طريقة مبتكرة لإعادة الحياة للتربة القلوية

تطوير عملية تجريبية تعتمد على الزراعة المائية

التربة القلوية غير صالحة لزراعة المحاصيل الغذائية
التربة القلوية غير صالحة لزراعة المحاصيل الغذائية
TT

طريقة مبتكرة لإعادة الحياة للتربة القلوية

التربة القلوية غير صالحة لزراعة المحاصيل الغذائية
التربة القلوية غير صالحة لزراعة المحاصيل الغذائية

في وقت تعاني فيه ثلث الأراضي الصالحة للزراعة عالمياً من نقص عنصر الحديد، الذي يجعلها غير مناسبة للمحاصيل الأساسية مثل الذرة وفول الصويا، فإن عدد سكان العالم يزداد بشكل كبير، إذ من المتوقع أن يصل لـ9.7 مليار عام 2050. وهو ما يثير تساؤلا وجوديا: كيف سنطعم كل هؤلاء؟
باحثو جامعة ستنافورد الأميركية بقيادة الدكتور إليزابيث ساتيلي، أستاذة الهندسة الكيميائية، عملوا على تقديم إجابة عملية على هذا السؤال، حيث عثروا على تكيّف وراثي يمنح نبات «أرابيدوبسيس ثاليانا»، القريب من نباتي الملفوف والخردل، فرصة النمو في منطقة غرب الولايات المتحدة، رغم أنها تربة قلوية تحبس عنصر الحديد في الأرض.
وكان السؤال الذي سألته ساتيلي وفريقها البحثي في الدراسة التي نشرت في 9 يوليو (تموز) 2019 بدورية pnas، هو إمكانية الاستفادة مما يفعله هذا النبات لزراعة نباتات أخرى في نفس البيئة الفقيرة.
واكتشف مختبر ساتيلي أن هذا النبات يتغلب على نقص الحديد بفضل الطريقة التي تتفاعل بها جذوره مع التربة القلوية، حيث أظهر الباحثون كيف تفرز جذوره جزيئا من عائلة مركب «الكومارين» تمارس ما يمكن تسميته بعملية «شد كيميائي» تساعد على إخراج الحديد إلى النبات، متغلباً على سحب هذا العنصر الذي تمارسه قلوية التربة. وليس ذلك فحسب، فنجاح جزيئات الكومارين في إخراج الحديد يدفع مجتمع البكتيريا التي تعيش حول جذور النباتات للنمو أيضا، لأن الحديد مهم لحدوث ذلك، ويساعد نمو مجتمع البكتيريا النبات في معالجة المواد الغذائية بنفس الطريقة التي تفعلها بكتيريا الأمعاء عندما تساعد الناس على هضم الطعام.
ولدراسة كل هذه التفاعلات الكيميائية، والتي تحدث عادة تحت الأرض وبعيداً عن الأنظار، طور مختبر ساتيلي عملية تجريبية تعتمد على الزراعة المائية، حيث تمت تنمية نبات «أرابيدوبسيس ثاليانا» في الماء الذي يحتوي على محتوى كيميائي ومعدني مماثل لتلك الموجودة في التربة القلوية.
وأضاف الباحثون إلى هذه البيئة، أنواعاً مختلفة من البكتيريا التي توجد عند جذر النبات، ووجدوا أن النبات حدث له نمو مشابه لما يحدث بالأرض.
تقول ساتيلي في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة ستنافورد بالتزامن مع نشر الدراسة: «على المدى القصير سنحاول فهم كيفية تكيف الكومارين بشكل أفضل حتى نتمكن من استخدامه في نهاية المطاف لزراعة القمح أو الذرة أو محاصيل أخرى في التربة القلوية».
وتضيف «يمكن أيضا استخدام تقنية الزراعة المائية لاكتشاف تكيف الكائنات الحية الدقيقة في جذور النباتات، وهذا سيؤدي إلى جيل ثانٍ من الهندسة الوراثية النباتية، وسيكتسب العلماء القدرة على نقل السمات التي تطورت بشكل طبيعي من نبات إلى آخر».
ويشير ماثياس فوجيس، الباحث المشارك في الدراسة، إلى فائدة أخرى وهي أنه في المستقبل، يمكن للباحثين استخدام هذه البيئة المائية لإنشاء بيئات تربة زائفة مختلفة لاختبار مدى تفاعل النباتات مع المشاكل الأخرى. مضيفا في التقرير الذي نشره موقع الجامعة «على سبيل المثال يمكن اختبار مدى قدرة النباتات على ضبط الميكربيوم الخاص بجذورها لتحسين امتصاص المعادن في التربة المتعطشة للنيتروجين».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

