«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

اتهامات للتطبيق الإلكتروني بـ«تقديم محتوى يدعو للتطرف»

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
TT

«يورو فتوى»... مطالب دولية بالحظر

التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)
التطبيق الإلكتروني «يورو فتوى» دخل دائرة النقد عقب اتهامات طالته بأنه «يدعو إلى الكراهية ويُنمي الإسلاموفوبيا» (الشرق الأوسط)

يؤكد الخبراء والباحثون أن «(يورو فتوى) تابع لـ(الإخوان)، والأوروبيون بدأوا ينتبهون له، خصوصاً عندما اتجه أخيراً إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مُباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً بأن هذه النوعية من الآراء تحض على الكراهية».
وظهرت مطالب رسمية من ألمانيا وفرنسا وبعض الدول تدعو لحظر «يورو فتوى» بين الشباب المسلم. ففي ألمانيا؛ حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» في وقت سابق من التطبيق، باعتباره يقدم محتوى دينياً وفتاوى تحض على التطرف. ودعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه، مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى «منع التطبيق»، مؤكدة أن «تنظيم (الإخوان) هو من أطلق التطبيق بقيادة يوسف القرضاوي».

- مواجهة فكرية
و«يورو فتوى» تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره كلونسكي في العاصمة الآيرلندية دبلن. يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «(يورو فتوى) تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان يرأسه القرضاوي (ويشار إليه أنه الأب الروحي لتنظيم الإخوان)، وهو أحد المشروعات الفكرية التي تُمول من قطر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأوروبيين بدأوا ينتبهون إلى المواجهة الفكرية أكثر من المواجهة المسلحة خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وهناك كتاب وثائقي نشره صحافيان فرنسيان استطاعا أن يخترقا أكثر من 15 مؤسسة تابعة لـ(الإخوان)، بالإضافة إلى حصولهما على أكثر من 300 وثيقة، تُثبت الدعم القطري للمؤسسات الدعوية والتعليمية والتثقيفية التي يديرها التنظيم في أوروبا».
وكانت النائبة الفرنسية ذاتها قد تمكنت بمساعدة بعض زملائها البريطانيين من إزالة التطبيق من على «غوغل»؛ لكنها قالت إنه «لا يزال موجوداً على متجر (آبل)». واستشهدت ببعض فتاوى التطبيق المتشددة؛ مثل تحريم العمل في مطاعم تقدم لحم الخنزير، وتحريم العمل كأفراد شرطة.
فيما وصف الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، «خطوة المطالبة بحظر (يورو فتوى) بالجيدة جداً، التي سيكون لها مردود كبير حال تطبيق الحظر على باقي التطبيقات، التي تبث فتاوى وآراء تدعو إلى العنف والقتل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الممكن أن نرى خطوات من دول أخرى كثيرة خلال الفترة المُقبلة، تُطالب بحظر التطبيق، للحد من دعوات الكراهية».
الآراء السابقة اتسقت مع تحذيرات لمؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أطلقها مطلع الشهر الحالي، من «يورو فتوى» باعتباره يبث أفكاراً وفتاوى وآراء متطرفة تُنمي ظاهرة «الإسلاموفوبيا». وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيق تضمن إشارات مُهينة للفئات غير المسلمة، تحض على العداء والكراهية للآخرين، فضلاً عن تداول فتاوى بالتطبيق تُحذر المسلمين في أوروبا من العمل ببعض الأماكن، مثل المطاعم والبنوك».
وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد دشن تطبيقاً عبر الهواتف الجوالة في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إلى تزايد الاهتمام حوله، ومتابعة المستخدمين في الغرب لكل ما يصدره من فتاوى؛ بل ومراجعة أرشيف فتاواه، وكذا الشخصيات المنتمية له عبر تاريخه.
وسبق أن حذف «غوغل» في مايو (أيار) الماضي، تطبيقاً من على متجره يحتوي على فتاوى تحرض على الكراهية للقرضاوي... وجاء حذف الموقع للتطبيق لأنه «يحتوي على خطاب مُعادٍ يُحرض على الكراهية».
والقرضاوي، المقيم في قطر، مُدرج على قوائم الإرهاب مرتين؛ الأولى عندما أعلنت «مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين» في بيان مشترك إدراج 59 شخصاً و12 كياناً على قوائم «الإرهابيين»... والثانية من محكمة جنايات القاهرة وأدرج مع 1529 «إرهابياً»، فضلاً عن أن لجنة التحفظ على أموال «الإخوان» تحفظت على أموال جميع أفراد أسرته لـ«لاتهامهم بتمويل الإرهاب، بحسب تحقيقات النيابة العامة في مصر»، بالإضافة إلى أن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي كان يرأسه القرضاوي مُدرج على قوائم الكيانات الإرهابية.
والقرضاوي صادر بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية اغتيال عقيد شرطة بمصر، و«الإعدام» في قضيتي «اقتحام السجون»، و«غرفة عمليات رابعة»، وتُعاد محاكمته مع 28 من قادة «الإخوان» في «اقتحام الحدود الشرقية».

