مهرجانات السينما مثل نجومها الفاتنات. هذا يصعد وهذا ينزوي. هذا ينتقل من صف خلفي إلى الصدارة وآخر يتقهقر. هذا يبقى شاباً بعمليات تجميل أو من دونها، وذاك يشيخ ويمر فوق ضباب النسيان.
مهرجان «كارلوڤي ڤاري» السنوي كان في الأصل سنيداً للبطل الكامن في العاصمة السوفياتية في السبعينات. مهرجان موسكو السينمائي الدولي كان يقام كل عامين بالتناوب مع «كارلوڤي ڤاري». كان مثل الأب وابنه. عندما انهارت المنظومة الشيوعية وتم إيجاد حل سلمي لدولة تشكوسلوڤاكيا فتم تقسيمها إلى «تشك» «سلوڤاكيا» (من دون هدر نقطة دم واحدة) صعد «كارلوڤي ڤاري» إلى المكانة الدولية التي يحتلها اليوم بجدارة.
«موسكو» ما زال يقع، لكنه هو الذي أصبح سنيد البطل، كما في أفلام الأكشن. يُقال إن السبب يكمن في البيروقراطية التي تحكمه والميزانية التي لا تدفعه قدماً وانخفاض مستوى الطموح. ثلاثة عناصر لا وجود لها في المهرجان التشيكي. في السادس من هذا الشهر انتهت الدورة الرابعة والخمسين التي كانت انطلقت في الثامن والعشرين من يونيو (حزيران). بذلك هو أول مهرجان سينمائي كبير يبدأ مهرجانات النصف الثاني من العام، تلك التي تضم لوكارنو (سويسرا) وفينيسيا (إيطاليا) وسان سابستيان (إسبانيا) وتورونتو (كندا) ولندن (بريطانيا) بين أخرى. كما هو متوقع من مهرجان أساسي انشغلت شاشاته، وبينها الشاشة الكبرى التابعة لفندق «ثرمال»، بخليط كبير من الأفلام الجديدة في عروضها العالمية الأولى إلى جانب أفلام قديمة («الإسكندرية ليه» ليوسف شاهين كان هناك).
التالي خمسة أفلام برزت خلال تلك العروض المتسابقة المنقسمة بين ما هو درامي وتسجيلي. بعض هذه الأفلام خرجت بجوائز وزعتها لجنة تحكيم ضمّت إليها المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر.
Let There Be Light
«ليكن هناك نور» | ماركو شكوب (سلوڤاكيا)
هذا الفيلم الذي نال ممثله الأول ميلان أوندريك جائزة أفضل تمثيل رجالي يحيط ببيئة متغايرة تشهدها بلدة صغيرة خلال غياب بطل الفيلم عنها. فيلم المخرج شكوب (الآتي من السينما التسجيلية سابقاً) يدور حول رجل يعود إلى بلدته بعدما عمل لفترة في ألمانيا ليجدها قد تغيرت على نحو طارئ. باتت أكثر انعزالاً وميلاً نحو التدين اليميني بفضل كنيسة باتت أكثر نشاطاً وحزب يميني أكثر تطرفاً.
يستوحي الفيلم من الحاضر ما يكفيه من زاد، لكنه يضع مسافة بينه وبين الموضوع عوض إبداء الرأي فيما يتولى قوله.
Lara
«لارا» | جان - أول غرستر (ألمانيا)
للمخرج غرستر فيلم سابق حققه قبل سبع سنوات بعنوان Oh Boy قدّمه إلى جمهور ما زال يتوقع منه عملاً يضاهي ذلك الفيلم. «لارا» لا يفعل ذلك، لكنه لا يخيب الأمل كثيراً أيضاً. موضوعه صعب ومعبّـر عنه جيداً. بطولته للممثلة الألمانية كورينا حرفوش التي تؤدي دور امرأة في الستين من عمرها. تفاجئنا في مطلع الفيلم بأنها ستنتحر. لن يوفر لنا المخرج سبباً واضحاً لقرارها ذاك، لكنه سيروي كيف أنها وهبت سنوات حياتها للاعتناء بابنها الشاب (توم شيلينغ الذي لعب بطولة «أوه بوي») وتهيئته للنجاح في مهنة موسيقية تستحق موهبته. في يوم عيد ميلادها سوف يقدّم على المسرح حفلاً كبيراً وهي تريد للمناسبة النجاح. تشتري بطاقات وتوزعها على معارفها، وفي خضم ذلك تتكشف بعض ظلمات حياتها ووضعها الحاضر. فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.
The Father
«الأب» | كستينا غروزيفا | بيتر فالشانوف (بلغاريا)
ذهبت الجائزة الأولى لهذا الفيلم الاجتماعي الذي يقفز حبل الدراما وحبل الكوميديا الساخرة معاً. إنه عن العلاقة غير الإيجابية بين أب وابنه. الأب فنان مثقف والابن هو رجل أعمال يعود من صوفيا إلى القرية لحضور تأبين والدته ويصل متأخراً وما يلبث أن يرن هاتفه الجوّال. إذ ينطلق الفيلم من هذه المقدمة يصبح لزاماً قيام الفيلم بالبحث عن مسببات فتور العلاقة بين الأب وابنه. موضوع مطروق يلعب في مسرح الكشف عن المسببات وما ستؤول إليه العلاقة بين الاثنين بعد مواجهات مثيرة للاهتمام، لكنها متوقعة في معظم الأحيان رغم مفاجآت وعمق محاولة رصف تلك العلاقة.
Oleg
«أوليغ» | جوريس كورسييتس (لاتفيا)
هذا الفيلم الذي عرضناه هنا مفصلاً في الأسبوع الماضي يستحق التقديم هنا مجدداً من زاوية أخرى. إذ يحمل في معالجته أسلوباً جامعاً لأسلوب البريطاني كن لوتش والأخوين البلجيكيين جان - لوك وبيير داردن، كان عرض في مهرجان «كان» الأخير. تقدّم إلى لجنة الاختيار بحثاً عن مكان له وسط الأفلام المتسابقة في القسم الرئيسي. لكن الفيلم لم يكن مدرجاً على لوائح شركات التوزيع التي عادة ما تدفع بأفلامها إلى الصدارة، كما كان حال فيلم الأخوين البلجيكيين اللذين قدما «الفتى أحمد». النتيجة أن «الفتى أحمد» الذي يعاني من فقدان الأهمية فنياً دخل المسابقة، و«أوليغ» الذي يتجاوزه في الحرفة والنجاح في توفير معطيات شخصيته بقي خارجها.
Spoon
«ملعقة» | ليلى باكالنينا (لاتفيا- نرويج)
فيلم تسجيلي عن مصنع لملاعق البلاستيك. لن تعتقد أن هذا الموضوع جذّاب بما يكفي لتمضية ساعة ونصف الساعة في متابعته، لكنه يثير بالفعل قدراً كبيراً من الاهتمام، ولو أن هذا الاهتمام يبدأ من نقطة عالية، ثم يهبط منها تدريجياً.
يلتقط الخيط قبل نهايته ويرتفع مجدداً مكوّناً حالة من السخرية من موضوع يتطرق إلى العمل بحد ذاته والبيئة الصحية التي تحيط به والعمل الذي يشترك فيه الرجال والنساء. كل هذا بالأبيض والأسود ومن دون حوار. يلتقط المخرج أشياء الحياة المعنية بصناعة تبدو لنا غير قابلة للتفكير بها ويتسنى للمخرجة تكوين رصدها الصامت هذا بقدر من السخرية والنقد.