توظيف الذكاء الاصطناعي لرصد تريليونات الفيروسات داخل الإنسان

العاثيات «ملتهمة البكتيريا»
العاثيات «ملتهمة البكتيريا»
TT

توظيف الذكاء الاصطناعي لرصد تريليونات الفيروسات داخل الإنسان

العاثيات «ملتهمة البكتيريا»
العاثيات «ملتهمة البكتيريا»

الفيروسات التي نعرفها بشكل أفضل هي تلك التي تجعلنا مرضى: فيروسات الإنفلونزا التي ترسلنا إلى الفراش، وفيروسات الجدري التي قد ترسلنا إلى القبر.

مليارات الفيروسات في أجسام الأصحاء

لكن الأشخاص الأصحاء يمتلئون بالفيروسات التي لا تجعلنا مرضى. يقدر العلماء أن عشرات المليارات من الفيروسات تعيش داخل أجسامنا، على الرغم من أنهم حددوا جزءاً ضئيلاً منها فقط. والغالبية العظمى حميدة، وقد يكون بعضها مفيداً، وهم لا يعرفون ذلك على وجه اليقين؛ لأن معظم ما يسمَّى «الفيروم البشري» human virome (مجموع كل الفيروسات داخل الجسم البشري) لا يزال لغزاً.

أبحاث جامعية مشتركة

هذا العام تتعاون 5 جامعات في مهمة غير مسبوقة لتحديد هذه الفيروسات؛ إذ سيجمع الباحثون عينات من اللعاب والبراز والدم والحليب، وعينات أخرى من آلاف المتطوعين. وسوف يقوم هذا الجهد الذي يستمر مدة 5 سنوات الذي يطلق عليه برنامج الفيروم البشري Human Virome Program، ودُعم بمبلغ 171 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، بفحص العينات باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، على أمل التعرف على كيفية تأثير الفيروسات البشرية على صحتنا.

وقال فريدريك بوشمان، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة بنسلفانيا، وأحد قادة البرنامج: «أعتقد أنه سينغمر في البيانات التي لدينا حتى الآن».

اكتشاف الفيروسات البشرية

ظهرت أولى التلميحات حول «الفيروم» البشري منذ أكثر من قرن من الزمان. فعند تحليل عينات البراز، اكتشف العلماء فيروسات تُعرف باسم العاثيات (phages) (فيروسات لاقمة للبكتيريا، أو «ملتهمة البكتيريا») التي يمكن أن تستهدف البكتيريا داخل الأمعاء. كما ظهرت العاثيات في الفم والرئتين والجلد.

اكتشف العلماء لاحقاً فيروسات تصيب خلايانا دون التسبب في أي أعراض رئيسة. على سبيل المثال: تصاب الغالبية العظمى من سكان العالم بفيروسات تضخم الخلايا التي يمكن أن تستعمر كل عضو تقريباً.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قادت طرق التسلسل الجيني الجديدة العلماء إلى العثور على مزيد من الفيروسات في اللعاب والدم والبراز. كما سمحت لهم التكنولوجيا بتقدير عدد الفيروسات في أجسامنا، من خلال حساب نسخ الجينات الفيروسية. واتضح أن كل غرام من البراز يحتوي على مليارات من العاثيات.

قد تحتوي أمعاء كل شخص على مئات أو حتى ألف نوع من العاثيات. ولكن عندما ينتقل علماء الأحياء من شخص إلى آخر، فإنهم سيجدون كثيراً من الأنواع الفيروسية في شخص واحد مفقودة من شخص آخر، حتى عندما يكون هؤلاء الأشخاص متزوجين. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يدرسهم العلماء، اكتشفوا مزيداً من أنواع العاثيات.

