الحكومة المكسيكية تتهم «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي

الدار ترد بأن ما ظهر في أزيائها مجرد {اقتباس فني}

من تشكيلة الدار لـ«كروز 2020»
من تشكيلة الدار لـ«كروز 2020»
TT

الحكومة المكسيكية تتهم «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي

من تشكيلة الدار لـ«كروز 2020»
من تشكيلة الدار لـ«كروز 2020»

بماذا يدين العقّاد للجاحظ؟ أو بيكاسو ودالي لعبقري عصر النهضة ليوناردو دافنشي؟ وهل من حقوق متوجبة لسرفانتيس على غارسيّا ماركيز، أو لشكسبير على جون كيتس؟ أسئلة لا بد من طرحها كلّما أثير موضوع الانتحال الفني أو الأدبي، أو الاستقاء من مناهل الذين سبقونا في الابتكار والإبداع.
وليس عالم الأزياء، الذي أصبح من الدعائم الأساسية للاقتصاد في بلدان كثيرة، بغريب عن الجدل الذي يدور حول هذا الموضوع. أحد الفصول الأخيرة في هذا الجدل جاء من المكسيك، وبالتحديد من وزارة الثقافة التي وجّهت كتاباً إلى دار الأزياء العالمية «كارولينا هيريرا»، تتهمها فيها بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية ظهرت في مجموعة أزيائها الأخيرة، التي أشرف عليها المدير الفنّي الجديد الشاب نيس غوردون.
وتقول وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو، في رسالتها، إن بعض تصاميم المجموعة الأخيرة التي عرضتها دار «كارولينا هيريرا» منسوخة من «الرؤية الكونيّة» لبعض الشعوب الأصلية في المكسيك، وتطلب من صاحبة الدار كارولينا هيريرا ومديرها الفني تفسيراً علنيّاً للأسباب التي حدت بهما إلى استخدام هذه العناصر الثقافية، وتسأل إذا كان السكّان الأصليون الذين تشكّل هذه العناصر جزءاً أساسياً من تراثهم سيستفيدون من مبيعات هذه المجموعة، أم لا.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الفساتين التي ظهرت في العرض الأخير، تحمل مطرّزات بألوان زاهية لأشكال حيوانية متشابكة مع زهور وأغصان مأخوذة عن الملابس التي يستخدمها سكّان منطقة تينانغو دوريا في المناسبات الاحتفالية، وهي مطرّزات تحكي تاريخ أولئك السكان وتحمل رسومها معاني شخصية وعائلية خاصة بهم. كما أن مطرّزات أخرى بأشكال زهور على أقمشة داكنة في المجموعة مقتبسة من تراث القبائل التي استوطنت مقاطعة واخاكا منذ القدم.
وتعتبر الوزيرة المكسيكية أن هذا الوضع يستدعي مناقشة عالمية حول الحقوق الثقافية للشعوب الأصلية، «لأنها مسألة أخلاقية تلزمنا لفت الانتباه لطرح هذا الموضوع الذي لم يعد يحتمل التأجيل ولا المماطلة، وتقتضي منّا تسليط الضوء على الذين عاشوا حتى الآن في الظلّ».
قضيّة «كارولينا هيريرا» مع الرسوم المكسيكية ليست الأولى في عالم الأزياء، فمنذ أشهر سجلت كيم كارداشيان عبارة «Kimono» علامة تجارية لمجموعتها الأخيرة من الملبوسات الداخلية في الولايات المتحدة، فأثارت عاصفة من الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر عشرات الآلاف من اليابانيين أن ذلك يشكّل تعدّياً على أحد رموزهم الوطنية. كانت الحملة قوية إلى حد أن كارداشيان اضطرت للاعتذار والتراجع عن خطوتها. وفي أواخر العام الماضي، قررت دار «Nike» للملبوسات والأدوات الرياضية سحب أحد أحذيتها من السوق بعد أن احتجت مجموعة «Guna» للسكان الأصليين في باناما على «سرقة» تصميم الحذاء من رسوم «Mola» التي تعتبر جزءاً من تراثها الفولكلوري.
وفي عام 2017، قدّمت دار «شانيل» خلال عرض أزيائها للربيع والصيف مجموعة من الإكسسوارات، من بينها أداة «بوميرانغ» خشبية تحمل شعار الدار بثمن يزيد على ألفي دولار. أثار الأمر غضب سكان «ماوري» الأصليين في أستراليا الذين يستخدمون هذه الأداة منذ آلاف السنين للصيد من أجل البقاء والدفاع عن أنفسهم بوجه الحيوانات المفترسة. كما أن دار «لويس فويتون» الفرنسية سبق لها أن تعرّضت لتنبيهات وانتقادات من السلطات المكسيكية لاقتباساتها المتكررة من تراث الشعوب الأصلية في المكسيك لتصميم منتوجاتها من الحقائب الجلدية والألبسة.
