مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى... فسحة فرح جديدة وسط تعقيدات الحياة

فعالياته حطّت رحالها في عدد من المدن

إحدى فعاليات المهرجان في مدينة غزة (الشرق الأوسط)
إحدى فعاليات المهرجان في مدينة غزة (الشرق الأوسط)
TT

مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى... فسحة فرح جديدة وسط تعقيدات الحياة

إحدى فعاليات المهرجان في مدينة غزة (الشرق الأوسط)
إحدى فعاليات المهرجان في مدينة غزة (الشرق الأوسط)

على وقع أنغام موسيقيّة تراثية وأخرى عالمية، أدت مجموعة من الفرق الفنية الشعبية عروضاً غنائية واستعراضية مختلفة، شارك فيها عشرات الموهوبين الفلسطينيين والعالميين الذين يجيدون أداء أنماط فلكورية منوعة، في ليالٍ متعددة عاش فيها أهالي المدن الفلسطينية التي تعاني من الإجراءات الإسرائيلية العنصرية، أجواء الفرح والبهجة.
تلك العروض التي جاءت ضمن فعاليات الدورة العشرين لمهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى، الذي تنظمه مجموعة من المؤسسات الفلسطينية، انطلقت من مدينة الناصرة المحتلة، يوم 25 يونيو (حزيران) المنصرم، وامتدت بعد ذلك في أوقاتٍ تالية لمدن أخرى، مثل غزة، وجنين، والقدس، ورام الله.
«يحاول المهرجان من خلال فعالياته بث روح الأمل والتفاؤل في قلوب الفلسطينيين، ويسعى للتأكيد على وحدة الهوية الفنية للمدن الفلسطينية، التي لطالما تفرقت بفعل ظروف الاحتلال والسياسة»، يقول مدير المهرجان بمدينة جنين، لؤي طافش، في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنّ المهرجان هذا العام يحاول إحياء التراث الثقافي الفلسطيني الذي يمثل شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية.
ويوضح أنّ أهمية المهرجان وديمومة انعقاده بهذه الصورة شبه الدائمة، تتلخص في أنّها تأتى في وقتٍ يضعف فيه الاهتمام بالموسيقى والفنون بشكلٍ عام، بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الناس، منوها إلى أنّ المهرجان حمل هذا العام اسم «فلسطين التي نحب»، وهي محاولة «لإطلاق العنان للخيال نحو فضاء مفتوح، نرسم من خلاله على جدران القلوب صوراً متعددة للوطن فلسطين، الذي يواجه في هذه الأوقات تحدياتٍ على المستويات كافّة».
المشاركة الفاعلة للفرق الفنية التي يحمل أفرادها جنسيات عربية وعالمية، تعكس صورة التضامن الشعبي الواسع الذي تحظى به القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، بحسب ما أردف طافش، مبيّناً أنّ نجاح فعاليات المهرجان ورضا الجمهور هو حافزهم الأقوى للاستمرار في تأكيد الهوية الثقافية والفنية الوطنية بالسنوات القادمة.
وسط مدينة غزة، أَمّ الناس ليالي المهرجان التي عقدت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وشاركت في إحيائها عدّة فرق فنية، وأحاطوا المسرح الكبير الذي تزين بديكورات عصرية وإضاءات ملونة زاهية، ليستمتعوا بعروض الدبكة الشعبية والألحان التراثية والاستعراضات الكشفية، ويطلقوا عنان الفرح لقلوبهم التي سئمت الحرب والسياسة.
على جانبي المسرح، اصطفت مجموعة من الجمهور الحاضرين، تفاعلوا مع الفرق الاستعراضية، وشكلوا بعفوية فريقاً متصلاً حاول تقليد العروض المقدمة. يقول حسن الشوبكي (17 عاماً): «الحياة في غزة مليئة بالمآسي، ونحن لا نعيش الفرح إلا قليلاً، وهذا المهرجان هو فرصة نادرة لنشعر بالحياة»، منبهاً إلى أنّه للعام الثاني على التوالي يحضر فعاليات هذا المهرجان برفقة عائلته التي أضحت تنتظر لياليه بشغفٍ شديد.
في زاوية أخرى، كانت إيمان منصور (30 عاماً) ترفع طفلتها الصغيرة التي تبلغ من العمر 4 أعوام، تميلها على أنغام الأغنيات التراثية، وتطيرها في الهواء بين حينٍ وآخر، لتطلق الصغيرة ضحكاتٍ من القلب، تقهر فيها وجع أيامٍ طويلة عانت فيها من مرض السرطان، الذي لا تتوفر في قطاع غزة العناية الطبية اللازمة للمصابين به.
تتحدث الأم لمراسل «الشرق الأوسط»: «هذه العروض البسيطة هي الأصل في حياتنا. الشعب الفلسطيني لا يستحق إلا الفرح، ولا تليق به إلا حياة نابضة بمعاني الأمل»، لافتة إلى أنّ طفلتها التي بين يديها قضت أكثر من نصف عمرها على أسرّة المرض في المستشفيات، ولم تخرج منها إلا قبل أسبوعين، وهذه الضحكات العالية، ما هي إلا إعلان حياة جديدة، واحتفالاً بفرح التعافي الأولي من المرض.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».