اليابان استوردت الأرز وجعلته سيدة مائدتها

كانت الغالبية نباتية حتى عام 1920

اليابان استوردت الأرز وجعلته سيدة مائدتها
TT

اليابان استوردت الأرز وجعلته سيدة مائدتها

اليابان استوردت الأرز وجعلته سيدة مائدتها

للطعام والمطبخ في اليابان دور كبير وتاريخي في التراث الياباني، وهما جزأ لا يتجزأ من حياة الناس اليومية. وهناك كثير من المواصفات والعلامات الفارقة والمهمة لهذا المطبخ مثل آداب الطعام وأدواته ومكوناته الأساسية كالسوشي والأرز والسمك والصويا والتافو والطحالب البحرية. فما جذور هذه الفوارق والمميزات والمحطات التاريخية لهذا المطبخ الراقي والفريد؟
كثير من الناس والخبراء يقولون إن اليابان جزيرة ولذا درج الفقراء وعامة الناس على أكل الأرز والسمك وكانت مواد الطعام المكلفة والمتنوعة حكرا على الطبقات العليا والأغنياء، وتؤكد الحفريات والآثار هذه المسألة، إذ تشير إلى أن اعتماد اليابانيين على الأرز والسمك في طعامهم يعود إلى العصر الحجري الجديد. وهذا صحيح إلى حد ما وفي فترات معينة، إذ تشير كثير من المعلومات المتوفرة أيضا إلى أن 90 في المائة من السكان كانوا نباتيين حتى عام 1920، ولم يأكلوا السمك إلا في المناسبات المهمة والأعياد إما بسبب الفقر وإما بسبب الفلسفة البوذية. كما أن الأرز لم يكن المادة الأساسية لليابانيين في كثير من الفترات، إذ كان من الصعب استيراده من المناطق التي يزرع فيها بكثرة وكان الناس يخلطون الأرز بالذرة البيضاء تعويضا لهذا النقص في القرن التاسع عشر، وبعد ذلك ازداد استهلاك المعكرونة أو النودل والخبز وقل الاعتماد على الأرز.
تعود جذور النباتية في اليابان إلى فترة كوفون (بين القرن الثالث والسابع ميلادي) وبالتحديد نهاية القرن السابع ميلادي التي انتقلت فيها البوذية من الصين إلى اليابان حيث أعلن إمبراطور تيمو آنذاك إعدام أي شخص يتناول لحم الماشية أو الخيل أو الكلاب أو القردة أو الدجاج بين شهري أبريل (نيسان) وسبتمبر (أيلول). ومع البوذية دخلت عيدان الأكل إلى البلاد وكان استخدامها حكرا على طبقة النبلاء في البداية ولم تصل إلى الطبقات الدنيا إلا في القرن التاسع في فترة تانغ. ومع هذا لم تحرم لحوم الغزلان وبعض الحيوانات الأخرى التي كانت جزءا من الحمية اليابانية آنذاك.
تحريم لحم الثدييات وغيرها، لم يمنع سكان الجبال من مواصلة صيد الطيور وإدخالها في حمايتهم، وكانت بعض من لحوم هذه الطيور البرية تصل لبعض سكان المناطق الحضرية بالطبع.
في فترة هيان (794 - 1185 ميلاديا) التي طغت عليها البوذية والتاوية، تحول المجتمع الياباني من شبه مجتمع صيادين إلى مجتمع مزارعين، وبشكل خاص بدأت عمليات زرع الأرز واستحصاله على نطاق واسع. وفي منتصف القرن الثامن، حرمت الإمبراطورة كوكين كل أنواع الصيد وعوضت الصيادين الذين فقدوا سبل العيش عن خسارتهم بالأرز.
وبين القرنين الثامن والتاسع، بدأت طبقة النبلاء باستخدام الطاولة والملاعق المعدنية وبينما كان يطلق على طاولات النبلاء ذات الأرجل اسم الـ«زن»، كانت طاولات الفقراء من دون أرجل وتسمى أوشيكي، كما كان لكل فرد طاولته الخاصة به.
في فترة تانغ الصينية في القرن التاسع، بدأت ملامح المطبخ الياباني بالبزوغ مع انتشار السمك المشوي والخضار المبخرة والمخللات، وانحسر استخدام الملاعق المعدنية لحساب عيدان الأكل.