- فتاوى موجهة
وحول سبب المطالبة بحذف «يورو فتوى» من على «غوغل»، أوضح مؤشر الفتوى المصري في دراسة صدرت أخيراً، أن «رئاسة القرضاوي لـ(المجلس الأوروبي للإفتاء)؛ أثار الذعر والخوف في نفوس الغربيين، لما يصدر عنه من فتاوى تحمل توجهاً وآيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك».
واستدل المؤشر ببعض فتاوى القرضاوي التي أسهمت في ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، واتهام الإسلام بمُعاداة غير المسلمين. وعرض المؤشر لبعض آراء القرضاوي؛ من بينها أن «نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، واحتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا».
وذكر مؤشر الفتوى أن «القرضاوي سبق وأجاز في كتابه (فقه الجهاد) عام 2001 الأعمال التفجيرية للفلسطينيين ضد إسرائيل، ثم تراجع. وقال: (نحن أجزنا ذلك للضرورة، والضرورة انتهت)، الأمر الذي جعل المواقع الإسرائيلية تحتفي بذلك بعدما قال (إن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام)... كما دافع القرضاوي عن الأعمال الانتحارية في سوريا».
من جهته، أكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرد (يورو فتوى) من على (غوغل) سوف يحد من الكراهية، ويحمي الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر الفتاوى والآراء التي تبث على بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «حجب (غوغل) للفتاوى الإرهابية، سوف يحد من نشرها بشكل كبير بين الشباب والصغار خصوصاً في الغرب».
المؤشر العالمي للفتوى بمصر كان قد رصد أن تطبيق «يورو فتوى» احتوى على 265 فتوى منذ انطلاقه؛ 32 في المائة منها حول العبادات، و30 في المائة تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20 في المائة مُعاملات مالية، و18 في المائة خاصة بالمجتمع.

- دعم الإرهاب
وعلل المؤشر تصدر فتاوى العبادات عبر التطبيق، نظراً لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية؛ إذ يتساءل المسلمون هناك عن عدد من الأمور التي تجبرهم التقاليد الغربية على معايشتها، كحكم الصلاة، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف.
وأوضح مؤشر الفتوى أن «أحكام الجواز سيطرت على 52 في المائة من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكلت أحكام عدم الجواز 29 في المائة، والوجوب 15 في المائة، و4 في المائة منها اشتملت على حكم (مكروه)». وأوضح عبد المنعم أن «تطبيق (يورو فتوى) معني بشكل أساسي بتعامل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية، واتجه أخيراً إلى التعامل بشكل سريع مع بعض القضايا التي تخص تنظيم (الإخوان) في العالم العربي، والتي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً عن هذه النوعية من الفتاوى أو المنتج الذي يحض على الكراهية والعنف»، لافتاً إلى أن «إحدى الباحثات في بريطانيا استطاعت عمل دراسة على (يورو فتوى) وأمدت السلطات الأمنية ببعض المعلومات عن تنظيم (الإخوان)، وأرسلت بعض الأسئلة عن المرأة إلى التطبيق، حول تعدد الزوجات وأمور أخرى، ولمست من الإجابات نوعاً من التشدد... في البداية كان هناك اعتراض على بعض الأسئلة لأنها تخص المسلمين؛ لكن فوجئت - أي الباحثة - أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع هذا التطبيق... ويتردد أيضاً أن بعض (الإرهابيين) الذين مارسوا العنف في أوروبا وبريطانيا يضعون التطبيق على هواتفهم الجوالة».
وعن إمكانية حظر التطبيق عالمياً، قال عمرو عبد المنعم، إن «حظر التطبيق لا يعني عدم وجوده، لأن القائمين عليه يستخدمون بدائل أخرى لبثه من جديد، مثل مواقع (داعش) الإرهابي التي تبث على (تليغرام)، عقب حظرها على (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، فمن السهل على القائمين على تطبيق (يورو فتوى) تغيير اسمه وبثه من جديد»، موضحاً أن «قوانين التعامل مع الجرائم الإلكترونية موجودة في كثير من دول العالم؛ لكن تطبيقها هو المهم، ويجب أن تكون هناك بدائل لحجب هذه التطبيقات التي تثير القلق».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.