«إكسون موبيل» تطالب بإزالة «عراقيل إدارية» لمشروعاتها في روسيا

بوتين يجمد التسهيلات الضريبية للقطاع النفطي وتحذيرات من تأثيراته

طلبت شركة «إكسون موبيل» من الحكومة الروسية إزالة «عراقيل إدارية» تهدد بعدم تمكنها من إنجاز مشروعاتها في المهلة المحددة (رويترز)
طلبت شركة «إكسون موبيل» من الحكومة الروسية إزالة «عراقيل إدارية» تهدد بعدم تمكنها من إنجاز مشروعاتها في المهلة المحددة (رويترز)
TT

«إكسون موبيل» تطالب بإزالة «عراقيل إدارية» لمشروعاتها في روسيا

طلبت شركة «إكسون موبيل» من الحكومة الروسية إزالة «عراقيل إدارية» تهدد بعدم تمكنها من إنجاز مشروعاتها في المهلة المحددة (رويترز)
طلبت شركة «إكسون موبيل» من الحكومة الروسية إزالة «عراقيل إدارية» تهدد بعدم تمكنها من إنجاز مشروعاتها في المهلة المحددة (رويترز)

قالت شركة «إكسون موبيل» إنها تعاني في روسيا من «عراقيل إدارية»، تهدد بعدم تمكنها من إنجاز مشروعاتها في المهلة المحددة، وطلبت من الحكومة الروسية تعديل فقرات قانون التجارة والشحن البحري لإزالة تلك العراقيل. إلى ذلك قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجميد تدابير منح تسهيلات ضريبية جديدة لمشروعات الإنتاج النفطي، إلى حين القيام بعملة جرد شاملة لتلك المشروعات، بغية تحديد جدواها الاقتصادية.
ورأى مراقبون أن العراقيل التي تتحدث عنها «إكسون موبيل»، فضلاً عن وقف الدعم الحكومي للقطاع النفطي، يهددان تنفيذ خطة بوتين بشأن توفير 80 مليون طن من المنتجات لنقلها عبر ممر البحر الشمالي، الذي تحاول روسيا تنشيط النقل التجاري عبره.
ووجه غلين وولر، مدير فرع «إكسون موبيل» في روسيا، رسالة مطلع يوليو (تموز) الجاري إلى مكسيم أكيموف، نائب رئيس الحكومة الروسية، طلب فيها إزالة «عراقيل إدارية» تؤثر على عمل الشركة. وقالت صحيفة «كوميرسانت» الروسية إن وولر أشار في نص الرسالة إلى قانون التجارة والشحن البحري الروسي، الذي بدأ العمل به منذ مطلع العام الماضي، وقال إن بعض فقراته تهدد بتعطيل تنفيذ مشروع حقل «سخالين - 1» للنفط والغاز، وبالتالي هدر روسيا ملايين الدولارات، نظراً لأن المشروع يجري تنفيذه على أساس اتفاق مشاركة الإنتاج.
ويدور الحديث بصورة خاصة عن فقرات القانون التي تحظر استخدام منصات تنقيب عائمة، وسفن كشف زلزالي، لا تحمل العلم الروسي، لتنفيذ الأعمال على الجرف القاري الروسي. وطالب وولر في رسالته الحكومة الروسية بتعديل هذه الفقرات، نظراً لعدم توفر ما يكفي من المنصات والسفن تحت العلم الروسي، والسماح باستخدام سفن أجنبية.
ويُعد مشروع «سخالين - 1» لإنتاج النفط والغاز، على الجرف القاري شمال شرقي جزيرة سخالين أقصى شرق روسيا، المشروع الأكبر من نوعه في روسيا مع استثمارات أجنبية مباشرة. ويضم ثلاثة حقول، يقدر الاحتياطي فيها بنحو 2.3 مليار برميل نفط (أو 307 ملايين طن)، و485 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وتقوم شركة «إكسون نفط غاز ليميتيد»، فرع «إكسون موبيل»، بتنفيذ المشروع. وتتقاسم أسهمه مجموعة شركات ضمن كونسيرتيوم دولي، في مقدمتها الشركة التنفيذية «إكسون موبيل» بنسية 30 في المائة، و«روسنفت» الحكومية الروسية بنسبة 20 في المائة، وكذلك 20 في المائة لشركة النفط والغاز الهندية «أو إن جي سي»، و30 في المائة لشركة النفط اليابانية «سوديكو». وتم توقيع الاتفاقية مع الكونسيرتيوم الدولي عام 1995. ويتوقع أن يستمر الإنتاج في المشروع حتى منتصف القرن الحالي.
