضون 24 ساعة.
> قوانين جديدة لمنصات الإنترنت في أستراليا واليابان والهند ونيوزيلندا وسنغافورة
وتبحث كل من أستراليا، واليابان، والهند، ونيوزيلندا، وسنغافورة في أمر وضع قوانين جديدة ضد منصات إنترنت كبرى، أو قد سنّتها بالفعل. وقد وضعت 43 دولة على الأقل منذ عام 2016 لوائح تنظيمية تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي ونشر معلومات مضللة بحسب باحثين في جامعة «أكسفورد». وقال توماسو فاليتي، أستاذ في كلية «إمبريال كوليدج» لإدارة الأعمال، وكبير خبراء الاقتصاد بقسم مكافحة الاحتكار في المفوضية الأوروبية: «لقد تحول مسار الجدل. ليس السؤال الصحيح هو هل ينبغي التدخل أم لا، بل ما هو نوع التدخل الذي نحتاج إليه؟».
من المحتمل أن تسفر تلك المعارك بالنسبة إلى «فيسبوك» عما هو أكثر من قرار صادر عن لجنة التجارة الفيدرالية، والغرامة المالية التي تبلغ 5 مليارات دولار التي فرضتها اللجنة على الشركة. وفي الوقت الذي تعد فيه هذه الغرامة أكبر غرامة تفرضها الحكومة الفيدرالية ضد شركة تكنولوجيا، لا تمثل سوى جزء ضئيل من عائدات الشركة السنوية البالغة 56 مليار دولار. ومع اتجاه لجنة التجارة الفيدرالية نحو تعزيز الرقابة على كيفية استخدام بيانات المستخدمين، لن تفرض أي من شروط التسوية قيوداً صارمة على قدرة الشركة على جمع ومشاركة البيانات مع أطراف ثالثة.
مع ذلك يظل للحكومات والمنظمين سلطة إلزام شركة التواصل الاجتماعي بتغيير طريقة إدارتها أعمالها في إطار قوانين وقيود جديدة، وهو نتيجة مدمرة واجهتها شركة «مايكروسوفت» وشركات كبرى أخرى من قبل. وقد استثمرت شركة الـ«فيسبوك» بالفعل الكثير من الوقت والموارد في مقاومة قوانين أكثر صرامة تتعلق بالخصوصية، ومكافحة الاحتكار، وخطاب الكراهية حتى إذا كانت قد أعربت علنّاً عن انفتاحها على محاولات فرض درجة أكبر من التنظيم.
وقد صرحت شركة «فيسبوك» في بيان لها بأن تحديث القوانين الخاصة بالإنترنت سيساعدها على الاحتفاظ بأفضل ما فيها، وأضافت: «نحن نريد العمل مع الحكومات وواضعي السياسات لوضع قواعد تنظيم ذكية تعزز المنافسة، وتشجع الابتكار، وتحمي المستهلكين».
وتعد شركة «فيسبوك» محور عملية محاسبة ذات نطاق أوسع تستهدف مجال التكنولوجيا، حيث بدأت حكومات التعاون معاً من أجل اتخاذ إجراء. وقد تشاركت المفوضية الأوروبية معلومات مع لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل بشأن تحقيقاتها السابقة في أمر «غوغل». كذلك التقى كبير مسؤولي التنظيم لشؤون الخصوصية في آيرلندا، والذي يحقق مع الـ«فيسبوك» و«غوغل»، بمسؤولين في واشنطن خلال الربيع الحالي. كذلك تحول لقاء سنوي انعقد في مايو (أيار)، وجمع بين منظمين في مجال مكافحة الاحتكار من مختلف أنحاء العالم، إلى اجتماع استراتيجي امتد لأربعة أيام، وركّز على مجال التكنولوجيا. وكان كل من جوزيف سايمونز، رئيس لجنة التجارة الفيدرالية، وماكان ديلراهيم، مسؤول مكافحة الاحتكار في وزارة العدل، من بين الذين حضروا الاجتماع الذي انعقد في كولومبيا. وقال أندرياس ماند، كبير المسؤولين التنفيذيين في مكافحة الاحتكار بألمانيا: «النبأ السار هو انخراط الهيئات والأجهزة الأميركية في هذا النقاش. من الواضح أن تلك الشركات نشطة على مستوى العالم، لذا لا يعد تبني نهج عالمي بالفكرة السيئة». وكان أندرياس هو من ساعد في تنظيم الفعالية، وأصدر في فبراير (شباط) واحد من أوائل قوانين مكافحة الاحتكار ضد الـ«فيسبوك».
