اجتماع الرياض أطلق مسار التطبيع... وموسكو تتطلع لـ«تنظيف إرث بايدن»

قمة ترمب - بوتين قد تعقد قبل نهاية الشهر... و«عقبات» أوروبية تهدد تسوية أوكرانيا

يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يمين) نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في قصر الدرعية بالرياض (أ.ف.ب)
يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يمين) نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في قصر الدرعية بالرياض (أ.ف.ب)
TT

اجتماع الرياض أطلق مسار التطبيع... وموسكو تتطلع لـ«تنظيف إرث بايدن»

يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يمين) نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في قصر الدرعية بالرياض (أ.ف.ب)
يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يمين) نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في قصر الدرعية بالرياض (أ.ف.ب)

كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تفاصيل جولة المحادثات المطولة التي أجراها، الثلاثاء، في الرياض، الطرفان الروسي والأميركي. وبدا لافروف مرتاحاً لنتائج المحادثات، وقال في مداخلة أمام البرلمان الروسي، خلال اجتماع «ساعة حكومية» المخصص عادة للاستماع إلى إفادات الوزراء، إن لقاء الرياض أطلق عملياً مسار التطبيع في العلاقات بين موسكو وواشنطن.

وقال مخاطباً النواب في مجلس الدوما (النواب): «كما أظهرت مفاوضات الأمس، فإن التحرك نحو تطبيع العلاقات في جميع الاتجاهات بدأ بالفعل. وهناك على الأقل استعداد، واستعداد معلن لبدء هذه الحركة. ولحل، ليس فقط الأزمة الأوكرانية، بل لخلق الظروف لاستعادة وتوسيع الشراكة في المجالات التجارية والاقتصادية والجيوسياسية بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة».

ورأى لافروف أن «روسيا والولايات المتحدة بدأتا في الابتعاد عن حافة الهاوية في العلاقات بعد هذا الاجتماع»، مشدداً على توافق الطرفين على أنه «من الضروري تنظيف إرث (الرئيس السابق جو) بايدن لتهيئة الظروف لبناء الشراكات في التجارة والسياسة».

جانب من المحادثات الأميركية - الروسية بقصر الدرعية في الرياض (رويترز)

وأكد أن موسكو لديها رغبة في تهيئة الظروف لاستعادة وتوسيع الشراكة مع الولايات المتحدة، وقال إن بلاده تأمل، على خلفية الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، أن «تتوفر الظروف لإجراء مفاوضات بشأن الأمن والاستقرار الاستراتيجي، وأن يبدأ التحرك نحو التطبيع»، مؤكداً أن وفد الولايات المتحدة أعرب عن اهتمام بإزالة العوائق أمام المشاريع المحتملة والواعدة في الاقتصاد. وأضاف الوزير أن «المصالح الوطنية لموسكو وواشنطن لن تتوافق أبداً بشكل كامل، ولكن يجب على الطرفين الاستفادة من بعضهما البعض».

حول الصراع في أوكرانيا

في ملف الصراع حول أوكرانيا، عكست لهجة لافروف ارتياحاً مماثلاً، وقال إن الوفد الروسي المفاوض ركز على أنه «لا يوجد بديل عن القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية». وزاد أن الرئيس فلاديمير بوتين «ركز بشكل خاص على هذه النقطة المهمة للغاية في محادثته الهاتفية مع الرئيس دونالد ترمب في 12 فبراير (شباط)، وأمس أولينا اهتماماً خاصاً لهذا الموضوع خلال الاجتماع مع وزير الخارجية الأميركي، بمشاركة مساعدين لشؤون السياسة الخارجية والأمن القومي».

وقال الوزير إن الجانب الروسي دعا واشنطن خلال المفاوضات إلى «إزالة التهديدات لأمن روسيا، والتي تم إنشاؤها لسنوات عديدة من خلال جر كييف إلى حلف شمال الأطلسي». وأوضح أن الانطباع الذي خرج به المفاوضون الروس يؤكد أن «الرئيس ترمب يتفهم هذا الموقف والمخاوف الروسية».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس خلال اجتماعهما على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الجمعة (أ.ب)

أيضاً قال إن الوفد الروسي أكد ضرورة «وقف إبادة كل ما يرتبط بروسيا في أوكرانيا، ووقف اضطهاد الثقافة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية». وقال إن موسكو أبلغت واشنطن أنها تشعر بالقلق إزاء صعود النازية الجديدة في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وكندا.

واستمرت المحادثات الروسية - الأميركية رفيعة المستوى عدة ساعات، واختتمت، الثلاثاء. وحضر اللقاء من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومساعد الرئيس يوري أوشاكوف. ومثّل واشنطن وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف. وفي أعقاب الاجتماع، أعلن الوفدان الروسي والأميركي عن نتائج إيجابية، والاتفاق على حل المشاكل بشكل مشترك، والتحضير لاجتماعات جديدة.

الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك (أ.ب)

ترميم العلاقات مع واشنطن

وحول العلاقات الثنائية مع واشنطن، قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إنها «تحتاج إلى ترميم، ولا يمكن تصحيح الوضع في يوم واحد». وزاد أن «الدبلوماسيين سوف يبدأون العمل على إعادة العلاقات في ضوء الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الرياض (...) المزاج السائد لمواصلة عملية التفاوض عملي، والزخم جيد جداً».

بدوره، وصف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، الذي كان مسؤولاً عن المسار الاقتصادي للمفاوضات، نتائج الاجتماع بأنها إيجابية. وقال إن موسكو تعول على البناء على «الخطوة الأولى»، وإطلاق مسار متسارع لتطبيع العلاقات في المجالات كافة. في مقابل التفاؤل الروسي بمستوى الزخم الذي وفرته اجتماعات الرياض، أعرب محللون في موسكو عن مخاوف من أن يعمل الأوروبيون على محاولة عرقلة تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن، ووضع عراقيل أمام التسوية المنتظرة في أوكرانيا.

قمة بوتين - ترمب

في غضون ذلك، أعلن بيسكوف أن القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي والأميركي قد تنعقد قبل نهاية الشهر الحالي. وأوضح أن «وسائل الإعلام الغربية تكتب كثيراً، ووسائل إعلامنا تكتب كثيراً... الأكيد أن لقاء الزعيمين سيتطلب استعدادات معينة من قبل وزارتي الخارجية، وقد يتم ترتيب اللقاء قبل حلول نهاية الشهر». وقال بيسكوف إن موسكو وواشنطن اتخذتا «خطوة مهمة للغاية نحو حل الصراع في أوكرانيا». وزاد أن «بوتين سوف يعين مفاوضاً من روسيا في هذا الشأن اعتماداً على من تعينه الولايات المتحدة، مفاوضاً من الجانب الأميركي». وأضاف بيسكوف أن الكرملين «ينتظر أن يبلور (الرئيس الأوكراني) فولوديمير زيلينسكي موقفه بشأن حل النزاع»، في إشارة إلى ترقب استعداد كييف للانخراط في عملية سياسية.

كما ذكر المتحدث باسم الكرملين أن روسيا والولايات المتحدة بحثتا إمكانية إجراء انتخابات في أوكرانيا خلال محادثات الرياض، وتم «تبادل الآراء» حول هذا الموضوع، وأضاف بيسكوف أنه «بالطبع، لا يمكن اتخاذ قرار بشأن هذا الأمر في موسكو أو واشنطن».

الرئيس الأوكراني زيلينسكي يتهم القيادة الروسية بالكذب (أ.ف.ب)

واعتبر زيلينسكي، الأربعاء، أن ترمب «يعيش في مساحة من التضليل»، وذلك رداً على انتقادات وجّهها إليه نظيره الأميركي، وقال في مؤتمر صحافي في كييف: «الرئيس ترمب الذي نحترمه للغاية بوصفه قائداً للشعب الأميركي... يعيش للأسف في مساحة من التضليل»، معتبراً أن هذا التضليل «مصدره روسيا».

وبدوره، أكد كيث كيلوغ، موفد الرئيس الأميركي لأوكرانيا، الأربعاء، أن واشنطن تتفهم حاجة أوكرانيا لضمانات أمنية، في أول زيارة له إلى كييف غداة محادثات الرياض وتوجيه دونالد ترمب انتقادات حادة للرئيس الأوكراني. وبعد ساعات، أكد زيلينسكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن المسؤولين الروس «مصابون بالكذب المرضي ولا يمكن الوثوق بهم». وقال كيلوغ لدى وصوله إلى كييف: «نتفهّم الحاجة إلى ضمانات أمنية. نحن واضحون للغاية بشأن أهمية ذلك في إطار سيادة» أوكرانيا. وأضاف: «سيكون جزءاً من مهمتي الجلوس والاستماع لمخاوفكم».

حزمة عقوبات أوروبية جديدة

وكتب فلاديمير فاسيلييف، الباحث الرئيسي في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، أن «نجاح مفاوضات موسكو وواشنطن بشأن الصراع سيظل يعتمد على سلوك الاتحاد الأوروبي وكييف».

ويرى فاسيلييف أن «الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لا يريدان أن تنتهي العمليات العسكرية بسرعة. وربما يخشيان أن يؤدي هذا إلى انهيار نظام زيلينسكي. وهناك احتمال أن يحاول الغرب تقليص المواجهة إلى صراع بطيء، كما حدث بعد توقيع اتفاقيات مينسك». وعلاوة على ذلك، فإنه يرى أن إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا لا يضمن على الإطلاق وصول قيادة أكثر استيعاباً للسلطة. ولا يمكن استبعاد أن يصوت الأوكرانيون لصالح «جنرال النصر» الذي يعارض السلام مع روسيا. وفي هذا الصدد، وفي مقابل التفاؤل بانطلاقة جديدة للعلاقات الروسية - الأميركية، فقد حثّ الخبير على «عدم توقع حلول سريعة، أو حلول بسيطة للمشكلة حول أوكرانيا».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ في بروكسل (رويترز)

وأيدت دول الاتحاد الأوروبي حزمة العقوبات السادسة عشرة على روسيا، قبل أيام من الذكرى الثالثة للاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا، طبقاً لما ذكرته الرئاسة البولندية للاتحاد.

ووافق سفراء دول الاتحاد الأوروبي على الحزمة الجديدة من الإجراءات العقابية، ومن المقرر اعتمادها بشكل رسمي عندما يجتمع وزراء خارجية التكتل، الاثنين المقبل، وهو الذكرى الثالثة للحرب. وتستهدف الإجراءات العقابية الجديدة قائدي ومالكي السفن التابعة لما يسمى بأسطول الظل الروسي، وهو شبكة من السفن ذات الملكية غير الواضحة، وبعضها حتى غير مؤمن عليها. ويتم استخدام هذه السفن للالتفاف على سقف الأسعار الذي فرضه الغرب على صادرات النفط الروسية إلى دول ثالثة، أو لنقل الحبوب المسروقة من أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: غارة روسية على كييف استخدمت صاروخاً كورياً شمالياً

أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون يزيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي على كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)

زيلينسكي: غارة روسية على كييف استخدمت صاروخاً كورياً شمالياً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الخميس إن معلومات أولية تشير إلى أن روسيا استخدمت صاروخاً باليستياً من كوريا الشمالية في هجوم استهدف منشأة سكنية.

«الشرق الأوسط» ( كييف )
أوروبا جنود من الجيش البريطاني (رويترز)

تقرير: بريطانيا تتجه لإلغاء خططها لإرسال آلاف الجنود إلى أوكرانيا

أفادت صحيفة «التايمز» البريطانية (الخميس) بأن بريطانيا تتجه لإلغاء خططها لإرسال آلاف الجنود إلى أوكرانيا، معتبرة أن هذه الخطوة تنطوي على «مخاطر عالية جداً».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب) play-circle

ترمب يؤكد أنه «يضغط بشدة» على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا

أكّد الرئيس الأميركي أنه يضغط بشدة على روسيا للموافقة على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بعد أن ألقى قصف روسي على كييف مزيداً من الشكوك على فرص وقف النار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير المالية الأوكراني سيرغي مارشينكو (حسابه على منصة «إكس») play-circle

كييف: نحرز تقدماً في اتفاقية المعادن مع واشنطن

قال وزير المالية الأوكراني سيرغي مارشينكو إن كييف وواشنطن أحرزتا تقدماً في اتفاقية المعادن لكن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق نهائي خلال الأسبوع الجاري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ يتهم البعض ترمب بالتودد إلى بوتين (أ.ف.ب) play-circle

بعد الهجوم الدامي على كييف... ترمب يدعو بوتين إلى «التوقف»

بعد الهجوم الدامي على كييف... ترمب يدعو بوتين إلى «التوقف»، وإجماع على أن الضغوط الأميركية تتجه لمصلحة روسيا.

إيلي يوسف (واشنطن)

لافروف: روسيا مستعدة لإبرام اتفاق مع أوكرانيا

وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
TT

لافروف: روسيا مستعدة لإبرام اتفاق مع أوكرانيا

وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

أعلن وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف أنّ بلاده «مستعدّة» لإبرام اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفقا لمقتطفات من مقابلة أجراها مع قناة أميركية ونُشرت الخميس.

وقال لافروف في هذه المقابلة عبر قناة «سي بي إس» إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب «يتحدّث عن اتفاق، ونحن مستعدّون لإبرام اتفاق، لكنّ بعضا من العناصر المحدّدة لا يزال يحتاج إلى ضبط دقيق». وأضاف «هناك مؤشرات عدة تدل على أننا نسير في الاتجاه الصحيح»، وذلك في وقتٍ تشهد المفاوضات الشاقة التي يجريها الرئيس الأميركي توتّرا بشأن قضية القرم.

وردا على سؤال حول موجة الغارات الجديدة على أوكرانيا التي شُنّت ليل الأربعاء الخميس وخلّفت ما لا يقل عن 12 قتيلا وعشرات الجرحى في كييف، أجاب لافروف «نحن نستهدف فقط أهدافا عسكرية أو مواقع مدنية يستخدمها الجيش». وقال «إذا كان الأمر متعلقا بهدف يستخدمه الجيش الأوكراني، فإن وزارة الدفاع والقادة على الأرض لديهم الحق في مهاجمته».

وهاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره الروسي الخميس، متوجّها إليه بكلمتَي «فلاديمير، توقّف!»، بعد الضربات الجديدة على كييف.