بإمكان رياضة التنس للسيدات على مستوى النخبة تعلم الكثير من بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات الأخيرة فيما يخص النضال القائم ضد التمييز على أساس النوع.
وإذا رغبت التعبير عن حجم شعبية كرة القدم للسيدات باستخدام أرقام، فإن الرقم الأكثر إبهاراً إذن 11.7 مليون، هذا عدد الأفراد داخل بريطانيا الذين تابعوا مباراة إنجلترا في الدور قبل النهائي ببطولة كأس العالم للسيدات أمام الولايات المتحدة عبر شاشات التلفزيون. وفي أيامنا الحالية المتميزة بغزارة القنوات والمنصات، يبدو هذا رقماً كبيراً حقاً، ويوحي بأنه على الأقل على المستوى الدولي، نجحت كرة القدم للسيدات أخيراً في الاستحواذ ليس فقط على اهتمام الرأي العام، وإنما كذلك خياله.
إلا أنه بطبيعة الحال لا يعني ذلك أن كرة القدم للسيدات في طريقها نحو منافسة كرة قدم الرجال في أي وقت قريب، وإنما ينبئ الأمر عن بعض المعلومات القليلة الأخرى.
بعد أن كان يجري النظر إليها كمزحة سخيفة أو تقليد مثير للشفقة لكرة قدم الرجال، نجحت كرة القدم للسيدات تدريجياً في اكتساب الاحترام في أوساط النساء والرجال. وبعد أن كانت مجالاً هامشياً غامضاً يثير الفضول، تحولت كرة القدم للسيدات اليوم إلى مجال جذاب ينتمي للتيار الرياضي الرئيسي. وبعد أن كانت عرضة من حين لآخر لممارسات تمييز متعمدة على أساس النوع على غرار تلك التي سادت الحقل الرياضي بأكمله، تمكنت كرة القدم للسيدات في إرساء أسس المساواة الحقيقية بين النوعين.
والمقصود هنا ليس المساواة في الأجر أو الشهرة، وإنما مستوى الأداء. قبل أي شيء، شهدت بطولة كأس العالم للسيدات تطبيق القواعد والتنظيمات ذاتها التي تطبق في أي بطولة للرجال، وهذا أمر بإمكان رياضة قادت النضال من أجل إقرار المساواة بين النساء والرجال في الحقل الرياضي، التعلم منه.
فيما مضى أثناء الحقبة السوداء لممارسات التمييز الجنسي في الرياضة، عندما كان يجري النظر إلى السيدات بصورة أساسية باعتبارهن مجرد مقلدات أو منافسات يجري الحكم عليهم من مظهرهن، عملت رياضة التنس بمثابة البوتقة لمعركة طويلة وإيجابية في الجزء الأكبر منها للفوز بالمساواة أمام اللاعبين الرجال. كانت تلك الفترة التي أطلق عليها «معركة الجنسين»، (لقب أطلق عام 1973 على المباريات التي جرى بثها تلفزيونياً بين بطل العالم السابق صاحب الأعوام الـ55) بوبي ريغز، وبطلة العالم للسيدات بيلي جان كينغ.
ومثلما أوضح الفيلم الذي أنتجته هوليوود مؤخراً عن المواجهة، هدف ريغز إلى دفع المواجهة بأكملها في دائرة الشوفينية. وقال: «السبيل الأمثل للتعامل مع النساء أن تبقيهن حوامل وعاريات الأقدام». في المساء، فازت كينغ في مباراة شهدت مواجهة غريبة، لكن الأهم عن ذلك أنها لعبت دوراً محورياً في المعاونة في تنظيم اللاعبات السيدات على نحو يمكنهن من تحقيق مساواة مالية مع الرجال داخل اللعبة.
وبعد سنوات نجد أن الفائز ببطولة الرجال في ويمبلدون هذا العام، نوفاك ديوكوفيتش، حصل على 2.3 مليون جنيه إسترليني. وحصلت الفائزة على بطولة السيدات، سيمونا هاليب، على المبلغ ذاته تماماً. وأصبح هذا المبدأ السائد لسنوات عدة الآن، ولم يعد هناك تمييز بين أجور الرجال والنساء في مستوى الصفوة في لعبة التنس. وأصبح هذا أمراً طبيعياً للغاية لدرجة أن مجرد طرح سؤال حول هذا الأمر يجعل صاحبه يبدو وكأنه ينتمي إلى عصر الديناصورات.
ومع ذلك، فإن ثمة خطأ في الأجر المتكافئ بين الرجال والسيدات، على الأقل فيما يخص بطولات «جراند سلام» الأربعة الكبرى. وتجلت المشكلة هذا العام في نهائيات الفردي في ويمبلدون، فقد استغرق ديوكوفيتش 4 ساعات و57 دقيقة لهزيمة روجر فيدرر في مباراة ملحمية شكلت اختباراً لجميع جوانب المتنافسين: المهارة والقدرة على التحمل والقوة الذهنية.
