«مقارنات تأملية» بعيداً عن تعقيدات السياسة الفلسطينية

شارك فيه 65 فناناً بنحو 150 عملاً

الفنانة الشابة مرام أبو تيّم مع أحد الزائرين
الفنانة الشابة مرام أبو تيّم مع أحد الزائرين
TT
20

«مقارنات تأملية» بعيداً عن تعقيدات السياسة الفلسطينية

الفنانة الشابة مرام أبو تيّم مع أحد الزائرين
الفنانة الشابة مرام أبو تيّم مع أحد الزائرين

بدت علامات السعادة واضحة على وجه الفنانة الشابّة مرام أبو تيّم، وهي تشاهد المئات من أهالي قطاع غزة يندفعون بحبٍ نحو معرض «مقارنات تأملية» الفني، الذي تشارك فيه إلى جانب 64 فناناً فلسطينياً بعددٍ من الأعمال، التي تركز على إبراز أهمية تحرر الإنسان من كلّ القيود السلبية المحيطة وتحفزه للابتعاد عنها؛ كونها تساهم في الحدِ من أحلامه وطموحه.
بشغفٍ شديد كانت تستقبل الشابّة الزوار الذين أمّوا أرض المعرض بعد لحظاتٍ من افتتاحه على مقربة من شاطئ بحر مدينة غزة عند غروب شمس يوم السبت الماضي. تشرح لهم بإسهابٍ عن تفاصيل مشاركتها ولوحات المعرض، وتخبّرهم عن الرسائل التي أرادت إيصالها من أعمالها الفنية التي قضت شهوراً طويلة تعمل على إنجازها لإخراجها بأفضلِ صورة.
تقول في حديثٍ لـ«لشرق الأوسط»: «شاركتُ خلال الفترة الماضية في عدد كبير من المعارض المحلية، لكنّ هذه المرّة لها انطباع خاص؛ كون هذا المعرض يعدّ من أكبر المظاهرات الفنية التي تضم أعمالاً لكبار الفنانين الفلسطينيين، وتربط بينهم وبين الجيل الشاب»، موضحة أنّ فعالية اليوم رفعت شعار «غزة فن»، وهي رسالة للتأكّيد على أنّها غنية بالمواهب والقدرات التي يمكن أنّ تشكّل منفصلة حالة فنية خاصّة لها مكانة على الصعيدين العربي والدولي.
لطالما ارتبطت الحالة الفلسطينية الفنية بالواقع السياسي ومتغيراته، وكانت في كلّ مرحلة تعبر عن المقاومة وتتغنى بالشهداء وترسم لوحات الحرية للأرض والإنسان. تلك النمطية «المهمة» التي ظلّت رديفة الحالة الوطنية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، حاول هذا المعرض كسرها من خلال تركيزه على القضايا الحياتية وجوهر الإنسان ومشاعره، وفقاً لما ذكره مقيّم المعرض بهاء أبو دية لـ«الشرق الأوسط».
وبيّن أنّ الحدث الفني الذي يقوم على تنظيمه الاتحاد العام للمراكز الثقافية ومجموعة «محترف شبابيك» يستمر حتى نهاية الأسبوع، وجاء كنتاجٍ لمشروع حمل اسم «روابط معاصرة» تمّ تنفيذ أنشطته الفنية على مدار عام ونصف، مشيراً إلى أنّ المعرض يقسّم لثلاثة أقسام، أولها يضم أعمالاً فنية نحتية وتشكيلية تعالج الهم الاجتماعي ومعظمها من النوع الكلاسيكي المعروف لدى المشاهد وهي من إنتاج الجيل الشاب.
أمّا القسم الثاني، فأطلقنا عليه اسم «الرواد» وهو يضم أعمالاً لكبار الفنانين في قطاع غزة الذين ساهموا في تأسيس الحالة الفنية الفلسطينية، وساعدوا كذلك في بناء قدرات عدد من الشباب المشاركين في القسم الأول»، يردف أبو دية، لافتاً إلى أنّ القسم الثالث كسر كلّ القواعد الفنية وقدم أبعاداً أخرى للفن، وركز على طرح الأفكار ليس من خلال اللوحات التشكيلية والنحتية فقط، بل من خلال الفيديو والصورة والعناصر الطبوغرافية الأخرى.
يُعطي المعرض للمشاهد فرصة لتأمل الأعمال الفنية ويُدخله بمقارنة ذاتية يعيش تفاصيلها بسلاسة، ثم تفتح له الباب لاكتشاف العلاقة بين القضايا التي تجول في خاطره وبين ما أراد الفنانون إيصاله. وهذا ما ظهر فعلاً. إذا إنّ العديد من الزائرين تسمّروا لدقائق طويلة أمام لوحاتٍ معينة، وأخذوا يتابعون تفاصيل تشكيلها ويسألون عن المراحل التي مرّت بها، كما أنّ كثيرين التقطوا صوراً تذكارية معها.
في قسم «الرواد» داخل المعرض، كانت تقف الفنانة التشكيلية تهاني سكيك التي تنقّلت خلال السنوات الماضية بأعمالها الفنية بين عدد من الدول العربية، تروي لـ«الشرق الأوسط» أنّ مشاركتها اليوم إلى جانب هذا العدد الكبير من الفنانين قيّمة جداً؛ كونها تفتح المجال لبناء علاقات بين الجيل القديم والجيل الجديد الذي أبدت إعجابها به وبأدائه الفني، منبهة إلى أنّها شاركت بعملين تشكيليين تتنبأ خلالهما بمستقبلٍ أفضل وحياة زاهرة كما الألوان التي استخدمتها فيهما.



