«سامبا» تتوقع نمو الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية إلى 2.6% في 2019

استناداً إلى بيانات الربع السنوي الأول من العام الحالي تبدي «سامبا» نظرته التفاؤلية حيال الحساب المالي في ظل تنامي فرص الاستثمار على أرض السعودية (الشرق الأوسط)
استناداً إلى بيانات الربع السنوي الأول من العام الحالي تبدي «سامبا» نظرته التفاؤلية حيال الحساب المالي في ظل تنامي فرص الاستثمار على أرض السعودية (الشرق الأوسط)
TT

«سامبا» تتوقع نمو الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية إلى 2.6% في 2019

استناداً إلى بيانات الربع السنوي الأول من العام الحالي تبدي «سامبا» نظرته التفاؤلية حيال الحساب المالي في ظل تنامي فرص الاستثمار على أرض السعودية (الشرق الأوسط)
استناداً إلى بيانات الربع السنوي الأول من العام الحالي تبدي «سامبا» نظرته التفاؤلية حيال الحساب المالي في ظل تنامي فرص الاستثمار على أرض السعودية (الشرق الأوسط)

رفعت مجموعة سامبا المالية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال العام الحالي في السعودية ليبلغ 2.6 في المائة، مقارنة مع 2.2 في المائة في وقت سابق، مدفوعاً بالتحسّن الذي طرأ على النشاط الاقتصادي في البلاد، في ظل عدد من التطورات الإيجابية التي شهدها الاقتصاد المحلي والمرتبطة بتنامي تأثير ترشيد الإنفاق الحكومي الصارم، والانخفاض المُحتمل لأسعار الفائدة، إلى جانب المؤشرات الإيجابية التي سجلها ميزان المدفوعات خلال الربع الأول من العام الحالي.
وأوضحت «سامبا» في تقريرها التحليلي «المرصد الاقتصادي» لشهر يوليو (تموز) الحالي، أنه على الرغم من تراجع النمو في الاقتصاد السعودي خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 1.7 في المائة، مقارنة مع 3.6 في المائة في الربع الأخير من عام 2018 نتيجة انخفاض إنتاج النفط، فإن الاقتصاد غير النفطي سجّل نمواً نسبته 2.1 في المائة، مرتفعاً من 1.8 في المائة للربع الأخير من 2018، حيث تسارع الإنتاج غير النفطي على نحو واسع النطاق.
وأشار التقرير إلى التحسن الملحوظ الذي أظهره ميزان المدفوعات في السعودية خلال الربع الأول من العام الحالي، وخلّف تراكماً في الأصول الاحتياطية بقيمة بلغت 3 مليارات دولار، متفوقاً على الانخفاض الذي بلغت قيمته 10.6 مليار دولار في الربع الأول المماثل من عام 2018، ليعود الحساب الجاري ليسجل فائضاً بقيمة بلغت 11.5 مليار دولار بزيادة نسبتها 25 في المائة في العام على أساس سنوي.
وقال التقرير: «على الرغم من عدم حدوث تغيير في الفائض التجاري للسعودية، فإن التغيير الإيجابي في المكاسب المحققة بميزان المدفوعات خلال الربع الأول من العام الحالي يأتي من خلال إنتاج النفط الذي عوّض الضعف الذي حل بالأسعار خلال العام الماضي، ومع الارتفاع الطفيف الذي سجله الإنفاق على الواردات، فإن الحساب الجاري دعمه بشكل رئيس تراجع حوالات العاملين الخارجة، والتي انخفضت خلال الربع الأول بنحو مليار دولار مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي».
واستناداً إلى بيانات الربع السنوي الأول من العام الحالي، تبدي «سامبا» نظرتها التفاؤلية حيال الحساب المالي في ظل تنامي فرص الاستثمار على أرض السعودية، والتطور الذي سجلته مؤشرات الحساب المالي - مستبعداً منه الأصول الاحتياطية - على صعيد تقلّص العجز بنسبة كبيرة ليبلغ 8 مليارات دولار، متراجعاً من 27 مليار دولار خلال الربع الأخير من عام 2018.
وعزا التقرير التطور اللافت في الحساب المالي إلى التغيّر الإيجابي في حركة التدفقات الخارجة الخاصة والتدفقات الداخلة الأجنبية خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع عامي 2017 و2018. فمع أن التدفقات الخارجة الكبيرة ما زالت موجودة، إلا أن جزءاً كبيراً منها تم الحصول عليه إما في شكل استثمار أجنبي مباشر أو عبر الاستحواذ على الديون والأسهم. فتدفقات العملة والودائع الخارجة التي كانت غير واضحة المعالم في السنوات السابقة وكانت سمة مميزة لعامي 2017 و2018 بمتوسط بلغت قيمته 11.7 مليار دولار، انخفضت خلال الربع الأول العام الحالي 2019 إلى أقل من 5 مليارات دولار؛ ما يعد مؤشر استحسان لما يعنيه ذلك من تخفيفٍ للضغط على احتياطات النقد الأجنبي الرسمية من ناحية، وارتياح متنامٍ لدى القطاع الخاص المحلي حيال بيئة الاستثمار المحلية من ناحية أخرى.
