الهند وقصص تحويل مكبات النفايات إلى حدائق ومتنزهات

حملات تشجير في دلهي
حملات تشجير في دلهي
TT

الهند وقصص تحويل مكبات النفايات إلى حدائق ومتنزهات

حملات تشجير في دلهي
حملات تشجير في دلهي

تحولت قطعة أرض على مساحة 380 فداناً من الأراضي القاحلة كانت تُستخدم كمكبّ للنفايات في قلب مدينة جورجاون بضواحي دلهي إلى متنزه «أرافالي» للتنوع البيولوجي، الذي يُعتبر إحدى البقع الخضراء في منطقة «غروغام» التي تضم أكثر من 120.000 شجرة، وتجتذب هواة المشي والركض في الصباح، وأيضاً راكبي الدراجات ومراقبي الطيور.
جاء هذا التحول الكبير نتيجة عمل شاق قامت به لاتيكا ثوكرال، النائبة السابقة لرئيس بنك «سيتي» التي تبلغ من العمر 53 عاماً، والتي أقامت في السابق بمدينة جورجان، وتركت عملها عام 2009 لبدء العمل بمشروع «أيام جورجان» برفقة أصدقائها.
المدهش أن المتنزه بات يعج الآن بأكثر من 183 نوعاً مختلفاً من الطيور بالإضافة إلى حيوانات مفترسة وثعابين وابن آوى. أصبح متنزه «غرغرام» واقعاً ملموساً بفضل المساهمة الفعالة للمجتمع وبعض المؤسسات الاجتماعية التي شاركت في عمليات التنظيف وغرس الأشجار.
أوضحت ثوكرال أنه بالإضافة إلى روعة عمليات التشجير، فقد ضرب هذا المتنزه مثلاً في الحفاظ على المياه بقولها: «حتى لا تُهدَر أي قطرة في هذه الحديقة، فإن أي هطول للأمطار يأتي إلى هذه الحديقة يذهب لري الأرض. حتى على جانبي الطريق يجري توفير المياه بتوجيهها إلى بالوعة المياه الجوفية التي أنشأناها ليجري تغذية كل فدان في هذا المنطقة بنحو مليوني لتر، تخيل ما يتطلبه 350 فداناً!».
تُعدّ دلهي واحدة من أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان والتلوث في العالم، لكن من المدهش أنها تمتلك الحد الأقصى من الغطاء الحرجي (الغابات)، حيث تغطي الغابات المستدامة نحو 20 في المائة من مساحتها، غير أنه للأسف يجري تحويل الكثير منها ببطء إلى ساحات خرسانية ومخلفات مع تزايد الضغوط السكانية.
لكن لحسن الحظ هناك بعض المدافعين عن البيئة والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على تحويل أراضي النفايات إلى غابات خضراء مورقة.
- قصة مماثلة من مكان قريب
كانت هناك منطقة مهجورة ومهملة على مساحة أربعة أفدنة بمنطقة فاسانت فيهار بالعاصمة دلهي، واليوم باتت حديقة غنّاء. يطلق عليها «أيرشيد» وهي منطقة خضراء خصبة تضم أكثر من 300 نوع من النباتات ونحو 10 آلاف شجرة من أشجار الفاكهة المحلية والأعشاب والشجيرات والنباتات والورود العبقة ونباتات التخلص من سموم الهواء وكذلك الخضراوات.
بدأ كل شيء عام 2007 على يد فيلميدنا جاها (30 عاماً) التي أسست جمعية «سويتشا أنديا» غير الحكومية التي تتخذ من المدينة مقراً لها، لتجعل من هذه المنطقة رئة للتنفس. تظهر الآن خرائط «غوغل إيرث» المصورة متنزه «أيرشيد» وقد أصبح غابة وليدة، ليس بسبب زيادة في كثافة اللون الأخضر فحسب، لكن أيضا بفضل تحسن جودة الهواء في المنطقة، ناهيك بانخفاض درجة الحرارة في المنطقة بمقدار ثلاث إلى أربع درجات مقارنة بباقي أنحاء المدينة، وذلك بفضل الغابة وما تحويه من أشجار تمنح السكان الظل.
يضم متنزه «أيرشيد» الأخضر أيضاً حديقة للفراشات ومزرعة للخضراوات ومتنزهاً لراحة البستانيين والسائقين وغيرهم من العمال في الحي، ومساراً بطول 400 متر.
بالمتنزه حفرة للسماد حيث يجري فيها تحويل الأوراق الميتة إلى سماد عضوي كل شهر لتغذية النباتات يتراوح وزن محتواها ما بين 400 و500 كيلوغرام. ولغرس هذه الأعداد الكبيرة من الأشجار، يتبني متطوعون حملتين تحملان اسمي «مانسون وودنغ» و«فلمندو» لغرس ما بين 5000 إلى 10.000 شجرة كل عام.
بالمنطقة حملة أخرى يُطلق عليها «حملة أهدي شجرة» بدأت عام 2012 وتهدف إلى غرس مليار شجرة بمختلف مناطق البلاد. وعلى المنوال نفسه، قام شخص يدعي أناند كول بوشان بتبني حملة مشابهة تهدف إلى غرس ما يقرب من مليار شجرة في الهند.
يتساءل الشاب البالغ من العمر 42 عاماً: «ماذا نعطي لأجيالنا المقبلة؟ يجري استيراد الأقنعة من دول مثل كوريا لمكافحة التلوث، لكن لماذا لا نعطي أطفالنا أسطوانات الأكسجين الطبيعية... أقصد الأشجار؟».
يُعتبر بلبير سنغ سيشوال أحد أشهر علماء البيئة المعروفين، ويُعرف أيضاً باسم إيكو بابا، وقد ظهر في مجلة «تايم» تحت عنوان «أبطال البيئة». في عام 2000، قرر بلبير سنغ القيام بشيء ما بشأن النفايات المنزلية والصناعية التي كادت تقضي على نهر «كالي بين» الذي يُعد أحد روافد نهر «بيس أوف بنجاب» الذي يبلغ طوله 160 كيلومتراً. يعتبره كثيرون في البلاد مقدساً، ورغم ذلك تحول إلى مصرف للتخلص من النفايات. جفّت بعض أجزاء النهر، مما أدى إلى حدوث مشاكل مائية هائلة في المزارع المجاورة، واستغرق الأمر من سيشوال البالغ من العمر 57 عاماً العمل خدمة تطوعية طيلة 16 عاماً لتجديد شباب النهر.
عمل الفريق أيضاً على تجميل ضفة النهر بالأشجار، وأنشأ حضانة للغابات تقوم بتوزيع 100.000 شتلة كل عام. ولذلك فقد تحولت كثير من مكبات النفايات في مختلف أنحاء الهند إلى مناطق خضراء ناجحة بعد مبادرة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي أطلق عليها «الهند النظيفة».
اختيرت مدينة إندور أنظف مدينة في الهند عام 2019. وجرت إزالة أكثر من 1.5 مليون طن من القمامة لإنشاء غابة.
واجهت مدينة ترونفالي بجنوب الهند مأزقاً مماثلاً، وأطلقت السلطات شرارة لتحويل مكب القمامة إلى حديقة صديقه للبيئة. قصة مماثلة جاءت من منطقة بنغالورو حيث جرى تحويل مكب النفايات إلى غابة خضراء في غضون خمسة أشهر فقط.
وفي الإطار ذاته، قال درغيش أغرهاري، المسؤول بجمعية «قل أشجار» غير الحكومية: «نحن نحاول إنشاء غابات تتطور بوتيرة أسرع من التنمية».
القصة لم تنتهِ هنا، فمتنزه ماهيم الطبيعي في مومباي، الذي يضم اليوم 18.000 شجرة ومجموعة كبيرة من الحيوانات البرية، كان في السابق ساحة للقمامة يجري فيها إغراق المدينة بمئات الأطنان من القمامة يومياً.
اليوم يتردد على الحديقة التي تضم 14000 نوع من النباتات و120 نوعاً من الطيور وأكثر من 75 نوعاً من الفراشات، وأكثر من 30 نوعاً من العناكب، وعدداً كبيراً من الزواحف، ما يزيد على 150.000 زائر يرونها رئة خضراء في مدينة مومباي ذات الكثافة السكانية العالية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».