يعتقد ماند ومنظمون آخرون في ضرورة أن تتجاوز الإجراءات، التي تم اتخاذها بحق «فيسبوك» وغيرها من الشركات العاملة في المجال نفسه، حدود الغرامات، حيث تريد الكثير من السلطات إلزام تلك الشركات بطريقة بعينها في إدارة أعمالها فيما يتعلق بجمع البيانات، وبيع مساحات الإعلانات الرقمية على سبيل المثال. بعد قرار لجنة التجارة الفيدرالية، من المتوقع أن تأتي العقوبات التالية على «فيسبوك» من أوروبا، حيث السلطات أكثر حزماً وصرامة من المنظمين الأميركيين في التعامل مع مجال التكنولوجيا. ويجري مكتب حماية البيانات الآيرلندي أحد عشر تحقيقاً مع الـ«فيسبوك» لمخالفته قانون الخصوصية الأوروبي، النظام الأوروبي العام لحماية البيانات. كذلك لدى آيرلندا اختصاص قضائي بالنسبة لعمل الـ«فيسبوك» طبقاً لقانون الخصوصية نظراً لوجود مقر الشركة في أوروبا في دبلن. ومن المرجح أن يتم إصدار حكمين قضائيين على الأقل ضد الشركة خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقالت هيلين ديكسون، رئيسة المفوضية الآيرلندية لحماية البيانات، في مقابلة: «يتمتع الـ(فيسبوك) بنفوذ كان غير مفهوم بشكل كبير في السابق»، ورفضت التعليق على حالات بعينها خاصة بالـ«فيسبوك»، وأضافت قائلة: «لنا الحق كمنظمين في التدخل حين نجد غياب واضح للمساءلة».
وتتم مناقشة قانون جديد قوي في فرنسا من شأنه إلزام «فيسبوك» وغيرها من منصات الإنترنت الكبرى بمنع نشر خطاب الكراهية وغيرها من أشكال المحتوى التي تسبب الأذى، وإلا ستتعرض للغرامات. كذلك وضعت ألمانيا قانوناً مماثلاً، في حين تتجه بريطانيا نحو اتخاذ إجراء مماثل، إلى جانب وضع قوانين أكثر صرامة خاصة بالمنافسة من شأنها استحداث منصب منظم رقمي جديد، وإلزام «فيسبوك» بإتاحة بعض من بياناته للمنافسين.
على الجانب الآخر أعرب بعض الأكاديميين والمدافعين عن حرية التعبير عن قلقهم من وضع الحكومات لسياسات قد يكون لها عواقب غير مقصودة في إطار سعيها للحد من قوة ونفوذ «فيسبوك». كذلك تشعر منظمات لحقوق الإنسان بالقلق إزاء مقترحات في كل من سنغافورة، والهند، تمنح حكومتي البلدين صلاحيات جديدة في الرقابة على المحتوى المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت سامنثا برادشو، باحثة دكتوراه وباحثة في «معهد أكسفورد للإنترنت»، الذي يتابع الإجراءات الحكومية ضد الـ«فيسبوك»، وغيرها من الشركات المماثلة: «إنها ردود فعل. لم ألحظ أي مقترحات ترقى إلى مواجهة تلك التحديات المنهجية الخاصة باللوغاريتمات، وجمع البيانات، والخصوصية». ليس من الواضح بعد السياسات التي ستقبلها شركة «فيسبوك» تحديداً، وقد تصدت الشركة في الكثير من البلدان إلى تلك الهجمات التنظيمية والقانونية. وذكرت ديكسون أن «فيسبوك» قد حاول المماطلة في التحقيقات التي تجريها من خلال طرح أسئلة وإثارة تحديات، وقالت إن موقع التواصل الاجتماعي «يطلب التمديد باستمرار». وأضافت قائلة: «هناك بعض الحوارات الحادة. بمجرد وجود قانون صارم يمكن استخدامه ضد شركة كبرى، سوف يسعون إلى حماية مصالحهم باستمرار».
وفي ألمانيا تطعن شركة «فيسبوك» على حكم خاص بالاحتكار يمنعها من مشاركة البيانات مع تطبيقات أخرى مثل «إنستغرام»، و«واتساب»، إلى جانب مواقع إلكترونية تستخدم نقرات «الإعجاب» والـ«مشاركة». كذلك تفند الشركة وتقاوم بنوداً لمقترحات فرنسية وبريطانية خاصة بخطاب الكراهية بقولها إنها تحمّل الشركة مسؤولية الحكم على المحتوى المقبول نشره على الإنترنت. كذلك تعارض شركة «فيسبوك»، وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى، مقترحاً مقدماً من الاتحاد الأوروبي لتشديد القوانين المتعلقة بالخصوصية للتصدي إلى منصات تواصل مثل «واتساب» و«ماسنجر».
أما في النمسا، يشارك نشطاء في جماعات ضغط في محاربة مقترحات خاصة بمكافحة الاحتكار تستهدف الحد من قوة «فيسبوك» و«غوغل» في السوق. واقتادت السلطات الكندية «فيسبوك» إلى المحاكمة بعد رفض الشركة تغيير ممارساتها الخاصة بجمع البيانات. وقالت مارغاريدا سيلفا، باحثة لدى «مرصد الشركات في أوروبا» الذي يتابع حركة الضغط في أوروبا: «لقد خففوا من حدة رسالتهم الموجهة إلى العامة، لكنهم يحاولون في النهاية تفادي أكبر قدر ممكن من اللوائح الملزمة والمقيدة لهم».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تقرير: جيران زوكربيرغ يتهمونه بإدارة مدرسة غير قانونية والتسبب بالإزعاج

