هناك جيل جديد من النجوم الأميركيين في أندية النخبة في أوروبا، ومن بين هؤلاء اللاعبين الموهوبين لاعب «أميركي بالصدفة»، إن جاز التعبير، وهو سيرجينو ديست، البالغ من العمر 18 عاماً، والذي وقع على أول عقد احترافي له مع نادي أياكس أمستردام الهولندي في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
لقد ولد ديست ونشأ في مدينة ألمير الهولندية لأم هولندية وأب أميركي. ولم يزر ديست الولايات المتحدة إلا خلال رحلة إلى مدينة نيويورك - مسقط رأس والده - في عام 2014، ولم يفكر في تمثيل المنتخب الأميركي حتى تلقى مكالمة هاتفية بهذا الشأن.
وقال ديف فان دين بيرغ، المساعد السابق للمدير الفني للمنتخب الأميركي تحت 20 عاماً، والذي لعب مع نادي أياكس أمستردام في التسعينات من القرن الماضي، لصحيفة «الغارديان»: «كنت على اتصال مع مسؤولي نادي أياكس بشأن لاعب يمكن أن ينضم إلينا. وسألتهم: هل هناك أي لاعبين آخرين لديكم تعرفون أن لديهم جوازات سفر أميركية؟ وعادوا إليَّ وقالوا: لدينا صبي في فريق النادي تحت 17 عاماً، يحمل جنسية مزدوجة، هل ترغب في أن تلقي نظرة عليه؟».
وبعد مشاهدة مقطع فيديو لديست وهو يلعب بفرق الشباب بالنادي الهولندي العريق، رأى فان دين بيرغ أن اللاعب الشاب يمتلك إمكانات جيدة. وقد مثل ديست منتخب هولندا على مستوى الشباب؛ لكن لم يتم استدعاؤه لصفوف المنتخب الهولندي منذ ذلك الحين، وهو الأمر الذي استغله المنتخب الأميركي.
يقول فان دين بيرغ: «لا أعتقد أنه كان يفكر يوماً ما في اللعب بقميص المنتخب الأميركي، ولم يكن على علم بأننا نسعى في هذا الأمر؛ لكن بمجرد أن أتيحت الفرصة لذلك، أظهر حماساً كبيراً للعب لمنتخب أميركا، وتم استدعاؤه على الفور، وقال: نعم، هذا هو ما أريد القيام به، فأنا أريد أن أمثل الولايات المتحدة. وبمجرد أن أتيحت الفرصة، استغلها جيداً ولم يتخل عنها مطلقاً».
وبعد المشاركة الأولى له مع المنتخب الأميركي في كأس العالم تحت 17 عاماً في عام 2017، أصبح ديست عاملاً أساسياً في نجاح الولايات المتحدة في بطولة «الكونكاكاف» لأقل من 20 عاماً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي – فاز المنتخب الأميركي على المكسيك في المباراة النهائية – وقدم ديست أداء مثيراً للإعجاب، وتم اختياره ضمن قائمة الفريق المثالي للبطولة.
وقدم ديست مستويات مبهرة مرة أخرى مع المنتخب الأميركي في كأس العالم للشباب تحت 20 عاماً؛ حيث أظهر براعة فائقة في التقدم للأمام، والقيام بواجباته الهجومية والدقة في التمرير والتمركز السليم، والتفوق في المواجهات والمواقف الفردية، وهو ما ساعد المنتخب الأميركي على الإطاحة بفرنسا، التي كانت المرشحة الأقوى للحصول على اللقب، من الدور ربع النهائي للبطولة.
وقال تاب راموس، المدير الفني للمنتخب الأميركي تحت 20 عاماً، لصحيفة «الغارديان»، عن أداء المنتخب الأميركي العام الماضي: «بطولة (الكونكاكاف) ليست مثل بطولة كأس العالم أو أي مسابقة أخرى من المسابقات، لذلك تفوق ديست من الناحية البدنية والفنية على كثير من اللاعبين الذين لعب ضدهم. لقد قدم مستويات رائعة، وساعدنا على أن نظهر بشكل أفضل».
وأضاف: «طريقتنا في اللعب تعتمد على بقاء قلبي الدفاع فقط في الخلف طوال الوقت، وأحب أن يتحلى جميع اللاعبين الآخرين بالحرية والقيام بالأدوار الهجومية، لذا فهو مناسب تماماً للطريقة التي نلعب بها».
ولن تكون الموهبة وحدها هي السبب التي قد يجعل ديست أحد العناصر الأساسية في صفوف المنتخب الأميركي الأول قريباً، إذ إن طريقته الهجومية في اللعب قد تؤدي إلى تغيير الطريقة التي يلعب بها المنتخب تحت قيادة كريغ بيرهالتر، بالشكل الذي يسمح للظهيرين والجناحين بالقيام بأدوار هجومية أكبر بالطريقة نفسها التي كان يلعب بها المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا مع مانشستر سيتي وبايرن ميونيخ وبرشلونة.
وعندما ترى ديست وهو يلعب فإنه يذكرك على الفور بظهيري الجنب البرازيليين، مثل داني ألفيش، ومارسيلو، الذي يعد المثل الأعلى لديست في كرة القدم العالمية. ويمكن القول بأن ديست يعد صانع ألعاب من الخط الخلفي، ويسعى دائماً للتقدم للأمام عندما تتاح له الفرصة لذلك. يقول راموس: «إنه يشبه ظهيري الجنب البرازيليين الذين يتحلون بالمهارة ويمكنهم أن يسببوا المتاعب للفرق المنافسة؛ لأنهم في بعض الأحيان يتحولون إلى صناع للعب بسبب المهارة التي يمتلكونها. وتتمثل نقطة قوته الأساسية في عدم قدرة المنافس على توقع ما سيقوم به عندما يتحول للهجوم».
