مراجعة لأفضل أفلام النصف الأول من عام 2019

ما أذهل الجمهور... ليس ما أثار إعجاب النقاد

من الفيلم الأكثر رواجاً حتى الآن «أفنجرز: إند غايم»
من الفيلم الأكثر رواجاً حتى الآن «أفنجرز: إند غايم»
TT

مراجعة لأفضل أفلام النصف الأول من عام 2019

من الفيلم الأكثر رواجاً حتى الآن «أفنجرز: إند غايم»
من الفيلم الأكثر رواجاً حتى الآن «أفنجرز: إند غايم»

نتائج النصف الأول من العام الحالي تبعث على نوعين من الوقائع. نوع يحرص على تحديد الأفلام الجيدة التي استطاعت الخروج من أنابيب الإنتاج ودهاليز التمويل إلى العلن، ونوع يحيط بتلك الأفلام التي دخلت سباق النجاح الجماهيري.
بينما الفوز بجوائز قيّمة يقود إلى جوائز أخرى قيمة (ولا مانع من النجاح التجاري في الوقت ذاته) هو مطلب أفلام النوع الأول، فإن مطلب النوع الثاني أبسط، ولو شكلياً: الاتكال على التركيبة ذاتها في كل مرّة لأنها تنجح في كل مرّة، والمثل الإنجليزي يقول: «إذا لم يكن مكسوراً فلا تصلحه». حيال هذا، فإنه من الصعب إيجاد فيلم يمشي على الخطين معاً. نعم، هناك أفلام فنية تنجح تجارياً في مقابل أفلام تجارية صرفة فيها الكثير من الإجادة الفنية، لكن التآلف الكامل بين النوعين قليلاً ما يتحقق. «باتمان» و«سيد الخواتم» و«دراكولا حسب برام ستوكر» (نسخة فرنسيس فورد كوبولا) هي من بين هذه القلة.

هيمنة
مراجعة أفلام النصف الأول من هذا العام تبوح لنا بأن هنالك كسراً لا بد من إصلاحه.
هذا الكسر سببه الأبطال ذاتهم الذين انطلقوا منذ سنوات لإنقاذ العالم ومَن فيه من أي عطب وضرر. لكن في حين أن حكاياتهم على الشاشة دائماً ما أثارت «الشبيبة» المتحمسة كانت في الوقت ذاته تؤسس لإفراغ معالم السينما من مقوماتها وشروطها الأساسية، وتستبعد من الحسبان تلك الفئة من المشاهدين الذين يفضلون العالم الغريب الذي أتى به المخرج بيتر جاكسون في سلسلة «سيد الخواتم» على العالم المتغرب الذي ورد في «ذا أفنجرز» أو «كابتن أميركا».
‫في الشهر الثالث من هذا العام، قامت شركة «ديزني»، كما أوردنا هنا حينها، بشراء شركة «فوكس». المبلغ المدفوع وصل إلى 71 مليار دولار. رقم خيالي أثار غرابة البعض حينها حتى عُلم أن السبب في هذا الاحتواء الكبير (والشامل لمختلف شركات «فوكس» السينمائية والتلفزيونية) كان استحواذ الشركة، التي وُلدت سنة 1915 باسم شركة «فوكس» قبل تحوّلها بعد عشرين سنة إلى «تونتييث سنتشري فوكس» كما عرفناها فعلياً، على بعض شخصيات مؤسسة «مارفل» مثل «رجال إكس» و«سبايدر - مان». ‬
«ديزني»، التي تملك حقوق تحويل شخصيات «مارفل» الأخرى، من «أيرون مان» و«كابتن أميركا» و«جستيس ليغ» و«بلاك بانثر» وعشرات شخصيات السوبر هيرو الأخرى، لم تكن لترضى بأن يكون هناك منافس سواها لحكايات «مارفل».
هذا النوع من الاستحواذ لم يكن الأول الذي قامت به «ديزني» مؤخراً. فهي كانت ابتلعت شركة «بيكسار» المتخصصة بالرسوم المتحركة (بنوعية تفوق تلك الآلية التي تنتجها فبركة «ديزني») كما استحوذت على حقوق كل ما ينتمي إلى سلسلة «ستار وورز». يدخل في ذلك الاحتواء الأفلام السينمائية والشخصيات وألعاب الفيديو وأفلام وبرامج الرسوم المتحركة وخلاف هذا من النتاجات المختلفة، بما فيها رداء غارث فادر الأسود. هذا يمنح شركة «ديزني» سيادة فريدة على صناعة الترفيه السينمائي. في الواقع كل الأفلام التي تبوأت المركز الأول في الأعوام الأربعة السابقة هي من إنتاجات «ديزني». هذا العام (وحتى الآن) حصدت نحو ستة مليارات دولار من خلال أربعة عناوين سينمائية، هي «علاء الدين» و«كابتن مارفل» و«توي ستوري 4» (أفضلها صنعةً والوحيد الذي يمكن القول إنه يحمل فنّاً) و«أفنجرز: إند غايم».
السؤال يكبر أكثر حين التفكير بهذا الجمهور الذي استسلم بالكامل لغزو الأبطال الخارقين. من الصين إلى جنوب أفريقيا، ومن أقصى الدنمارك إلى أستراليا.
ضمن هذا المنظور، ولتأكيده، يمكن النظر إلى ما حققته الأفلام ما بين الشهر الأول من العام وحتى الشهر السادس منه. والأمر لا يتطلب إيضاحاً، إذ هو أقرب إلى تحصيل حاصل لما يرد هنا.
تربع Avengers: Endgame على قمة ما تم جنيه من إيرادات حول العالم في الأشهر الستة الأولى من هذا العام منجزاً مليارين و782 مليون دولار.
يتبعه «كابتن أميركا» بمليار و123 مليوناً و535 مليون دولار في المركز الثاني. في المركز الثالث «علاء الدين» بـ965 مليون دولار.
هذه الأفلام الثلاثة الأولى هي من إنتاج «وولت ديزني». الفيلم الرابع هو «سبايدر مان: بعيداً عن الوطن» الذي جمع - للآن، إذ ما زال معروضاً - هذا الفيلم - الكوميكس هو الوحيد من إنتاج شركة فوكس التي ابتاعتها «ديزني»، وليس من إنتاج «ديزني» ذاتها، كالأفلام الثلاثة الأولى، فعندما تم شراء «فوكس»، كان هذا الفيلم قيد العمل المنجز ولم يشمله البيع. حقق «توي ستوري 4» ما مجموعه 785 مليون دولار.
في المركز الخامس تعود «ديزني» للسيطرة على القائمة بفيلم «توي ستوري 4». ثم تتوالى الأفلام من المركز السادس حتى العاشر مختلفة على هذا النحو:
6 - «ليو لانغ دي كيو» (صيني): 692 مليون.
7 - How to Train your Dragon: The Hidden World (أميركي لشركة «يونيفرسال»): 519 مليون دولار.
8 - Pokémon: Detective Pikachu (ياباني): 430 مليون دولار.
9 - Alita: Battle Angel: (أميركي، «فوكس»): 402 مليون دولار.
10 - Godzilla: King of the Monsters ( أميركي، «وورنر»): 382 مليون دولار.