يوميات الشرق مارك زوكربيرغ مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «ميتا» وزوجته بريسيلا تشان (أ.ف.ب)

تقرير: جيران زوكربيرغ يتهمونه بإدارة مدرسة غير قانونية والتسبب بالإزعاج

كشف تقرير جديد عن أن جيران مارك زوكربيرغ، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «ميتا»، أُجبروا على شن حملة بعد أن بدأ الملياردير وزوجته بريسيلا تشان إدارة مدرسة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا الإجراءات تشمل إمكانية تعطيل المحادثات الفردية وحجب روبوتات محددة والاطلاع على موضوعات النقاش العامة دون خرق خصوصية الأبناء

«ميتا» تمنح أولياء الأمور صلاحيات أوسع لحماية المراهقين من «الذكاء الاصطناعي الغزلي»

الإجراءات الجديدة تمنح أولياء الأمور تحكّماً أكبر بتفاعلات المراهقين مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، بعد انتقادات حول محادثات غير لائقة، لضمان أمان المستخدم.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تطبيق «إنستغرام» على شاشة هاتف (رويترز)

شركة «ميتا» تعزز تدابير حماية مستخدمي «إنستغرام» ما دون 18 عاماً

تعتزم «إنستغرام» فرض قيود على المحتوى المتاح للمستخدمين دون سن 18 عاماً على المنصة، عبر استخدام فلاتر متخصصة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا الخدمة تستهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تبني التجارة الحوارية بسهولة ودون تعقيدات تقنية (شاترستوك)

«ميتا» تطلق «الذكاء الاصطناعي للأعمال»... وكيل مبيعات ذكي على مدار الساعة

الوكيل الذكي يدمج الإعلانات بالمحادثات ويمكّن الشركات من تفاعل شخصي وتوليد محتوى إعلاني آلي وتوسيع التجارة الحوارية عبر المنصات.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا ميزة «Vibes» تتيح للمستخدم إنشاء مقاطع فيديو قصيرة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتحريرها بسهولة (ميتا)

«فايبز»… أداة جديدة من «ميتا» لإنشاء مقاطع فيديو قصيرة بلمسة ذكاء اصطناعي

ميزة «فايبز» الجديدة تسمح بتعديل أي فيديو منشور على «إنستغرام» أنشئ بواسطة «Meta AI».

نسيم رمضان (فينيكس - أريزونا)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد أن أعلنت شركة «نتفليكس» يوم الجمعة عن إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على استوديوهات الأفلام، والتلفزيون، ووحدة البث التدفقي التابعة لـ«وارنر براذرز ديسكفري» (WBD) بقيمة بلغت 72 مليار دولار.

هذه الصفقة، التي بدأت بمجرد «مهمة استطلاعية»، لم تكن متوقعة علناً من عملاق البث التدفقي الذي كان يقلل من شائعات شراء استوديو كبير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتنتهي بـ«نتفليكس» وهي تفوز بأثمن جائزة في هوليوود، متفوقة على منافسين عمالقة، مثل «باراماونت» و«كومكاست».