«ثيرابوت»… معالج نفسي بالذكاء الاصطناعي يحقق نتائج واعدة

«ثيرابوت»… معالج نفسي بالذكاء الاصطناعي يحقق نتائج واعدة
TT
20

«ثيرابوت»… معالج نفسي بالذكاء الاصطناعي يحقق نتائج واعدة

«ثيرابوت»… معالج نفسي بالذكاء الاصطناعي يحقق نتائج واعدة

في تطور قد يعيد رسم ملامح مستقبل العلاج النفسي، أظهرت تجربة سريرية حديثة أن روبوت محادثة (شات بوت) مدعوم بالذكاء الاصطناعي نجح في التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق لدى المرضى، مما يفتح آفاقاً جديدة لمعالجة النقص الحاد في عدد مقدمي خدمات الصحة النفسية حول العالم. وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

البحث الذي أجرته جامعة دارتموث الأميركية، ونُشرت نتائجه في مجلة «New England Journal of Medicine-AI»، استعرض أول تجربة سريرية على الإطلاق لمعالج نفسي افتراضي يُدعى «ثيرابوت»، تم تطويره خصيصاً لتقديم دعم علاجي مبني على أدلة علمية.

من الإخفاق إلى الإنجاز

رحلة تطوير «ثيرابوت» لم تكن سهلة، بل وُصفت من قِبل الفريق البحثي بـ«الإخفاقات الدرامية». فالنسخ الأولية من الروبوت كانت تعاني من مشكلات كبيرة، إذ أبدى النموذج الأول مشاعر يأس وأطلق تصريحات انتحارية، فيما بالغ النموذج الثاني في تحميل المسؤولية للوالدين في كل الحالات، على نحو ساخر وغير مهني.

وفي مواجهة هذه التحديات، قرر الباحثون إنشاء مجموعة بيانات تدريبية من الصفر، تضمنت مئات السيناريوهات العلاجية المستندة إلى جلسات علاج فعلي، لتعليم «ثيرابوت» كيفية التفاعل بشكل مهني وإنساني في آنٍ واحد.

نتائج مشجعة وفعالية ملموسة

بعد استخدام الروبوت لمدة ثمانية أسابيع، أظهرت النتائج تحسناً ملحوظاً في الحالة النفسية للمشاركين:

- انخفاض بنسبة 51 في المائة في أعراض الاكتئاب لدى بعض المستخدمين.

- تراجع مستويات القلق من متوسطة إلى خفيفة لدى عدد كبير من المشاركين.

- خروج بعض المستخدمين من التصنيف السريري للاضطرابات النفسية تماماً.

هذه النتائج لاقت ترحيباً حذراً من بعض المتخصصين. إذ أشار الدكتور جون توروس، مدير الطب النفسي الرقمي في مركز بيث إسرائيل ديكونيس، إلى أن الدراسة لم تقارن «ثيرابوت» بمعالج بشري أو حتى بروبوت آخر غير علاجي، ما يجعل من الصعب الجزم بتفوقه.

علاقة عاطفية بين الإنسان والروبوت

إحدى المفاجآت التي كشفت عنها التجربة هي تطور علاقة وجدانية بين المشاركين و«ثيرابوت». فقد أطلق بعض المستخدمين على الروبوت أسماء مثل «ثيرا»، وأرسلوا له رسائل للاطمئنان اليومي، بل وعبَّروا له عن مشاعر حب.

وعلى الرغم من غرابة الأمر، يرى الباحثون أن هذا التعلّق قد يكون مفيداً. فوجود رابطة عاطفية قوية بين المريض والمعالج هو مؤشر معروف على فعالية العلاج، حتى وإن كان المعالج روبوتاً.

ضوابط أمان واستجابة واقعية

أكد الباحثون أن «ثيرابوت» مزوّد بضوابط أمان صارمة. ففي حال رصد أي إشارات تدل على أفكار انتحارية أو ميول لإيذاء النفس، يقوم الروبوت على الفور بتوجيه المستخدم إلى خدمات الطوارئ والدعم النفسي المتخصصة.

وخلال التجربة، تمت مراجعة كل الرسائل التي أرسلها الروبوت يدوياً، لضمان دقة المحتوى وسلامته. ويأمل الفريق البحثي لاحقاً في تطوير نسخة مستقلة قادرة على العمل دون إشراف مباشر.

مستقبل العلاج النفسي... على مدار الساعة

ويأمل فريق جامعة دارتموث في أن يحصل «ثيرابوت» على تصاريح تنظيمية تتيح استخدامه بشكل موسّع، خصوصاً في المناطق التي تعاني من نقص في مقدمي خدمات الصحة النفسية. كما يتخيلون مستقبلاً يُستخدم فيه الروبوت مساعداً علاجياً إلى جانب المعالجين البشر.

يقول الدكتور مايكل هاينز، المؤلف الأول للدراسة: «المعالج البشري لا يكون دائماً موجوداً عندما تداهم المريض مشاعره... لكن الروبوت يمكنه أن يكون حاضراً في اللحظة الحاسمة، في منتصف الليل، أو قبل مواجهة مرهقة».

هل الروبوتات مستقبل العلاج النفسي؟

رغم التحفظات، يرى خبراء أن الذكاء الاصطناعي قد يكون جزءاً من الحل، وليس بديلاً كاملاً. وفي وقت تزداد فيه أعداد المحتاجين إلى الدعم النفسي، يبقى «ثيرابوت» نموذجاً واعداً يستحق التوقف عنده، وربما الاعتماد عليه مستقبلاً بوصفه جزءاً من منظومة علاجية هجينة تجمع بين الإنسان والآلة.