وعلى الرغم من اعتراف فان دير بيرغ بأن ديست «يمكن أن يصيبك بنوبة قلبية» عندما يحاول المراوغة في مساحات ضيقة في نصف ملعب فريقه، فإنه يعتقد أنه يجب تشجيع هذا اللاعب الشاب على التعبير عن نفسه وعن المهارات الكبيرة التي يمتلكها. ويقول فان دير بيرغ: «ينجح ديست في 99 في المائة من هذه المواقف، ونحن لا نريد أن نجعله يتوقف عن ذلك؛ لأن هذا هو ما يميزه في حقيقة الأمر».
وقد بدأ ديست مسيرته الكروية في مركز الجناح مع نادي ألمير سيتي، وظل يلعب في هذا المركز حتى مع فريق الشباب بنادي أياكس أمستردام الهولندي. وكان براين تيفريدن، المدير التنفيذي الحالي لنادي كيه إس في روسيلير البلجيكي، يشغل منصب المدير الفني لنادي أياكس، عندما واجه ديست لأول مرة عندما كان في الثانية عشرة من عمره. وبعد المباراة، أوصى تيفريدن مسؤولي نادي أياكس بالتعاقد مع هذا اللاعب الشاب، قبل أن يشرف بنفسه على تطوير ديست في أكاديمية الناشئين بنادي أياكس، حتى مستوى أقل من 14 عاماً. يقول تيفريدن: «لقد انضم للنادي وهو يلعب في مركز الجناح الأيمن؛ لكن بعد ستة أشهر وفي إحدى المسابقات كان النادي يعاني من مشكلة في مركز الظهير الأيمن، لذلك طلبت منه أن يلعب في هذا المركز، وقدم مستويات رائعة. وبعد أسبوعين تم اختياره للانضمام للمنتخب الهولندي للشباب».
وأضاف: «ما يعجبني فيه هو أنه لا يشعر بالذعر والتوتر عندما يكون تحت الضغط، بينما لا يشعر كثير من المدافعين بالراحة عندما تكون الكرة بين أقدامهم. ويمتلك ديست القدرة على المرور من الخصم ومراوغته، وتمرير الكرة بين الخطوط، وهو أمر رائع بكل تأكيد».
وشارك ديست مع فريق الرديف بنادي أياكس الموسم الماضي، ولعب 17 مباراة، وسجل أول أهدافه مع الفريق أمام 25 ألف متفرج في المباراة التي انتهت بفوز أياكس أمستردام على إف سي تيوينتي، بخمسة أهداف مقابل هدفين.
وأشاد فان دين بيرغ بصعود ديست السريع في نادي أياكس والمنتخب الأميركي، بفضل عمله الجاد ونضجه الكبير، قائلاً: «إنه يقوم بعمل جيد للغاية على طرف الملعب، ويمتاز بالقوة والسرعة، كما يدرس خصمه جيداً قبل مواجهته. إنه لأمر مدهش للغاية أن يتعامل مع كل هذه الأمور بمنتهى الجدية، فهو لا يكتفي بالعمل خلال الحصة التدريبية أو المباراة؛ لكنه ملتزم للغاية، ويعمل دائماً على تطوير وتحسين مستواه».
ويتفق راموس مع هذا الرأي قائلاً: «إنه صبي رائع. صحيح أنه انطوائي بعض الشيء؛ لكنه لطيف ورائع للغاية، وتربطه علاقات ممتازة مع زملائه في الفريق، علاوة على أنه لاعب جماعي ويسعى دائماً لمساعدة زملائه داخل المستطيل الأخضر. إنه يبذل أقصى ما في وسعه من أجل الفريق، وهو لاعب رائع يتمنى أي مدير فني أن يكون ضمن فريقه».
وتم تصعيد ديست لصفوف الفريق الأول لنادي أياكس، استعداداً للموسم الجديد. وخلال الموسم الماضي وصل أياكس أمستردام إلى الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، وحصل على لقب الدوري الهولندي الممتاز للمرة الأولى منذ خمس سنوات. ومن المؤكد أنه لن يكون من السهل على ديست أن يحجز مكاناً أساسياً في صفوف هذا الفريق؛ لكنه يبدو أنه مستعد تماماً لهذا التحدي.
لقد أثرت بعض الدول عالم كرة القدم بشكل رائع، مثل هولندا التي قدمت للعالم الكرة الشاملة بقيادة النجم يوهان كرويف، وقدمت كثيراً من اللاعبين الرائعين، مثل ماركو فان باستن، ورود خوليت، ودينس بيرجكامب، أما الآن فإن كرة القدم الأميركية تمتلك نجماً ولد في هولندا، وتعلم في المدرسة الهولندية، وسيكون له شأن كبير في عالم كرة القدم خلال السنوات القادمة.
سيرجينو ديست: نجم أميركي على الطريقة الهولندية
الصدفة لعبت دورها ليمثل لاعب أياكس الشاب منتخب الولايات المتحدة
سيرجينو ديست: نجم أميركي على الطريقة الهولندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة