تجار يشكون عدم توافر اليد العاملة اللبنانية ويخشون الإفلاس

بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة العمل

لافتة تطلب عمالاً لبنانيين على واجهة أحد المطاعم في بيروت (الشرق الأوسط)
لافتة تطلب عمالاً لبنانيين على واجهة أحد المطاعم في بيروت (الشرق الأوسط)
TT

تجار يشكون عدم توافر اليد العاملة اللبنانية ويخشون الإفلاس

لافتة تطلب عمالاً لبنانيين على واجهة أحد المطاعم في بيروت (الشرق الأوسط)
لافتة تطلب عمالاً لبنانيين على واجهة أحد المطاعم في بيروت (الشرق الأوسط)

لا يشبه الشارع الرئيسي في منطقة الدورة في بيروت ما كان عليه قبل أشهر. فالأرصفة التي كانت تعج بالمشاة والمتسوقين بدت خالية منهم، تماماً كالمحال التجارية المنتشرة بأعداد كبيرة في المنطقة التي تعتبر مقصداً أساسياً لذوي الدخل المحدود والفقراء من اللبنانيين والعمال الأجانب. أما سبب المشهد الجديد في سوق الدورة، فالإجراءات التي اتخذتها أخيراً وزارة العمل من خلال خطة مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية التي طالت بشكل أساسي العمال السوريين الذين يعمل القسم الأكبر منهم من دون إجازات عمل معتمدين على إقامات مؤقتة من الأمن العام حصراً.
ويشكو باسم، وهو مدير أحد المطاعم في المنطقة، من تراجع البيع بنسبة 50 في المائة، لافتاً إلى أنه كان يعتمد بشكل كبير على العمال الأجانب الذين يزورون المنطقة نهاية الأسبوع وبخاصة يوم الأحد، لكن قسماً كبيراً منهم لم يعد يتجول فيها خوفاً من الحملات المشددة من قبل الأجهزة الأمنية بحثاً عمن لم يسوّ وضعه القانوني، ومن لا يملك أوراقاً رسمية تسمح له بالعيش في لبنان والعمل فيه. وقال باسم لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعي أن ما يحصل يندرج في إطار تطبيق القوانين اللبنانية، لكن التشدد دفعة واحدة انعكس سلباً علينا، وبخاصة لجهة عدم توافر عمال لبنانيين قادرين على تغطية التخلي عن خدمات العمال السوريين؛ ما يعني أنه إذا بقي الأمر على ما هو عليه سنعلن إفلاسنا وإغلاق مؤسساتنا».
وبحسب مصادر وزارة العمل اللبنانية، لم يعد مسموحاً لأي مؤسسة أن تستخدم حصراً عمالاً أجانب بغياب العمال اللبنانيين، مشيرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه بات هناك نوع من الكوتا تقول بوجوب أن يعمل في أي مؤسسة أجنبي واحد مقابل 3 لبنانيين، علماً بأننا نتساهل أو نتشدد في هذا الموضوع تبعاً لطبيعة المهنة. وتضيف المصادر: «لم يعد مسموحاً أن يكون هناك مؤسسة كل موظفيها من الأجانب، فإذا افترضنا مثلاً أن هناك صعوبة في تأمين موظفين لبنانيين يهتمون بالتنظيف، يجب على الأقل أن يكون المسؤول عن العمال الأجانب لبنانياً».
وتنتشر أوراق مطبوعة على واجهات المحال التجارية في الدورة طلباً لعمال لبنانيين، إلا أن أصحاب هذه المحال يشكون من أن الأيام تمر من دون تقدم عمال لبنانيين للوظائف المتاحة. ويقول سمير (66 عاماً) وهو صاحب محل ألبسة، إنه استبدل إحدى العاملات السوريات بعاملة لبنانية سرعان ما ارتأت أن تترك العمل لأنه طلب منها تنظيف الرفوف والعمل يوم الأحد على أن تكون إجازتها خلال يوم آخر منتصف الأسبوع. ويضيف: «الحركة تنشط لدينا يوم الأحد، فكيف يمكن أن أقفل المحل ونحن أصلاً طوال أيام الأسبوع نعاني من غياب الزبائن».
وكما سمير يشكو فادي (40 عاماً)، الذي افتتح قبل نحو 3 أشهر مقهى للنرجيلة في المنطقة، من عدم توافر عمال لبنانيين يعملون في هذا المجال، لافتاً إلى أنه يضطر حالياً إلى الاهتمام شخصياً بالزبائن. وقال فادي لـ«الشرق الأوسط»: «أعلم أن هناك قوانين يجب أن تطبق، لكن عليهم مراعاتنا في بعض المهن التي يرفض اللبناني العمل فيها. وقد أدت الإجراءات الأخيرة إلى إقفال عدد كبير من المؤسسات هنا، وتراجع الحركة بنسبة 80 في المائة».
وتقدر مصادر معنية عدد العمال السوريين في لبنان بنحو 800 ألف، إلا أن 2356 سورياً فقط حصلوا على إجازات عمل من الوزارة. كما يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي يعملون في لبنان بـ65 ألفاً، وقد استحصل 1096 عاملاً فقط على رخصة.
وتتصدر إثيوبيا، بحسب أرقام حصلت عليها «الشرق الأوسط» من وزارة العمل، عدد العمال الشرعيين في لبنان برقم تجاوز الـ148389 يعمل القسم الأكبر منهم عاملات في المنازل، تماماً كالعمال من بنغلادش الذين يبلغ عدد الإجازات الممنوحة لهم 35538، يليهم 22566 عاملاً مصرياً، 20723 عاملاً من الفلبين، 7285 عاملاً هندياً و6479 عاملاً من سريلانكا.
وبحسب دراسات سابقة قام بها وزراء عمل سابقون، تحتاج السوق اللبنانية إلى نحو 250 ألف عامل أجنبي سنوياً يعملون بشكل أساسي في قطاعات البناء والزراعة والتنظيف، لكن هذا الرقم تجاوز معدلاته في السنوات الماضية مع تسجيل عمل 350 ألف سوري بقطاع البناء والبنى التحتية و400 ألف آخرين بقطاع الزراعة.
وقد ارتفعت صرخة أصحاب الأفران أخيراً نتيجة الإجراءات الجديدة لوزارة العمل. ولوّح هؤلاء برفع سعر الخبز. وأعلن نقيب أصحاب الأفران كاظم إبراهيم بعد لقائه وزير الصناعة وائل أبو فاعور أخيراً عدم استعداد اللبنانيين للعمل في الأفران نظراً لظروف العمل الصعبة. وقال إن طلب وزارة العمل تسجيل العمال الأجانب في الضمان وتأمين إجازة عمل وبطاقة صحية لهم، «أمر مكلف جداً يزيد الأعباء على أصحاب الأفران؛ ما سيضطرهم إلى رفع سعر الرغيف كثيراً».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.