دخلت وجبة «الكسكسي» بقوة مضمار التنافس بين الأكلات الشعبية المحببة في مصر، ففي مساءات ميدان الجيزة المكتظ بدبيب البشر، والشوارع المتصلة به، يتحرك بائعو الكسكسي بعرباتهم الصغيرة الجوالة قاصدين الشوارع القريبة من المقاهي، يقدمون لروادها أطباق الكسكسي المحلاة بالسكر والسمن البلدي، حيث يعتبرونهم زبائنهم المفضلين، فيما هم يشربون الشاي ويبدأون سهراتهم حتى منتصف الليل.
من بين هؤلاء الباعة يتحرك الشاب محمد جمال مع حلول التاسعة مساء ليتخذ موقعه بين شارعي الهرم والملك فيصل، يغطي صينية الكسكسي بقماشة من الشاش الأبيض والسولفان، يضعها فوق عربة تتحرك بثلاث عجلات، ويستقبل زبائنه بابتسامة تعود ألا تفارق شفتيه.
قال محمد لـ«الشرق الأوسط» إنه بدأ تقديم الكسكسي للزبائن في المنطقة منذ عشر سنوات تقريبا، كان وقتها عمره لم يتجاوز الرابعة عشرة، ويرى أنها أكلة شتوية يقبل عليها المصريون في الأجواء الباردة أكثر من الصيف لأنها تمد الجسم بالطاقة والدفء، لما تحتويه من سكر وحليب وسمن فضلا عن كونها مصنوعة من الدقيق.
ويعرف جمال أن هناك أكثر من طريقة لعمل الكسكسي، وهناك كثير من السيدات يقدمنه باللحم والبط، لكنه لا يرى ذلك ذا جدوى بالنسبة له، فالأسهل له أن يقدمه بأسعار رمزية، لا يشعر بها الزبون، بعيدا عن تحويله إلى أكلة ترهق جيوب الزبائن، كما أنه في الأساس أكلة شعبية، فكيف تكون كذلك ويقدمها بثمن لا يقدر عليه الأهالي في المنطقة وهو بالتأكيد يعرف حالتهم الاقتصادية.
وذكر جمال أنه منذ طفولته وهو يحب الكسكسي فقد كانت والدته تصنعه في البيت وتقدمه له ولأخواته، ولما كبر تعلم الصنعة من معلم كبير من مدينة الزقازيق شرق القاهرة، هذا الرجل جاء إلى القاهرة، وكان يمتلك مخزنا يصنع فيه الكسكسي، ولديه كثير من العمال الذين يتحركون بالعربات المحملة به بين الأحياء، ويعودون بالحصيلة في آخر الليل، ويحصلون على أجورهم، التي لم تكن تزد على 20 جنيها كيومية لكل منهم، (الدولار بـ17 جنيها)، ثم تطور الأمر إلى 50 جنيها.
محمد الذي لا يعرف أن مستوى البطالة في مصر وصل في الربع الأول من العام الحالي حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى 8.1 في المائة، وجد أن هذا الأجر لا يساعده على المعيشة، أو سد حاجات بيته، خاصة بعد أن تزوج، لذا قرر مع مجموعة من زملائه المهرة استئجار مخزن في منطقة فيصل بالقرب من شارع العشرين، ومنه ينطلق بدراجته وهو يحمل الكسكسي حتى بداية الشارع، ويقف بالقرب من المقاهي المعروفة بشارع فيصل، حيث يعد مؤنه، ويجهز أطباقه، ثم يبدأ في تقديمها لزبائنه بخمس جنيهات للطبق، بعد أن يزوده بالسكر والحليب، مع إضافة ملعقة من السمن.
يدين جمال بالفضل للمعلم جمعة البلبيسي الذي علمه مهنة صناعة الكسكسي، وقال إنها تكفل له لقمة العيش بدلا من البطالة ومد يده للناس، وأشار إلى أن البيع في الصيف محدود نوعا ما، لكنه يتزايد ويقبل عليه الناس في الشتاء، ما يجعله يزيد من عدد العاملين معه، فيبلغ عددهم عشرة أشخاص، يساعدونه في البيع، ويشاركونه في الأرباح.
ولفت جمال إلى أن الأطفال يشكلون جزءا كبيرا من زبائنه، لأنهم بطبيعتهم يحبون الطعام ذا المذاق الحلو، وهناك كثير من الآباء الذين يفضلون تقديم الكسكسي لأبنائهم عن الأغذية المحفوظة، لأنه لا يدخل فيه أي مواد حافظة، أو مكسبات طعم، كما أنه يقدم طازجا وساخنا، فلا مجال لركود شيء منه إلى اليوم التالي.
وذكر جمال أن طريقة عمل الكسكسي سهلة، فهي لا تحتاج لأكثر من دقيق وماء، بعدها توضع في مصفاة تحتها قدر ماؤها يغلي، ويترك حتى ينضج، ثم يفرك في غربال، وهذه هي الطريقة القديمة التي عرفها المصريون في صناعته، ويراها جمال الأكثر جدوى في صناعة كميات كبيرة منه.
«الكُسكسي»... طبق السهارى على مقاهي الجيزة
ينافس الأكلات الشعبية في مصر
«الكُسكسي»... طبق السهارى على مقاهي الجيزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة