ناصيف زيتون يشعل ليل العاصمة معززاً شباب الأغنية اللبنانية

تقدمت إليسا الحضور في «أعياد بيروت» فغنى لها «عابالي حبيبي»

ناصيف زيتون  -  جمهور حاشد جاء ليحضر حفل ناصيف زيتون في «أعياد بيروت»
ناصيف زيتون - جمهور حاشد جاء ليحضر حفل ناصيف زيتون في «أعياد بيروت»
TT

ناصيف زيتون يشعل ليل العاصمة معززاً شباب الأغنية اللبنانية

ناصيف زيتون  -  جمهور حاشد جاء ليحضر حفل ناصيف زيتون في «أعياد بيروت»
ناصيف زيتون - جمهور حاشد جاء ليحضر حفل ناصيف زيتون في «أعياد بيروت»

عاشت بيروت واحدة من لياليها الملاح في الحفل الغنائي الذي أحياه ناصيف زيتون على خشبة مسرح «أعياد بيروت»، وسط العاصمة، وللسنة الثانية على التوالي. وزحف الآلاف من محبي المطرب الشاب إلى الواجهة البحرية، حيث موقع الحفل، فجاءوا من مصر والخليج العربي وسوريا (بلده الأم) ومناطق لبنانية مختلفة، ممنين النفس بتمضية سهرة من العمر. فهو بالنسبة لهم فنانهم المفضل الذي «يعرف كيف يختار أغانيه»، كما ذكرت إحدى معجباته لـ«الشرق الأوسط»، وأيضاً «فنان ديناميكي شاب نفتقد أمثاله على الساحة، وسنواكبه، ونكبر معه»، كما يقول معجب آخر.
وازدحم مدرج الحفل بنسبة كبيرة من الجنس اللطيف تقدمته الفنانة إليسا التي كانت أول من تنبأ لزيتون بالنجاح في بداياته. واصطف فريق كورال يرتدي البذة الرسمية على المسرح، ليفتتح الحفل مع موسيقى أغنية لزكي ناصيف وأخرى خاصة بزيتون، ولتتسم بطابع سيمفونية أوبرالية عزفتها الفرقة الموسيقية، وأرادها المغني الشاب مقدمة مغايرة عن حفلاته السابقة.
لم يكن من الضروري على ناصيف زيتون أن يبدأ بالغناء لتشتعل أجواء المسرح، إذ إن مجرد إطلالته على الخشبة أحدثت هرجاً ومرجاً بين الحضور الذي علت صيحاته تعبيراً عن حبّه له، وهو يردد «نحبك ناصيف». ومع مجموعة من أغانيه المعروفة سبقها ترحيب حار بالفنانة إليسا، التي جلست في المقاعد الأمامية، وبكلمة شكر لأمين أبي ياغي صاحب شركة «ستار سيستم» المنظمة للحفل، بالتعاون مع أخرى، انطلق الحفل. وبعيد أدائه «شيلي الدمعة من عينك» و«إيه بحبك إيه» و«كلّو كذب» راح يغني «مش عم تظبط معي» التي رددها معه الجمهور، ورقص ناصيف على أنغامها متجولاً على الخشبة بحماس الفنان المنتشي بحب جمهوره، وتوجه إلى قائد فرقته الموسيقية يقول «رح خربط البرنامج عطيني (نامي عا صدري)». ولينزل عن خشبة المسرح ويجلس بالقرب من إليسا متوجهاً إليها بكلمات الأغنية، ومتوقفاً عند عبارة «الليلة حياتي رح يطول عمرا»، داعياً لها بطول العمر.
هذا المقطع الغنائي الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي كونه يجمع ضيفين أساسيين من ضيوف «أعياد بيروت» وفنانين لهما مكانتهما الكبيرة في قلوب اللبنانيين، انتهى بصرخة من زيتون يطالب بها جمهوره بالتصفيق لإليسا تكريماً لحضورها.
وعند بدء الفرقة الموسيقية عزف أغنية «كرمال الله»، وقف الجمهور كأمواج بحر متحركة تتمايل وتغني على إيقاعها. فوقف ناصيف زيتون يتأمله بإعجاب وهو يردد «ممنونكم أنا». وعندما هتفت مجموعة من الشبان والشابات «أبو إلياس» وهو لقبه المفضل تطالبه بالتقاط صورة تذكارية معه، نزل الفنان الشاب عن الخشبة ولبّى طلبها، خصوصاً أن هذا اللقب عزيز على قلبه.
وإثر أدائه أغنيته الحديثة «تكة» التي رافقتها خلفية الكليب الغنائي لها على شاشة ضخمة توسطت الخشبة، رغب ناصيف زيتون في تكريم ضيفته الرئيسية إليسا على طريقته، فقدم مقطعاً من أغنيتها المعروفة «عبالي حبيبي»، وليشاركه فيها الحضور الغناء والتصفيق الحار للفتته هذه. وليختم هذه المشهدية متوجهاً مرة جديدة للضيفة الاستثنائية، وهو يجلس القرفصاء، ويقول «هيدا من بعد إذنك»، فوقفت إليسا تصفق له إعجاباً.
لم يستكن جمهور «أعياد بيروت» أو يكلّ من الغناء مع ناصيف زيتون طيلة ساعتين متتاليتين. وبدت خشبة المسرح نفسها منتعشة بأنفاس فنان يعزز شباب الأغنية اللبنانية، ويحدث الفرق رغم فتوة نجوميته. وأكمل زيتون الحفل مع باقة من أغانيه الشهيرة «مجبور» و«خلص استحي» و«كل يوم بحبك» (أصدرها الأسبوع الفائت)، فبدا متمكناً من أدائه متمتعاً بثقة كبيرة بالنفس، ومتميزاً بحضور مطرب لم تفقده الشهرة تواضعه وطبيعيته وعفويته.
ومع «أزمة ثقة» الأغنية التي حفظها جمهور عربي واسع بفضل مسلسل «الهيبة - الحصاد»، اختتم ناصيف زيتون ثاني حفلات «أعياد بيروت». فكانت سهرة غنائية تميزت بطاقة لافتة. فقفز ورقص وغنى، وواكب النوتات الموسيقية ضمن إيقاع حركة دائمة طبعته من رأسه حتى أخمص قدميه. ومعه استعادت بيروت ضحكتها، لا سيما وأنها عاصمة البلد الذي صنع نجوميته وسلط عليه الأضواء.
وتكمل «أعياد بيروت» برنامج حفلاتها لهذا الصيف مع سهرة غربية يحييها فريق «ستارز 80» مساء غد في 17 من الشهر الحالي. وليتبعها في 19 منه إطلالة لزياد الرحباني، ومن ثم حفلة موسيقية للموسيقي العالمي يني. أما إليسا فستحضر كعادتها ضيفة على المهرجان، وذلك في 26 يوليو (تموز) الحالي، وليختتم المهرجان دورته للعام الحالي مع فريق «Beirut Summer Shakedown» مساء 30 يوليو في ليلة شبابية مخصصة لمحبي الموسيقى الصاخبة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».