عشرات ملايين العاثيات

قالت إيفلين أدريانسنز، عالمة الأحياء العاثية في معهد كوادرام في نورويتش بإنجلترا: «أتوقع وجود عشرات الملايين من الأنواع».

لقد تبين أن الفيروسات التي تصيب الخلايا البشرية متنوعة بشكل غير متوقع. ففي عام 1997، اكتشف باحثون في اليابان أثناء فحص دم أحد المرضى عائلة فيروسات جديدة تماماً، عُرفت باسم «الفيروسات الحلقية» anelloviruses. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، كشفت دراسة عن أكثر من 800 نوع جديد من الفيروسات الحلقية، ما يرفع العدد الإجمالي للأنواع المعروفة إلى أكثر من 6800 نوع.

تعريف الفيروس الحقيقي

تثير بعض الدراسات الحديثة حول الفيروم البشري تساؤلات حول التعريف الحقيقي للفيروس. يتكون الفيروس القياسي من غلاف بروتيني يحمل جينات مشفرة، إما في الحمض النووي ثنائي السلسلة، وإما الحمض النووي الريبي أحادي السلسلة؛ لكن العلماء يجدون أن أجسامنا هي أيضاً موطن لحلقات صغيرة للغاية من الحمض النووي الريبي العائم.

ولا يزال العلماء غير قادرين على رؤية كثير من الفيروسات البشرية. فالفيروسات صغيرة جداً لدرجة أنها يمكن أن تختبئ داخل الخلايا. ويمكن لبعضها حتى التسلل بجيناتها إلى الحمض النووي لخلية المضيف؛ حيث يمكنها الاختباء سنوات قبل التكاثر.

توظيف الذكاء الاصطناعي

وقالت الدكتورة بارديس سابيتي، عالمة الأحياء الحاسوبية في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد تي إتش تشان: «سيتعين علينا إيجاد أدوات جديدة تماماً للكشف عنها». وتعمل سابيتي وزملاؤها على تطوير نظام ذكاء اصطناعي، سيستخدمه برنامج الفيروسات البشرية لاكتشاف السمات الدقيقة للجينات الفيروسية.

سيحاول الباحثون بعد ذلك معرفة ما تفعله كل هذه الفيروسات داخل أجسامنا. كان العلماء يعاملون العاثيات تقليدياً على أنها مفترسات للبكتيريا، ويقتلونها بلا رحمة لصنع مزيد من النسخ منها. لكن التجارب الأخيرة تشير إلى علاقة أكثر تعقيداً.

وقال كولين هيل، عالم الأحياء الدقيقة في مركز أبحاث «APC Microbiome Ireland» في كورك: «إنهما ليسا في قتال حتى الموت، إنهما في شراكة». وعلى سبيل المثال، لا تقضي العاثيات في جسم الإنسان على البكتيريا المضيفة لها. وقد تستفيد البكتيريا من علاقاتها الودية مع العاثية، والتي يمكنها نقل الجينات من ميكروب مضيف إلى آخر، مما قد يعزز من بقائها.

قد تكون هذه الشراكة جيدة لصحتنا أيضاً؛ إذ تشير الدراسات الحديثة إلى أن العاثيات توزع جينات دفاعية يمكن لمضيفيها استخدامها لصد مسببات الأمراض الغازية. وقد تساعد الفيروسات المضخمة للخلايا في الدفاع عنا ضد سرطان الجلد.

دفاعات ضد السرطان

وقد وجد الدكتور شادمهر ديمهري، عالم المناعة السرطاني بجامعة هارفارد، وزملاؤه، أدلة على أن الفيروسات المضخمة للخلايا تصبح نشطة داخل خلايا الجلد التي تضررت بسبب الشمس. وتصنع الخلايا المصابة بروتينات فيروسية، تجذب انتباه الخلايا المناعية القريبة التي تهاجم الخلايا التالفة، وبالتالي قد تمنعها من التطور إلى السرطان.

أظهرت دراسات ديمهري أن فيروس الورم الحليمي البشري، أيضاً، يمكن أن يساعد في تدمير خلايا الجلد المعرضة لخطر إنتاج الورم. وقال ديمهري: «إنه تحول نموذجي في كيفية تفكيرنا في الفيروسات بشكل عام».

* خدمة «نيويورك تايمز».