صورة جوية لشعار «وارنر براذرز» معروض على برج المياه في استوديو «وارنر براذرز» في باربنك كاليفورنيا (أ.ف.ب)

من الفضول إلى الاستحواذ

بدأت مساعي «نتفليكس» نحو «وارنر براذرز» بدافع الفضول لمعرفة المزيد عن أعمالها، لكن التنفيذيين سرعان ما أدركوا الفرصة الاستراتيجية الهائلة التي يوفرها الاستوديو.

تتجاوز الصفقة مجرد إضافة مكتبة محتوى عمرها قرن من الزمان إلى منصة «نتفليكس» (وهي مكتبة تشكل 80 في المائة من مشاهدات البث التدفقي)، حيث أدركت «نتفليكس» أن وحدات أعمال «وارنر براذرز»، خاصة التوزيع المسرحي، والوحدة الإنتاجية، تُعد مكمّلة بشكل مثالي لنماذج أعمالها.

وقد تصاعد الاهتمام بالاستحواذ بعد أن أعلنت «وارنر براذرز ديسكفري» في يونيو (حزيران) عن خططها للانقسام إلى شركتين عامتين، فصلت بموجبها الشبكات التلفزيونية التقليدية عن الأصول الرئيسة، مثل استوديوهات «وارنر براذرز» و«HBO» وخدمة «HBO Max».

سباق المزايدة يشتد

دخلت «نتفليكس» منافسة شرسة للاستحواذ على الأصول، واضعة نفسها في مواجهة مباشرة مع «باراماونت» وشركة «إن بي سي يونيفرسال» الأم «كومكاست». وقد بدأ المزاد علنياً في أكتوبر بعدما قدمت «باراماونت» أول عرض غير مرغوب فيه في سبتمبر (أيلول)، بهدف استباق الانقسام المخطط له.

تواصل العمل بوتيرة محمومة، حيث عقد فريق «نتفليكس» الاستشاري، الذي ضم بنوكاً استثمارية، مثل «مويلس آند كومباني»، و«ويلز فارغو»، مكالمات يومية صباحية على مدى الشهرين الماضيين، بل وعقدوا مكالمات متعددة في يوم عيد الشكر ذاته للتحضير للعرض النهائي في الأول من ديسمبر (كانون الأول).

على الجانب الآخر، اجتمع مجلس إدارة «وارنر براذرز» يومياً خلال الأيام الثمانية الأخيرة التي سبقت اتخاذ القرار. وفضّل المجلس عرض «نتفليكس»، لأنه كان الوحيد الذي وُصف بأنه «ملزم وكامل»، كما أنه سيحقق فوائد فورية للشركة.

وعلى النقيض، تم رفض عرض «كومكاست» لدمج قسم الترفيه الخاص بها مع «وارنر براذرز»، لكونه سيستغرق سنوات عديدة للتنفيذ. ورغم أن «باراماونت» رفعت عرضها لتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 78 مليار دولار، فقد أعرب مجلس إدارة «وارنر براذرز» عن قلقه بشأن تمويل هذا العرض.

صورة جوية لشعار «نتفليكس» معروض في استوديوهات «نتفليكس» مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ثقة «نتفليكس» في اجتياز العقبات التنظيمية

لتأكيد إيمانها بنجاح الصفقة، خاصة في ظل توقعات مراجعة تنظيمية كبيرة، أرفقت «نتفليكس» عرضها بواحد من أكبر رسوم الإنهاء في تاريخ صفقات الاندماج والاستحواذ، بلغ 5.8 مليار دولار.

وقد وصف أحد المستشارين هذا الضمان بأنه دليل على قناعة «نتفليكس» المطلقة بقدرتها على الحصول على الموافقات اللازمة، قائلاً: «لا أحد يحرق 6 مليارات دولار دون اقتناع».

لم تكن «نتفليكس» متأكدة من الفوز حتى اللحظات الأخيرة، حيث اعترف أحد التنفيذيين بأنهم كانوا يعتقدون أن فرصتهم لا تتجاوز 50/50. لكن مع إعلان قبول العرض في وقت متأخر من ليلة الخميس، ساد التصفيق والتهليل على مكالمة جماعية بين فريق «نتفليكس»، إيذاناً ببدء عصر جديد سيعيد تشكيل المشهد الترفيهي العالمي بالكامل.


العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)
TT

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025. فقد تضاعفت أرباح الشركات العقارية بأكثر من ستة أضعاف، مسجلة نمواً تجاوزت نسبته 633.6 في المائة لتبلغ 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال).

هذا الارتفاع الصارخ، مقارنة بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار في الربع المماثل من العام السابق، يؤكد أن القطاع العقاري السعودي قد دخل مرحلة نضج تشغيلي مستدام، متجاوزاً مرحلة الانتعاش «الظرفي» المؤقت.

كما تعكس هذه القفزة الكبيرة نجاح الشركات في إعادة هيكلة منتجاتها، وتعزيز تدفقاتها النقدية، والانتقال من مجرد النمو «الورقي» إلى نمو حقيقي مدعوم بالإيرادات التشغيلية، والتسليم الفعلي

للمشاريع.

المحركات التشغيلية

وأرجع خبراء ومختصون عقاريون تسجيل الشركات العقارية المُدرجة في السوق هذه القفزة الكبيرة إلى بداية جني الأرباح من إيرادات المشاريع العقارية المحورية في المدن الكبرى، وارتفاع جودة المشاريع العقارية، وتحسن البيئة التمويلية، ومستويات السيولة في القطاع العقاري.

وأشاروا إلى أن هذه القفزة تتواكب مع نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما ساهم بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، وفي نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة.

العاصمة السعودية الرياض (واس)

تفاصيل أداء الشركات

وكانت أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية «تداول» قد تضاعفت لأكثر من 6 أضعاف، خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال)، بنسبة نمو وصلت إلى 633.67 في المائة، مقارنةً بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار (253.32 مليون ريال) في الربع المماثل من العام السابق.

كما بلغت أرباح شركات القطاع خلال الأرباع الثلاثة من 2025 نحو 1.44 مليار دولار (5.4 مليار ريال)، بصدارة من «سينومي سنترز» و«جبل عمر» و«مسار»، وبنسبة نمو 244.2 في المائة عن الفترة ذاتها من العام، والتي حققت خلالها أرباحاً صافية وصلت إلى 419 مليون دولار (1.57 مليار ريال)، وبزيادة قدرها 1.02 مليار دولار (3.83 مليار ريال).

ووفق إعلانات نتائجها المالية في السوق المالية السعودية، حققت 9 شركات ارتفاعاً في أرباحها، من بين 16 شركة تعمل بالقطاع، في حين تحولت 4 شركات للربحية. وتصدرت شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار) أعلى شركات القطاع ربحيةً، خلال الربع الثالث، بعد تحقيقها أرباحاً بلغت 516.57 مليون ريال، بنسبة نمو وصلت إلى 341.9 في المائة عن الربع المماثل من العام السابق. وحلّت شركة المراكز العربية «سينومي سنترز» ثانيةً في أعلى شركات القطاع ربحيةً بعد تحقيقها أرباحاً بنحو 499.8 مليون ريال خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل نمواً عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 52.2 في المائة، في حين حلت شركة «دار الأركان» ثالثاً، بنسبة نمو تجاوزت 89 في المائة، بعد أن بلغت أرباحها نحو 255.6 مليون ريال في الربع الثالث من 2025.

صورة محاكية لمشروع «مسار» الذي تقوم بتطويره شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (الشركة)

القطاع أكثر كفاءة

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، قال الخبير والمهتم بالشأن العقاري، عبد الله الموسى لـ«الشرق الأوسط» إن القفزة التاريخية في أرباح شركات العقار المدرجة تؤكد أن السوق دخلت مرحلة نضج تشغيلي، وليس مجرد انتعاش ظرفي، وإن هذه الأرقام تعكس قدرة الشركات على إعادة هيكلة منتجاتها، وتحسين تدفقاتها النقدية، والتحول من النمو الورقي إلى النمو الحقيقي المدعوم بالتسليم، والتشغيل، والإيرادات المتكررة.

وزاد أن القطاع أصبح أكثر كفاءة وربحية من أي وقت مضى، ما ينسجم مع اتجاهات الاقتصاد السعودي، وتطور أدوات التنظيم، والتمويل.

وحدد الموسى ثلاثة محركات رئيسة للقفزة الكبيرة في أرباح شركات القطاع، وهي:

- ارتفاع جودة المشاريع، والتحول للنماذج التشغيلية، كما حدث مع شركات «سينومي سنترز» و«مسار» و«جبل عمر»، والتي بدأت تجني ثمار الاستثمار طويل الأجل في تشغيل الأصول، وزيادة الإشغال، ونمو العوائد الإيجارية، ما انعكس مباشرة على الربحية.

- تحسن البيئة التمويلية، وتقليل الأعباء عبر استقرار أسعار الفائدة، وبداية انخفاضها، وتحسن مستويات السيولة، وهو ما ساعد الشركات على إدارة مديونياتها بكفاءة أكبر، خصوصاً تلك التي كانت تعاني سابقاً من أعباء مالية مرتفعة.

- اكتمال مشاريع محورية، ودخولها مرحلة تحقيق الإيرادات، حيث شهدت شركات عدة تحوّلاً للربحية نتيجة تحسن ملحوظ في عمليات البيع والتطوير في المدن الكبرى، وخاصة في الرياض، ومكة.

ويتوقع الموسى أن تستمر شركات القطاع في أدائها الإيجابي خلال الأرباع القادمة، واستمرار المسار الصاعد، لكن بوتيرة أكثر توازناً، وذلك لوجود عوامل داعمة، أبرزها دخول مشاريع استراتيجية جديدة مرحلة التشغيل، واستمرار الطلب القوي على الإسكان، والمشاريع التجارية في ظل توسع الرياض، وتحولها لوجهة استثمارية عالمية، وتحسن الأداء المالي لشركات كانت تواجه خسائر لسنوات، وهو ما يرفع مستوى المنافسة داخل القطاع، وكذلك استمرار مبادرات التنظيم العقاري التي تقلّل المخاطر، وتزيد من جاذبية الاستثمار المؤسسي، مضيفاً أنه في حال حافظت الشركات على هذا النهج، فمن المتوقع أن تتحول أرباح 2025 إلى نقطة مرجعية جديدة لمستوى ربحية أعلى، وأكثر استدامة خلال السنوات المقبلة.

أحد المراكز التجارية التابعة لشركة «سينومي سنترز» في الرياض (الشركة)

دور الاقتصاد غير النفطي

من جهته، قال المهتم بالشأن العقاري سلمان السعيد، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ساهما بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، مما ساهم في نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في جذب الاستثمارات، مثل توسيع ضريبة الأراضي البيضاء، وخطوات ضبط الإيجارات، مما عزز من المشاريع التنموية، ومن جدوى المشاريع العقارية، وكذلك الدعم الحكومي الكبير لتملك المواطنين للإسكان، والسياسات الداعمة لذلك، ما ساهم في ارتفاع نسبة المواطنين المتملكين للإسكان.

وأضاف أن ارتفاع الطلب على العقار التجاري والمكتبي ساهم في زيادة أرباح الشركات العقارية، خصوصاً في مدينة الرياض، وتحديداً مع تدفق الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات إلى السعودية، وارتفاع الطلب على المكاتب، وزيادة إشغالها بنسب مرتفعة. كما ساعد ذلك شركات التطوير العقاري التي تعمل في العقارات متعددة الاستخدامات على الاستفادة من تنويع مصادر الدخل، وليس الاعتماد فقط على العقارات السكنية في تحقيق الأرباح، وأشار إلى أن بعض الشركات حققت نمواً في أرباحها من المعاملات الاستثمارية في بيع الأراضي، والأصول غير الاستراتيجية، مما أدى إلى تحسين النتائج، والكفاءة التشغيلية.


تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
TT

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بقراءة نهائية بلغت 51 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين عند 52 نقطة، لكنه لا يزال منخفضاً بشكل كبير مقارنة بمستوى 71.7 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وشهد تقييم المستهلكين للظروف الاقتصادية الحالية انخفاضاً طفيفاً، بينما تحسّنت توقعاتهم المستقبلية إلى حد ما. كما تراجعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 4.1 في المائة مقابل 4.5 في المائة في الشهر السابق، مسجلة أدنى مستوى منذ يناير، مع استمرار الضغوط على الأسعار بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقالت جوان هسو، مديرة المسوحات الاقتصادية في ميشيغان: «الاتجاه العام للآراء يبقى قاتماً، حيث يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء ارتفاع الأسعار». على الرغم من تراجع التضخم عن أعلى مستوياته منتصف 2022، إلا أنه يظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة بثبات.