هبوط أكبر من المتوقع لمخزونات النفط الأميركية يشعل الأسواق

«برنت» و«تكساس» يقفزان 3 %... وكريدي سويس يرفع تقديراته في 2019

ارتفعت أسعار النفط أمس أكثر من 3 في المائة على وقع تقارير تشير إلى هبوط أكثر من المتوقع للمخزونات الأميركية (رويترز)
ارتفعت أسعار النفط أمس أكثر من 3 في المائة على وقع تقارير تشير إلى هبوط أكثر من المتوقع للمخزونات الأميركية (رويترز)
TT

هبوط أكبر من المتوقع لمخزونات النفط الأميركية يشعل الأسواق

ارتفعت أسعار النفط أمس أكثر من 3 في المائة على وقع تقارير تشير إلى هبوط أكثر من المتوقع للمخزونات الأميركية (رويترز)
ارتفعت أسعار النفط أمس أكثر من 3 في المائة على وقع تقارير تشير إلى هبوط أكثر من المتوقع للمخزونات الأميركية (رويترز)

بعد ساعات قليلة من إشارة إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها عن آفاق الطاقة في الأمد القصير إلى أن إنتاج النفط الخام بالولايات المتحدة سيرتفع لأعلى مستوياته على الإطلاق عند 12.36 مليون برميل يومياً في 2019، من مستوى قياسي مرتفع بلغ 10.96 مليون برميل يومياً في العام الماضي.. قالت الإدارة، أمس (الأربعاء)، إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة تراجعت 9.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 5 يوليو (تموز)، مقابل توقعات محللين بهبوط قدره 3.1 مليون برميل فقط.
وقالت إدارة معلومات الطاقة إن مخزونات النفط في مركز كاشينغ لتسليم العقود الآجلة بأوكلاهوما انخفضت 310 آلاف برميل يومياً. وأظهرت بيانات الإدارة أن استهلاك مصافي التكرير من النفط الخام ارتفع 148 ألف برميل يومياً، بينما زاد معدل تشغيل المصافي 0.5 نقطة مئوية.
وانخفضت مخزونات البنزين 1.5 مليون برميل، مقابل توقعات محللين في استطلاع لـ«رويترز» بتراجع قدره 1.3 مليون برميل. وأظهرت البيانات أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ارتفعت 3.7 مليون برميل، مقابل توقعات بزيادة قدرها 739 ألف برميل.
وانخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي 341 ألف برميل يومياً إلى 4.25 مليون برميل يومياً. وقال تقرير إدارة معلومات الطاقة إن إنتاج النفط الأميركي ارتفع الأسبوع الماضي بمقدار 100 ألف برميل يومياً إلى 12.3 مليون
برميل يومياً.
وكانت بيانات معهد البترول الأميركي أظهرت الثلاثاء، أن مخزونات النفط الخام هبطت 8.1 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 5 يوليو إلى 461.6 مليون برميل، مقارنة مع توقعات المحللين لانخفاض قدره 3.1 مليون برميل فقط.
ومع توالي نشر البيانات، قفزت أسعار النفط في الأسواق، خاصة مع بحث المستثمرين عن أدلة على أن الزيادة السريعة في الإنتاج الأميركي يجري استهلاكها. وبحلول الساعة 15:50 بتوقيت غرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.94 دولار، بما يعادل 3.35 في المائة إلى 59.77 دولار للبرميل. وزاد سعر خام القياس العالمي برنت 2.24 دولار، أو 3.49 في المائة، إلى 66.40 دولار للبرميل.
وارتفع الخام الأميركي و«برنت» منذ بداية العام، في الوقت الذي تقلص فيه منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجون كبار مثل روسيا الإنتاج لتعزيز الأسعار، لكن التوترات التجارية تثير المخاوف من ضعف في الطلب، وتتسبب من آنٍ لآخر في تذبذب الأسعار.
وفي غضون ذلك، رفع بنك كريدي سويس السويسري، تقديراته لمتوسط سعر النفط الخام للعام الحالي، متوقعاً أن تقل الإمدادات العالمية في النصف الثاني من العام 2019.
وقال البنك في مذكرة بتاريخ 9 يوليو الحالي، نشرتها «رويترز» أمس: «مع تمديد اتفاق إنتاج (أوبك+) نرى الآن نقصاً في الإمدادات بالأسواق العالمية، يقارب 0.8 مليون برميل يومياً، ونحو 0.4 مليون برميل يومياً في الربعين الثالث والرابع». ورفع توقعات سعر النفط بواقع دولار، ليبلغ متوسط سعر خام برنت العام الحالي 68 دولاراً للبرميل، وسعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 59 دولاراً.
وخفض البنك التوقعات لسعر برنت في العام المقبل، بواقع دولارين، إلى 65 دولاراً للبرميل، وقال إن زيادة المخزونات العالمية ستحد من صعود الأسعار في العام المقبل. في حين أبقى على توقعاته للخام الأميركي عند 57 دولاراً.
وبدوره، قال وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، أمس (الأربعاء)، إن اتفاق «أوبك» وحلفائها على تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية مارس (آذار) 2020 سيقلص المخزونات ويساعد على تحقيق الاستقرار بالسوق ويعالج تقلبات الأسعار.
وقال الغضبان، رداً على سؤال عن موقف «أوبك» بشأن الأسعار، إن التوجه العام هو أن 70 دولاراً للبرميل أو أكثر هو سعر مقبول، مضيفاً أن المنظمة تسعى لأسعار عادلة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء. وسعر خام برنت حالياً يقارب 65 دولاراً للبرميل.
واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجون حلفاء بقيادة روسيا في وقت سابق من الشهر الحالي على تمديد تخفيضات إنتاج النفط، في مسعى لدعم أسعار الخام، مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وارتفاع الإنتاج الأميركي.
وقال الوزير، على هامش مؤتمر للطاقة، في بغداد، إن العراق يأمل أن «تبقى حرية الملاحة في مضيق هرمز من دون انقطاع وسالكة». وأضاف: «يمر كل يوم من خلال المضيق ما لا يقل عن نحو 18 مليون برميل... المنطقة تحتاج إلى أن تبقى مستقرة».



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.