يؤكد الخبراء والباحثون أن «(يورو فتوى) تابع لـ(الإخوان)، والأوروبيون بدأوا ينتبهون له، خصوصاً عندما اتجه أخيراً إلى التعامل مع بعض القضايا التي تدعم الإرهاب بشكل غير مُباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً بأن هذه النوعية من الآراء تحض على الكراهية».
وظهرت مطالب رسمية من ألمانيا وفرنسا وبعض الدول تدعو لحظر «يورو فتوى» بين الشباب المسلم. ففي ألمانيا؛ حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» في وقت سابق من التطبيق، باعتباره يقدم محتوى دينياً وفتاوى تحض على التطرف. ودعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه، مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى «منع التطبيق»، مؤكدة أن «تنظيم (الإخوان) هو من أطلق التطبيق بقيادة يوسف القرضاوي».
- مواجهة فكرية
و«يورو فتوى» تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره كلونسكي في العاصمة الآيرلندية دبلن. يقول عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «(يورو فتوى) تابع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لـ(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان يرأسه القرضاوي (ويشار إليه أنه الأب الروحي لتنظيم الإخوان)، وهو أحد المشروعات الفكرية التي تُمول من قطر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأوروبيين بدأوا ينتبهون إلى المواجهة الفكرية أكثر من المواجهة المسلحة خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وهناك كتاب وثائقي نشره صحافيان فرنسيان استطاعا أن يخترقا أكثر من 15 مؤسسة تابعة لـ(الإخوان)، بالإضافة إلى حصولهما على أكثر من 300 وثيقة، تُثبت الدعم القطري للمؤسسات الدعوية والتعليمية والتثقيفية التي يديرها التنظيم في أوروبا».
وكانت النائبة الفرنسية ذاتها قد تمكنت بمساعدة بعض زملائها البريطانيين من إزالة التطبيق من على «غوغل»؛ لكنها قالت إنه «لا يزال موجوداً على متجر (آبل)». واستشهدت ببعض فتاوى التطبيق المتشددة؛ مثل تحريم العمل في مطاعم تقدم لحم الخنزير، وتحريم العمل كأفراد شرطة.
فيما وصف الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، «خطوة المطالبة بحظر (يورو فتوى) بالجيدة جداً، التي سيكون لها مردود كبير حال تطبيق الحظر على باقي التطبيقات، التي تبث فتاوى وآراء تدعو إلى العنف والقتل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الممكن أن نرى خطوات من دول أخرى كثيرة خلال الفترة المُقبلة، تُطالب بحظر التطبيق، للحد من دعوات الكراهية».
الآراء السابقة اتسقت مع تحذيرات لمؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أطلقها مطلع الشهر الحالي، من «يورو فتوى» باعتباره يبث أفكاراً وفتاوى وآراء متطرفة تُنمي ظاهرة «الإسلاموفوبيا». وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التطبيق تضمن إشارات مُهينة للفئات غير المسلمة، تحض على العداء والكراهية للآخرين، فضلاً عن تداول فتاوى بالتطبيق تُحذر المسلمين في أوروبا من العمل ببعض الأماكن، مثل المطاعم والبنوك».
وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد دشن تطبيقاً عبر الهواتف الجوالة في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إلى تزايد الاهتمام حوله، ومتابعة المستخدمين في الغرب لكل ما يصدره من فتاوى؛ بل ومراجعة أرشيف فتاواه، وكذا الشخصيات المنتمية له عبر تاريخه.
وسبق أن حذف «غوغل» في مايو (أيار) الماضي، تطبيقاً من على متجره يحتوي على فتاوى تحرض على الكراهية للقرضاوي... وجاء حذف الموقع للتطبيق لأنه «يحتوي على خطاب مُعادٍ يُحرض على الكراهية».
والقرضاوي، المقيم في قطر، مُدرج على قوائم الإرهاب مرتين؛ الأولى عندما أعلنت «مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين» في بيان مشترك إدراج 59 شخصاً و12 كياناً على قوائم «الإرهابيين»... والثانية من محكمة جنايات القاهرة وأدرج مع 1529 «إرهابياً»، فضلاً عن أن لجنة التحفظ على أموال «الإخوان» تحفظت على أموال جميع أفراد أسرته لـ«لاتهامهم بتمويل الإرهاب، بحسب تحقيقات النيابة العامة في مصر»، بالإضافة إلى أن «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي كان يرأسه القرضاوي مُدرج على قوائم الكيانات الإرهابية.