أفضل عشرة
سيتطلب الأمر النزول إلى الموقع 37 من قبل الوصول إلى فيلم حوى مقداراً كافياً من المعالجة الفنية التي نالت ثقة النقاد وهو «Yesterday»، الفيلم النوستالجي المستوحى عنوانه من أغنية «ذا بيتلز» الستينية، الذي حققه داني بويل. الفيلم اكتفى بـ68 مليون دولار، وإن كان ما زال متوفراً في العروض الجانبية حول العالم.
على صعيد ما أثار إعجاب النقاد منذ بداية العام، فإن الإجماع ليس علمياً، كونه ليس عملية جمع أرقام. بالتالي ما قد يعجب بعض النقاد ليس بالضرورة ما يعجب سواهم من أبناء المهنة.
هذا يعني أن على أي قائمة من هذا النوع أن تكون شخصية، حتى وإن التقت اختياراتها مع اختيارات نقاد آخرين. بالتالي فإن قائمتنا الخاصة تتكوّن هنا من بين ما كان ما زال معروضاً عندما حل الأول من يناير (كانون الثاني) في صالات السينما لجانب تلك التي شوهدت في المهرجانات الدولية، والتي أمّها الناقد لجانب ما أتيحت له مشاهدته في عروض خاصة.

A Song Without a Name ــ بيرو، إسبانيا
مواطنة من هنود البيرو تدخل عيادة لكي تضع فيها طفلها وتخرج من دونه بعدما تم خطفه. صحافي يستمع لها ويقرر مساعدتها والتحقيق بالموضوع. كلاهما من هوامش المجتمع غير العابئ في دراما داكنة مستوحاة من أحداث حقيقية صاغتها المخرجة ميلينا ليون بتضاريس الموضوع المختلفة ورموزه. القائمة مرتبة أبجدياً.