وعلى نحو مماثل، فقد ارتفعت التدفقات الداخلة الأجنبية بدورها ليرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.2 مليار دولار، من 800 مليون دولار في عام 2018، وبما يستجيب لـ«رؤية السعودية 2030» التي ترى في الاستثمار الأجنبي الأداة الرئيسية لمشروعها بالنظر لأهميته في توفير الوظائف، وتوطين التقنيات. كما سجلت كذلك المحافظ ارتفاعاً في تدفقاتها من 2.1 مليار دولار في الربع الأول من عام 2018، وصولاً إلى 11 مليار دولار خلال الربع الأول 2019.
ورصدت «سامبا» في تقريرها التطور الإيجابي الذي شهدته معظم القطاعات الاقتصادية ودعم نظرته التفاؤلية حيال معدل نمو الناتج المحلي غير النفطي. فباستثناء قطاع البتروكيماويات الذي كان القطاع غير النفطي الوحيد الذي سجل انخفاضاً على أساس سنوي، فإن جميع المحركات الاقتصادية غير النفطية الرئيسة كالخدمات الحكومية، والتمويل، وتجارة الجملة والتجزئة قد حققت مكاسب.
ودفعت الزيادة التي سجلتها الأنشطة العقارية خلال الفترة بنسبة 4.8 في المائة إلى تحقيق نمو في قطاع التمويل بالنظر إلى تكثيف البنوك في الوقت الحالي لقروض الرهن العقاري مع جاهزية طرح مزيد من المنتجات السكنية، وزيادة نسب القروض إلى القيمة، فضلاً عن التحسّن الملحوظ في البيئة القانونية. كما استجاب قطاع التجارة للتكيف المطلوب مع رحيل المغتربين، وكان له أثره السلبي على معدلات العرض والطلب، ليتمكن القطاع من تحقيق بعض التوازن ويواصل تسجيل المكاسب على أساس سنوي للعام الثالث على التوالي.
أما بالنسبة لقطاع التشييد والبناء، فيرى التقرير أن القطاع تمكّن خلال الربع الأول من تحقيق مكاسب سنوية للمرة الأولى منذ عام 2015، متجاوزاً إلى حد ما بعض الضغوط التي واجهته خلال الفترة الماضية، ومن بينها القيود المفروضة على العمالة غير السعودية؛ ما يعكس انتعاشاً في الاستثمارات العامة، حيث سجل الإنفاق الرأسمالي الحكومي نموا خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 12 في المائة، وعلى نحو مغاير لما هو معتاد في حال انخفاض أسعار النفط، إلا أن تراجع أسعار الإسمنت المحلية - وإن كانت قد بدأت في الارتفاع مرة أخرى - وتوجه القرار السياسي، قد خلّف عدداً من المشروعات العامة الكبيرة التي بددت مخاوف المقاولين.
ومن المؤشرات الإيجابية لقطاع التشييد والبناء - بحسب التقرير - الارتفاع الكبير الذي سجلته واردات القطاع الخاص من مواد البناء وعكسته خطابات الاعتماد الجديدة التي ارتفعت بشكل كبير بنسبة 41 في المائة على أساس سنوي في شهر مايو (أيار) الماضي، وعلى أساس الأشهر الثلاثة الماضية بنسبة لافتة بلغت 30 في المائة، فضلاً عن الزيادة المحققة في السلع الاستهلاكية الرئيسية كالسيارات التي بلغ معدل نمو وارداتها على أساس سنوي في الفترة من مارس (آذار) إلى مايو 60 في المائة، وكذلك الأمر بالنسبة للطلب المتنامي على الأجهزة المنزلية الذي يعد مؤشراً على الحيوية التي شهدتها سوق الإسكان.
وفيما يخص معدلات البطالة بين السعوديين، فإن بيانات التوظيف للربع الأول تُظهر انخفاضاً في معدلها بين المواطنين إلى 12.5 في المائة مقارنة مع 12.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2018، في الوقت الذي سجلت فيه الأجور الحقيقية للسعوديين العاملين في القطاع العام ارتفاعاً طفيفاً، وتمتع العاملون بزيادة كبيرة مع ضغوط متواضعة في الأسعار، بل ومتناقصة في معظم الفئات، فبناءً على مؤشر الأسعار الاستهلاكية الكلي فقد نمت أجور القطاع العام السعودي بنسب قدرها 6 في المائة بالقيمة الحقيقية في الأرباع السنوية الأربعة الماضية، وقد كان لذلك أثره المادي في الطلب المحلي، حيث سجل التسارع المتواضع في الناتج المحلي الإجمالي في الربع السنوي الأول وتيرة أسرع وفقاً للبيانات الأكثر تواتراً، وتواصل معدلات نقاط البيع التي تعد مؤشراً لمبيعات التجزئة الارتفاع بوتيرة تقارب 50 في المائة على أساس سنوي من حيث الحجم، وبنحو 20 في المائة من حيث القيمة. حيث ساهم ارتفاع معدلات الاستهلاك في تعويض التأثير الناجم عن المغتربين المغادرين.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».