بعد القرن التاسع، كثر استخدام السمك واللحم المشوي (ياكيمونو) وشوربات الخضار واللحم والسمك (اتسومونو) والأطعمة المطبوخة على البخار (موشيمونو)، والأطعمة المطهية (نيمونو) والأسماك الهلامية (نيكوجوري).
كما بدأ اليابانيون يتناولون شرائح السمك النيئ مع الخل، وكثر استخدام الطحالب البحرية والمخللات وقل استخدام الزيوت خصوصا زيت السمسم. كما اعتمد الناس على ثلاثي الملح والخل وفول الصويا المخثر (هيشيو) لغمس اللحوم أو الخضار فيها.
وباختصار فقد أكثر الناس في هذه الفترة من تناول شتى أنواع السمك وخصوصا الشبوط والسلمون، واعتمدوا على الحلوى الصينية والفاكهة كالعناب والخوخ والمشمش والخرمة والحمضيات والمكسرات، وخصوصا الصنوبر والكستناء والجوز المجفف.
في فترة كاماكورا (1185 - 1333) وضع النبلاء تحت سيطرة الطبقات الأفقر منهم كمحاربي الساموراي والعسكر، ومع انقلاب الترتيب الاجتماعي والطبقات انقلبت العادات المطبخية وتغيرت طبيعة المآدب، وفي هذه الفترة كانت الولائم الكبيرة مكروهة وأصبحت قناديل البحر والمخللات والأرز شعبية لبساطتها وتوافرها لعامة الناس. يمكن وصف هذه الفترة بفترة العسكر أو فترة الساموراي ذي الجذور الفلاحية. ولهذا ركز المطبخ على البساطة، وتجنب الدقة والفخامة والاحتفالية.
وفي هذه الفترة توغلت الفلسفة البوذية في النسيج الاجتماعي وترسخت وقويت في أوساط الفلاحين ومع اقتراب الطبقات من بعضها تعرض أصحاب المسالخ للاضطهاد وكثر التمييز ضدهم. وقد أدى هذا التمييز إلى إيجاد طبقة جديدة وهي طبقة البوراكومين (أهالي القرى). وكانت تعتبر هذه الطبقة من الطبقات المنبوذة في أسفل النظام الاجتماعي التقليدي في اليابان، إذ كان أبناؤها من أصحاب المهن التي تعتبر نجسة أو ملوثة بالموت كالجزارين والدباغين وأصحاب المسالخ والعاملين فيها.
وفي هذه الفترة أيضا انتشرت ظاهرة الأطباق الصغيرة والكثيرة، أو الرفض لوضع الطعام كله في صحن واحد أو قدر واحد خلال الوجبة اليابانية ويأتي هذا من تبني أسلوب الأكل الصيني الكلاسيكي وآداب حفلات الشاي التي يطلق عليها اسم تشاغي.
وفي فترة إيدو (1603 - 1868) التي تمتعت بالنمو الاقتصادي والنظام الاجتماعي الصارم والسياسات الخارجية الانعزالية والاستقرار السكاني والفنون والثقافة وحفلات الشاي، كان الأرز عماد الاقتصاد إذ كان 80 في المائة من السكان من مزارعيه.
ومع هذا، انتشرت المطاعم الفاخرة، ومع الطفرة في عدد السكان انتشرت أسواق الشارع على نطاق واسع ولعبت دورا كبيرا في تطوير تقنيات المطبخ الياباني عامة مع ازدياد التنافس. وعلى هذا كثرت الوجبات الجاهزة أيضا وأصبح طعام المعابد الـ«صوبا» متاحا للجميع. ويقال إن الملوك الأربعة للمطبخ في هذه الفترة: الحنكليس والصوبا والتامبورا والسوشي.
ورغم الانفتاح التجاري في منتصف القرن التاسع عشر الذي سمح للسفن الغربية بزيارة اليابان وإدخال البريطانيين الكاري إلى اليابان ووصول بعض المكونات الجديدة، فلم يتعرض المطبخ الياباني لتغيرات كبيرة وبقي على جوهره بشكل عام.
لكن مع ظهور التسويق التجاري في القرن الماضي أصبح الطعام الياباني أكثر تغريبا ودخلت كثير من معالم المطابخ الغربية، وخصوصا الأميركية، على المشهد العام.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.