محطات ومصادفات

«الشرق الأوسط» تعيد نشر مقال «قصتي مع الإعلام» للراحل

الدكتور الراحل عبد الرحمن الشبيلي
الدكتور الراحل عبد الرحمن الشبيلي
TT

محطات ومصادفات

الدكتور الراحل عبد الرحمن الشبيلي
الدكتور الراحل عبد الرحمن الشبيلي

مرّت هذه التجربة بعدد من المصادفات التي أدخلَتْ صاحبها (دون اجتهاد منه أو تخطيط) في حقل الإعلام، ممارسة ثم تخصّصاً للماجستير والدكتوراه. قادته إلى التدريس والتوثيق، والإسهام في المجالس التشريعية (كالمجلس الأعلى للإعلام ومجلس الشورى) والإشرافية (كمجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحافية ومجلس أمناء الشركة السعودية للأبحاث والنشر).
تتلخص قصة دخوله إلى ميدان الإعلام، في أنه كان في مطلع ستينات القرن الماضي من طلَبَة كلية اللغة العربية، وكانت وزارة الإعلام السعودية حديثة التأسيس ترغب في تطوير وسائلها المقروءة والمسموعة المتواضعة، آنذاك.
في غضون ثلاثة أعوام، حدثت في دوائر الإعلام السعودي ثلاثة تطوّرات جوهريّة تزامن التحاقه معها؛ تغيير نظام الصحافة الفردي إلى تنظيم شركات أهلية بملكية مزيج من المثقفين ورجال الأعمال، وإنشاء إذاعة في العاصمة (الرياض)، بالإضافة إلى شقيقتها الأقدم في جدة، وافتتاح التلفزيون السعودي.
مارَس كاتب هذا المقال العمل الإذاعي مدة عامين، والعمل التلفزيوني 12 عاماً، إلا أنه لم يمارس الصحافة المكتوبة في حياته إلا من خلال كتابة مقالات الرأي والبحوث التوثيقية، كما اقترب من العمل الصحافي من خلال مهمّتيه اللتين سلف ذكرهما، في مؤسسة الجزيرة الصحافية (رئيساً لمجلس الإدارة لست سنوات) والشركة السعودية للأبحاث والنشر (عضواً في مجلس الأمناء لأربع سنوات، ورئيساً له لمدة مماثلة).
منذ تخرّجه عام 1963 التحق بالعمل التنفيذي في وزارة الإعلام، ومرّ بكل المراحل التمهيدية والمتقدمة إلى أن أصبح مديراً عاماً للتلفزيون، وصار يشارك بالرقابة وبالتقديم وبقراءة الأخبار وبإعداد البرامج التوثيقية بوجه خاص.
مرّت 10 سنوات مارس خلالها بالتزامن مع أعماله الأخرى، تدريس الإعلام في جامعة الملك سعود، و20 عاماً في عضوية المجلس الأعلى للإعلام، وتفرغ منذ أعوام للمحاضرات والتأليف وتدوين تاريخ الإعلام السعودي بمؤلفات فاق عددها الثلاثين، ومن ضمنها محاضرات عن سِيَر شخصيات إعلامية بارزة.
وعند توقُّفِه لتلخيص تجربته من منظوره الشخصي يقول إنه لم يكن العبور بكلية اللغة العربية بالمقام الأول والسنوات التي قضاها فيها مصدرَ ندم عنده، أو مبعث شعور بخسارة السنين، فلقد ظلّ يحمد الله إلى اليوم على أن قدّر له التخصُّص الجامعي في اللغة العربية، الذي وفَّر له أرضية مهمة لثقافته، ولأعماله اللاحقة. كان الولوج إلى العمل الثقافي واحداً من أبرز المصادفات التي انتهى فيها، وهو الذي طاف بالإعلام والتعليم العالي والشورى وبلغ الأربعين من العمر، قبل أن يمارس الكتابة المحترفة.
بات يستحوذ هذا النشاط الحالي على جلّ أوقاته، متمنّياً لو امتدّ نهاره وليله لساعات إضافية، ومتأسفاً على الأعوام المبكرة التي مضت من العمر دون أن يكون للقراءة والتوثيق والبحث نصيب. الإعلام الوطني الداخلي والخارجي ومنذ بداياته لم تتهيّأ له السمات الاحترافية المتمكنة والمرونة الإدارية الكافية التي تجعله يرتفع بالتطور المهني الراقي إلى مكانة أمته ودولته ومجتمعه.
وبعيداً عن التنظير، ستبقى الكواكب دون تغيير، لكن الدنيا هي التي تتطوّر، وتطبيقات الإعلام تتعرّض للتحديث عاماً بعد عام، وعالم النشر يتجدّد، وثورة التقنية والمعلومات تمر بمراحل متسارعة من الاختراعات، وكما أن البرقية والإذاعة والتلفزيون والأقمار الصناعية كانت أعجوبة القرن الماضي، فإن في الآفاق آياتٍ أكثر ذكاءً ستظهر، وعلى أرباب صنعة الإعلام أن يتكيّفوا مع جديد العصر، ويُطوّعوه وفق قيَم المجتمع ومبادئه، ويُوظّفوه توظيفاً واعياً في خدمة الأمة.
(نشر سابقاً في 19 فبراير «شباط» 2018)



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».