والقرضاوي صادر بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية اغتيال عقيد شرطة بمصر، و«الإعدام» في قضيتي «اقتحام السجون»، و«غرفة عمليات رابعة»، وتُعاد محاكمته مع 28 من قادة «الإخوان» في «اقتحام الحدود الشرقية».
- فتاوى موجهة
وحول سبب المطالبة بحذف «يورو فتوى» من على «غوغل»، أوضح مؤشر الفتوى المصري في دراسة صدرت أخيراً، أن «رئاسة القرضاوي لـ(المجلس الأوروبي للإفتاء)؛ أثار الذعر والخوف في نفوس الغربيين، لما يصدر عنه من فتاوى تحمل توجهاً وآيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك».
واستدل المؤشر ببعض فتاوى القرضاوي التي أسهمت في ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، واتهام الإسلام بمُعاداة غير المسلمين. وعرض المؤشر لبعض آراء القرضاوي؛ من بينها أن «نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، واحتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا».
وذكر مؤشر الفتوى أن «القرضاوي سبق وأجاز في كتابه (فقه الجهاد) عام 2001 الأعمال التفجيرية للفلسطينيين ضد إسرائيل، ثم تراجع. وقال: (نحن أجزنا ذلك للضرورة، والضرورة انتهت)، الأمر الذي جعل المواقع الإسرائيلية تحتفي بذلك بعدما قال (إن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام)... كما دافع القرضاوي عن الأعمال الانتحارية في سوريا».
من جهته، أكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرد (يورو فتوى) من على (غوغل) سوف يحد من الكراهية، ويحمي الشباب الذين يتم تجنيدهم عبر الفتاوى والآراء التي تبث على بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «حجب (غوغل) للفتاوى الإرهابية، سوف يحد من نشرها بشكل كبير بين الشباب والصغار خصوصاً في الغرب».
المؤشر العالمي للفتوى بمصر كان قد رصد أن تطبيق «يورو فتوى» احتوى على 265 فتوى منذ انطلاقه؛ 32 في المائة منها حول العبادات، و30 في المائة تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20 في المائة مُعاملات مالية، و18 في المائة خاصة بالمجتمع.
- دعم الإرهاب
وعلل المؤشر تصدر فتاوى العبادات عبر التطبيق، نظراً لتقاليد وعادات المجتمعات الغربية؛ إذ يتساءل المسلمون هناك عن عدد من الأمور التي تجبرهم التقاليد الغربية على معايشتها، كحكم الصلاة، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف.
وأوضح مؤشر الفتوى أن «أحكام الجواز سيطرت على 52 في المائة من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكلت أحكام عدم الجواز 29 في المائة، والوجوب 15 في المائة، و4 في المائة منها اشتملت على حكم (مكروه)». وأوضح عبد المنعم أن «تطبيق (يورو فتوى) معني بشكل أساسي بتعامل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية، واتجه أخيراً إلى التعامل بشكل سريع مع بعض القضايا التي تخص تنظيم (الإخوان) في العالم العربي، والتي تدعم الإرهاب بشكل غير مباشر، ما أثار حفيظة بعض الأوروبيين والمسلمين في الغرب، الذين قدموا تقريراً عن هذه النوعية من الفتاوى أو المنتج الذي يحض على الكراهية والعنف»، لافتاً إلى أن «إحدى الباحثات في بريطانيا استطاعت عمل دراسة على (يورو فتوى) وأمدت السلطات الأمنية ببعض المعلومات عن تنظيم (الإخوان)، وأرسلت بعض الأسئلة عن المرأة إلى التطبيق، حول تعدد الزوجات وأمور أخرى، ولمست من الإجابات نوعاً من التشدد... في البداية كان هناك اعتراض على بعض الأسئلة لأنها تخص المسلمين؛ لكن فوجئت - أي الباحثة - أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع هذا التطبيق... ويتردد أيضاً أن بعض (الإرهابيين) الذين مارسوا العنف في أوروبا وبريطانيا يضعون التطبيق على هواتفهم الجوالة».
وعن إمكانية حظر التطبيق عالمياً، قال عمرو عبد المنعم، إن «حظر التطبيق لا يعني عدم وجوده، لأن القائمين عليه يستخدمون بدائل أخرى لبثه من جديد، مثل مواقع (داعش) الإرهابي التي تبث على (تليغرام)، عقب حظرها على (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، فمن السهل على القائمين على تطبيق (يورو فتوى) تغيير اسمه وبثه من جديد»، موضحاً أن «قوانين التعامل مع الجرائم الإلكترونية موجودة في كثير من دول العالم؛ لكن تطبيقها هو المهم، ويجب أن تكون هناك بدائل لحجب هذه التطبيقات التي تثير القلق».