في المقابل، نجد أن هاليب أنجزت المباراة في 56 دقيقة فقط، ما يقل عن نهائي الرجال بأكثر من أربع ساعات. ومع أن اللاعبة الرومانية قدمت أفضل مباراة في حياتها واستحقت الفوز عن جدارة، تظل الحقيقة أن المباراة لم تستغرق سوى 56 دقيقة فقط. بالتأكيد لا أحد يحجز مقعداً له داخل الملعب الرئيسي في ويمبلدون بالساعة. ومن بين أسباب التباين أنه في إطار بطولات الجراند سلام الكبرى، عادة ما يلعب الرجال الجزء الأكبر من خمس مجموعات. على النقيض، نجد أن السيدات يلعبن مثلما يفعلن في أي بطولة أخرى، أي الجزء الأكبر من ثلاث مجموعات.
السؤال هنا: لماذا؟ هل تفتقد السيدات القدرة على الصمود لاجتياز خمس مجموعات؟ بالنظر إلى أن لاعبات التنس المحترفات هن رياضيات من الطراز الأول، كما أن النساء أثبتن قدرتهن الكاملة على المشاركة بنجاح في ماراثونات، أو اللعب لمدة 90 دقيقة بجانب الوقت بدل الضائع والوقت الإضافي في كرة القدم، فإن الإجابة يجب أن تكون لا.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ديوكوفيتش تعرض لهجوم حاد منذ ثلاث سنوات عندما صرح باعتقاده بضرورة تقاضي لاعبي التنس الرجال أكثر من السيدات. ورغم إقراره بأن هذه قضية حساسة، بدأ ديوكوفيتش في طرح حجته بقوله إنه يدعم نضال السيدات للحصول على أجر متكافئ. وقال: «أثني على جهودهن في هذا المجال. لقد حاربن من أجل ما يستحققن وفزن به».
إلا أنه على غرار تلك اللحظات المضللة داخل الملعب عندما يبدو اللاعب الصربي على وشك الانهيار، أضاف ديوكوفيتش: «على الجانب الآخر، أعتقد أنه في عالمنا الخاص بتنس الرجال، عالم اتحاد محترفي التنس، ينبغي أن نناضل من أجل تقاضي أجر أكبر بالنظر إلى أن الإحصاءات تكشف أننا نحظى بأعداد أكبر بكثير من الجماهير في مباريات للرجال».
وتبدو هذه حجة فجة، ومن الممكن أن تسقط بسهولة بمجرد ظهور مجموعة من اللاعبات صاحبات الشعبية، في الوقت الذي يعتزل فيدرر ونادال. وعليه، لم يكن من المثير للدهشة أن ديوكوفيتش ظهر في صورة الساعي لإحياء الوضع المميز للرجال.
ومع هذا، دعونا نعترف في هدوء أنه على مستوى قمة منافسات السيدات، يصبح المطلوب من اللاعبات أقل، وبالتالي تتراجع حدة المنافسات. ويمكنك أن تقول ما تشاء عن بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات، لكن ينبغي الانتباه إلى أنها جرت في خضم إطار إنساني درامي. وقد شهدت المستوى ذاته من المجهود الشديد واقتراب اللاعبين من حالة الإنهاك الكامل على غرار ما نعاينه في النسخة الرجالي من اللعبة.
وحال عدم حدوث ثورة سياسية عالمية، فإنه من غير المحتمل على الإطلاق أن يجري إقرار التساوي في الأجور بين لاعبي الكرة الرجال والنساء. ومع ذلك، يظل بمقدور المرء صياغة حجة مقنعة للدفاع عن ضرورة إقرار أجور متكافئة بين الاثنين بالإشارة إلى أنهما يقومان بالفعل بالعمل ذاته، (أساس للحجة يبدو مشروعاً تماماً). في المقابل، ليس بمقدورنا الدفع بالحجة ذاتها بمجال التنس، خاصة بطولات الجراند سلام. إن الدعوة لإقرار الأجر المتكافئ عن العمل المتكافئ أمر نبيل، لكنها لا تنطبق اليوم على عالم التنس.
من جهته، سبق وأن أعرب ريغز، الذي كان بمثابة النموذج الأكبر على الشوفينية الذكورية بمجال التنس، عن اعتقاده بخصوص ما يعتبره مشكلة في تنس السيدات، وقال: «يعتقد هؤلاء السيدات أنهن رجال، وينطلقن في ضرب الكرة بكل مكان. إلا أنه سيكون الوضع أفضل لو أنهن لعبن مثل النساء». وتكمن المفارقة في أنهن رغم هزيمتهن له، لا تزال سيدات التنس يتبعن نصيحته.
هل تستحق بطولات السيدات المساواة مع مثيلتها للرجال في الأجور؟
النهائي الملحمي بين ديوكوفيتش وفيدرر في ويمبلدون كشف عيوباً خطيرة بالمعايير
هل تستحق بطولات السيدات المساواة مع مثيلتها للرجال في الأجور؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة