تركيا وقطر وعودة «الدواعش»

دعم المتطرفين في ليبيا وسط صمت المجتمع الدولي

عناصر من ميليشيات «البنيان المرصوص» في سرت نوفمبر 2016 (غيتي)
عناصر من ميليشيات «البنيان المرصوص» في سرت نوفمبر 2016 (غيتي)
TT

تركيا وقطر وعودة «الدواعش»

عناصر من ميليشيات «البنيان المرصوص» في سرت نوفمبر 2016 (غيتي)
عناصر من ميليشيات «البنيان المرصوص» في سرت نوفمبر 2016 (غيتي)

هل باتت لعبة الإرهاب في ليبيا تجرى على المكشوف، لا سيما من قبل تركيا وقطر؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو بالفعل، فلماذا يقف المجتمع الدولي صامتاً تجاه ما يجرى هناك، من غير محاولة جدية لتغيير الأوضاع، وتصويب ما اختل منها، وإنهاء الأزمة الليبية مرة واحدة؟

الثابت أن كثيراً من الأوراق قد اختلطت في الفترة الأخيرة، لا سيما تلك التي يحاول فيها الجيش الليبي تطهير البلاد من الإرهاب والإرهابيين، وقد لاحظ كثيرون أن عملية شحن المزيد من المقاتلين من تنظيم «داعش»، الفارين من سوريا والعراق إلى المناطق الليبية الخاضعة لسيطرة الميليشيات، ماضية على قدم وساق، وباتت أجهزة الاستخبارات الدولية على بينة مما يحدث هناك، بالصوت والصورة، وبالوثائق والمعلومات.
ولم يعد سراً أن تركيا وقطر تقفان خلف ما يجرى في الداخل الليبي، فإردوغان الذي فشل مشروعه الإسلاموي في زمن «الربيع العربي المغشوش» ينظر إلى ليبيا الآن على أنها الأمل المتبقي له في إحياء أوهامه، وعنده أن نجاح المتطرفين الليبيين سوف يؤثر كل التأثير على تونس الجارة القريبة من الغرب، وربما يمكنه ذلك من مشاغبة مصر، الجار الشرقي الذي أفسد عليه خططه في الأعوام الماضية، بعد ثورة المصريين في 30 يوليو (تموز) 2013.
يوماً تلو الآخر، يتضح جلياً كيف أن أنقرة تقف وراء إمداد الميليشيات الليبية بالأسلحة والعتاد، لا سيما الثقيلة منها، في انتهاك واضح لقرار حظر التسليح المفروض على البلاد منذ عام 2011. وقد رصدت الأجهزة الاستخباراتية الأسبوعين الماضيين وصول أكثر من طائرة شحن أوكرانية تحديداً إلى العاصمة طرابلس، آتية من مطار أنقرة، محملة بالأسلحة الجديدة للميليشيات الموالية لحكومة السراج.
الطائرة من نوع «إليوشن آي إل - 76 تي دي» حطت في مطار معيتيقة الذي يخضع لسيطرة «قوة الردع الخاصة»، ذات المرجعية المتطرفة، التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق. وقبل تلك الرحلة بأيام قليلة، كان الغرب الليبي يشهد وصول عدد من الطائرات المحملة بالأسلحة والذخائر، آتية كذلك من تركيا، بهدف تمكين قوات السراج من مواجهة الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير حفتر.
لم يعد الأمر قاصراً على القوات البرية، فالسراج الذي خسر غالبية قطع السلاح الجوي (طائرتان من نوع «ميغ»، وطائرات من نوع «ميغ 23»، وطائرتان من نوع «ميراج إف - 1»، وطائرة من طراز «L 39») يعمل الآن جاهداً على استجلاب طائرات «درون» مسيرة من غير طيار من تركيا، في محاولة لإلحاق الضرر الكبير بقوات الجيش الوطني الليبي.
وفي هذا السياق، تفيد تقارير نشرتها بعض المواقع الاستخباراتية، مثل موقع «الاستخبارات الأفريقية»، إلى أن هناك صفقة تركية لتسليم حكومة الوفاق الليبية طائرات «درونز»، لتعويضها عن الطائرات التي خسرتها خلال معركة طرابلس، ويصل عددها إلى 8 طائرات من نوعية «تي - بي - 2» التي يمكنها مهاجمة وحدات الجيش الليبي، وإحداث خسائر بها، من غير أن يلحق بالميليشيات الليبية أضرار بشرية، مما يعنى أن تركيا تضرب بقرارات مجلس الأمن عرض الحائط، مرة وإلى الأبد، ولم يردع إردوغان أن الميليشيات الإرهابية العاملة في ليبيا قد استخدمت في الآونة الأخيرة هذه الأداة الجهنمية في قصف 4 سيارات مدنية، مما أسفر عن مقتل عدد من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، في مدينة ترهونة جنوب العاصمة طرابلس، عقاباً لهم على تأييدهم الجيش الليبي.
هل يتوقف الدور التركي المخرب عند حدود الأسلحة والمعدات أم يمضى إلى جهة لعب العنصر البشري دوراً بعينه في تلك الأحداث؟
مع بداية يوليو الجاري، كشف مصدر عسكري ليبي عن أن القوات المسلحة الليبية قد حصلت على وثائق سفر خاصة بجنود في جهاز الاستخبارات التركية يساندون الميليشيات والتنظيمات الإرهابية بطرابلس.
المصدر عينه أشار إلى أن الجيش الليبي رصد أسماء الـ19 ضابطاً تركياً الذين دفع بهم إردوغان لإدارة غرفة عمليات ميليشيات طرابلس، وإدارة الطائرات المسيرة.
من جهة أخرى، كشفت حادثة الصواريخ من نوع «جافلين»، التي تم العثور عليها في بعض مخازن السلاح في مدينة الغريان، عن أبعاد العلاقة الثلاثية التي تجمع «مايكل سولمان»، الشريك في شركة «ميركوري»، والسراج وقطر. فالشركة المشار إليها تقدم خدماتها للحكومة القطرية، و«سولمان» نفسه يعمل كبير مستشاري السيناتور الأميركي «روبرت مينندز»، المعروف بعلاقاته بالمجمع الصناعي العسكري الأميركي.
وكان من الواضح أن ميليشيات ليبية، تدعمها قطر، هي من قامت بدس الصواريخ الفرنسية الثلاثة على مخازن سلاح الجيش الليبي، حتى يبدو أنه من يخرق قرارات الحظر على التسليح، غير أن ما فضح أمر المؤامرة الأخيرة هو أنها ليست الأولى التي تجرى على هذا النحو، فقد ساعدت قطر الميليشيات الليبية التابعة لها في شراء أسلحة متقدمة من بلغاريا، وإدخالها مهربة إلى البلاد، وكان من اليسير تتبع أرقامها المتسلسلة، ومعرقة من البائع ومن المشتري، الأمر الذي يشبه كثيراً قضية مركز اللاجئين، الذي كشفت فيه صور الأقمار الاصطناعية الفاعل الحقيقي، ومن الذي يُفعل الإرهاب على الأراضي الليبية، وفي كل مرة يحاول إلصاق التهمة بالجيش الوطني للبلاد. لم تكن قصة الصواريخ إلا محاولة للتغطية على المجزرة التي قامت بها ميليشيات طرابلس بحق جرحى جنود الجيش الوطني في مدينة غريان، حيث تم قتل 40 جريحاً من عناصر الجيش الليبي.
والسؤال المطروح الآن: هل تلعب تركيا وقطر دور الجسر الداعم لعودة «الدواعش» مرة جديدة إلى ليبيا؟
ليس سراً أن رجال قطر من المتطرفين والمرتبطين بـ«الجماعة المقاتلة» وغيرهم ينشطون هذه الأيام في نقل العناصر الإرهابية من العراق وسوريا إلى ليبيا، وأنه في حين يستغلون شركات النقل الخاصة بهم، التي هي في واقع الأمر ليست سوى أدوات قطرية وتمويل قطري، يفتح إردوغان مطاراته وموانيه، ويجعل بلاده بمثابة «ترانزيت» لنقل العناصر الإرهابية من مناطق فشل وإخفاق «داعش» إلى ميدان المعركة الجديد، التي يراد لها أن تتمدد إلى قلب أفريقيا، وهذه قصة أخرى.
قبل أيام، كان عضو مجلس النواب الليبي على السعيدي في مدينة طبرق، شرق البلاد، يؤكد على أن نقل عناصر إرهابية من تركيا إلى ليبيا ليس بالجديد، مشيراً إلى أن هؤلاء الإرهابيين يأتون لمحاربة ومواجهة قوات الجيش الليبي في عملياته العسكرية بطرابلس العاصمة.
هل لهذا السبب بدأ «الدواعش» في رفع إعلامهم مرة أخرى في ليبيا الأيام الماضية؟
مؤكد أن الأمر بالفعل على هذا النحو، ففي الأسبوع الأول من الشهر الجاري، نشرت الوكالة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي «أعماق»، على تطبيق «تلغرام»، تسجيلاً مرئياً وسط منطقة صحراوية، زعمت أنها جنوب ليبيا، ظهر فيه عشرات المقاتلين يبايعون زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
التسجيل الذي حمل عنوان «والعاقبة للمتقين» تم تصويره غالباً في منطقة «سبها»، جنوب ليبيا، ومدته نحو 5 دقائق، تحدث فيها «محمود البرعصي» المكنى بـ«أبو مصعب الليبي»، مؤسس تنظيم «داعش» في بنغازي، يتوعد القوات التابعة للقيادة العامة بالانتقام ومزيد من القتال.
وفى مايو (أيار) الماضي، تبنى التنظيم نفسه الهجوم على مقر الكتيبة 160، التابعة للقيادة العامة للجيش، في مدينة «سبها»، مما أسفر عن مقتل 9 أفراد خلال الهجوم... هل يفهم القارئ الآن الأسباب التي أدت إلى تصريحات الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين التي حذر فيها من انتقال عناصر تابعة لتنظيم «داعش» من الأراضي السورية إلى ليبيا؟
وبالعودة إلى السؤال المتقدم الخاص بالأسباب التي تدفع إردوغان للعب هذا الدور في ليبيا، نجد أن هناك كثيراً من الخيوط المتشابكة والخطوط المتداخلة، ذلك أنه وإن كان إردوغان يسعى لإعادة التاريخ إلى الوراء، وهذا ما فشل وسيفشل فيه على الدوام، فإن هناك محاولات أخرى للسيطرة على ليبيا من أجل تعويض خسائره في الداخل التركي في الفترة الأخيرة، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية تتدهور في بلاده، وينتظر لها أيضاً أن تصل إلى أوضاع صعبة، حال فرض الأميركيون عقوبات على أنقرة بعد إتمام صفقة الصواريخ «S-400» مع روسيا.
وتكشف لنا عدة تقارير دولية أبعاد التدخل التركي في ليبيا، منها ما كشفت عنه الإذاعة الألمانية «دويتشه فيلا»، من أن دافع تركيا للتدخل في ليبيا هو أطماعها في احتياطات البلاد الغنية من النفط والغاز، وموقعها الذي يتقاطع مع طرق التجارة الرئيسية في البحر المتوسط. وبالإضافة إلى النفط والغاز، فإن تركيا تطمح لبسط سيطرة شركاتها على العقود الاقتصادية في ليبيا.
ويحاول إردوغان تعويض خسائره في ليبيا. ففي عهد القذافي، كانت هناك شركات تركية كثيرة تنشط في مجال الإنشاءات على وجه التحديد، وتجاوزت أرباحها مليارات الدولارات. وقد تراجع هذا الدور كثيراً بعد الإطاحة بالقذافي. والمعروف أن علاقات أنقرة الوثيقة بحكومة السراج مكنتها من وضع أقدام شركاتها مجدداً في البلاد، والحصول على عقود كثيرة في طرابلس وغيرها، خصوصاً عقود إنشاء الطريق الساحلي في طرابلس، إلا أن هذه المصالح علقت بحملة الجيش ضد طرابلس، وبذلك أصبح الجيش يشكل تهديداً كبيراً لأطماع تركيا الاقتصادية والمالية، مما دفع الأخيرة للوقوف بشكل كبير في صف السراج.
أما وكالة «بلومبرغ» الدولية، ذات الطابع الاقتصادي العالمي، فقد كشفت في تقرير لها أن إردوغان يسعى من خلال تدخله في ليبيا إلى الاستفادة من عدد من الامتيازات، بداية من النفط، مروراً بالغاز، وصولاً إلى صفقات إعادة الإعمار. وتقول الوكالة إن إردوغان يسعى إلى عقود وامتيازات تصل قيمتها إلى 18 مليار دولار.
هل من خلاصة للمشهد المتقدم؟
من الواضح أن القضية الليبية باتت مركبة، وليست بسيطة، لا سيما مع تهديدات عودة «داعش» من جديد، فالمسألة أصبحت قضية أمن عالمي، وعلى الجانب الأوروبي هذه المرة أن يعوض أخطاءه السابقة التي قادت إلى الوضع الآني في ليبيا، كما ينبغي على المجتمع الدولي، خصوصاً موسكو التي لها مصالح كبرى في ليبيا وعموم أفريقيا، اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة من أفعال إردوغان وتميم في ليبيا.
وماذا عن الجانب الأميركي؟
لا يزال الدور الأميركي بالنسبة لليبيا مثيراً للتساؤلات، غير أن توجهات ترمب بلا شك المضادة للإرهاب توضح لنا اتجاهات الرياح ناحية طرابلس خاصة، وإن كانت واشنطن منشغلة بالملف الإيراني.
وفى كل الأحوال، لا تبدو في الأفق نهاية قريبة أو سريعة للأزمة الليبية، وهذا هو أفضل مناخ للأصوليين والإرهابيين يمكن لهم أن ينموا فيه، فهل ينتظر العالم فصلاً دموياً «داعشياً» جديداً على ضفاف المتوسط؟


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».