«كاراج سوق» البيروتية... أجواء أسواق «كاربوت» اللندنية بين يديك

تتيح فرص التسوق بأسعار زهيدة

ابتداء من غد تنطلق النسخة الأولى من «كاراج سوق»
ابتداء من غد تنطلق النسخة الأولى من «كاراج سوق»
TT

«كاراج سوق» البيروتية... أجواء أسواق «كاربوت» اللندنية بين يديك

ابتداء من غد تنطلق النسخة الأولى من «كاراج سوق»
ابتداء من غد تنطلق النسخة الأولى من «كاراج سوق»

ابتداء من غدٍ (الأحد)، 21 يوليو (تموز) الحالي، تنطلق النسخة الأولى من «كاراج سوق» في منطقة مار مخايل البيروتية. هذا الحدث الذي سيتحول إلى موعد أسبوعي يقصده هواة التسوق بأسعار أقل من غيرها، تنظمه المهندسة التصميمية جيهان زهاوي ناقلة أجواء أسواق «كاربوت» اللندنية إلى بيروت. فهي لبنانية - عراقية - بريطانية تعيش في لبنان، سبق أن شاركت في أسواق ومعارض مشابهة في عاصمة الضباب.
«ستكون بمثابة سوق (كاربوت) اللندنية، وهي من الأسواق الشعبية المشهورة التي تنظمها مدارس وكنائس وجمعيات مختلفة هناك، فتتوزع على جميع أنحاء لندن، متيحةً للناس فرصة تسوق لا تشبه غيرها»، توضح جيهان زهاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط».
وهذه السوق التي يشارك فيها نحو 25 عارضاً وعارضة، ستحمل في أقسامها كل ما يخطر على بالك من أغراض ومقتنيات وحتى مأكولات. وتحت عنوان «اشتري وبيع من البابوج إلى الطربوش» تنطلق السوق يوم الأحد من كل أسبوع، وإلى نهاية السنة الحالية.
«كلّ منا لديه في منزله أغراض يرغب في التخلص منها بشكل أو بآخر». تقول زهاوي في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «وفي هذه السوق ستتاح الفرصة لبيعها بعيداً عن التفكير في رميها. فهي مقتنيات عاشت معنا ورافقتنا في حياتنا، وبالتالي هي عزيزة على قلوبنا ونمتنع عادة عن رميها لأنّها تحمل لنا ذكريات كثيرة في طيّاتها. ومن هنا يشارك في هذه السوق رجال ونساء يعرضون ما لديهم من فائض حاجات ومقتنيات من دون التفريط بها. وهي سوق تفسح المجال أمام الجميع بتوفير مصروف إضافي لهم في حال مشاركتهم فيها».
كل ما يخطر على البال من قطع أثاث وأنتيكا وأعمال حرفية ومشغولات يدوية وكُتُب عتيقة وأنواع صابون بلدي ومجوهرات حقيقية وزائفة، إضافة إلى أزياء أُعِيد تصميمها وأوانٍ فضية وغيرها، سيتضمنها هذا المعرض، الذي يمكن للشخص أن يحمل أي قطعة أثاث أو لعبة أولاد أو حذاء من منزله ويعرضها للبيع فيه.
هي إذن سوق شبيهة إلى حدّ ما بأسواق البرغوث؟ تردّ زهاوي: «ليس تماماً، لأنّها تعرض أغراضاً قديمة ولكنّها تحافظ على جودتها. فعادة ما نقتني زجاجيات وأواني بورسلين وغيرها من الأغراض التي لا نستعملها بتاتاً، فتكون لا تزال محافظة على جودتها ومظهرها الجديد، فتُعرض للبيع في (كاراج سوق). وهي بالتالي فسحة تسوق لا تقتصر على الأغنياء، كما في مراكز وأسواق تجارية أخرى، بل تجذب أيضاً محدودي الدخل».
ولا تقتصر «كاراج سوق» على بيع القطع والأدوات والأغراض المنزلية والأزياء، بل تشمل أيضاً المأكولات والمونة اللبنانية من مربيات وعصائر وأطباق جبلية وحلويات مصنوعة في المنزل، ولا تُتاح لنا الفرصة الدائمة لنحظى بها.
«لقد خصصنا للمونة اللبنانية قسماً خاصاً، مما يحرّك العجلة الاقتصادية لدى ربّات المنازل خاصة، ويبعد عنهن شبح الضيق المالي. فهناك من يحضّرن الكنافة النابلسية، وأخريات يعرضن منتجات صُنِعت يدوياً، وأخرى بمكونات طازجة (أورغانيك) لا تدخل عليها موادّ مصنَّعة».
وتقول خلود خالدي إحدى المشاركات في «كاراج سوق» لـ«الشرق الأوسط»: «كوني أردنية الأصل أخذتُ على عاتقي تحضير طبق الكنافة النابلسية الأصيلة. ومن هذا المنطلق سأشارك في السوق كي يتعرف اللبنانيون عن كثب على هذه الحلويات على الطريقة الأردنية. فجميع مكونات الطبق مستقدَمة من الأردن، بلدي الأم، بدءاً من الجبن والسمن، وصولاً إلى البهارات التي تعطّرها. والأهم في الموضوع هو أنني أحضرها بنفسي في البيت، لتحمل توقيع (أكل بيتوتي) بامتياز».
أما كورين خوري، التي تشارك في «كاراج سوق» من خلال صناعتها لقطع «الكرواسان» الفرنسية الشهيرة فتقول: «لقد لبننتُ الـ(كرواسان) ليأخذ طابعاً بلدياً بعيداً عن تلك المعروفة في فرنسا. فإضافة إلى تحضيري قطع (كرواسان) تقليدية، فإنني أحرص على تحضير أخرى معطرة عجينتها بالصفران والروماران وكافيه كارداموم. وتضيف كورين التي تحضّر هذه العجينة وتخبزها في منزلها وترسلها حسب الطلب إلى عنوان محدد: «ابتكرتُ أيضاً الـ(كرواسان) المالح المحشو بالـ(فواغرا) و(جبن الماعز)، وغيرها من المكونات الجديدة التي لم يسبق لنا أن تذوقناها بشكل عام». توضح خوري في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
«كاراج سوق» الذي يفتح أبوابه كل أحد من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساء، سيكون عنواناً جديداً يندرج على لائحة الأسواق الشعبية التي تُنظَّم في لبنان، ولكن ضمن قالب أنيق. وتفسح منظمته «جيهان زهاوي» الفرص أمام الراغبين بالمشاركة فيها لتكون فسحة تجارية تتيح لمختلف الشرائح الاجتماعية أن تقصدها فتشارك فيها من ناحية، وتمارس هواية التسوق من ناحية ثانية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».