Birds of Passage ــ كولومبيا - المكسيك
معالجة ممعنة في التحوّلات التي شهدتها بيئة مواطني كولومبيا الأصليين عندما اكتشف بعضهم أن بإمكانهم الانتقال من مستوى اقتصادي شبه معدم، إلى آخر أعلى بتوريد الماريوانا في مطلع السبعينات، ثم تبعات ما حدث بعد ذلك. إخراج كرستينا غاليغو وسيرو غويرا.

Hidden Life ـــ ألمانيا
فيلم المخرج المتميز (بكل معنى الكلمة) ترنس مالك يدور في رحى الحرب العالمية الثانية. لا نراها بل نرى تبعاتها على رجل من الريف النمساوي رفض الإذعان وتأييد الحرب وحتى إلقاء التحية للنازية. موقفه مبدئي ولن يتراجع عنه حتى عندما يصدر الحكم بإعدامه. مختلفاً بعض الشيء عن أفلام مالك السابقة، لكنه ليس أقل من معظمها قيمة.

Irina ــ بلغاريا
من بلغاريا هذا الفيلم الذي يدور حول تلك المرأة التي تبذل في سبيل حياة عائلتها وتجد نفسها دائماً على الطرف الخاسر من المعادلة. المخرجة ناديدا كوزيفا تعرض جيداً، وفي أسلوب واقعي حياة بطلتها الذي هو جزء من حياة الواقع البلغاري اليوم. في محاولتها الخلاص من واقعها تكتشف أن الحب سيساعدها على تجاوز محنتها.

It Must Be Heaven ــ فرنسا
مهما كانت الملاحظات النقدية التي وجهها هذا الناقد حين شاهد الفيلم على شاشة مهرجان «كان» الأخير، فإن هناك عالماً متآلفاً بين اختيارات المخرج من وقائع، وغرائبية التعبير عنها، وعما يختزله من ملاحظات حول نفسه والعالم المحيط. إنه الفلسطيني الذي يخرج لاكتشاف المحيط خارج حدود بلده ليجده ترداداً عقيماً للحال ذاته.

The Mule ــ الولايات المتحدة
فيلم كلينت إيستوود حول العجوز الذي فاته قطار إصلاح شؤون حياته العائلية أو حتى الحفاظ على ما تبقى من ممتلكاته فيرضى التحوّل إلى ناقل مخدرات لصالح إحدى العصابات. تقدم إيستوود لتمثيله بعد سنوات من الغياب، كما لإخراجه معالجاً إياه بحرفته التي تنتمي إلى سينما محترفة ومدروسة.

Oleg ــ لاتفيا، لتوانيا
يوفر المخرج الجديد يوريس كورسيتيس دراما اجتماعية أخرى بطلها ذلك الشاب الآتي من لاتفيا إلى بلجيكا بحثاً عن عمل كجزار. يخسر عقده بعدما اتهم بما هو بريء منه ليقع في براثن عصابة بولندية تجنده للسرقة. غايات الفيلم متعددة ومن بينها دفع الأجندة الأخلاقية على نحو غير ساذج.

Sorry We Missed You ــ بريطانيا
فيلم آخر من المخرج البريطاني كن لوتش يوجه فيه نقده المؤلم (دون أن ينسى التزاماته الفنية) صوب المجتمع البريطاني في كيانه الحاضر. بطل الفيلم ساعي بريد لشركة خاصة يجهد في سبيل تأدية عمله جيداً حتى من بعد تعرضه لحادثة سلب يخرج منها معطباً. أسلوب لوتش الواقعي يضع الدراما تحت مستوى التفعيل كما لو كان يسرد فيلماً غير روائي.

Timelife ــ الجزائر، فرنسا
فيلم من خارج التصنيف. ليس تسجيلياً وليس روائياً وليس بالكامل تجريبياً. إنه حياة مجموعة من الشخصيات (بينها المخرج السوري محمد ملص والناقد والسينمائي الأردني عدنان مدانات) تبحث لجانب زوجة المخرج حميد بن عمرة، واسمها ستيفاني، عما يشكل الزمن الحالي الذي تعيشه وتتداوله. فيلم رائع لم يفز بعد بما يستحقه من اهتمام.

Us ــ الولايات المتحدة
الفارق بين مَن نحن وآخرين يشبهوننا في هذا الفيلم الجامع بين واقعية المكان وغرابة الفكرة ممحوّ. بطلة هذا الفيلم (لوبيتا نيونغ) تكتشف وجود شبيه كامل لها ولكل فرد من أفراد عائلتها.
والمخرج جوردان بيل (الذي سبق أن قدم أفضل فيلم رعب في العام الماضي وهو «Get Out» يستخلص أوضاعاً عنصرية وطبقية في المجتمع الأميركي اليوم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».