ونظراً لأهمية هذا المشروع، بما في ذلك قدرته على توفير كميات إنتاج ضخمة تنشط النقل التجاري عبر ممر البحر الشمالي، بما يتوافق مع دعوة بوتين لزيادة النقل عبره حتى 80 مليون طن سنوياً، تأمل «إكسون موبيل» أن تستجيب الحكومة الروسية لطلبها، وأشارت في رسالتها إلى أن وزارة النقل أعدت مشروع تعديلات على نص القانون لعرضه على الحكومة. ويعزز الأمل بذلك استثناءات من نص القانون حصلت عليها شركة النفط الروسية «نوفاتيك» عام 2017. حين اشتكت من فقراته التي تلزم الشركات بنقل النفط والغاز والفحم على متن سفن تجارية تحمل العلم الروسي فقط. حينها أصدرت الحكومة قراراً سمحت بموجبه للشركة باستخدام 26 سفينة شحن لا تحمل العلم الروسي، تقوم حتى عام 2044 بنقل الغاز المسال والمكثفات عبر ممر البحر الشمالي.
في شأن آخر متصل بالإنتاج النفطي في روسيا، أعلن الرئيس الروسي عن تجميد مؤقت على الدعم الحكومي للقطاع النفطي حتى نهاية العام الجاري. وبعد أيام على اجتماع ترأسه حول «تحفيز القطاع النفطي»، أصدر بوتين تعليمات للحكومة الروسية لتنفيذ جملة مهام خلال مهلة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول). ووفق ما جاء على الموقع الرسمي للكرملين، كلف بوتين رئيس الحكومة القيام بعملية «جرد الحقول النفطية التي جرى تطويرها، لجهة الجدوى الاقتصادية لتنميتها في ظل الظروف الضريبية الحالية»، وبناء على نتائج عملية الجرد «وضع معايير موحدة والمبررات الاقتصادية وآليات تقديم الدعم الحكومي للحقول التي يجري تطويرها». وإلى حينه «فرض حظر على تدابير دعم حكومي جديدة خلال تطوير الحقول النفطية».
ولم تعلق شركات النفط الروسية الكبرى على تلك القرارات. إلا أن مصدراً من واحدة من تلك الشركات قال لصحيفة «آر بي كا» الروسية إن «تجميد الدعم الحكومي للإنتاج النفطي يهدد تنفيذ المرسوم الرئاسي حول زيادة حجم المنتجات التي يتم شحنها عبر ممر البحر الشمالي حتى 80 مليون طن بحلول عام 2024»، وأشار المصدر إلى أنه كان من شأن مشروعات «روسنفت» و«نفظ غاز هولدينغ» و«فوستوك أويل» لوحدها أن توفر 50 إلى 100 مليون طن منتجات سنوياً لشحنها عبر هذا الممر البحري، وحذر من أنه «إن توقف الدعم فإننا سنخسر هذا الحجم، وسيكون الإنتاج النفطي هناك موضع شك». وعبر عن قناعته بأن دعم تلك المشروعات من شأنه توفير دعم لقطاعات أخرى منها بناء السفن والتعدين».
وعلى مستوى الخبراء، أشار إيغور يوشاكوف، كبير المحللين في صندوق أمن الطاقة الوطني، إلى أن الشركات النفطية الروسية الكبرى طالبت أكثر من مرة بتسهيلات ضريبية، وعبر عن قناعته بأن «قرار تجميد الدعم منطقي» ورأى أنه يمثل «رد فعل فلاديمير بوتين على الجدل المستمر بين وزارة المالية الشركات النفطية، لا سيما «روسنفت» التي طالبت بتسهيلات ضريبية لمشروعاتها في القطب الشمالي، بقيمة 2.6 تريليون روبل. ورجح أن بوتين يريد من خلال قراراته هذه وضع تصور واضح بما يجري في القطاع النفطي، والمشروعات الخاسرة أو المربحة، وتأثير وقف الدعم على تنفيذها، وعليه اتخاذ القرار بشأن منح المزيد من التسهيلات الضريبية.
وكانت الحكومة الروسية قدمت تسهيلات ضريبية لقطاع الإنتاج النفطي، لا سيما للمشروعات في المناطق المعقدة، مثل أقصى الشمال بالقرب من القطب الشمالي، وسيبيريا. وطلب إيغور سيتشين من الرئيس بوتين مطلع العام الجاري تسهيلات إضافية لأعمال تطوير حقل «بريبوسكوي» النفطي الأضخم بحجم إنتاجه في روسيا، ويقع في الأجزاء الغربية من سيبيريا.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.