عشرات الدور الأخرى مثل «مانغو» و«إيزابيل مارانت» و«مايكل كورس» و«إيتوال» تعرّضت في السنوات الأخيرة لانتقادات مجموعات السكان الأصليين في أميركا اللاتينية وأفريقيا، طالب بعضها بتعويضات مالية لم يُعرف بعد ماذا كان مآلها. وثمّة حالة ما زالت في انتظار بتّها أمام القضاء بعد الشكوى التي تقدّمت بها إحدى القبائل في جنوب أفريقيا ضد دار «جيفنشي» الفرنسية، تتهمها فيها بانتحال الرسوم التراثية على أزيائها التقليدية لتصميم إحدى مجموعاتها. ناهيك بالقضايا التي تواجه دار «زارا» الإسبانية بتهمة انتحال تصاميم لدور عالمية أخرى. حتى دار «نستلة» العملاقة لصناعة المواد الغذائية استخدمت تصاميم التراث المكسيكي لتسويق بعض منتوجات الشوكولاته.
في حالة «كارولينا هيريرا» وبعد يومين من الإعلان عن رسالة الوزيرة المكسيكية، ردّ مصممها الشاب غوردون قائلاً إن مجموعة «ريزورت 2020 الأخيرة هي (تكريم للثقافة المكسيكية الغنيّة ولمنتوجاتها الحرفية الرائعة)». وأضاف: «المكسيك حاضرة بقوة في هذه المجموعة، وقد حرصت على إبراز هذا التراث دليلاً على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».
وأشار غوردون إلى أن إعجابه بالأعمال الحرفية عموماً ازداد على مر السنوات بفضل زياراته المتكررة إلى المكسيك، وأنه قرر إبراز هذه الأعمال في تشكيلته الأخيرة أيضاً لتسليط الضوء على ثراء هذا التراث الثقافي. لكن المدير الفنّي للدار الذي تولّى منصبه منذ أقل من عامين إثر انكفاء صاحبتها عن التصميم بعد 37 عاماً من الإبداع المتواصل، لم يوضّح ما إذا كانت الشعوب الأصلية التي اقتبس من رسومها التراثية وملابسها التقليدية سوف تستفيد أو لا من مبيعات المجموعة الجديدة.
وتعمل الحكومة اليسارية في المكسيك حالياً على وضع تشريعات جديدة تحول دون تكرار مثل هذا الانتحال الثقافي، حيث ينكبّ مجلس الشيوخ على مناقشة مشروع قانون لحماية الحقوق الثقافية للشعوب الأصلية والأفرومكسيكية. ويهدف المشروع إلى تعديل القانون الحالي للملكية الفكرية من أجل منع مصممي الأزياء من استخدام تراث هذه الشعوب من غير موافقتها.
وتقول رئيسة لجنة الثقافة في مجلس الشيوخ المكسيكي، وهي من مقاطعة واخاكا، إن القانون يعيد ملكية التراث الفني والثقافي للشعوب الأصلية. وتضيف: «على السوق أن تدرك أن هذه الرسوم والتصاميم ليست مجرد خطوط، بل تجسّد رؤية متكاملة للكون وللحياة عند هذه الشعوب القديمة التي تطالب بالاحترام وليس بالمال، ومن باب الاحترام يجب أن يأتي إليها المبدعون والفنانون ليطلبوا الإذن منها قبل اقتباس تراثها».
ويحفظ نص القانون الجديد حق الشعوب الأصلية في توقيع اتفاقات مع المصممين لاستخدام الرسوم التراثية والعناصر الحرفية، على غرار الاتفاق الذي وقعته شركة المفروشات الفاخرة «رزش بوبوا» (Roche Bobois) منذ سنوات مع السكان الأصليين، بحيث يحصلون على نسبة مئوية من سعر كل قطعة مبيعة، أو الاتفاق الذي بموجبه تدفع المصممة المكسيكية كارلا فرنانديز مبلغاً من مبيعاتها للشعوب الأصلية التي تقتبس تصاميمها من تراثها.
القضية مرشحة لمزيد من التفاعل فيما يستمرّ الجدل بين المؤيدين والمعارضين ويحتدم النقاش حول ماهيّة التراث الثقافي وعلاقة الإبداع الفني به. ثمّة من يعتبر أن التراث الثقافي، كالثقافة ذاتها، محكوم بالفناء والاندثار خارج دائرة التفاعل الفكري والترافد الفني، ولا يجوز تحويله إلى سلعة وإخضاعه لمقتضيات العرض والطلب في السوق التجارية. وثمّة من يرى أن القضية، كغيرها، تخضع لموازين القوى بين الأطراف المعنية، ولا يجوز أن يُسمح للطرف القوي بالاستيلاء على رموز التراث الثقافي للطرف الضعيف، والمفاخرة بأن الفضل يعود له بالتعريف عنها وترويجها، بينما في الواقع يستغلها سلعة تجارية لمنفعته الخاصة.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية تنشطان منذ عامين في التفاوض حول اتفاقية دولية لحماية التراث الثقافي التقليدي وتنظيم الاستفادة من محتواه لأغراض تجارية. ويعود ذلك بشكل أساسي للصحوة التي شهدتها الشعوب الأصلية في العقود الثلاثة الماضية، وما رافقها من وعي بأهمية تراثها وحقها في الدفاع عنه، وما نشأ عن ذلك من اتفاقات ومعاهدات دولية.


مقالات ذات صلة

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق عارضة أزياء تعرض إبداعات المصممة الإسبانية أجاثا رويز دي لا برادا خلال  أسبوع كيتو للموضة (إ.ب.أ)

لماذا نحتاج إلى التوقف عن شراء الملابس؟

في الشهر الماضي، تصدرت مقدمة برنامج «بلو بيتر» السابقة وكاتبة قصص الأطفال البريطانية، كوني هوك، عناوين الأخبار عندما كشفت أنها لم تشتر أي ملابس منذ 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
TT

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن الأوضاع لن تكون جيدة في عام 2025. فالركود الاقتصادي مستمر، وسيزيد من سوئه الاضطرابات السياسية وتضارب القوى العالمية.

حتى سوق الترف التي ظلت بمنأى عن هذه الأزمات في السنوات الأخيرة، لن تنجو من تبعات الأزمة الاقتصادية والمناوشات السياسية، وبالتالي فإن الزبون الثري الذي كانت تعوّل عليه هو الآخر بدأ يُغير من سلوكياته الشرائية. مجموعات ضخمة مثل «إل في إم آش» و«كيرينغ» و«ريشمون» مثلاً، وبالرغم من كل ما يملكونه من قوة وأسماء براقة، أعلنوا تراجعاً في مبيعاتهم.

أنا وينتور لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

لكن ربما تكون بيوت بريطانية عريقة مثل «مالبوري» و«بيربري» هي الأكثر معاناة مع قلق كبير على مصير هذه الأخيرة بالذات في ظل شائعات كثيرة بسبب الخسارات الفادحة التي تتكبدها منذ فترة. محاولاتها المستميتة للبقاء والخروج من الأزمة، بتغيير مصممها الفني ورئيسها التنفيذي، لم تُقنع المستهلك بإعادة النظر في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير لم يتقبله. استراتيجيتها كانت أن ترتقي باسمها لمصاف باقي بيوت الأزياء العالمية. وكانت النتيجة عكسية. أثبتت أنها لم تقرأ نبض الشارع جيداً ولا عقلية زبونها أو إمكاناته. وهكذا عِوض أن تحقق المراد، أبعدت شريحة مهمة من زبائن الطبقات الوسطى التي كانت هي أكثر ما يُقبل على تصاميمها وأكسسواراتها، إضافة إلى شريحة كبيرة من المتطلعين لدخول نادي الموضة.

المغنية البريطانية جايد ثيروال لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

هذا الزبون، من الطبقة الوسطى، هو من أكثر المتضررين بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن إمكاناته لم تعد تسمح له بمجاراة أسعار بيوت الأزياء التي لم تتوقف عن الارتفاع لسبب أو لآخر. بينما يمكن لدار «شانيل» أن ترفع أسعار حقائبها الأيقونية لأنها تضمن أن مبيعاتها من العطور ومستحضرات التجميل والماكياج وباقي الأكسسوارات يمكن أن تعوض أي خسارة؛ فإن قوة «بيربري» تكمن في منتجاتها الجلدية التي كانت حتى عهد قريب بأسعار مقبولة.

المعطف الممطر والأكسسوارات هي نقطة جذب الدار (بيربري)

«مالبوري» التي طبّقت الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات، اعترفت بأن رفع أسعارها كان سبباً في تراجع مبيعاتها، وبالتالي أعلنت مؤخراً أنها ستعيد النظر في «تسعير» معظم حقائبها بحيث لا تتعدى الـ1.100 جنيه إسترليني. وصرح أندريا بالدو رئيسها التنفيذي الجديد لـ«بلومبرغ»: «لقد توقعنا الكثير من زبوننا، لكي نتقدم ونستمر علينا أن نقدم له منتجات بجودة عالية وأسعار تعكس أحوال السوق».

الممثل الآيرلندي باري كيغن في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

«بيربري» هي الأخرى بدأت بمراجعة حساباتها؛ إذ عيّنت مؤخراً جاشوا شولمان، رئيساً تنفيذياً لها. توسّمت فيه خيراً بعد نجاحه في شركة «كوتش» الأميركية التي يمكن أن تكون الأقرب إلى ثقافة «بيربري». تعليق شولمان كان أيضاً أن الدار تسرّعت في رفع أسعارها بشكل لا يتماشى مع أحوال السوق، لا سيما فيما يتعلق بمنتجاتها الجلدية. عملية الإنقاذ بدأت منذ فترة، وتتمثل حالياً في حملات إعلانية مبتكرة بمناسبة الأعياد، كل ما فيها يثير الرغبة فيها.